قصة دافئة

 


 

موسى المكي
21 February, 2023

 

(ارتجف الصبي المغامر في رحلة القطار المتكررة والمختلفة هذه المرة من وحشة اختبار البدايات، أدخل يده في جيبه ليخرج الشيء الذي دسه له والده في جيبه، كانت ورقة مكتوب عليها: لا تخف أنا في المقصورة الأخيرة)

بتصرف من التراث العالمي

أخذتني القصة بنوبات عميقة من (النشيج) النبيل،
كان أبي _ عليه رحمة الله ورضوانه وله أعالي جنانه_ يخصني من بين عياله بالمؤانسة والحكي الرائع ونحن في طريقنا (لمديقيقا) قبيل شروق الشمس والندي مازال متعلق بذيول الحشائش الموسمية وادغال الغابة الكثيفة، تنبعث من جنبات الدرب الضيق خلائط من أريج ازهار البرم والطلح والكداد والكتر والخروم وسنابل البرنس وأم شرايا والمالحة والعلج والنال والسايكو والكوريب.... مع رائحة الأرض والرطوبة وهوام الأرض ودوابها في ذروة خريف السافانا في الترتر، كان دائماً يتركني اتكلم بحرية، أشاركه الحداء والنم من شاكلة:

(أنا كورينا عقيد الخيل
فارس هلالا الفي نصاصي الليل)،

والمدائح والأناشيد من شاكلة:
(بلادي بلادي فداك دمي وهبت حياتي فداً فاسلمي)

ومن شاكلة:
(أطع الإله كما أمر وأملأ فؤادك بالحذر)،

وحتى أنه كان يسمح لي بالتقدم عليه وقيادة الرحلة وذلك لخفتي ورشاقتي وما يبدو في مخيلة شركاء الطريق على انه نضجاً مبكراً حينها برغم صغر سني،
لكنه يعود فجأة لأبويته الصارمة عند مفترق الطريق عند مدخل الغابة المظلمة المؤدية إلى مزرعتنا ويصر بطريقة آمرة ألا أتقدمه وهنا بالذات!!!

وكأي طفل يفيض بالرغبة في الاستكشاف وحب الاستطلاع،
حاولت أن استقصي عن هذه الجزئية المثيرة.
وهو بين أن يغرس في نفسي الشجاعة الكافية لمجابهة الحياة وبين قلبه الذي يغمرني بعاطفة أبوية مشبوبة وجامحة يعززها كونه عاش وحيداً بلا أشقاء،
وقد نجح في أن يخفي هذا السر عني لسنوات سريعة حتي صرت فتياً وعلمت أن هناك عند المفترق تربض دائماً أفعي ملك الكوبرا ( ابدرق الأسود) في ذات توقيت مرورنا اليومي الموسمي وهو قمين بمجابهتها بما يسرت له الأيام من تجربة وأسرار في هكذا ظرف في الوقت الذي لم أكن قد بلغت منها ما يطمئنه على منحي حرية القيادة.
////////////////////////

 

آراء