في فقه اللغة المقارن: استعمال “قَاعِد” في العربية والنوبية الدنقلاوية

 


 

 

يقال في اللهجة السودانية العربية: قاعد يأكل، قاعد يتكلم، قاعد يمشي الشغل كل يوم، قاعد ساكت ما شغال الخ..
هنا تستعمل "قاعِد" عاملاً مساعداً لوصف استمرارية الفعل أو بيان خاصيته وتكراره بحكم العادة أو الإخبار عما يحدث أثناء الحديث.
ومثل هذا الاستعمال نجده أيضاً في اللغة النوبية الدنقلاوية. فالفعل ag "أج" يعني في الاستعمال العام: قعد وجلس ومكث إلخ.، ولكنه يستعمل أيضا في معنى "قاعد" لوصف استمرارية الفعل وتكراره.
في معجمه للغة النوبية الدنقلاوية (إنجيزي إنجليزي) يشرح "آرمبرستور" معاني كلمة "أج" ag في الاستعمال العام ثم يورد عددا من الكلمات المركبة التي تستعمل فيها الكلمة عاملاً مساعداً لوصف استمرارية الحدث في الجملة منها مثلاً:
- أج باج ag-bag: قاعد يكتب.
- أج جال ag-gal: قاعد ينادي أو يصرخ.
أج اجانجي ag-agangi: قاعد يملأ (في الزير مثلا).
أج جوم ag-gom: قاعد يضرب (في الولد مثلا). وهكذا. انظر:
C.H. Armbruster, Dongolese Nubian, A lexicon, Cambridge University Press, 1965.

واستعمال "قاعد" على هذا النحو ليس مقصورا على اللهجات السودانية بل نجده في كل اللهجات العربية تقريبا. ولكن بعض اللهجات العربية تستعمل إلى جانب "قاعد" كلمات أخرى مساعدة مثل "عم" و"عمّال". فأهل الخليج يقولون مثلاً: "قاعد يسوي" و"قعد يسولف" أي يحكي.
وأما أهل الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) يستعملون في مقابل ذلك لفظ "عمّ" فهم يقولون:"عم بأكل" أي أنني أكل الآن أو حالة كوني أكل. و"عم تسمعنى؟" أي هل تسمعني الآن. فهي تماثل قولنا: قاعد تسمعنى؟
وأهل مصر يستعملون اللفظ "عمَّال". يقولون:عمَّال بنده عليك"، ويقولون أيضا: قاعد بنده عليك. وتماثل في كلامنا: قاعد أناديك. أو "أنادي فيك".
وهذا الاستعمال غير مقصور على اللهجات بل نجده في العربية الفصحى. يقول ابن منظور في معجم لسان العرب:
"العرب تقول قَعَد فلان يَشْتُمُني بمعنى طَفِقَ وجَعَل؛ وحكى ابن الأَعرابي: حَدَّدَ شَفْرَتَه حتى قعدتْ كأَنها حَربَةٌ، أَي صارت. وقال: ثَوْبَكَ لا تقعد تَطِيرُ به الريحُ أَي لا تَصِيرُ الريحُ طائرةً به. وقال: قعَدَ لا يَسْأْلُه أَحَدٌ حاجةً إِلا قضاها .. هو كقولك: قام لا يُسأَلُ حاجَةً إِلا قضاها".- انتهى.
وقد أخذ المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، بهذا الاستعمال حيث يقول: "وقعد يفعل كذا: طفق يفعله". وهذا في اللهجة السودانية، نقول: "قعد يبكي" و"قعد يضحك" و"قعد يشتم". أي صار أو ظل يبكي، وصار يضحك، وصار أو بدأ يشتم.
بل وجدنا هذا الاستعمال في القرآن الكريم. يقول تعالى:"لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا". الاسراء- الآية 22 يقول الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية: "فتقعد" من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة، بمعنى صارت، يعني: فتصير جامعا على نفسك الذم".
وكذلك في قوله: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا". الاسراء - الآية 29 . يقول الزمخشري: "فتقعد ملوما" فتصير ملوما عند الله".
وهذا في كلامنا مثل قولنا: "قعد متمحن" أي صار متمحنا. وقولنا: قاعد تسوي شنو؟ وترانا قاعدين زي دا" وقولنا: "أنا قاعد أكل" أو " فلان قاعد يتكلم في التلفون". والمعنى حالة كوني أكل. وحالة كونه يتحدث في التلفون.

abusara21@gmail.com
///////////////////////

 

آراء