في مفهوم الحركة الإسلامية: القبيلة الإسلامية تقود الشعب المسلم … بقلم: عمر محمد سعيد الشفيع
22 March, 2009
omar.alshafi@gmail.com
قرأت أخيراً مقالة د. معتز بلال محمد (الحركة الإسلامية وخطوات نحو الوحدة) فحركت فيَّ الأشواق إلى تأسيس وتأثيث عمل وطني إجتماعي سياسي تقوم به "القبيلة الإسلامية" لأداء واجبها نحو "شعبها المسلم" وكنت قد سطرت صفحات قليلة بعنوان (في مفهوم الحركة الإسلامية) في العام المنصرم مساهمةً مني في توضيح مفهوم الحركة الإسلامية المنشودة.
ودعوني ـ أعزائي القراء الكرام ـ أن أشرككم في نقاش رؤيتي لمفهوم الحركة الإسلامية، وليكون هذا النقاش في نقاط هي المفهوم والحركة والإسلام حسب العنوان (مفهوم الحركة الإسلامية).
1. المفهوم
وأنتم تعلمون أيها القراء والقارئات الكرام التمايز والتقاطع في الدلالة بين (التعريف) و(المفهوم) ففي حين أن المفهوم يعطينا فكرة ـ حسب إجتهادنا ـ عن جوهر الشيء أو المصطلح الذي نريد أن نعلم ماهيته حتى نفهمه أو نقترب من فهمه فإن التعريف هو عملية انتقال هذا الشيء أو المصطلح إلى حيز يكون فيه معروفاً سواء في كليته ـ كما نظن أو نتيقن ـ أو معروفاً ببعض خصائصه وعلاماته. وبإختصار فإن المفهوم من الفهم، أي معرفة أكبر قدر من المعلومات حول ما يراد فهمه حتى يمكن تفسيره وتصنيفه و الإنتقال به إلى مرحلة فقهه الشامل المركب (وليس المحيط فالإحاطة لله سبحانه وتعالى). وأرى أنه يحسن بنا أن نفهم أساس الحركة الإسلامية وخصائصها المنشودة قبل أن نسعى إلى العمل على ظهورها في المجتمع.
ولذلك دعونا نسأل أنفسنا ـ نحن المسلمين ـ : ما مفهوم الحركة الاسلامية التي أثرت إيجاباً وسلباً في تديُّن حياتنا في أكبر قطاعاته في الإجتماع والسياسة والإقتصاد والتربية. هذه الحركة التي ظهرت في معظم البلاد المسلمة ومنها السودان الذي كانت الحركة الإسلامية فيه متقدمة على نظيراتها في مجال الفعل السياسي كما كان يرى دكتور فهد النفيسي.
ولكن للأسف فقد أصاب هذه الحركة إنشقاق مؤلم في حقها وحق الوطن لأسباب آن الوقت أن تناقش في جوٍّ من الإستقامة العلمية حتى يمكن الاستفادة من عبرة تأريخها القريب بما له وما عليه. وقد بدأ البعض ممن كانوا يوماً أعضاءً في تلك الحركة (عليها شآبيب الرحمة) وغيرهم من أهل الوطن يكتبون عنها في الصحف السيارة ومواقع شبكة الإنترنت ونرجو لهم أن يستخلصوا العبرة من سيرورتها في الزمان وصيرورتها في المكان حتى نساهم كلنا في بناء الأرضية المعرفية التي توفّر الشروط الموضوعية لمرحلة ظهورها مرة أخرى متعافية من أمراضها التي أوهنت مسيرتها حتى تساهم في نهضة البلاد وإلا فلا داعي لها.
2. الحركة
الحركة مصطلح يندرج ضمن مصطلحات إجتماعية سياسية مثل التيار والجبهة والمؤتمر والإتجاه والحزب. وهذه المصطلحات تتقاطع في مفاهيمها تقاطعاً بيّناً لأنها تشكل جزءاً من شجرة مفاهيمية في حقل الإجتماع السياسي. و قد استخدم الإسلاميون كل هذه المصطلحات السياسية بكثرة في حين يقل عندهم استخدام مصطلح الحزب لأن كثيرين منهم (مثل أمين حسن عمر الذي كتب كتابةً سلبية عن هذا المصطلح قبل سنوات في مجلة منبر الشرق التي كانت تصدر في القاهرة) يرون أنه يحمل ظلالاً سالبة. ومقابل هذه الرؤية الواحدية نجد أن القرءان العظيم استخدم لفظ "حزب" حسب السياق ليكون حزباً للتدين الموجب أو حزباً للتدين السالب. والتدين يقصد به هنا التطبيق النسبي للدين في حياة الإنسان ضمن علاقاته الخمسة وهي علاقته مع الله توحيداً و علاقته مع أخيه الإنسان عدلاً و علاقته مع الحياة إبتلاءاً و علاقته مع الطبيعة تسخيراً و علاقته مع الآخرة جزاءاً؛ و يمكن اجمال هذه العلاقات في عبارة فلسفية تقول: الإنسان بين الشريعة و الطبيعة أو الإنسان بين عالمي الخلق والأمر.
ولفظ الحركة ـ أو التحريك إن توخينا الدقة ـ ورد صياغةً في القرءان العظيم مرة وحيدة في سورة القيامة (لا تحرِّك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرءانه). وأحد التعاريف الذي يميز الحركة هو ضدها أي أنها ضد السكون و لكن إذا أردنا أن نقترب من معرفة دلالتها فلا بد من معرفة الدلالة المتولدة من إجتماع دلالات أصواتها الثلاثة (الحاء و الراء و الكاف) بهذا الترتيب وعمل الحركات على هذه الأصوات. وجزء من هذا المعنى هو التغيير المستمر والمرتكز على فكرة، وبهذا المعنى استخدمها العلماء والمفكرون في توصيف كل تيار أو إتجاه أيديولوجي (فكراني) مثل الحركة الشيوعية والحركة الإسلامية وحركة لاهوت التحرير.
ورجوعًا إلى القرءان العظيم ـ المصدر الوحيد أو الأول للحركة الإسلامية ـ يمكننا أن نربط الحركة بشجرة مفاهيم مثل الشعب والقبيلة والأمة والقوم والهجرة والتجديد وغيرها. و سوف نختار منها (إختزالاً) مفهومي القبيلة والتجديد لنرى ما هي الحركة القَبِيلِيَّة (نسبة قياسية صحيحة) التجديدية مهما كان نوعها إسلاميًا أو علمانيًا. والتجديد هو سنة الحياة في الكينونة والسيرورة والصيرورة. وعندما يخاطبنا ربنا بأن (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) في سورة العنكبوت ـ الآية 20 ـ فالسَيْر هذا المتجه قصدًا نحو التنظير ـ أولاً ـ لمعرفة كيفية الخلق هو حركة لتغيير المكان ـ المرتبط بتغيير الزمان ـ و تغيير المعلومة تبديلاً و/أو تعديلاً حتى نصل لمرحلة جديدة ـ و ليست نهائية ـ لمعرفة كيفية الخلق سواء كان خلقاً مادياً و/أوخلقاً نفسياً. و الخلق عملية تغيير مستمرة في عوالم الدواب ـ بما فيها الإنسان ـ والأفكار والأشياء. ولكن هذه العملية التغييرية المستمرة مرتبطة بالإلتباس الذي يصيب من لا يعي عملية التجديد وخاصةً في عالم الأفكار و يغيب عنه فقهها (بل هم في لبسٍ من خلقٍ جديد ـ ق من الآية 15). وظني الراجح أننا قد أصابنا إلتباسٌ شديدُ التعقيد منعنا من استبيان جلّ المفاهيم الإجتماعية المؤثرة في حياتنا مثل مفهوم الإسلام المرتبط بالخَلْق في الطبيعة و الخُلُق في الشريعة.
3. الإسلام
وندخل هنا إلى مفهوم الإسلام الذي انتسبت إليه هذه الحركة. وبلا إطالة فالإسلام ليس اسماً لدين معيّن بل هو مصدر لجوهر الدين (عند) الله (إن الدين عند الله الإسلام ـ آل عمران من 19) ليرتقي إليه الإنسان ـ ابتغاءاً ـ بالإيمان (و من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ـ آل عمران من 85).لاحظ أن "ديناً" جاءت نكرة لتفيد تديّن الإنسان من خلال إيمانه زيادةً ونقصاناً في عملية إبتغائه للإسلام. والقرءان العظيم يتحدث عن إسلام الوجه لله في حالة الإحسان لينتقل الإنسان نحو الهدى ودين الحق الذي هو الإسلام (عند الله). و الدين لفظ لا جمع له في لسان القرءان العظيم و تحقق تاريخياً عبر رسالات (و ليس أديان) ذُكِرَت إبتداءاً برسالة نوح و إنتهاءاً بالرسالة الخاتمة. ويتحقق الدين عبر الإيمان والعلم والعمل في جدلية تأثير وتأثر جوهرها إسلام الوجه لله إحساناً بإتباع القيم (الدين القيّم) وإدماجها ـ أي القيم ـ في الخَلْق حتى تصبح أخلاقاً.
والسؤال هل يمكننا أن ننسب إلى الإسلام فنقول إسلامي و إسلاميون في حين أن القرءان سمانا على لسان إبراهيم (عليه السلام) المسلمين. علماؤنا القدامى فعلوا ذالك للتمييز بين المسلمين في مجتمعهم وبين الإسلاميين في جماعاتهم حتى أن أحدهم عنون أحد كتبه ب (مقالات الإسلاميين).
4. الحركة الإسلامية
الحركة الإسلامية هي حركة مجتمع مسلم تعمل على تفعيل وتحريك نشاطات هذا المجتمع ـ بجماعاته وجامعاته ـ نحو التجديد الواعي المرتكز على القيم والنماء المتوازن المرتكز على العدل. ونأتي هنا إلى مفهوم القبيلة التي هي فوق الشعب؛ فعندما نقرأ آية (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ـ الحجرات) نلاحظ أن القبائل ذكرت بعد الشعوب والقبيلة هي التجمع القاصد نحو قِبْلَته ليقود شعبَه للتعارف مع الشعوب والقبائل الأخرى. والقبيلة يمكن أن تكون تجمعاً عشائرياً (مثاله قبائل العرب) ينتسب إلى أصل أبٍ واحد أو مصلحةٍ غالبة أو مكان إجتماع كما يرى جعفر ميرغني؛ ويمكن أن تكون تجمعاً إختصاصياً مثل قبيلة العلماء في أي تخصص طبيعيٍّ أو شريعيٍّ؛ أو تجمعاً استراتيجياً ضخماً يقود شعوبه نحو قِبْلة مرتضاة مثل الإتحاد الأوروبي. وبهذا المعنى فالحركة الإسلامية هي بمثابة القبيلة "الإسلامية" التي تقود الشعب "المسلم" نحو "قبلة" المقاصد و الأهداف التي ارتضاها هذا الشعب.
5. خصائص الحركة الإسلامية
و تتصف الحركة الإسلامية (القبيلة الإسلامية التي تقود شعبها نحو قبلة مقاصده وأهدافه) بخصائص نذكر قليلاً منها:
أولها ـ مقصداً ـ أنها حركة نهضة أخلاقية شاملة وليست سياسية جزئية، فهي تعرف أن ما يتوافق عليه المجتمع هو القيم التي تتحوّل أخلاقاً وتؤثر في الأعراف (من المعروف) و لذلك تقبل هذه الحركة أعراف مجتمعها لأنها جزءٌ من تديّّنه القائم أصلاً على المشيئة (أي الحريّة). ولأنها طليعة مجتمعها فهي تقوده نحو تجديد تديّنه نماءاً في الشريعة التي هي عالم الأمر و تنميةً في الطبيعة التي هي عالم الخلق. (ولتقريب ذلك للأذهان يمكن أن نمثّل أمر الشريعة بالبرمجيات الحاسوبية و خلق الطبيعة بالعتاديات التقانية).
وثانيها ـ إنتماءأً ـ أنها لا تستبعد فئةً أو جماعةً أو معشراً أو فرداً في المجتمع لأي سبب كان لأنها إسلامية تتحرك بإسلامها منهجاً و إيمانها عملاً نحو كل المجتمع الذي تفترض فيه (و هو كذلك) أنه مجتمع مسلم بمن انتمى فيه إلى رسالة سماوية أو أرضية أو من لا يؤمن برسالةٍ أصلاً.
وثالثها ـ ولاءاً ـ أنها ليست بحزب بل ترعى أحزاب مجتمعها لتقود حركة الولاء الفكري إكتساباً لا إنتساباً وذلك بإنتقاد السلوك الجمعي لا الإعتقاد فيه حتى يقترب هذا السلوك من قيم ولاء المجتمع ولا يغترب عنها. ولأفراد هذا المجتمع أن يغيّروا ولاءاتهم الحزبية ولكن ولاؤهم لحركة المجتمع المسلم لا يتغيّر جماعياً.
ورابعها ـ فكراً ـ أنها حركة سلم إيجابي مستمد من الإسلام لتدافع عن مقاصد مجتمعها و حقوقه و تعمل على توعيته ليدافع عن حريته وحقوقه. وهي حركة حوار فكري مع كل أطياف مجتمعها لتأخذ مسؤوليتها كاملة نحو مجموعات ذات تدين منقوص لأن هذه المجموعات لم تجد فكراً إسلامياً في بعض نواحي الحياة و يمكن أن نمثل لها بالحركة الشيوعية التي لو وجد أفرادها في ذلك الوقت فكراً إقتصادياً إسلامياً مقنعاً ومعاصراً لما انتظموا في المنظومة الشيوعية.
وخامسها ـ عملاً ـ أنها حركة إجتماعية شاملة تهتم بكل شؤون المجتمع وعلى رأس أولوياتها استراتيجيات الصحة واستراتيجيات التعليم. وتقوم الفعالية التنظيمية على:
1. المنظومة المعرفية التي تترعرع في المجامع والجامعات؛
2. والنظام الإجتماعي الذي تهتدي به حياة المجتمع؛
3. والأنظومات القانونية التي يطبق النظام من خلالها من أجل التطوير والمراقبة؛
4. والمنظمات الأهلية التي يبادر بها المجتمع انسجاماً مع منظومته المعرفية ونظامه الإجتماعي.
والله أعلم.