كان منصور خالد الاول بين الانداد والنظراء منذ شبابه الباكر وحتي رحيله اليوم أكرمه ربه الذي اصطفاه بذكاء العقل وسلامة القلب ، ونقاء السيرة والسريرة ...عاش بلا تنازع وبلا تردد او وجل شجاع القلب والراي و مات راضيا عن نفسه متصالحا معها ، بلا تكبر او خيلاء وغرور ، مرضيا عليه من تلاميذه وأصدقائه ومحبيه ، برا باهله كريما ودودا ، رقيق الحاشية ، نقي القلب المنزه من الغل والحقد حتي علي من ناصبه العداء افتراء وظلما وتحاسدا وكأنه بتسامحه يحاكي قول ابو الطيب المتنبي :
فأبلغ حاسدي عليك أني كبا برق يحاول بي لحاقا ثم قول اخر: وكيف لا يحسد امرؤ علم له علي كل هامة قدم
لم يك منصور خالد رحمه الله سياسيا بقدر ما كان مؤرخا للفكر والسياسة والثقافة ، تشهد له ستة عشر كتابا موسوعيا ومئات المقالات والبحوث أودع في طياتها عصارة فكره وآرائه عن الحرب والسلام , وعن التنمية والبيئة ، وعن الحكم والحكام ، وعن الهوية والنخبة السودانية ونقصها عن التمام ، وكتب عن التصوف والموسيقي والغناء.. .. وكان منصور في كل ما قال وكتب ووثق مبتدرا مجددا ناقدا لا ناقلا او مقلدا ، كان من: التاركين من الأشياء أهونها والراكبين من الأشياء ما صعبا . وكان وسطيا مستقلا نبذ الغلو والتطرف الأيدولوجي والسياسي منذ صباه الباكر ، ثاقب النظر متطلعا دائماً نحو أفق بعيد وسعة الأفق ان تكون طليقا . ومنصور من رواد الاستنارة والتنوير استسقي ونهل من فيض المعارف الاسلامية والثقافات الانسانية والتراث السوداني ونادي قبل بضعة أعوام الشباب السوداني ودعاه لخلافة جيله وجيل اباء الاستقلال لانتشال الأمة السودانية من وهدة التحزب والتمزق والاحتراب وانتشال الوطن من حافة الهاوية.
كرمت منصور عام ٢٠١٦ نخبة قومية من اصدقاءه ومحبيه وتلاميذه الديبلوماسيين فاتخذت من شعار "عمارة العقل وجزالة المواهب" شعارا للتكريم اختزل جوهر الاوصاف والصفات عن تفرد شخصيته وتميز بذله وثراء وجزالة عطائه . جاء في تعريف محمود العقاد رحمه الله للعبقرية انها ثلاثية الأبعاد : التفرد ، السبق والابتكار . نحسب ان لمنصور خالد نصيب لا تخطءيه العين من هذه الثلاثية وربما هو عبقري زمانه بين اقرانه . يا حليلك يا منصور بدرا مضيءا منيرا وكوكبا مبهرا : وما كنت اعلم قبل دفنك ان الكواكب في التراب تغور . وغدا سيذكرك الزمان ولَم يزل للدهر أنصاف وحسن جزاء
الحمد لله فله ما أعطي وما أخذ ، نسأله الكريم المنان ان يمن علي عبده منصور بالمقام الرفيع مع الصديقين والشهداء ويتغمده بواسع رحمته وغفرانه ، وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه اجمعين.