اعتبر كثير من المختصين بعلم الاجتماع وتاريخ القارة الافريقية ان "الفولان يعدون اكبر الالغاز فى الغرب الاطلسى بأفريقيا حيث ظلوا فى قلب عملية " الاسلام الطُهرى" فى القرن التاسع عشر ( Hatch.1970). ومنذ القرن العاشر الميلادى بدءوا بالانتقال من مهجرهم فى هضبة فوتا- جّلون بوسط غينيا والتى ظلت مرعى لبقرهم ؛ رويدا رويدا صوب اراض الهوسا ؛ حيث عرفت هضبة فوتا جّلون بأرض العقيدة والحرية والامواه والفاكهة. وكان سكان المنطقة الاصليين شعب السوسو والتى ظلت تحت مملكة السوننكى والتى هى جزء من مملكة غانا القديمة ؛ والتى تعرضت لغزو الموحدين فى عام 1076. ومن هناك توجهوا إلى شرقى بحيرة تشاد حتى السودان ( Johnston.1967.24) . والفولان " هم اهل قصة إمارات القرن التاسع عشر ، واهل الجهاد حيث قاموا بتنقية الاسلام من الشوائب فى غرب افريقيا ". (Monad, 1975, Stenning 1959, 1966). وعرف الفولان بإنهم من اميز شعوب القارة الافريقية اذ يضمون اعدادا كبيرة من العلماء المختصين بالقرآن الكريم والشريعة الاسلامية وممن تصدى لتدريس الشريعة والسنة النبوية او الدعوة لها ؛ فهم متسنيين على نهج اهل السنة على المذهب المالكى ( Lewis, 1966) " .
كما عرفوا بالتمسك الشديد بالدين الاسلامى حيث كان فقهاء "التروبى" يمارسون مهمة تدريس القرءآن والسنة متجولين مع ظعائن رعاة الابقار ثم يختمون بالحج الى بيت الله الحرام. ولقد اسبغوا رعاية خاصة على كتبهم التى تعد كنوزا لا تثّمن. فهم قادرون على تلاوة القرءآن باكمله بالعربية ويحفظون عن ظهر قلب كل كتاب يقع بين ايديهم وهم يقضون السنوات العديدات فى سبيل التعلم ويجالسون العلماء. وكان اقل العلماء وسطهم يتحدث بثلاث لغات العربية والهوسوية والفولفلدية " (Last.1967).
ويروى الرحالة الشهير بارت عن لقائه شيخا كبيرا وضريرا من الفولان عام 1852 بمنطقة باغرمى (تشاد حاليا) أسمه سمبو. فقال بارت " لم اكن اتوقع قط ان أجد فى هذا الموقع النائى رجلا ليس متضلعا فقط فى كافة فروع الأدب العربى بل قرأ أيضا بل يقتنى مخطوطة من اجزاء حول ارسطو وافلاطون مترجمة الى العربية وذو معرفة تامة بالبلدان التى زارها ... هذا الرجل قد درس سنوات عديدة بالازهر فى مصروزبيد باليمن واشتهر بمعرفة علم اللوغريثمات من بغداد إلى الأندلس Barth.1857.111.373) " ، ويثبت الامام المهدى فى كتابه الى الشيخ حياة بن سعيد بن عثمان بن فودى مقام العلمية التى تميز بها علماء وفقهاء الفولان وفضل وتمكين الامة الفولانية ؛ ويقول فى كتابه ذلك " ... وما ذلك الا ان المؤمن ينظر بنور الله تعالى سيما انتم اهل لذلك لكونكم من اهل اليقين الذى هو الايمان كله ومن علماء الآخرة المتقين الذين أختارهم الله واصطفاهم لنفسه وجعل فى قلوبهم سراجا من نور قدسه ومكنهم فى الارض واسترعاهم على كافة خلقه " (ص 7 الخطابات المتبادلة بين الامام المهدى والشيخ حياتو) .
الشتات الفولانى:
انتشرت شعوب الفولان منذ اكثر من الف وثلاثمائة عام من نقطة انطلاق بجنوبى موريتانيا الحالية إلى شرقى الاطلنطى بفوتا- تورو (تمتد على طول الوادى الاوسط بالسنغال من منطقة باكيل إلى اعالى النهر حتى اسافل الدلتا وهى اشبه بواحة بين المنطقة شبه الصحراوية بشمال موريتانيا ومنطقة فيرلو الجافة جنوبا ) ؛ وفوتا- جالون (غينيا) وغامبيا. ثم ارتحلت افخاذ وجماعات كبيرة منهم بعد إقامة دامت هناك مئات السنين الى ماسينا والنيجر ومالى ثم شمالى نايجيريا - قبل ان تتخذ اسمها الحالى الذى وضعه الانجليز عام 1903. ويقيم اليوم شعوب وافخاذ الفولان فى شتات وأقليات مشدودة نحو الشرق ؛ فى كل من دول غينيا ؛ غينيا - بيساو ؛ غامبيا ؛ السنغال ؛ مالى ؛ بوركينا فا سو ؛ سير اليون ؛ ليبيريا ؛ ساحل العاج غانا ؛ توغو ؛ موريتانيا ؛ النيجر ؛ الكميرون ؛ نيجيريا ؛ افريقيا الوسطى ؛ شاد ؛ السودان ؛ جنوب ليبيا ؛ جنوب الجزائر ارتريا ؛ اثيوبيا ؛ السعودية واليمن. ولما يزل سلطانهم السياسى فى دست السلطة والحكم ونفوذهم الفكرى والأدبى والاقتصادى فعالا الى اليوم فى معظم بلدان الغرب الافريقى ؛ بل هم يشكلون نسبة كبيرة من الثقل الديمغرافى فى بعض من تلك البلدان.
ورغم ان الفولان قد شيّدوا إمبراطورية إسلامية واضحوا حكاما يشار إليهم بالبنان إلا انهم يعيشون كغرباء فى غربى الاطلنطى على حد قول الباحثين ؛ حيث قدرت موسوعة إنكارتا الصادرة فى عام 1999 ان عدد المتحدثين بلغة الفلفولدى يبلغ ما بين 15-20 مليون ؛ فيما قدر عدد الفولانيين بنايجيريا وحدها حوالى 20 مليون نسمة. والمتحدثون بلسانهم قرابة الثلاثين مليونا حيث اصبحت لغة الفولفلدى فى وقت ما اشبه ب " لينغوا فرانكا " فى غربى أفريقيا. ولقد سعى جمع من المؤرخين وعلماء الاجتماع والاناسة والرّحالة الغربيين من اجل التوصل الى اصل الفولان بعد ان جزموا بإنهم ليسوا افارقة بالاصل ؛ فوصلوا إلى شتيت الرؤى حول ذلك الاصل المجهول لديهم والمعروف لدى اهله ..
وكان دور الفولان رئيسا فى غرب الاطلنطنى بقارة افريقيا الموقع الذى تجمهروا فيه مرابطين بعد وصول طلائعهم الاولى من الموقع الذى وصفوه " الشرق ...حيث المياه العظيمة " فى تاريخ اختلفت المصادر فى تحديده. ولقد أحاط الغموض على مدى اكثر من الف عام بإصل الفولان الحقيق من بين سائر الامم حيث تميزهم بسمات خلقية وخلقية أكسبتهم خصوصية اثنية ومنظومة سلوك متسم بالفرادة مضاهاة بجيرانهم من شعوب القارة الافريقية ؛ ولقد أدى ذلك إلى وصفهم بكثرة التسميات التى عدها الراحل العلامة بروفسور عبدالله الطيب بإنها دلالة على شرف المسمى .
والمتفحص لاشكال شعوب الفولان يجد موزاييك الالوان (الباليت) المختلفة فهم اما بادية صفر الالوان او حمر بلون الطوب الاحمر على حد قول بوركهارت او بيض فى الاصل القديم الذى احاطت به التخرصات والمظان الاثنولوجية ؛ او وسطيو السمرة او حالكو السواد. وهذا الباليت لا يجتمع إلا لشعب او قبيل كبير يعقد عرى المصاهرة ويبسط علائق الاممية ويمتزج فى بوتقته الايدولوجية وحواملها الثقافية قبائل اخرى. ولذلك اختلف الباحثون حولهم تارة هم ساميون وتارة اخرى هم حاميون وفيهم البيض مثل الوان البربر. ولقد انشطر ت رؤى الباحثين حول التاريخية الفولانية فمنهم من ردها إلى تاريخ بعيد فى القدم ومنهم من ذهب الى ردها الى تاريخ متأخر فى القرن الثانى عشر الميلادى ويبدو ان التاريخ المتأخر نتج عن تحركهم الجماعى من غينيا صوب مالى والنيجر ونايجيرا واقامتهم فى منطقة ماسنا .
ان الدراسات المتعلقة بأصل الفولان على كثرتها لم تعقد مقاربة منهجية تؤسس لتجذير الفرضيات حول اصلهم العتيق بل كانت اما انطباعات عابرة لرحالة اوربيين وإن تخرجوا من جامعات غربية مرموقة ؛ او لفرضيات لم تحظ بالتحقيق والاستقصاء العلمى الرصين . ومن منظور مناهض للمقاربة الكولونيالية لعلم الاجتماع الغربى ينتقد بروفسور فايج - وهو احد اكبر المراجع فى التاريخ الافريقى- فى كتابه (تاريخ افريقيا) الاطروحات المتعلقة بأصل الفولان وتأرجحها بين "الخيال اوالواقعية ؛ حيث ان قدرا كبيرا من الادبيات المكتوبة حول تاريخ واصل الفولان لجأت الى إعطاء الفولان اصلا ابيضا تماهيا مع الدور الذى لعبه بناة الامبراطوريات من وجهة النظر الكولونيالية. اما الروايات المتأثرة بالاسلام فهى تفترض اصلا عربيا يمكن ان يكون يمنيا وان لم يكن من اليمن فإنهم ينحدرون من آل الرسول بالأخص.
واما ديلافوس فاعتقد بأنهم ربما كانوا ما اطلق عليهم المتهودين العرب او العرب-المتهودةJudeo-Arabs(ص 486 ). وبعض علماء الاجتماع تأسيسا على أساطير الفولان التى حددت مهدهم الاول بالشرق؛ زعموا بإن الفولان نتاج إختلاط بين اليهود والافارقة وقالوا بإن الفولان هم سلالة من يهود مصر هاجروا إبان العهد الرومانى فرارا من الاضطهاد دون توضيح فى اى عهد من العهد الروماني الالفي .
فمثلا يرى الفرنسى ديلافوس بإن الفولانيين ينحدرون من عرب ويهود سريان ؛ وزعم آخرون انهم ماليزيين اوهنود ا او فرس. واضاف آخرون انهم تحدروا من اصل اثيوبى او بربرى او من الشرق دون تحديد اصل المشرق هذا ...او بولينيزيين من الملايو. ومنهم من قال انهم هكسوس لتشابه الدور الحضارى وسط البيئة الغريبة او مصريين قدامى او فينيقيين لعادة لبس القبعات المحروتة على رؤوس البدو الفولانيين ؛ او عرب وهو الغالب على روايات نسابة الفلانيين . وعدتهم فئة اخرى جنس ابيض دون ان ترده إلى اصل محدد " الفولان جنس ابيض مثلنا " مثل مقالة لابوريه الفرنسى ؛ يعيش تائها فى ادغال القارة الافريقية وفى اطرافها السهلية بشرقى الاطلنطى.
وعقد باحثون المقارنات بين طابع البداوة الفولانية بمثيلاتها الفارسية والعربية والبربرية والرومانية. ووسمهم فريق بردهم إلى الحمأة الأولى الباكرة اى حاميين او ساميين وصلوا إلى افريقيا فى وقت مبكر. ولم يسلم بروفسور فايج نفسه المعروف بأنه احد اوثق المرجعيات فى التاريخ الافريقى من الوقوع فى مطب إغراء الاحتمالات العرقية التى سبقه إليها كثيرون ليقول بشكل طغى عليه الاحتمال " ان الفولان ربما يكونون قد قدموا من منطقة وادى النيل لأ نهم على وجه التحديد يحملون سمات شبه فيزيولوجية بالاثيوبيين او شعوب النيلوطيين بشرق افريقيا ". وان " ما يميز الفولان عن غيرهم من شعوب أفريقيا الغربية التخصص فى رعاية قطعان ابقار معينة وما ارتبط بها من حياة بدوية مستمرة ؛ حيث ادى الارتباط والقرب من الابقار الى تكامل الابقار مع مجتمع الفولانيين فأطلقت اسماء افخاذ الفولان عليها " (ص487).
ويستعجب بروفسور "فايج" كيف تأتى لهؤلاء القوم البدائيين بثقافتهم الاولية والاحيائية الجياشة ان يتحولوا الى محاربين ارستقراطيين ومؤسسين للامبراطوريات بالسيف فى يد والقرءآن فى اليد الاخرى؟ ولكيلا اطيل المشهد النقدى لتلك الفرضيات التى اختتمناها بإ ستغراب احد اكبر اساتذة تاريخ القارة الافريقية ؛ نتركها عند ذلك الحد ونتناول البعض منها بالتوضيح.
ويشير بايول إلى الملاحظة التاريخية حول الفلان التى ذكرها موريس ديلافوس المستشرق والمؤرخ الفرنسى (1870-1926م) وهى ان " الروايات الصادرة عن المسلمين تنسبهم فى الأصل إلى صاحبى الرسول (ص) الخليفة عثمان بن عفان والامام على بن ابى طالب" ؛ حيث ذكر ان الفولان القادمين إلى فوتا- جلون من ماسينا كانوا يتحدثون عن تأريخ مكتوب عنهم باللغة العربية مبديا أسفه ان تلك الوثائق لم تتم ترجمتها. ويقول ديلافوس ان الفولان يزعمون الانتساب إلى شعب ابيض وانهم جاءوا من الشرق. وانه اثناء اقامته وسط قبائل الفولان صعب عليه التوصل الى الحقيقة ؛ ولم يستطع ترجمة الوثائق المختلفة المكتوبة بالعربية التى ذكرت بشىء من الدقة والتفصيل أسماء شيوخهم واعيانهم الطليعيين فى ولايات تيمبو وفوغومبا ؛ والتى اصبح قائدها بالإسا س الزعيم السيادى لدولة فوتا - جلون ( ص 11).
وعلى حد قول ديلافوس ان الرعاة الساميين والفلاحين والحرفيين من حضارة متقدمة جدا ممن لم يتراجع مثل القرطاجيين والاحباش عن الاتجار مع السود وممن حمل لواء الاشعاع الحضارى متمثلا بتطوير حضارتهم إلى كثير من الجماعات فى بلاد السود ...قادمين بابقار الزيبو ..ومساهمين فى نماء سكان الساحل وماسينا والإختلاط مع السكان السود المقيمين فى ذلك الاقليم من قبل ؛ مشكلين على وجه الاحتمال خلية القبائل الرعوية الذين اطلقنا عليهم عبارة بول ويطلقون على انفسهم عبارة - فولبى- ولقد توسعوا فى وقت متأخر نحو الساحل (السهل) وما سينا حتى الاطلنطى من جانب ؛ وإلى ما وراء بحيرة تشاد من جانب آخر. وفى خاتمة المطاف انشأوا فى غربى تمبكتو ، وفى غانا ، دولة ظلوا سادتها لوقت طويل . وما يجدر ذكره ان الدارسين الغربيين قد رصدوا تمسك الفولانيين الشديد بالنقاء العرقى ولكن بعد إعتناقهم الاسلام تحولت عصبية النقاء الاثنى إلى ذلك المعتقد الدينى الجديد . وعن لغز الفولان يورد (H.A.S.Johnston ) فى كتابه: سوكوتو إمبراطورية الفولان الصادر عن دار نشر جامعة اوكسفورد عام 1967 بإن " الفولان يشكلون اكبر لغز فى افريقيا حيث أقاموا فى بلاد السودان لاكثر من الف عام ... وأنهم اكثر ذكاء من بقية شعوب القارة الافريقية ". ويقول ان الفولانيين "ملامحهم تختلف كثيرا عن بقية شعوب السودان مما يجعلهم متحدرين من اصل بمكان آخر بدون ادنى شك ". و يمكن تمييز الفولانيين عن غيرهم من الافارقة. وينتقد " اكثر النظريات رومانسية واقلها رجوحا بتلك القائلة بإنهم إحدى قبائل بنى إسرائيل الضائعة او أنهم احفاد الفيلق الرومانى الذى ضل طريقه فى الصحراء فإنتهى به المطاف إلى غربى القارة الافريقية ".
وتؤكد فرضية جونستون الكلية ان اصل الفولان القديم يوجد بالشرق الأوسط او شمال افريقيا. ثم إتخذوا وجهتهم لاحقا منتشرين صوب القارة الافريقية. وهناك اقاموا لفترة طويلة وتحد ثوا باللغة السائدة وسطهم حاليا. ونظرا لأنه عاش فى غرب السودان يجزم بإن الفرد من الفولان يتميز عادة فى المظهر الجسمانى المثال ؛ بالصفرة النحاسية الفاتحة للبشرة والشعر المسبل او السابغ والأنف الضيق ( الطويل الاقنى) والشفاه الرقيقة بجانب الهيئه النحيفة. وان الفولان وأعمامهم التروبى يتميزون بالذكاء الحاد ويعظّمون العلم والحكمة وبالأخص المسلمين منهم.
ومن الواضح ان الهيئة الجسمانية المفارقة للفولان والتى كثيرا ما اطنب الرحالة والباحثون الاوربيون فى الاشارة إليها بالاضافة إلى مواهبهم العقلية التى على حد جونستون لا يخامرها الشك قد خلقت حسب رأيه مفاهيم كثيرة حول اصل هؤلاء الفولانيين . ويقول ان افضل الوسائل للعثور على الاصل الاثنى للفولان هو اللغة التى صنفها علماء اللغات ضمن اسرة اللغات النيجر- كردوفانية؛ واذا تم إعتبار ان لغة الفولفلدى تنتمى إلى اسرة اللغات الحامية او الافرو- أسيوية فيمكن عندها الاعتقاد بيسر انهم كانوا نتاجا لمصاهرة تمت فى الماضى بين عناصر جاءت من شمال أفريقيا ومجموعات افريقية سوداء.
ولكن يستدرك جونستون بإن المصادر الحديثة تجمع على انه لا توجد بالفعل اية صلة بين لغة الفولان اى الفولفلدى وبين اى واحدة من اللغات المدرجة فى تصنيف اللغات الافرو- أسيوية ؛ بل انها بدون شك تنتمى إلى مجموعة اللغات السودانية او لغات النيجر- كنغو. وتأسيسا على ذلك يورد بإن الفولان اما ان يكون اصلهم فى الطرف الغربى الاقصى من السودان او تخلوا اثناء إقامتهم هناك عن لغة ام سابقة لقاء اللغة الجديدة الحالية. ونظرا لأن الفولانيين ميالون إلى تغيير لغتهم بجانب التباين الكبير فى ملامحهم الجسمانية مقارنة مع ميزاتهم ؛ فإن جونستون يرجح الفرضية الثانية بإنها الاقرب إحتمالا. ويقول ان إسم العلم عقبة الوارد فى روايات الفولان هو عقبة بن نافع الفهرى قائد الفتح الاسلامى العربى بشمال افريقيا اواسط القرن السابع الميلادى. ولذا يرى ان باجو- منغو الجدة التى تزوجها عقبة يعود أصلها إلى فلسطين مما يؤكد ان اصل الفولان يوجد بالشرق الاوسط .
التنسيب الاسطورى واللسان الغريب:
بلغت هجرة شعوب الفولان صوب الشرق من مواقع الظهور الاول بشرقى الاطلنطى ؛ حتى حوض شاد ودارفور حوالى القرن الثالث عشر الميلادى نظرا لوفرة المياه والمراعى ولوجود مجموعات رعوية بالمنطقة تمارس حرفة رعى الابقار من بينها عرب الشوا الذين جاءوا إلى سهول غرب شاد فى القرن الثامن عشر حسب الدراسة التى اجراها اولريخ براوكامبر(ص 92؛ . (اولريخ براوكامبر ؛ . معهد فروبينيوس –فرانكفورت : The cow emerges from the water : Myths relating to the origin of cattle in the Chad basin 1990 -1993 ؛ ويشير الباحث إلى ان عرب الشوا يؤمنون بإسطورة " البقر البرمائي" الواردة فى سياق التراث الشفاهى او القصص القومى للفولان الذين وصلوا إلى المنطقة قبلهم والذى يمكن ادراجه ضمن دائرة تراث الاساطير الا تيولوجية ؛ حيث يدور محور الاسطورة حول كائن على شكل روح مائى - جن- حبلت منه إمرأة تدعى " با جو منغا " ليصبح الجد الاعلى لفرع البرورو الفولانى (ص 193 ).
ان اساطير تربط بين البقر ليست حصرا بالتراث الخرافى للفولان ولكن فى مصر القديمة كان العجل آبيس يمثل تجسيدا لبتاح– نا- بتاه ؛ اله النيل. والفولان باعتبارهم من الشعوب التى تختص بشدة الارتباط بالبقر ورعيه وبالاخص فخذ - فولبى - نا ء يى ؛ اى البقارة. وظاهرة ارتباط البشر الشديد بالبقر بحيث يصبح البقر الجوهر الرئيس الذى يقوم عليه الدين او الثقافة بحيث تصل مرتبة الحيوان إلى الشراكة مع الانس تناولها توكسير واسماها " بولاترى. وان الاسطورة الجوهرية لدى "الفولبى" رعاة ام حضرا تشير إلى جدة اعلى بإسم باجو منغا– باجيمونغو ولكنهم تحدروا من علاة اى آباء مختلفين.
اللسان الغريب:
اما ( Stenning.1959) فيذكر فى كتابه المشار إليه المحايثة الاسطورية الملتبسة بالاصل الفولانى القديم حيث يورد إن احدى الروايات المتعلقة بالاصل الاسطورى للفولان تذكر ان عربيا مسلما يدعى عقبة تزوج امرأة سودانية اسمها با جو– مانغا. وفى ذات يوم تركت باجو- منغا زوج عقبة اصغر اطفالها لدى احد إخوانها وذهبت تستسقى الماء . وعند عودتها وجدت ان اخاها يهدهد طفلها بلغة غريبة. وحين أخبرت زوجها عقبة اعتبر ان ذلك علامة على ان هذا الطفل سوف يكون المؤسس لأمة جديدة لا تتكلم بلسان ابيه العربى ولكنها ستكون الأمة المنقذة للاسلام. هذه الرواية تبدو اقرب الى الرؤيا منها إلى اى شىء آخر؛ نظرا لأن اللغات لا تنبثق اسطوريا بل لا بد من تعلمها فى وسط ثقافى رافع او حامل لتك اللغة المعنية بالذات.
وليس من الممكن تعلمها بطريقة " وعلم آدم الاسماء كلها " او كما اورد المؤرخين العرب ان سيدنا إسماعيل هو او ل من نطق بالعربية حيث فتق الله لسانه بها مع العلم بأن الشائع فى التاريخ ان النبى اسماعيل أقام وسط الجرهمين اليمانيين وتزوج فيهم . فإن جاز الفتق الاسطورى فى السنة الانبياء مثلما ورد ايضا فى اساطير اليهود ان ابراهيم فتق الله لسانه بالعبرية حين عبر نهر الفرات وهو طريد او شريد من عتو النمرود ؛ وان إسماعيل حسب رواية الاخباريين العرب قد فتق لسانه بالعربية؛ فمن قبيل التخريج قد يصح الزعم بإن عقبه هذا قد قام بتأويل الرؤيا التى رأتها زوجه.