فرنسا تغادر الساحل
محمد تورشين
3 December, 2024
3 December, 2024
محمد تورشين
باحث وكاتب في الشؤون الأفريقية
شهدت فرنسا تراجعًا ملحوظًا في نفوذها داخل مستعمراتها السابقة، ولا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، حيث بدأ النفوذ الفرنسي في الانحسار منذ أن طالبت مالي بإعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي في إطار عملية "برخان". هذه العملية مكنت فرنسا من الانتشار عسكريًا في دول الساحل الإفريقي، بدءًا من مالي مرورًا ببوركينا فاسو والنيجر وصولًا إلى تشاد، وذلك للتصدي للهجمات المتكررة التي شنتها الحركات المسلحة في مالي، مثل "جبهة تحرير أزواد" والجماعات الجهادية، التي كادت أن تسيطر على العاصمة باماكو.ساهم التدخل الفرنسي في منع انهيار الوضع الأمني تمامًا في المنطقة، إلا أن الأداء الفرنسي بدأ يواجه تحديات كبيرة مع وصول الأنظمة العسكرية إلى الحكم في عدد من دول الساحل في عام 2020. هذا التحول أدى إلى مراجعة العديد من دول المنطقة لشراكاتها الدفاعية والأمنية مع باريس، بما في ذلك عملية "برخان"، التي شملت أكثر من 3000 جندي فرنسي كانوا يعملون على استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
في خطوة غير مفاجئة، أعلنت جمهورية تشاد مؤخرًا عن رغبتها في إعادة تقييم الاتفاقيات الدفاعية والأمنية مع فرنسا، وذلك خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي إلى نجامينا. إلا أن هذه الخطوة جاءت مختلفة عن مواقف دول الساحل الأخرى مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، التي قطعت علاقاتها العسكرية والأمنية مع باريس في ظل أنظمة عسكرية ألقت باللوم على فرنسا في الإخفاقات الأمنية والتنموية.بيان وزارة الخارجية التشادية لم يتضمن هجومًا على فرنسا، ولم يحملها مسؤولية الإخفاقات الأمنية أو التنموية التي تعاني منها البلاد. تعتبر تشاد واحدة من أفقر دول العالم، وتعاني من غياب التنمية المتوازنة وضعف الحوكمة، ما يجعل قرارها يبدو متناغمًا مع التوجه الفرنسي الجديد لإعادة صياغة علاقاتها مع الدول الإفريقية.
بحسب تقارير صحفية، تسعى باريس إلى اعتماد مقاربة مختلفة لإعادة بناء علاقاتها مع إفريقيا، مع التركيز على قواعدها العسكرية الرئيسية في جيبوتي، الغابون، وساحل العاج، لضمان استقرار مصالحها في شرق ووسط وغرب إفريقيا. في الوقت نفسه، بدأت فرنسا البحث عن شراكات جديدة مع الدول الناطقة بالإنجليزية مثل نيجيريا وغانا، وأيضًا مع الدول الناطقة بالبرتغالية والإسبانية مثل غينيا بيساو وغينيا الاستوائية، لاستكشاف مناطق نفوذ جديدة، كما فعلت في أنغولا وموزمبيق.على الجانب الآخر، تواجه فرنسا منافسة شديدة، ليس فقط من روسيا التي تعتمد على أدوات عسكرية وأمنية مثل مجموعة "فاغنر"، بل أيضًا من الصين وتركيا، اللتين تعززان حضورهما عبر استثمارات اقتصادية واسعة في القارة الإفريقية .
لا يزال البعد الثقافي واللغوي أحد أبرز أدوات فرنسا لترسيخ وجودها في إفريقيا. لكن استمرار هذا التأثير يتطلب معالجة التحديات والانتقادات التي توجه إليها من القادة الأفارقة. وعلى رأس هذه المطالب تقديم اعتذار صريح عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية.
ختاما ، إن خطوة تشاد لإعادة النظر في شراكاتها الدفاعية مع فرنسا تعكس تحولًا مهمًا في العلاقات بين باريس ومستعمراتها السابقة. وإذا ما استطاعت فرنسا استيعاب التطلعات الإفريقية ومعالجة مخاوف القيادات والشعوب في القارة، فقد تتمكن من استعادة دورها كلاعب مؤثر في إفريقيا، ولكن بنهج مختلف تمامًا عن الماضي.
mohamedtorshin@gmail.com
باحث وكاتب في الشؤون الأفريقية
شهدت فرنسا تراجعًا ملحوظًا في نفوذها داخل مستعمراتها السابقة، ولا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، حيث بدأ النفوذ الفرنسي في الانحسار منذ أن طالبت مالي بإعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي في إطار عملية "برخان". هذه العملية مكنت فرنسا من الانتشار عسكريًا في دول الساحل الإفريقي، بدءًا من مالي مرورًا ببوركينا فاسو والنيجر وصولًا إلى تشاد، وذلك للتصدي للهجمات المتكررة التي شنتها الحركات المسلحة في مالي، مثل "جبهة تحرير أزواد" والجماعات الجهادية، التي كادت أن تسيطر على العاصمة باماكو.ساهم التدخل الفرنسي في منع انهيار الوضع الأمني تمامًا في المنطقة، إلا أن الأداء الفرنسي بدأ يواجه تحديات كبيرة مع وصول الأنظمة العسكرية إلى الحكم في عدد من دول الساحل في عام 2020. هذا التحول أدى إلى مراجعة العديد من دول المنطقة لشراكاتها الدفاعية والأمنية مع باريس، بما في ذلك عملية "برخان"، التي شملت أكثر من 3000 جندي فرنسي كانوا يعملون على استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
في خطوة غير مفاجئة، أعلنت جمهورية تشاد مؤخرًا عن رغبتها في إعادة تقييم الاتفاقيات الدفاعية والأمنية مع فرنسا، وذلك خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي إلى نجامينا. إلا أن هذه الخطوة جاءت مختلفة عن مواقف دول الساحل الأخرى مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، التي قطعت علاقاتها العسكرية والأمنية مع باريس في ظل أنظمة عسكرية ألقت باللوم على فرنسا في الإخفاقات الأمنية والتنموية.بيان وزارة الخارجية التشادية لم يتضمن هجومًا على فرنسا، ولم يحملها مسؤولية الإخفاقات الأمنية أو التنموية التي تعاني منها البلاد. تعتبر تشاد واحدة من أفقر دول العالم، وتعاني من غياب التنمية المتوازنة وضعف الحوكمة، ما يجعل قرارها يبدو متناغمًا مع التوجه الفرنسي الجديد لإعادة صياغة علاقاتها مع الدول الإفريقية.
بحسب تقارير صحفية، تسعى باريس إلى اعتماد مقاربة مختلفة لإعادة بناء علاقاتها مع إفريقيا، مع التركيز على قواعدها العسكرية الرئيسية في جيبوتي، الغابون، وساحل العاج، لضمان استقرار مصالحها في شرق ووسط وغرب إفريقيا. في الوقت نفسه، بدأت فرنسا البحث عن شراكات جديدة مع الدول الناطقة بالإنجليزية مثل نيجيريا وغانا، وأيضًا مع الدول الناطقة بالبرتغالية والإسبانية مثل غينيا بيساو وغينيا الاستوائية، لاستكشاف مناطق نفوذ جديدة، كما فعلت في أنغولا وموزمبيق.على الجانب الآخر، تواجه فرنسا منافسة شديدة، ليس فقط من روسيا التي تعتمد على أدوات عسكرية وأمنية مثل مجموعة "فاغنر"، بل أيضًا من الصين وتركيا، اللتين تعززان حضورهما عبر استثمارات اقتصادية واسعة في القارة الإفريقية .
لا يزال البعد الثقافي واللغوي أحد أبرز أدوات فرنسا لترسيخ وجودها في إفريقيا. لكن استمرار هذا التأثير يتطلب معالجة التحديات والانتقادات التي توجه إليها من القادة الأفارقة. وعلى رأس هذه المطالب تقديم اعتذار صريح عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية.
ختاما ، إن خطوة تشاد لإعادة النظر في شراكاتها الدفاعية مع فرنسا تعكس تحولًا مهمًا في العلاقات بين باريس ومستعمراتها السابقة. وإذا ما استطاعت فرنسا استيعاب التطلعات الإفريقية ومعالجة مخاوف القيادات والشعوب في القارة، فقد تتمكن من استعادة دورها كلاعب مؤثر في إفريقيا، ولكن بنهج مختلف تمامًا عن الماضي.
mohamedtorshin@gmail.com