قدوات وأرجوزات
عمر العمر
17 October, 2022
17 October, 2022
العميد المربي يوسف بدري يقسّم في سفره الذاتي الممتع ( قدر جيل ) الهرم الاجتماعي السوداني ثلاث طبقات .العليا قوامها شريحتان زعماء الطوائف سادة العقيدة -متكئا على تراث مملكة الفونج -ثم نظار القبائل ورؤوس العشائر .فالطبقة الوسطى قوامها الأفندية الموظفون والعاملون في الدولة الحديثة . فالسواد من الناس سكان المدن والريف من صناع ، زراع ورعاة .العميد يقول في نظار القبائل (حراس الأمن ،جباة الضرائب ،حلالو النزاعات ،وسطاء الخير وملاذ العشيرة والجيرة)يوسف بدري يعدد من أؤلئك الوجهاء كوكبة وضّاءة منها علي التوم ،عوض الكريم أبو سن،إبراهيم موسى مادبو ويوسف العجب.ما كان العميد شيوعيا لكن لعل هذه مقاربة ماركسية ناضجة .
******
هؤلاء العمالقة شكلوا ركائز الشعب الخارج من فجاج الحياة التقليدية إلى رحاب الدولة الحديثة فحازوا على مماشاة سلطة الادارة الاستعمارية دون التفريط في الموروث الوطني فاحتفظوا لأنفسهم باحترام لدى السلطة والشعب معًا في الوقت نفسه .ذلك دأبهم حتى بعد الاستقلال .فما تجرأ عليهم نظام غلظة ولا تزلفوا إليه خسة .هؤلاء هم النساجون الاجتماعيون الحقيقيون إذ غزلوا القماشة الشعبية بالتسامح والتكافل كما شدوا عصب الوحدة فوق عقد النعرات الجهوية والقبلية .بفطرتهم النافذة الذكية ساهموا في نشر العدل والعلم والوعي.ثم خلفهم من بعدهم خلف اتسموا بالعمى و العمه فأضاعوا رجاحة الحكمة، ثقل الهيبة و نفاذ الرشاد واتبعوا أشباه الرجال جريًا وراء شهوة المال.
******
بابو نمر لم يشد وحدة بطون المسيرية فقط بل استوعب رأسمال استقرارها كما طال نفاذ بصيرته استيعاب دور الجغرافيا في تنمية رأس مال القبيلة الاجتماعي. لذلك شدّ عرى تعايش فريد مع دينكا نقوك.من يمن طالع بابو نمر وجود رجل بقامة دينغ ماجوك على الضفة المقابلة من وراء بحر العرب . بابو نمر مرجعية ثرة لحسن الإدارة والحكمة الوقادة على نحو جعله محط تقدير من قيادات العمل السياسي من عبد الرحمن المهدي إلى جعفر نميري.فلما أعلن النميري حل الادارة الأهلية قال الناظر ثاقب الرؤية الادارة الأهلية انحلت يوم وصلت السكة الحديد ألى بابنوسة! تلك حكمة من يدرك تداعيات آليات الحداثة على البنى الاجتماعية التقليدية. منصور خالد يورد تفاصيل حوار بين نميري ونمر في لقاء اعقب مغامرة محمد نور سعد.زبدة الحوار نصيحة أسداها الناظر إلى الرئيس جوهرها(اجدع البعر وانضم سبحتك كويس).تلك حكمة بالغة بليغة من شيخ حكيم ألى رئيس كليم.
******
ابراهيم موسى مادبو عملاق آخر بين الأفذاذ من زعماء القبائل اركان الإدارة الأهلية .ناظر الرزيقات تميز بالحكمة والحنكة.هو الآخر قدم انموذجا بديعاً في الإدارة خالط فيه العقل بالعدل والشدة بالاستقامة. الناظر المربي حظر الخمور والتنباك عن ابناء القبيلة وحصر زكاتهم على فقرائها اذ منع إرسالها إلى دائرة المهدي .كما تمتع باحترام وتقدير الساسة ورجال الدولة في الداخل والخارج . فإلى حضرته وحاضرته الإقليمية وفد الفريق عبود،جمال عبد الناصر والشيخ زايد! ظلال أؤلئك العمالقة لم تقتصر على مساحات قبائلهم بل امتدت على رقعة الوطن .
******
على الرغم من تواتر النزاعات والمناوشات المسلحة بين بين الكبابيش والحمر ،بادر السير علي التوم ناصحا الادارة البريطانية بتسمية ناظر عام للحمر حفاظًا على وحدة القبيلة وتيسيرا للتعامل بين الكبابيش والحمر وبين الحمر والدولة. الحاكم العام لم يأخذ فقط بنصيحة علي التوم بل استأنس برأيه في تسمية منعم منصور ناظرًا عاما للحمر. ذلك ضرب نيّرٌ آخر للتعايش وحسن الجوار . دار حمر نفسها نموذج للتنوع اذ فيها تتلاقى قسمات قبائل السودان والوافدين عليه من شوام، أرمن ، أغاريق وغيرهم .لذلك يفاخر وجهاؤها بتسميتها (فرو فهد ) إيماءة لذلك التشكيل متعدد الألوان والأشكال .
******
لمّا أحس محمد احمد أبو سن ناظر الشكرية توقد رغبة الاستقلال لدى الشعب دعا إسماعيل الأزهري لزيارة البطانة فاستقبلته القبائل بالمواكب والذبائح .تلك المبادرة سرت في أطراف الوطن فحرّضت الأزهري على التجاوب مع الدعوات والاستجابة للرغبات الشعبية فتحول من الإتحاد مع مصر إلى المناداة بالاستقلال. في الشرق ظلت مكانة عثمان دقنة شاغرة إذ لم يظهر من يخلفه على الزعامة على المستوى الإقليمي دع عنك الصعيد الوطني.ما كان مذل الجيش البريطاني ومكسر مربعاته وهيبته رأس قبيلة. بل هو حامل شعلة الثورة الوطنية المهدية عبر جبال البلاد وسهولها.
******
الزبير حمد الملك وجه مشرق على جنبات متعددة في الحياة السودانية بينها أشعة داخل الادارة الأهلية .حينما استدعاه امر العشيرة نبذ امتيازات الوظيفة الحكومية وخف مجندا نفسه ، علمه ،خبراته وماله في خدمة الريف الشمالي من مروي إلى حلفا ناشرا التعليم وتطوير الانتاج الزراعي عبر المشاريع التعاونية .من إشعاعاته مساهمته الرائدة في بناء الحركة الوطنية عبر مؤتمر الخريجين أولا وحزب الأمة تاليًا .الزبير اول سوداني ينتزع من الادارة الاستعمارية سلطة قضائية فلم يزده ذلك إلا زينة و سماحة وسط أهل المنطقة بما فيهم مشايخها وعمدها . من المتداول في الذاكرة الجمعية مقولة(كان الزبير ظلمك الله ظلمك ) كناية عن نهجه في العدالة.
******
صحيح ظلت القبيلة مثل الطائفة حاملتين لأحزابنا التقليدية لكن أصب نشر مظلة أي منهما يشكل ردة في مسيرة التقدم الوطني .لذلك تمثل كل صيحة ذات حمولة قبلية او طائفية حماقة رعناء ضد الوطن ،ضد التقدم وضد الثورة .فكما لم تحظ حماقات متهور في الشرق بصدى إقليمي واسع قوبلت حماقة مندفع في الغرب باستخفاف اشد استهزاء. كلتاهما يفتقران لحكمة الزعامة وحنكة القيادة وجاذبية الشخصية .لذلك تتآكل مثل تلك الحماقات من الداخل فتواجه الذبول والموات.الرعيل الأول يمثل احد أشكال التحالفات الوليدة بين الإقطاع والبورجوازية. الرؤوس المعاصرة أجنة مشوهة لطفيليات الانقاذ المصنّعة. أؤلئك نشروا الحكمة، السماحة والأنمذجة. هؤلاء يبثون الكراهية والجهل والحماقة.
******
من المحزن إطلاق بعض حملة الأقلام توصيف المبدعين بالقبلية.اذ تقرأ قبيلة الصحافيين ،قبيلة المثقفين ،قبيلة المسرحيين و قبيلة الفنانين. كل أؤلئك حملة قبس التنوير ،صناع التقدم وطلائع الحداثة المحرضون على الأُطر التقليدية وارتياد آفاق الحداثة.كلهم ضد القبلية ومل المواعين الضيقة لكن ذلك النهج الساذج هو احد انعكاسات تفسخ ثقافة الانقاذ وانحطاطاته. هؤلاء مثل القيادات القبلية الحمقي ، أرجوزات الإدارة الأهلية ،يحاولون إدارة العجلة إلى الوراء
aloomar@gmail.com
/////////////////////////
******
هؤلاء العمالقة شكلوا ركائز الشعب الخارج من فجاج الحياة التقليدية إلى رحاب الدولة الحديثة فحازوا على مماشاة سلطة الادارة الاستعمارية دون التفريط في الموروث الوطني فاحتفظوا لأنفسهم باحترام لدى السلطة والشعب معًا في الوقت نفسه .ذلك دأبهم حتى بعد الاستقلال .فما تجرأ عليهم نظام غلظة ولا تزلفوا إليه خسة .هؤلاء هم النساجون الاجتماعيون الحقيقيون إذ غزلوا القماشة الشعبية بالتسامح والتكافل كما شدوا عصب الوحدة فوق عقد النعرات الجهوية والقبلية .بفطرتهم النافذة الذكية ساهموا في نشر العدل والعلم والوعي.ثم خلفهم من بعدهم خلف اتسموا بالعمى و العمه فأضاعوا رجاحة الحكمة، ثقل الهيبة و نفاذ الرشاد واتبعوا أشباه الرجال جريًا وراء شهوة المال.
******
بابو نمر لم يشد وحدة بطون المسيرية فقط بل استوعب رأسمال استقرارها كما طال نفاذ بصيرته استيعاب دور الجغرافيا في تنمية رأس مال القبيلة الاجتماعي. لذلك شدّ عرى تعايش فريد مع دينكا نقوك.من يمن طالع بابو نمر وجود رجل بقامة دينغ ماجوك على الضفة المقابلة من وراء بحر العرب . بابو نمر مرجعية ثرة لحسن الإدارة والحكمة الوقادة على نحو جعله محط تقدير من قيادات العمل السياسي من عبد الرحمن المهدي إلى جعفر نميري.فلما أعلن النميري حل الادارة الأهلية قال الناظر ثاقب الرؤية الادارة الأهلية انحلت يوم وصلت السكة الحديد ألى بابنوسة! تلك حكمة من يدرك تداعيات آليات الحداثة على البنى الاجتماعية التقليدية. منصور خالد يورد تفاصيل حوار بين نميري ونمر في لقاء اعقب مغامرة محمد نور سعد.زبدة الحوار نصيحة أسداها الناظر إلى الرئيس جوهرها(اجدع البعر وانضم سبحتك كويس).تلك حكمة بالغة بليغة من شيخ حكيم ألى رئيس كليم.
******
ابراهيم موسى مادبو عملاق آخر بين الأفذاذ من زعماء القبائل اركان الإدارة الأهلية .ناظر الرزيقات تميز بالحكمة والحنكة.هو الآخر قدم انموذجا بديعاً في الإدارة خالط فيه العقل بالعدل والشدة بالاستقامة. الناظر المربي حظر الخمور والتنباك عن ابناء القبيلة وحصر زكاتهم على فقرائها اذ منع إرسالها إلى دائرة المهدي .كما تمتع باحترام وتقدير الساسة ورجال الدولة في الداخل والخارج . فإلى حضرته وحاضرته الإقليمية وفد الفريق عبود،جمال عبد الناصر والشيخ زايد! ظلال أؤلئك العمالقة لم تقتصر على مساحات قبائلهم بل امتدت على رقعة الوطن .
******
على الرغم من تواتر النزاعات والمناوشات المسلحة بين بين الكبابيش والحمر ،بادر السير علي التوم ناصحا الادارة البريطانية بتسمية ناظر عام للحمر حفاظًا على وحدة القبيلة وتيسيرا للتعامل بين الكبابيش والحمر وبين الحمر والدولة. الحاكم العام لم يأخذ فقط بنصيحة علي التوم بل استأنس برأيه في تسمية منعم منصور ناظرًا عاما للحمر. ذلك ضرب نيّرٌ آخر للتعايش وحسن الجوار . دار حمر نفسها نموذج للتنوع اذ فيها تتلاقى قسمات قبائل السودان والوافدين عليه من شوام، أرمن ، أغاريق وغيرهم .لذلك يفاخر وجهاؤها بتسميتها (فرو فهد ) إيماءة لذلك التشكيل متعدد الألوان والأشكال .
******
لمّا أحس محمد احمد أبو سن ناظر الشكرية توقد رغبة الاستقلال لدى الشعب دعا إسماعيل الأزهري لزيارة البطانة فاستقبلته القبائل بالمواكب والذبائح .تلك المبادرة سرت في أطراف الوطن فحرّضت الأزهري على التجاوب مع الدعوات والاستجابة للرغبات الشعبية فتحول من الإتحاد مع مصر إلى المناداة بالاستقلال. في الشرق ظلت مكانة عثمان دقنة شاغرة إذ لم يظهر من يخلفه على الزعامة على المستوى الإقليمي دع عنك الصعيد الوطني.ما كان مذل الجيش البريطاني ومكسر مربعاته وهيبته رأس قبيلة. بل هو حامل شعلة الثورة الوطنية المهدية عبر جبال البلاد وسهولها.
******
الزبير حمد الملك وجه مشرق على جنبات متعددة في الحياة السودانية بينها أشعة داخل الادارة الأهلية .حينما استدعاه امر العشيرة نبذ امتيازات الوظيفة الحكومية وخف مجندا نفسه ، علمه ،خبراته وماله في خدمة الريف الشمالي من مروي إلى حلفا ناشرا التعليم وتطوير الانتاج الزراعي عبر المشاريع التعاونية .من إشعاعاته مساهمته الرائدة في بناء الحركة الوطنية عبر مؤتمر الخريجين أولا وحزب الأمة تاليًا .الزبير اول سوداني ينتزع من الادارة الاستعمارية سلطة قضائية فلم يزده ذلك إلا زينة و سماحة وسط أهل المنطقة بما فيهم مشايخها وعمدها . من المتداول في الذاكرة الجمعية مقولة(كان الزبير ظلمك الله ظلمك ) كناية عن نهجه في العدالة.
******
صحيح ظلت القبيلة مثل الطائفة حاملتين لأحزابنا التقليدية لكن أصب نشر مظلة أي منهما يشكل ردة في مسيرة التقدم الوطني .لذلك تمثل كل صيحة ذات حمولة قبلية او طائفية حماقة رعناء ضد الوطن ،ضد التقدم وضد الثورة .فكما لم تحظ حماقات متهور في الشرق بصدى إقليمي واسع قوبلت حماقة مندفع في الغرب باستخفاف اشد استهزاء. كلتاهما يفتقران لحكمة الزعامة وحنكة القيادة وجاذبية الشخصية .لذلك تتآكل مثل تلك الحماقات من الداخل فتواجه الذبول والموات.الرعيل الأول يمثل احد أشكال التحالفات الوليدة بين الإقطاع والبورجوازية. الرؤوس المعاصرة أجنة مشوهة لطفيليات الانقاذ المصنّعة. أؤلئك نشروا الحكمة، السماحة والأنمذجة. هؤلاء يبثون الكراهية والجهل والحماقة.
******
من المحزن إطلاق بعض حملة الأقلام توصيف المبدعين بالقبلية.اذ تقرأ قبيلة الصحافيين ،قبيلة المثقفين ،قبيلة المسرحيين و قبيلة الفنانين. كل أؤلئك حملة قبس التنوير ،صناع التقدم وطلائع الحداثة المحرضون على الأُطر التقليدية وارتياد آفاق الحداثة.كلهم ضد القبلية ومل المواعين الضيقة لكن ذلك النهج الساذج هو احد انعكاسات تفسخ ثقافة الانقاذ وانحطاطاته. هؤلاء مثل القيادات القبلية الحمقي ، أرجوزات الإدارة الأهلية ،يحاولون إدارة العجلة إلى الوراء
aloomar@gmail.com
/////////////////////////