في أمر فتوى قتال النُّوبة الثانية
shurkiano@yahoo.co.uk
في أبريل (نيسان) 1992م أخرج فقهاء السلطان في مدينة الأبيِّض حاضرة ولاية شمال كردفان فتوى بقتال النُّوبة، وأعلنوا الجِّهاد عليهم، بما في ذلك نسائهم وأطفالهم وكهولهم وشبابهم. ومن ثمَّ أتى ذلك الإعلان بالمجازر الوحشيَّة، وتدمير القرى والممتلكات، علاوة على ما كان يتم أصلاً من قبل ضد شعب يبحث عن الإنصاف من الظلم التأريخي. وما جاء في تلكم الفتوى لم يكن مختالاً يستعصي على النَّاس فهمها. إذ إنَّها جاءت حاملة المنظور الاستعبادي وازدواجيَّة الباطل. وبعد فترة السَّلام الموؤود الوجيزة عادت الأمور إلى ما كانت عليه الحال، ليست في القتل الوحشي للمواطنين النُّوبة وأهالي النيل الأزرق بواسطة الحكومة وعملائها فحسب، بل إعادة تفعيل وسائل التشجيع على هذا القتل، وإعمال أدوات الاستكثار منه. ففي هذه المواجهة مع العنف والكراهيَّة تبيَّن لنا أنَّها مواجهة مع الحال الاجتماعيَّة والثقافيَّة الناشئة عن التوظيف السياسي للدِّين، وفي ذلك اتَّسعت المواجهة لتشمل المنظومة السائدة في الخطاب الدِّيني، والممتدَّة في المدارس والمساجد والجامعات والمؤسَّسات والأسواق كما الجمعيَّات والمجتمعات.
مهما يكن من أمر، فقد يعتقد بعض من النَّاس بأنَّ تلكم الفتوى الصادرة العام 1992م كانت آخر فتوى تمَّت في مسألة تقتيل النُّوبة، ومن بدت له ملامح نوبويَّة في شكل أو بآخر. غير أنَّه في يوم 2 آب (أغسطس) 2011م، وفي اجتماع الحركة الإسلاميَّة، أصدر المجتمعون فتوى أخرى يأمرون فيها أتباعهم وأشياعهم بقتل النُّوبة ومن والاهم في جبال النُّوبة. وقد حضر ذلكم الاجتماع قيادات عليا نافذة في النِّظام، ومدراء ومشرفو الأمن الشَّعبي والدِّفاع الشَّعبي، وأمين عام هيئة علماء السُّودان. هذا، فقد استهل الحديث المهندس آدم الفكي مدير الأمن الشَّعبي بولاية جنوب كردفان ومنسِّق الدِّفاع الشَّعبي بالتحريض السياسي ضد القائد عبد العزيز آدم الحلو. وكان خطابه – أو بالأحرى تحريضه – مليئاً بالأكاذيب والأباطيل، ومحشوَّاً باتِّهامات لا يسندها أي منطق، أو يسعفها أي حق سواء أكان في أمر القائد الحلو على وجه الخصوص، أم الحركة الشعبيَّة على وجه العموم، وتلك الأكاذيب هي ديدنهم في هذه الحياة الدنيا.
ثمَّ تلاه في الحديث البروفيسور محمد عثمان صالح، والذي افتتح حديثه بقول الله عزَّ وجلَّ: "إنَّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض" (المائدة: 5/33-34). ولا نودُّ الخوض في الأشراط الفقهيَّة المتعلِّقة بهذا الأمر الإلهي من التكليف، ووجود السِّلاح، والبعد عن العمران، والمجاهرة، وذلك حتى لا نحيل القضيَّة إلى جدلٍ فقهي لازب. أفلم نُنذر بأن لا نحاجج بالقرآن لأنَّه حمالة أوجه! إذ أنَّ المسألة كلها مرفوضة بدءً وابتداءً، مع علمنا بأنَّ الذين وقعوا ضحايا هذه التجاوزات كانوا مدنيين عزَّل، وفي المدينة كانوا يقيمون، ولم يبتعدوا عن العمران، ثمَّ إنَّهم لم يجاهروا بمقاتلة أحد. وخلال ذلك وكذلك خلال السنوات التي تلت إذ إنَّما رأس النِّظام عمر البشير هو الذي جاهر بمقاتلتهم جبلاً جبلاً، وكركوراً كركوراً، وقد أعلن على الملأ من حوله إعلاناً مشهوداً ومرئيَّاً ومقروءً بأنَّه لسوف يخلع جلبابه ويرتدي الكاكي، ثمَّ إنَّه لسوف يبدِّل صناديق الاقتراع بأخريات للذخيرة، وكان ذلك كله في خطابه الذي ألقاه في مدينة المجلد. والحال أنَّ هذا ما جرى، بل وأكثر من ذلك حتَّى وصل السُّودانيُّون بمختلف مشاربهم ومللهم إلى فرضيَّة ثابتة، وصحتها مؤكَّدة على أيَّة حال، بل من المستحيل إنكارها في أيَّة حال من الأحوال، بأنَّ أهل الحكم في الخرطوم ليسوا بدعاة سلام، ولكن أهل حرب ودمار.
فلا شك في أنَّ من نتائج الفتوى إيَّاها هي الأحداث المأسويَّة التي جرت في مدينة كادقلي والمناطق المجاورة لها من قتل وتشريد واغتصاب وحرق المنازل والمزارع والمراعي، وإشعال النِّيران على النَّاس داخل بيوتهم في غفلة الليل البهيم وهم نائمون، كما جرى في أحداث الفيض أم عبد الله مسقط رأس القائد الحلو، وغيرها من الجرائم التي تقشعر منها الأبدان. وفي هذا الأمر برز أحد ممن رأى ما ألمَّ بأهله النُّوبة في جنوب كردفان يتساءل في وسائط الاتِّصال الاجتماعي: "ألم نشاهد جثث أبناء عمومتنا وأناساً عزازاً علينا بخور العفن، وقد مُنِع دفنهم.. (وكل ذلك فيما أسمَّوه) الكتمة وما أدراك ما الكتمة، صور القتل بطريقة بشعة جوار المطافي بكادقلي والمطار والأمثال كثيرة لا حصر لها، والشهود أحياء بحمد الله، (وفي أحايين) كثيرة مُنِع النَّاس من دفن ذويهم.. هذا على سبيل المثال لا الحصر." وقد أفردنا قسماً خاصاً في سفرنا (في النِّزاع السُّوداني: عثرات ومآلات بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطابع أم بي جي العالميَّة، لندن، الطبعة الأولى، 2015م) لسرد بعضاً من هذه الجرائم ضد الإنسانيَّة وأسماء بعض الضحايا الذين شملتهم المجازر، التي ارتكبها جيش الحكومة وقوات الدِّفاع الشَّعبي والأمن الشَّعبي؛ إذ تعدَّدت الوجوه والجريمة واحدة، وذلك بعد ما تركوا خلفهم رعب القتل، والجثث المتعفِّنة، والمقابر الجماعيَّة لأناس تمَّ تدمير حيواتهم. وقد لقي بعض من الضحايا مصرعهم على أيدي قوات الأمن أمام مباني الأمم المتَّحدة في مطار كادقلي، حيث أورد تقرير الأمم المتَّحدة تفاصيلاً مروعة عن هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق إنسان جبال النُّوبة. تلكم المشاهد ستظل محفورة إلى أبد الآبدين، مسجَّلة ومنحوتة في مخيَّلة إنسان جبال النُّوبة.
هؤلاء القتلة الفجرة كانوا، وما يزالون، يعيشون ذروة أزمة إنسانيَّة دفعتهم إلى اعتناق الجنون مبدأً يتمترسون خلفه عن كل وعي وإدراك على الأرجح، وتحديداً لكي يتخلَّصوا من كل ما هو نوبوي بالإعدام. ومع ذلك، ظلَّوا متعلِّقين بأهداف المساجد حتى النهاية في لعبة تعبدَّية مدهشة. فحين تجد منزلك وقد تمَّ تدميره بقنبلة من جراء قصف جوِّي بطائرات النِّظام الإسلاموي، وحين ترى ابنتك مغتصبة، أو تسمع بأنَّها مختطفة، أو تراها مقطعة إلى أشلاء، فإنَّك قطعاً لا تودُّ أن تنتمي إلى ذلك الذي دفع هؤلاء إلى الإقدام على تلك الأفعال البشعة والجرائم المنكرة. ولعلَّ تأريخ السُّودان الملوَّث، والفوضى الاجتماعيَّة، والحال الاقتصاديَّة المتردَّية، التي ضربت البلاد في عرضها وطولها قد أدَّى إلى تفسير الفقهاء للدِّين بهذه الطريقة الضِّيزى التي قد لا يتوافق معهم أغلب النَّاس. ومع ذلك، باتوا لا يتقيَّدون بما يدعون له جهاراً، وقد اختاروا ما هو معاكس لذلك تماماً، وبخاصة في المُثل والأخلاق والأمانة وهلمجرَّاً، إلا فيما فيه أذى للنَّاس، وهذا من نتائج استغلال القادة الحماسيين للدِّين لأغراضهم السياسيَّة، ومصالحهم الشخصيَّة.
مهما يكن من شيء، فنحن لا نرغب في أن نكون ممن عنانا به القول المنسوب إلى علي بن أبي طالب عندما قال: "حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهَّم أهل الباطل أنَّهم على حق"، أو كما يقول المثل السائر "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، وذلك مهما كان بطش العبد لأنَّ أقصاه انتهاء في نهاية الأمر، حيث الظلم ليس بدائم، ولكن الحق هو الذي يبقى، وغيره يفنى، ولله در من قال:
وبطشُ الله ليس له مردُّ
وبطش العبد أقصاه انتهاءُ
وحكمُ الظلم ليس له دوامٌ
وحكم الحق شيمته البقاءُ
وغمض العين عن شرٍّ ضلال
وغمض الطرف عن جورٍ غباءُ
والحال هذه، فإنَّ على الجميع أن يعلموا إن كانوا لا يعلمون، أو يتذكَّروا إن كان لهم علم بذلك، بأنَّ الحركة الشعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان-شمال تتكوَّن من ثوابت ومتغيِّرات. فالثوابت هي جماهير الحركة الشعبيَّة في مناطق إدارة الحركة خاصة، ومناطق نفوذ الحكومة عامة، والجيش الشَّعبي؛ أما المتغيِّرات فهي القيادة التي متى ما رأت جماهير الحركة في مجالسها التحريريَّة الإقليميَّة أو القوميَّة والجيش الشَّعبي بدَّاً في تغييرها شرعت في ذلك دون كلل أو ملل. أما الذين انبروا يكتبون اليوم، أو استكتبوهم، عن إشكاليَّة القيادة فلم نسمع بهم أو نراهم من قبل قد كتبوا عن المجازر التي ظلَّت تقوم بها الحكومة السُّودانيَّة ضد المواطنين العزَّل والأطفال والنِّساء في دارفور وجبال النُّوبة والنيل الأزرق. فإذا كان الأمر كذلك لذلك يصبح من الضروري التساؤل حول السَّبب الذي جعل الكتَّاب التقدُّميين يحجمون عن الدِّفاع عن حقوق الإنسان الدَّارفوري أو النُّوبوي أو الفونجوي، بل على العكس من هذا كله كان كل واحد من أصحاب هذه الأسماء اللَّامعة شأن في العديد من الفنون، وبعيداً عن تفاعلهم مع الإنسان المسحوق في الهامش السُّوداني. إذ أنَّ تجاوز ثوابت الحركة الشعبيَّة، والقفز إلى المتغيَّرات في محاولات ميؤوسة لإضفاء الشرعيَّة على القيادة السَّابقة التي تجاوزتها الأحداث، يعدان تجاهلاً لحقوق الإنسان المستضعف في مناطق الاحتراب إيَّاها، واستنصاراً لغيرهم دون وجه حق، حتى ولو كانت فيهم خصاصة.
علي أيَّة حال، إذاً ماذا جاء في خلاصة الفتوى الثانية الصادرة العام 2011م؟ لقد انتهى هؤلاء المجتمعون إلى الإجراءات والتوجهيات التالية للأجهزة الأمنيَّة والعسكريَّة والسياسيَّة:
(1) القضاء على جرثومة الحركة الشعبيَّة باعتقال كافة كوادرهم.
(2) استخدام القوَّة الوحشيَّة والإجراءات غير القانونيَّة ضد النُّوبة إلى درجة تنذر بالخطر، واتِّساع دائرة العنف لتشمل حتَّى العضويَّة من غير النُّوبة، بالإضافة إلى قساوسة الكنائس والنُّشطاء اليساريين وشباب النُّوبة، وإطلاق فرق الموت للقضاء على النُّوبة المؤيَّدين للحركة الشعبيَّة.
(3) تطبيق الاختفاء القسري المنهجي الذي يستهدف المئات من النُّوبة.
(4) التهجير القسري للنُّوبة.
(5) قتل كل المتعلِّمين من النُّوبة الموالين للحركة الشعبيَّة.
(6) التعذيب الوحشي للمعتقلين لإرغامهم (على) العمل كمصادر للأجهزة الأمنيَّة.
(7) كل (من) يرفض التعاون مع الأجهزة الأمنيَّة يختفي.
(8) العفو لمن تاب وأعلن إدانة الحرب والعمل مع المؤتمر الوطني.
ومثل هؤلاء المتزمِّتين الإسلامويين كمثل الفوارس العابدين (Knights Templar sect)، الذين تعود شهرتهم إلى طائفة مهووسة ذات آراء متطرِّفة كانت تتوارى خلف المسيحيَّة في عهدها الأول، وقد اتَّخذوا من نشاطهم خليطاً من المعاملات السحريَّة مع السُّلطة غير المحدودة والنفوذ الدِّيني. إذ استمرَّ نشاطهم مئات الأعوام، وباتوا حكاماً عدداً، وأمسوا فوارساً وكبار الأساقفة، وقد انتهى الأمر بعددٍ منهم إلى الإعدام. وقد عاش هؤلاء الفوارس العابدون في الأصل في مدينة القدس، وأخذوا يعتاشون الحياة بكساء متواضع وغذاء متقشِّف، وكانوا جماعة كاثوليكيَّة عسكريَّة نذروا أنفسهم للارتقاء بالأهداف والقيم المسيحيَّة عبر الوسائل الاعتنافيَّة المباشرة. وفي العام 1140م – أي بعد ثلاث حقب من تأسيسهم – ذاع صيتهم في جميع أصقاع العالم المسيحي لبسالتهم في الحروب، والثروة الضخمة التي حشدوها. وكان من مموِّلي هذه الملة الملك الإنكليزي ريتشارد الأول، والذي كان يُلقَّب ب"قلب الأسد". ونحن نعلم بأنَّ تمويل الدِّفاع عن القدس ضد جيوش صلاح الدِّين الأيوبي الشيعي الكردي في حزيران (يونيو) 1187م جاء من مال الصندوق، الذي كان يدفعه الملك الإنكليزي هنري الثاني إلى الكنيسة ككفَّارة لذنبه لأنَّه كان مسؤولاً عن مقتل توماس بيكيت في كاتدرائيَّة كانتيبري قبل 17 عاماً من الحروب الصليبيَّة. وفي القدس إيَّاها، والتي أمست سيادتها تتحوَّل على الدوام من فئة إلى أخرى، دارت الحروب الدِّينيَّة بين الصليبيين القادمين من أوربا بقيادة ريتشارد الأول الموالي لطائفة الفوارس العابدين لمساندتهم داخل المدينة وبين المسلمين القادمين من العراق وعلى رأسهم القائد الكردي صلاح الدِّين الأيوبي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وفي القرن الرابع عشر الميلادي قادهم تطرُّفهم إلى المفارقة التأريخيَّة في عهد أمسى النَّاس يعتمدون كليَّاً على استخدام الديبلوماسيَّة في محل القوَّة العسكريَّة. وفي العام 1310م تمَّ سجنهم وتعذيبهم وتقتيلهم، ثمَّ تمَّ طردهم من ديارهم واستضعفوا في الأرض.
ولعلَّ الأمر هنا يوضِّح لنا في أكثر ما يكون الإيضاح النِّزاع بين العقيدة والتقدُّم والقيم الإنسانيَّة في حروبات المسيحيَّة والإسلام في قضايا سياسيَّة حُشِر فيها الدِّين حشراً، وذلك في شيء كثير من تجاوزات مقززة لحقوق الإنسان من كلا الطرفين.
وبعد هذا كله إذ إنَّما نحن لنعتصر ألماً، وندمع دماً، حين نقرأ أو نسمع أو نرى أحداً – نوبويَّاً كان أم غير نوبوي – يدافع عن هذا النِّظام الإسلاموي القائم في الخرطوم الذي قتَّل أهله تقتيلاً – وما يزال – وبات يشرِّد أهل النُّوبة خاصة وجموع أهل السُّودان عموماً ليس في ربوع الوطن فحسب، بل في بقاع العالم، وهناك من مات مريضاً سؤوماً خائب المسعى، حتَّى ضاقت بهم الأرض بما رحبت. وإلى متى سيقال إنَّ هؤلاء المدافعين عن النِّظام الغشوم في الخرطوم ظلَّوا حتى نهاية حيواتهم موزَّعين حائرين بين الحق الحقيق والباطل الزهوق! وفي هذه العجالة من الحديث نودُّ الودَّ كله أن نشيد بالذي كتبه إسماعيل أحمد ولج في وسائل التواصل الاجتماعي حين قال: "(إنَّ) الذين يتحدَّثون هنا، ويدافعون عن المجازر التي ارتُكبت ضد أهلنا كأنَّهم في كوكب آخر من أهلهم؛ وهذه المجازر (قد) تمَّت في صمت تام، وتكتُّم إعلامي مفضوح سواء أكان من المجتمع الدولي أم المحلِّي؛ وبالأخص الصمت المريب من قيادات أبناء المنطقة كانت تدلُّ على عدم إحساسهم بالمسؤوليَّة التأريخيَّة عن أهلهم." فما لم يتم إخراج الدِّين من السياسة سيظل السُّودان على وجه الخصوص والعالم العربي بشكل عام في أسفل السلُّم التَّنموي، وسيبقى الفقر متفشِّياً، والنمو الاقتصادي ضعيفاً، وتتبكتر (من البكتيريا) المشكلات الاجتماعيَّة إلى ما لم يعلم مداها إلا الله. إذ سيظل كل شيء ملقيَّاً على القضاء والقدر، وبتعميم مفهوم الحتميَّة القدريَّة هذه تمسي لازمة اجتماعيَّة في حيوات النَّاس يعبدونها عبادة، ويظلُّون لها عاكفين، وعليها قائمين، حتى يغيَّروا ما في أنفسهم. فقد مكث الأوربيون في سبيل استبعاد الدِّين عن السياسة سنيناً عدداً، وانغمسوا في فوضى اجتماعيَّة وحروب تدميريَّة ردحاً من الزمان، وذلك لأنَّ الدِّين لا يؤثِّر على السياسة فحسب، بل يؤذي الحياة الثقافيَّة، ويحجر على الأفكار على حدٍ سواء.