فنانات السودان بين نفخ كير الحرب وبيع مسك السلام
د. محمد شرف الدين
13 August, 2023
13 August, 2023
معطيات :
السلام عليكم ورحمة الله
طفح الوسط الفني السوداني في العشر سنوات الأخيرة،بكمٍ هائلٍ من زبد ما يسمى بالقونات أو الفنانات وبعض المغنيين المحذلقين ،إحترف أغلبهم إنتحال الفن والتغني بالأعمال الفنية الخالدة لأساطين الفن السوداني التليد، وما كانت محاولات بعضهم إلا مجزرة للفن وكسر لعنق الاغنية السودانية بأدائهم العنيف المخيف،وظل أكثرهم يشوه الأغاني الخالدة تشويهاً بالكاد يتعرّف عليها ذويها إذا ما بعثوا من جديد...وقلما قدم هؤلاء غناءً فريداً جديداً يضاف إلى مكتبة ذاكرة الفن السوداني إلا قليلاً...،لقد شغل هؤلاء بأدائهم الغث مساحة مقدرة في القنوات التلفزيونية والاسافير والصالات والجلسات الخاصة، وفي غياب الفن الرصين ،شكل هؤلاء متنفساً لابد منه للعديدين هرباً من ضغوطات الحياة وقسوتها أو مرتعاً للملذات... لقد أطبقت ظاهرة الغناء البهلواني هيمنتها على مزاج المجتمع،وجذبت مظاهر البهرجة والشهرة والثراء السريع،بعض الشباب والشابات فسولت لهم أنفسهم خوض التجربة والدخول إلى عالم الغناء، طالما الكلمات والألحان والازياء والكوافير والفوضى متاحة، والأبواب مفتوحة دون ضوابط ومعايير جودة أو تحكيم لجنة إجازة الاصوات كما كانت في السابق...
يعتبر الفن الشامل ركناً أساسياً في بناء وتشكيل الشخصية الوطنية،وإعتمدت عليه معظم الدول في رسم ذاكرة الأمة وبناء المجتمع الأخلاقي الفاضل من أجل تحقيق النهضة الإقتصادية والعلمية من خلال توظيف أمثل للفن في تبيث القيم والمبادئ المحركة لدوران التطور عبر تمجيد ماضيها المضئ لإستلهام الهمم نحو مستقبل مزدهر لوطن متقدم ،ويعتلي فن الغناء قمة الإنتشار اليومي،فعبره تُبث مفاهيم الوطنية،وتحشد مشاعر الحماس ، خاصة في ظل الحروب الوطنية ضد الدول الأخرى،ولاتقل أغاني الحماس شأواً عن ترسانة السلاح ،وكم كم من معركة خاضها الجنود على أجنة الحماس الجارف، فعادوا منتصرين يرفلون بزهوٍ وسط أهازيج النصر ،ولعل للنساء السودانيات دور في شحذ همم الجنود وخاض جنودنا حروباً ببسالة يذكرها التاريخ.
يعتبر الفنان ينبوعاً للجميع وظل وراف من الإبداع يستظل به وفيه أبناء وبنات الوطن،فهو بمثابة نبض الوجدان الوطني الذي يضخ المشاعر الإيجابية في شرايين المجتمع كافة بلا إنتقائية أو تحيز لفئة تقود إلى تقسيم الوجدان العاطفي للمجتمع والوطن، لقد رنت "أنا سوداني" للعطبراوي داخل وجدان كل سوداني وسودانية،وظلت ملحمة "كرري" لوردي ينبوع فخر وإعتزاز للسودانيين، وعاد الجميع مع "يجو عايدين" للفلاتية وساح الجميع في "جبل مرة" لابي العركي.
لقد وضعت حرب الخرطوم إمتحاناّ سهلاً أمام أهل الإبداع و الفن والثقافة ومنتحلي الغناء،غير أن أغلبهم لم ينجح فيه،بل بيّنت هشاشة وجدانهم الوطني، وسرعان ما جرفتهم العصبية السياسية وربما المغريات والأهواء ،فحادوا عن دورهم الاساسي المناط بهم في توحيد وجدان المجتمع،وتعقيمه ضد جراثيم التشرزم والكراهية،تخلوا عن ودورهم في التبشير بقيم المحبة والتسامح، فبدلا عن بيع الناس مسك السلام، أنخرضت بعضهنّ في نفخ كير الحرب،فتغنت إحداهن: " الجوية يامطر الحصو دقي الداعتة والخونة العصو،، الخرطوم تبقى المقبرة للخشوها بالباب الورا" كلمات تنم عن التحريض على القتل والتدمير الشامل،فالطيران حينما يقصف يسقط الكثير من الابرياء، ولماذا لاتكون الخرطوم جنة غناء للجميع بدلا عن مقبرة للبعض... ومن المؤسف حقاً أن تحمل عبارة "الباب الورا " كناية جغرافية " أي الغرب..! ستنتهي الحرب يوما ما ، ولكن ستبقى الكلمات جرحاً غائراً في وجدان الوطن لا يندمل...
وتغنت أخرى بأغنية "الحرب الضرب" أغنية حملت الكثير من المضامين السلبية وكانت مثار إستهجان وسخرية وسط السودانيين لما حملته من إنكسار وإذلال للإباء الوطني السوداني،وإحتوت كلماتها معاني تزيد من تعميق الجرح الوطني...
جميع هذه المعطيات تعكس مدى رخاوة الوجدان السوداني بالذات في الوسط الفني ، الذي سرعان ما إنهار أمام حرب داخلية سيكون لها أبعادها الإجتماعية والثقافية فيما بعد ،فكان من المنتظر من حملة لواء الفن والثقافة، إنتباذ مكان قصيٍ عن كل مايقود إلى تصديع الوجدان الوطني،كان عليهنّ التغني للسلام ورفض الحرب،بدلاً عن النفخ في نيرانها ،كان عليهن الدعوة إلى المحبة في زخم الكراهية،والحض على الوحدة في زمن الانقسام ،فالفن فضاء يسع الجميع،كلما ضاقت براحات الود في القلوب، الغناء كالنسيم يصدح في كل ربوع بلادنا ويخاطب وجداننا جميعاً،صوت المغني والمغنية يدخل كل بيت بلا حواجز جغرافية،لانه لغة الوحيدة التي يتحدثها قلب ويفهما قلب آخر ، وما كان عليهن الهرولة خلف السياسيين والعصبية،فالسياسة ضل ضحى،فهى كالزبد يذهب جفاء ويبقى الوطن خالداً.
msharafadin@hotmail.com
السلام عليكم ورحمة الله
طفح الوسط الفني السوداني في العشر سنوات الأخيرة،بكمٍ هائلٍ من زبد ما يسمى بالقونات أو الفنانات وبعض المغنيين المحذلقين ،إحترف أغلبهم إنتحال الفن والتغني بالأعمال الفنية الخالدة لأساطين الفن السوداني التليد، وما كانت محاولات بعضهم إلا مجزرة للفن وكسر لعنق الاغنية السودانية بأدائهم العنيف المخيف،وظل أكثرهم يشوه الأغاني الخالدة تشويهاً بالكاد يتعرّف عليها ذويها إذا ما بعثوا من جديد...وقلما قدم هؤلاء غناءً فريداً جديداً يضاف إلى مكتبة ذاكرة الفن السوداني إلا قليلاً...،لقد شغل هؤلاء بأدائهم الغث مساحة مقدرة في القنوات التلفزيونية والاسافير والصالات والجلسات الخاصة، وفي غياب الفن الرصين ،شكل هؤلاء متنفساً لابد منه للعديدين هرباً من ضغوطات الحياة وقسوتها أو مرتعاً للملذات... لقد أطبقت ظاهرة الغناء البهلواني هيمنتها على مزاج المجتمع،وجذبت مظاهر البهرجة والشهرة والثراء السريع،بعض الشباب والشابات فسولت لهم أنفسهم خوض التجربة والدخول إلى عالم الغناء، طالما الكلمات والألحان والازياء والكوافير والفوضى متاحة، والأبواب مفتوحة دون ضوابط ومعايير جودة أو تحكيم لجنة إجازة الاصوات كما كانت في السابق...
يعتبر الفن الشامل ركناً أساسياً في بناء وتشكيل الشخصية الوطنية،وإعتمدت عليه معظم الدول في رسم ذاكرة الأمة وبناء المجتمع الأخلاقي الفاضل من أجل تحقيق النهضة الإقتصادية والعلمية من خلال توظيف أمثل للفن في تبيث القيم والمبادئ المحركة لدوران التطور عبر تمجيد ماضيها المضئ لإستلهام الهمم نحو مستقبل مزدهر لوطن متقدم ،ويعتلي فن الغناء قمة الإنتشار اليومي،فعبره تُبث مفاهيم الوطنية،وتحشد مشاعر الحماس ، خاصة في ظل الحروب الوطنية ضد الدول الأخرى،ولاتقل أغاني الحماس شأواً عن ترسانة السلاح ،وكم كم من معركة خاضها الجنود على أجنة الحماس الجارف، فعادوا منتصرين يرفلون بزهوٍ وسط أهازيج النصر ،ولعل للنساء السودانيات دور في شحذ همم الجنود وخاض جنودنا حروباً ببسالة يذكرها التاريخ.
يعتبر الفنان ينبوعاً للجميع وظل وراف من الإبداع يستظل به وفيه أبناء وبنات الوطن،فهو بمثابة نبض الوجدان الوطني الذي يضخ المشاعر الإيجابية في شرايين المجتمع كافة بلا إنتقائية أو تحيز لفئة تقود إلى تقسيم الوجدان العاطفي للمجتمع والوطن، لقد رنت "أنا سوداني" للعطبراوي داخل وجدان كل سوداني وسودانية،وظلت ملحمة "كرري" لوردي ينبوع فخر وإعتزاز للسودانيين، وعاد الجميع مع "يجو عايدين" للفلاتية وساح الجميع في "جبل مرة" لابي العركي.
لقد وضعت حرب الخرطوم إمتحاناّ سهلاً أمام أهل الإبداع و الفن والثقافة ومنتحلي الغناء،غير أن أغلبهم لم ينجح فيه،بل بيّنت هشاشة وجدانهم الوطني، وسرعان ما جرفتهم العصبية السياسية وربما المغريات والأهواء ،فحادوا عن دورهم الاساسي المناط بهم في توحيد وجدان المجتمع،وتعقيمه ضد جراثيم التشرزم والكراهية،تخلوا عن ودورهم في التبشير بقيم المحبة والتسامح، فبدلا عن بيع الناس مسك السلام، أنخرضت بعضهنّ في نفخ كير الحرب،فتغنت إحداهن: " الجوية يامطر الحصو دقي الداعتة والخونة العصو،، الخرطوم تبقى المقبرة للخشوها بالباب الورا" كلمات تنم عن التحريض على القتل والتدمير الشامل،فالطيران حينما يقصف يسقط الكثير من الابرياء، ولماذا لاتكون الخرطوم جنة غناء للجميع بدلا عن مقبرة للبعض... ومن المؤسف حقاً أن تحمل عبارة "الباب الورا " كناية جغرافية " أي الغرب..! ستنتهي الحرب يوما ما ، ولكن ستبقى الكلمات جرحاً غائراً في وجدان الوطن لا يندمل...
وتغنت أخرى بأغنية "الحرب الضرب" أغنية حملت الكثير من المضامين السلبية وكانت مثار إستهجان وسخرية وسط السودانيين لما حملته من إنكسار وإذلال للإباء الوطني السوداني،وإحتوت كلماتها معاني تزيد من تعميق الجرح الوطني...
جميع هذه المعطيات تعكس مدى رخاوة الوجدان السوداني بالذات في الوسط الفني ، الذي سرعان ما إنهار أمام حرب داخلية سيكون لها أبعادها الإجتماعية والثقافية فيما بعد ،فكان من المنتظر من حملة لواء الفن والثقافة، إنتباذ مكان قصيٍ عن كل مايقود إلى تصديع الوجدان الوطني،كان عليهنّ التغني للسلام ورفض الحرب،بدلاً عن النفخ في نيرانها ،كان عليهن الدعوة إلى المحبة في زخم الكراهية،والحض على الوحدة في زمن الانقسام ،فالفن فضاء يسع الجميع،كلما ضاقت براحات الود في القلوب، الغناء كالنسيم يصدح في كل ربوع بلادنا ويخاطب وجداننا جميعاً،صوت المغني والمغنية يدخل كل بيت بلا حواجز جغرافية،لانه لغة الوحيدة التي يتحدثها قلب ويفهما قلب آخر ، وما كان عليهن الهرولة خلف السياسيين والعصبية،فالسياسة ضل ضحى،فهى كالزبد يذهب جفاء ويبقى الوطن خالداً.
msharafadin@hotmail.com