i.imam@outlook.com
لم يكن الاعتداء على الأطباء في مستشفى ام درمان التعليمي يوم السبت 24 سبتمبر الماضي ظاهرة عارضة، تناقشها الوسائط الصحافية والإعلامية، في إطار سعيها لتحقيق الاندهاش او الإثارة، بل هي صارت من الظواهر المكرورة التي تحدث خدشاً عميقاً في الجدار المجتمعي. عليه مثل هذه القضية الحيوية المجتمعية، ينبغي أن تُثار من الجوانب كافة، بُغية خلق رأي عام تجاه محاربة هذه الظاهرة الدخيلة على Гخلاقيات وسلوكيات المجتمع السوداني. لم يتردد الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة وزير الصحة في ولاية الخرطوم لحظة في اتخاذ قرار عاجل بعقد مؤتمر صحافي، حرص على أن يشاركه فعاليات هذا المؤتمر ثلة من قيادات الوزارة ومستشفى أم درمان، فإلى جانب مدير عام مستشفى أم درمان، كان حضوراً في اللقاء مسؤول الطب العدلي، لتبيان الحقائق، واستجلاء الموقف، ومنعاً للشائعات، في أقل من 24 ساعة من الاعتداء على مستشفى أم درمان التعليمي، فلم يحضره من رؤساء الصحف وكتاب الأعمدة سوى اثنين، بينما حضره الزملاء والزميلات من الصحافيين والصحافيات المكلفين بالتغطية الخبرية لأوجه أنشطة وزارة الصحة بولاية الخرطوم، بما فيها مثل هذه المؤتمرات الصحافية، ولم يألوا جهداً كدأبهم في التغطية الخبرية لفعاليات الوزارة، إلا أننا كنّا نتوقع أن يكون أولئك شهوداً لهذا المؤتمر الصحافي، من أجل سماع إفادات المسؤولين في الوزارة والمستشفى، ومناقشتها، بطرح الأسئلة، لتكون عندهم الصورة كاملة، ليتسنى لهم التعليق والتحليل والرأي، إلا إنهم يفضلون إطلاق الأحكام من منازلهم، أي شهاداتهم وآرائهم في الأمر سماعية يغلب عليها السمات الانطباعية. فإليك – يا هداك الله – ما كتبه بعضهم عن ذاكم المؤتمر الصحافي الذي لم يحضره، بأن الوزير والمدير قالا إن المجني عليه، كان مخموراً، بينما لم يتطرقوا الى هذا الأمر بتاتاً. وأن البعض الآخر من هؤلاء كتبة من منازلهم أشاروا الى أن الوزير والمدير تحدثا عن أن أحد المعتدين كان مخموراً. وهكذا تترى الأحكام المستندة على أباطيل. والقاعدة الأصولية الذهبية في الفقه، تقول: أن ما بني على باطل فهو باطل. فقد كنت حضوراً في ذاك المؤتمر الصحافي، شاهد عيان، فسمعت البروفسور مأمون حميدة يتحدث عن المجني عليه، قائلاً: عندما حضر المجني عليه كان في غيبوبة. أما مدير الطب العدلي في مستشفى ام درمان التعليمي، قال: We can not confirm that he was drunk أي أننا لا نستطيع تأكيد أنه مخمور، مضيفاً إلا بعد ظهور نتائج التحليل المعملي. فعليه إن بعضهم كتب دون التوثق، مهاجماً الوزير والمدير، لأنهما أرادا تعليق فشلهما على شماعة أن المجني عليه كان مخموراً،حسب ادعائهما. وفي واقع الأمر، لا الوزير ولا المدير قالا بذلك. ولما كانت أحكام هؤلاء مبنية على توهمات، ورواة هم آفة الأخبار. وكأني بالشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ قد عناهم بقوله:
هم نسبوا عني الذي لم أفُه به
وما آفة الأخبار إلا رواتها
فالذي قاله الأخ البروفسور مأمون حميدة إن المجني عليه أحضره أهله في غيبوبة، وغيبوبة ليس بالضرورة تكون ناجمة عن سكر. أما من قال إن أحد المعتدين كان مخموراً لا علاقة له بوزارة الصحة الولائية، بل هو شخص ينتمي الى وزارة أخرى. فالغيبوبة فَقْدُ الإِحْسَاسِ بِالحَرَكَةِ، وهي من مصدر غاب. وفي الاصطلاح الطبي حالة يعوز الجسم فيها الحسّ أو الشُّعور، وهي فقدان الوعي، أفاق من غيبوبته. أما في مقياس غلاسكو للغيبوبة أو GCS هو مقياس للأعصاب يهدف إلى إعطاء وسيلة موثوق بها، وموضوعية لتسجيل الحالة الواعية لشخص ما، بشكل مبدئي. وأيضاً بشكل متتابع. يتم تقييم المريض، وفقاً للمعايير المقررة للمقياس، وتعطي النقاط الناتجة للمريض درجة بين 3 (تشير إلى غيبوبة عميقة)، أو 14 (المقياس الأصلي) أو 15 (المقياس الأكثر استخداماً أو تعديلاً أو مراجعة للمقياس). وقد استخدم GCS في البداية لتقييم مستوى الوعي بعد إصابات الرأس، ويستخدم المقياس الآن في للإسعافات الأولية، ونظم الإدارة البيئية والأطباء على أنها تنطبق على جميع الحالات الخطرة والصدمات النفسية الحادة. كما أنها تستخدم في المستشفيات لمراقبة المرضى المزمنين في العناية المركزة. وكان غراهام تيسديل وبريان ج. جينييت أستاذي جراحة الأعصاب في جامعة غلاسكو، قد نشرا المقياس في عام 1974 وتابع الاثنان المسيرة بعد ذلك بنشرهما الكتاب الدراسي إدارة إصابات الرأس، وهو عمل جليل في هذا المجال. ويستخدم مقياس غلاسكو للغيبوبة كجزء من عدة نظم تسجيل بوحدة العناية المركزة، بما في ذلك APACHE II، SAPS II، SOFA، لتقييم حالة الجهاز العصبي المركزي . ويستخدم مماثل، في مقياس رانشو لوس أميجوس لتقييم شفاء مرضى صدمة إصابات الدماغ. الغيبوبة بالإنجليزية Coma وتعني باليونانية النوم العميق، وهي حالة فقدان وعي عميقة، لا يمكن للفرد خلالها أن يتفاعل مع البيئة المحيطة به، ولا يمكنه أيضاً الاستجابة للمؤثرات الخارجية. تتميز الغيبوبة بفشل عمل نظام التنشيط الشبكي الصاعد ascending reticular activating system ARAS الشخص الواقع تحت تأثير الغيبوبة هو شخص على قيد الحياة، لكنه ليس نائماً. موجة نشاط الدماغ لشخص في غيبوبة تختلف كثيراً عن تلك لدى شخص نائم، يمكنك إيقاظ شخص من النوم، لكن لا يمكنك إيقاظ شخص من حالة غيبوبة. يمكن للغيبوبة أن تنجم بسبب المرض، أو بسبب حدوث صدمات للدماغ. عادة لا تستغرق الغيبوبة أكثر من بضعة أسابيع. الكثير من الأفراد يستعيدون أدائهم البدني والعقلي بشكل كامل عندما يخرجون من الغيبوبة. لكن البعض يحتاج إلى أشكال مختلفة من العلاج لاستعادة القدرة على أداء وظائف معينة بصورة مقبولة. بعض المرضى لا يستعيدون أي شيء بخلاف وظائف الجسم الأساسية والبسيطة في بعض الأحيان.
أخلص الى أنه من خلال معرفتي الطويلة التي امتدت الى ما يزيد عن عقدين من الزمان، لا يعقل أن يتفوه بمثل ذلك القول شخص في علم وخبرة البروفسور مأمون حميدة، ومن المستحيل أن يقع عالم مثله في مثل هذا الزلل. وبسبب هذه المعرفة، وحضور ذاك المؤتمر الصحافي، استغرب على أولئك الذين قولوه ظلماً وبهتاناً ما لم يقله، وحكم عليه بالفشل ظلماً من عند أنفسهم. ولا أحسب أنه يمكن أن يصدر مثل ذاك القول من طبيب امتياز، ناهيك عن بروفسور في الباطنية وعلم الأدوية. رحم الله أستاذي الراحل البروفسور صديق أحمد إسماعيل عميد كلية الدراسات العليا الأسبق، عندما كانت جامعة الخرطوم «جميلة ومستحيلة»، في حوار أجريته معه لـ»الشرق الأوسط» اللندنية، في تسعينيات القرن الماضي، قال لي بالحرف الواحد إن البروفسور مأمون حميدة من القلائل في سنه (آنذاك) الذي حصل على درجة الأستاذية Professorship بالبحث العلمي، حيث قدم العديد من الأوراق العلمية البحثية.