قراءة فى مشهد الأنتخابات المصريه ونصائح ودروس وعبر

 


 

 


royalprince33@yahoo.com
تقريبا وصلت الأنتخابات النيابيه المصريه لنهايتها بمراحلها الثلاثه وأعاداتها ولم تتبق سوى دوائر تجرى فيها الأنتخابات من جديد بقرار صدر من المحاكم المختصه، اضافة الى دوائر لا زالت تنظر الطعون المقدمه فيها بسبب أخطاء فنيه واداريه أو لتجاوزات حدثت فى الضوابط الأنتخابيه مثل استخدام الدين بصوره واضحه فى الدعايه الأنتخابيه وخلاف ذلك من تجاوزات يعتبرها البعض طفيفه.
وعلى كل فقد تصدرت جماعة الأخوان المسلمون من خلال حزبهم (الحريه والعداله) وتحالفاته، قائمة الفائزين وحصلت على نسبة 46% مع انهم وعدوا مواطنيهم قبل الدخول فى العمليه الأنتخابيه بالأكتفاء بنسبة 30% من مقاعد البرلمان.
فاذا اضيف اليهم ما حصل عليه (السلفيون) يكون التيار الأسلامى (الواضح) قد حصد قرابة ال 70% من مقاعد البرلمان، وعليه فأن النتيجة هى أن (مصر) الدوله المدنيه لفترة طويلة من الزمن بمسلميها وأقباطها اصبحت تحت سيطرة (الأسلام السياسى)، فأما أن نهضوا بها وعملوا على أستقرارها ونهضتها لتصح مثل (تركيا) اردوجان - وهذا ما نرجوه - أو هم اتجهوا بها نحو (افغانستان) طالبان من حيث التطرف والغلو والشطط واضاعة الوقت فى المظهر بدلا عن الجوهر، أو اتخذوا طريقا ثالثا مشابه للذى سار فيه (اخوانهم) فى السودان ، الذين بعد أن (تمكنوا) تطاولوا فى البنيان وجمعوا المال الحرام وتنافسوا على الفساد وشرعنوا الطغيان والأستبداد ورسخوا اقدام الطائفيه الدينيه والتفرقه الأثنيه والجهويه، فاضاعوا وطنهم وقسموه الى جزئين ومزقوا الباقى وفرقوا شمل مواطنيهم على مختلف البلدان، بعد أن حولوا السودان الى دولة (حزب) وأقطاعية مملوكه لفئة صادرت جميع الحقوق وأحتكرتها لأتباعها وهيمنت على كآفة المؤسسات بما فيها مؤسسة (الجيش) الذى اذا نزع عنه ثوب القوميه فى اى بلد، ظهرت كردة فعل (مليشيات) وجماعات وحركات تحمل السلاح، ومن عجب فأن اكبر تلك المليشيات هى مليشيات الحزب الحاكم (المؤتمر الوطنى) التى تسمى خداعا (قوات الدفاع الشعبى).
على كل وكمتابع للأنتخابات المصريه اقول أن معظم المراقبين محليين وأجانب شهدوا لها (بالنزاهة) وفى مقدمة اؤلئك كالعادة (مؤسسة كارتر)، من حيث الرقابه الصارمه على الصناديق وعدم حشوها باوراق مزوره كما حدث فى السودان بعد أن كلف قاض على راس كل لجنه أنتخابيه.
لكن اتضح لاحقا أن هذه الضمانه وحدها لا تكفى للحكم على نزاهة الأنتخابات وعدم تزييف ارادة المواطنين فى دول العالم الثالث الذى تتفشى فيه الأميه والتدنى الثقافى.
فأجراء الأنتخابات فى غير وقتها المناسب خاصة بعد التخلص من نظام فاسد مستبد، لم يسمح بنمو معارضه راشده وقويه وعدم اتاحة الوقت لأستعداد كآفة القوى السياسيه خاصة الشباب والنساء بمد الفتره الأنتقاليه و ادارتها بواسطة حكومه (مدنيه) محائده ، أضافة الى التفريط فى الرقابه المحكمه على الصرف المالى على الأنتخابات على كافة الأحزاب واستخدام الدين فى الدعايه الأنتخابيه .. فكل هذا يمثل شكلا من اشكال عدم (النزاهة).
لكن رغم الأجماع على عدم العبث فى الصناديق، لكن لم تخلو تلك الأنتخابات من تهام وحيد قوى وهو والذى اثارته صحيفة (الفجر) بتزوير الأنتخابات عن طريق (التلاعب) فى تقنية ادخال بيانات الناخبين حيث ابرزت (مانشيت) مثير وبالبنط الكبير مكتوب فيه " تسليم مصر للأخوان عبر جريمة تزوير للأنتخابات".
وتذهب الصحيفه الى أكثر من ذلك فتقول: ((اختراق الشفره السريه لكمبيوتر الداخليه واستخراج بطاقات رقم قومى وهمى للتصويت أكثر من مرة)).
ولو ثبت هذا الأتهام وتأكد فأنه يشكل سابقه خطيره لا ندرى الى أين تذهب بنتيجة تلك الأنتخابات.
لكن فى جميع الأحوال ورغم فوز التيارات الأسلاميه بحوالى 70% و 354 مقعدا حتى الآن حصل منها (الأخوان) على 233 مقعدا والسلفيون على 121 مقعدا، وباقى القوى الوفد 43 مقعدا والكتله 39 والمستقلون 17 مقعدا، فأن ما يحمد لهذه الأنتخابات انها انهت ثقافة الفوز بنسبة تفوق ال 90% التى ادمنتها انظمة الحاكم المطلق.
ونجاح (قمصان) المرشحين فى احزاب السلطه أو من ترضى عنهم من (معارضين) مدجنين أو مصنوعين!
وبالطبع من بين القوى الفائزه الأخرى، من هم اقرب (للاسلاميين) مثل (حزب الوسط) و(الوفد) فى (النيولوك) الذى يقوده الدكتور (البرجماتى) السيد عبد البدوى، الذى لا يستبعد تحالفه مع (الأخوان) من أجل مصلحه (حزبيه) أو (شخصيه) ظهرت فى هرولته بعد الثوره مباشرة نحو (نظام الفساد) الأنقاذى فى السودان، من أجل الأستئثار باراض سودانيه، لا يهمه أن النظام الحاكم فى السودان شمولى وقمعى ومستبد يجب الا يتعاون معه من يقود حزب مدنى ليبرالى.
ومن الملاحظ أن قائمة الفائزين لم تخلو ممن يسميهم الثوار (بالفلول) أى من الذين انتموا للحزب الوطنى (سابقا)، اضافة الى فوز 6  من الأقباط، لكن ما يؤسف حقيقة أن تفوز فقط 8 نساء من بين 498 مرشحه.
الشاهد .. أن (التيارات الأسلاميه) اكتسحت الأنتخابات وخرجت بنصيب الاسد، ومهما ظهرت خلافات بين هذه التيارات فى هذه المرحله، لكنها بدون شك سوف تتكاتف وتتضامن وتنسق مواقفها أمام (الليبراليين) والديمقراطيين والداعين للدوله المدنيه، خاصة حينما يبدأ الحوار الجاد  داخل قبة البرلمان حول الدستور ومدنية الدولة وعلاقتها بالدين.
وأكثر ما يخشى منه أن تطور تلك الخلافات وتدخل فى عنف لفظى ويدوى يفوق العنف الذى حدث عند اشتعال الثوره أو بعد نجاحها.
فالشعب المصرى فى مجمله شعب (وسطى)، لا يحتمل ولا يتوقع أن تفرض عليه تلك التيارات ثقافة وافده أو أن تضيق عليه فى الحريات الشخصيه أو فى مجال الأبداع والفنون.
وفى ذات الوقت فأن التيارات الأسلاميه سوف لن تتنازل بسهوله عن تحقيق اهدافها ومشاريعها التى صبرت عليها لسنوات طوال ودخلت المعتقلات ونالت الوانا من العذاب، وسوف ترى بأنها تمتلك شرعية منحها لها الشعب من خلال صناديق الأنتخابات، مثلما حصلت من قبل على تأييده فى الأستفتاء على التعديلات الدستوريه.
وكل من يراهن على (الميادين) سوف يكون من الخاسرين، فمواجهة نظام (مبارك) المتهاوى فى آخر ايامه يختلف عن مواجهة (الأسلاميين) التى كانت تعتبر (الخروج) على الحاكم الفاسد والظالم (حراما) شرعا طالما كان مسلما، فما بالك بنظرتها فيمن يخرجون للأطاحة بنظام يلتحف رداء الدين ويحسب أنه خليفة الله فى الأرض؟
ومن مظاهر الغفله عند (الليبراليين) ودعاة الدوله المدنيه، أنهم نفذوا للأسلاميين رغباتهم وأمانيهم فى مواجهة (الجيش) والضغط عليه للتحول السريع نحو الحكم المدنى  الكامل وفى التخلى عن السلطه، دون أن يضطروهم للخروج معهم الى الميادين وللمشاركه فى المسيرات والأعتصامات.
ولو كانت نظرة هؤلاء (الليبراليين) أكثر عمقا، لطالبوا بوضع ما (للجيش) فى الدستور طالما  كان جيشا قوميا غير (مسيس) يتفق عليه الشعب المصرى كله، يشبه وضع الجيش التركى فى حماية الدوله العلمانيه والدستور، مع الأعتراف بالفروقات والخصوصيات من بلد لآخر، فالجيش الذى حمى الثوره ولم يوجه بنادقه نحو صدر شعبه – مع الأعتراف ببعض الأخطاء المتوقعه - هو الأجدر بالمحافظة على (مدنية) الدوله ووسطيتها، فخلع الأنظمه التى تتدثر برداء الدين أشبه بخلع الضرس الثابت القوى.

 

آراء