قضايا: مسؤولية صاحب المصنع عن أضرار المخلفات بأرض الغير! .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا
عبد المنعم عجب الفيا
17 October, 2022
17 October, 2022
المحكمة الأعلى
عبد القادر حاج الصافي........... مدعي
ضد
شركة مصانع الزيوت السودانية وآخرون......مدعى عليهم
ملخص الوقائع الثابتة:
المدعى عليهم ثلاثة من ملاك مصانع الزيوت والصابون التي تستخدم بذرة القطن والصودا الحارقة إضافة لمواد كيمائية أخرى. وتخلف هذه المواد كميات هائلة من النفايات منها متخلفات الوقود ونثار القطن. وكان المدعى عليهم قد استصدروا أمراً من سلطات البلدية بالخرطوم شمال (بحري) يسمح لهم بإلقاء المخلفات في أرضهم التي تفصلهم عن أرض المدعي. غير أن كميات من نثار القطن ظلت تذروها الرياح فوق أرض المدعي إضافة إلى أن مياه الأمطار تجرف جزءا من مخلفات الوقود إلى أرض المدعي وترتب على ذلك أن صار المدعي غير قادر على زراعة القطن في أرضه كما أن محصوله من الذرة قد أُتلف. وبرغم أن البلدية زودت المدعي عليهم بكل المتطلبات اللازمة للتخلص من النفايات بطريفة آمنة إلا أنهم لم يتمكنوا من وقف الضرر المستمر على أرض المدعي.
خلاصة أسباب الحكم:
(1) تندرج وقائع الدعوى تحت الإزعاج الضار، والجهل بالوقائع المكوٍّنة لهذا الازعاج لا يصلح دفاعاً.
(2) الإذن الصادر عن سلطات البلدية لا يعد دفاعاً فهو مجرد ترخيص، وليس قانوناً صادر عن السلطة التشريعية للمصلحة العامة، ولا يجوز أن يجرد هذا الترخيص المدعي من حقوقه القانونية.
(3) المدعى عليهم مسؤولون بالتضامن والانفراد عن الضرر الناتج عن التخلص من نفايات المصانع التي سببت الضرر للمدعي.
المحامون:
عبد الوهاب محمد عبد الوهاب/ عن المدعي
أحمد جمعة/ عن المدعى عليهم
الحكم
القاضي/ عثمان الطيب:
(بعد سرده الوقائع) يتضح جليا من الوقائع أن هناك ضررا وقع على أرض المدعي كنتيجة مباشرة لأفعال المدعى عليهم بسبب المواد المتولدة عن مصانعهم والتخلص منها برميها ووضعها بالقرب من أرض المدعي.
وقد أثار محامي المدعى عليهم عدداً من النقاط القانونية لنفي مسؤولية المدعى عليهم عن أي ضرر. وسوف اتناولها بالقدر اللازم والضروري بغية الوصول إلى قرار قضائي في هذه الدعوى.
ذكر المحامي أن فعل المدعى عليهم مصرح به من قبل سلطات البلدية ولذلك فإن أي ازعاج لا يمكن تفاديه ينتج عن هذا الفعل لا يجوز أن يكون محلاً للتقاضي. ولأن المصانع بطبيعة عملها تخلف النفايات والتي لابد من أن تُلقى بحسب زعمه. وقد اعتاد المدعى عليهم أن يرموا هذه النفايات أو تصريفها، ما أمكنهم ذلك، بعيدا عن المنطقة السكنية أو على الأقل بعيداً عن المصانع نفسها.
وما فهمته من بينة "باشكاتب" البلدية أن الطريقة التي يقوم بها المدعى عليهم في التخلص من النفايات تجري بعلم وموافقة البلدية، ولكن هذا ليس تصريحا من البلدية لهم بذلك، وأن سلطات البلدية تعمل جاهدة للتاكد من أن كل النفايات والمواد الأخرى يتم التخلص منها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعمل على مساعدة المدعى عليهم على أن يجدوا حلا لصعوبة التخلص من هذه المواد. ولكن لم يتمكن المدعى عليهم حتى الآن من توفير نظام ملائم وأكثر فاعلية للتخلص من المياه التالفة بمصانعهم.
والنظام المتبع الآن يقوم على الإمتصاص الترابي حيث تصرف المياه إلى أحواض امتصاص ترابية وعندما يمتلي الحوض توجه المياه إلى حوض ترابي آخر. لكن بهذه الطريقة سوف يملأ المدعى عليهم في سنوات قليلة كل بوصة من الأرض في تلك المنطقة المجاورة بهذه المواد مثل الغار الذي يبقى على سطح الأرض فلا تمتصه التربة ولا يتبخر بالشمس. وقد وصف "باشكاتب" البلدية هذه الطريقة بأنها ليست كافية وأنهم يدفعون في اتجاه توفير نظام تصريف يكون أكثر أماناً.
مهما يكن من أمر، فإنه طبقا للقانون الإنجليزي إن السلطة التي يجيز الفعل المسبب للازعاج هي سلطة القانون التي يمنحها التشريع البرلماني للقيام بواجبات محددة من أجل المصلحة العامة. وأما الشركات والمؤسسات التجارية فتُمنح التراخيص من الدولة لمزاولة نشاطها التجاري فقط مع تحملها المخاطرة والمسؤولية عن الأضرار التي تتسبب فيها لأي فرد من أفراد المجتمع.
والمدعى عليهم شركات ومؤسسات عادية أعطيتها حكومة السودان تراخيص لتسيير عملها بدون أدني حماية لها من المسؤولية عن أي أفعال تقوم بها من شأنها أن تلحق الضرر بالآخرين. ما أود تأكيده هنا هو أن سلطات البلدية لا يمكن ولا يجوز لها أن تصرح للمدعى عليهم بأن يتسببوا في الإضرار بالآخرين.
نقطة الدفاع الثانية التي أثارها محامي المدعى عليهم هي أن المدعى عليهم لم يكونوا على علم بأنهم كانوا يسببون إزعاجاً nuisance ضاراً بالغير. لكن هذا الزعم لم يثبت لدى المحكمة كواقعة. فهم كانوا يعلمون أن هذه المواد تتكاثر بكميات كبيرة من مصانعهم وتحتوي على الصودا الحارقة ومواد كيمائية أخرى وقد أقروا أن الصودا ذات طبيعة سامة، فكان عليهم إدارك أن ذلك سيكون مضرا بالمحاصيل وبالتربة خاصة وأن أرض المدعي أرض زراعية ووضع هذه المواد بالقرب منها من المحتمل جدا أن تتسرب إليها كميات من هذه المواد. ونفس الشي يقال عن نثار بذرة القطن.
كان يمكن أن يكون دفاع المدعى عليهم مقبولاً لو أنهم كانوا يجهلون بأي صورة من الصور أن هذه المواد تتضمن بعض العناصر المضرة بالمحاصيل والتربة وأن المكان الذي بتخلصون فيه من النفايات والمخلفات ليس مكانا يتخذ في الزراعة أو أنه ملكية خاصة، ولو أنهم عجزوا عن إدراك هذه الحقائق بعد بذل المجهود والعناية المعقولة لمعرفتها.
وأما الأحكام القضائية التي استشهد بها محامي المدعى عليهم فيبدو جلياً أنها جميعها قد اقيمت فيها البينة على الجهل بالوقائع التي تشكل ازعاجاً في تلك القضايا. فهي إذاً غير منطبقة على وقائع هذه الدعوى. (انظر: Clerk & Lindsell الطبعة العاشرة، صفحة 558).
نخلص من كل ذلك إلى أن الفعل الذي تسبب في الضرر وقع نتيجة تخلص المدعى عليهم من النفايات وتصريفهم المياه من مصانعهم، لذا فإن المدعى عليهم الثلاثة شركاء في المسؤولية التقصيرية ومسؤولون عن التعويض عن هذه الأضرار بالتضامن والانفراد.
ملحوظة المحرر:
"أيّدت محكمة الاستئناف (العليا) بالرقم AC-APP-36-1956)) هذا الحكم بالهيئة المشكَّلة من أبورنّات وسوني ومجذوب علي حسيب، لكنهم عدلوا في مبلغ التعويض المحكوم به".
هوامش المترجم:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1956 ص71 ، Sudan Law Journal and Reports, 1956 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية حتى سنة 1970.
(2) "المحكمة الأعلى" The High Court فضلنا "الأعلى"، فهي الأصوب كما نرى وليس "العليا" التي تجدها في المصادر القانونية الأخرى، وحتى لا تلتبس باسم "المحكمة العليا" المعروفة الآن.
وتتكون "المحكمة الأعلى" من قاضي فرد ولها سلطة ابتدائية في نظر كل القضايا المدنية وكذلك النظر في الدعاوى الإدارية والدستورية. ومن اختصاصها الفصل في الطعون التي ترفع إليها من المحاكم الجزئية وتستأنف أحكامها في كل الحالات إلى محكمة الاستئناف (العليا) ويرفع الاستئناف منها وإليها في شكل طلب مراجعة.
(3) القاضي/ عثمان الطيب، شغل منصب رئيس القضاء للفترة ما بين 1968-1972.
عبد المنعم عجب الفَيا – 17 أكتوبر 2022
abusara21@gmail.com
عبد القادر حاج الصافي........... مدعي
ضد
شركة مصانع الزيوت السودانية وآخرون......مدعى عليهم
ملخص الوقائع الثابتة:
المدعى عليهم ثلاثة من ملاك مصانع الزيوت والصابون التي تستخدم بذرة القطن والصودا الحارقة إضافة لمواد كيمائية أخرى. وتخلف هذه المواد كميات هائلة من النفايات منها متخلفات الوقود ونثار القطن. وكان المدعى عليهم قد استصدروا أمراً من سلطات البلدية بالخرطوم شمال (بحري) يسمح لهم بإلقاء المخلفات في أرضهم التي تفصلهم عن أرض المدعي. غير أن كميات من نثار القطن ظلت تذروها الرياح فوق أرض المدعي إضافة إلى أن مياه الأمطار تجرف جزءا من مخلفات الوقود إلى أرض المدعي وترتب على ذلك أن صار المدعي غير قادر على زراعة القطن في أرضه كما أن محصوله من الذرة قد أُتلف. وبرغم أن البلدية زودت المدعي عليهم بكل المتطلبات اللازمة للتخلص من النفايات بطريفة آمنة إلا أنهم لم يتمكنوا من وقف الضرر المستمر على أرض المدعي.
خلاصة أسباب الحكم:
(1) تندرج وقائع الدعوى تحت الإزعاج الضار، والجهل بالوقائع المكوٍّنة لهذا الازعاج لا يصلح دفاعاً.
(2) الإذن الصادر عن سلطات البلدية لا يعد دفاعاً فهو مجرد ترخيص، وليس قانوناً صادر عن السلطة التشريعية للمصلحة العامة، ولا يجوز أن يجرد هذا الترخيص المدعي من حقوقه القانونية.
(3) المدعى عليهم مسؤولون بالتضامن والانفراد عن الضرر الناتج عن التخلص من نفايات المصانع التي سببت الضرر للمدعي.
المحامون:
عبد الوهاب محمد عبد الوهاب/ عن المدعي
أحمد جمعة/ عن المدعى عليهم
الحكم
القاضي/ عثمان الطيب:
(بعد سرده الوقائع) يتضح جليا من الوقائع أن هناك ضررا وقع على أرض المدعي كنتيجة مباشرة لأفعال المدعى عليهم بسبب المواد المتولدة عن مصانعهم والتخلص منها برميها ووضعها بالقرب من أرض المدعي.
وقد أثار محامي المدعى عليهم عدداً من النقاط القانونية لنفي مسؤولية المدعى عليهم عن أي ضرر. وسوف اتناولها بالقدر اللازم والضروري بغية الوصول إلى قرار قضائي في هذه الدعوى.
ذكر المحامي أن فعل المدعى عليهم مصرح به من قبل سلطات البلدية ولذلك فإن أي ازعاج لا يمكن تفاديه ينتج عن هذا الفعل لا يجوز أن يكون محلاً للتقاضي. ولأن المصانع بطبيعة عملها تخلف النفايات والتي لابد من أن تُلقى بحسب زعمه. وقد اعتاد المدعى عليهم أن يرموا هذه النفايات أو تصريفها، ما أمكنهم ذلك، بعيدا عن المنطقة السكنية أو على الأقل بعيداً عن المصانع نفسها.
وما فهمته من بينة "باشكاتب" البلدية أن الطريقة التي يقوم بها المدعى عليهم في التخلص من النفايات تجري بعلم وموافقة البلدية، ولكن هذا ليس تصريحا من البلدية لهم بذلك، وأن سلطات البلدية تعمل جاهدة للتاكد من أن كل النفايات والمواد الأخرى يتم التخلص منها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعمل على مساعدة المدعى عليهم على أن يجدوا حلا لصعوبة التخلص من هذه المواد. ولكن لم يتمكن المدعى عليهم حتى الآن من توفير نظام ملائم وأكثر فاعلية للتخلص من المياه التالفة بمصانعهم.
والنظام المتبع الآن يقوم على الإمتصاص الترابي حيث تصرف المياه إلى أحواض امتصاص ترابية وعندما يمتلي الحوض توجه المياه إلى حوض ترابي آخر. لكن بهذه الطريقة سوف يملأ المدعى عليهم في سنوات قليلة كل بوصة من الأرض في تلك المنطقة المجاورة بهذه المواد مثل الغار الذي يبقى على سطح الأرض فلا تمتصه التربة ولا يتبخر بالشمس. وقد وصف "باشكاتب" البلدية هذه الطريقة بأنها ليست كافية وأنهم يدفعون في اتجاه توفير نظام تصريف يكون أكثر أماناً.
مهما يكن من أمر، فإنه طبقا للقانون الإنجليزي إن السلطة التي يجيز الفعل المسبب للازعاج هي سلطة القانون التي يمنحها التشريع البرلماني للقيام بواجبات محددة من أجل المصلحة العامة. وأما الشركات والمؤسسات التجارية فتُمنح التراخيص من الدولة لمزاولة نشاطها التجاري فقط مع تحملها المخاطرة والمسؤولية عن الأضرار التي تتسبب فيها لأي فرد من أفراد المجتمع.
والمدعى عليهم شركات ومؤسسات عادية أعطيتها حكومة السودان تراخيص لتسيير عملها بدون أدني حماية لها من المسؤولية عن أي أفعال تقوم بها من شأنها أن تلحق الضرر بالآخرين. ما أود تأكيده هنا هو أن سلطات البلدية لا يمكن ولا يجوز لها أن تصرح للمدعى عليهم بأن يتسببوا في الإضرار بالآخرين.
نقطة الدفاع الثانية التي أثارها محامي المدعى عليهم هي أن المدعى عليهم لم يكونوا على علم بأنهم كانوا يسببون إزعاجاً nuisance ضاراً بالغير. لكن هذا الزعم لم يثبت لدى المحكمة كواقعة. فهم كانوا يعلمون أن هذه المواد تتكاثر بكميات كبيرة من مصانعهم وتحتوي على الصودا الحارقة ومواد كيمائية أخرى وقد أقروا أن الصودا ذات طبيعة سامة، فكان عليهم إدارك أن ذلك سيكون مضرا بالمحاصيل وبالتربة خاصة وأن أرض المدعي أرض زراعية ووضع هذه المواد بالقرب منها من المحتمل جدا أن تتسرب إليها كميات من هذه المواد. ونفس الشي يقال عن نثار بذرة القطن.
كان يمكن أن يكون دفاع المدعى عليهم مقبولاً لو أنهم كانوا يجهلون بأي صورة من الصور أن هذه المواد تتضمن بعض العناصر المضرة بالمحاصيل والتربة وأن المكان الذي بتخلصون فيه من النفايات والمخلفات ليس مكانا يتخذ في الزراعة أو أنه ملكية خاصة، ولو أنهم عجزوا عن إدراك هذه الحقائق بعد بذل المجهود والعناية المعقولة لمعرفتها.
وأما الأحكام القضائية التي استشهد بها محامي المدعى عليهم فيبدو جلياً أنها جميعها قد اقيمت فيها البينة على الجهل بالوقائع التي تشكل ازعاجاً في تلك القضايا. فهي إذاً غير منطبقة على وقائع هذه الدعوى. (انظر: Clerk & Lindsell الطبعة العاشرة، صفحة 558).
نخلص من كل ذلك إلى أن الفعل الذي تسبب في الضرر وقع نتيجة تخلص المدعى عليهم من النفايات وتصريفهم المياه من مصانعهم، لذا فإن المدعى عليهم الثلاثة شركاء في المسؤولية التقصيرية ومسؤولون عن التعويض عن هذه الأضرار بالتضامن والانفراد.
ملحوظة المحرر:
"أيّدت محكمة الاستئناف (العليا) بالرقم AC-APP-36-1956)) هذا الحكم بالهيئة المشكَّلة من أبورنّات وسوني ومجذوب علي حسيب، لكنهم عدلوا في مبلغ التعويض المحكوم به".
هوامش المترجم:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1956 ص71 ، Sudan Law Journal and Reports, 1956 وكانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية بالانجليزية حتى سنة 1970.
(2) "المحكمة الأعلى" The High Court فضلنا "الأعلى"، فهي الأصوب كما نرى وليس "العليا" التي تجدها في المصادر القانونية الأخرى، وحتى لا تلتبس باسم "المحكمة العليا" المعروفة الآن.
وتتكون "المحكمة الأعلى" من قاضي فرد ولها سلطة ابتدائية في نظر كل القضايا المدنية وكذلك النظر في الدعاوى الإدارية والدستورية. ومن اختصاصها الفصل في الطعون التي ترفع إليها من المحاكم الجزئية وتستأنف أحكامها في كل الحالات إلى محكمة الاستئناف (العليا) ويرفع الاستئناف منها وإليها في شكل طلب مراجعة.
(3) القاضي/ عثمان الطيب، شغل منصب رئيس القضاء للفترة ما بين 1968-1972.
عبد المنعم عجب الفَيا – 17 أكتوبر 2022
abusara21@gmail.com