كردفان في القرن الثامن العاشر Kordofan in the Eighteenth Century R.S. O’Fahey ريكس ش. أوفاهي ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذا تلخيص لبعض ما ورد في مقال نُشر عام 1973م بالعدد الرابع والخمسين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات" للمؤرخ الراحل ريكس ش. أوفاهي (1943 – 2019م) عن "كردفان في القرن الثامن العاشر"، قام فيه بالترجمة والتعليق على بعض ما جاء في كتاب لادمون دي كالفان E. de Cadalvene وجول دي بروفري J. De Breuvery عنوانه "L'Egypte et al Nubie مصر والنوبة"، صدر بباريس عام 1841م. حصل أوفاهي على درجة الدكتوراه في التاريخ برسالة عن تاريخ دارفور قبل الاستعمار من جامعة لندن، تحت إشراف ب. بيتر هولت، وعمل محاضرا بجامعة الخرطوم بين عامي 1970 و1973م، ودرَّس بعد ذلك لعام كامل في جامعة أدنبرا بأسكوتلندا، ثم التحق بجامعة بيرجن بالنرويج حتى عام 2013م، حين تقاعد (1). المترجم ******** ********** ******** يتضمن هذا الكتاب وصفا متميزا وقيما لا نظير له لتاريخ كردفان في غضون سنوات القرن الثامن عشر. وتأتي قيمة الكتاب من اهتمامه بالتواريخ، واحتوائه على خريطة (للمنطقة). ويركز هذا المقال على جانب من تاريخ كردفان هو تاريخ نشاطات المسبعات وسلاطينها (2). وقد قمت في مقالي هذا بترجمة ما ورد في صفحات 197 - 215 بكتاب "مصر والنوبة" عن تاريخ كردفان من القرن الخامس عشر إلى بداية تقدم الدفتردار لكردفان في صيف عام 1821م. وقمت أيضا بإضافة بعض التعليقات على ما ورد في الكتاب في ذلك الصَّدد. زار مؤلفا الكتاب السودان التركي – المصري في عام 1831م في رحلة نيلية إلى جبل البركل. وعلى الرغم من أن المؤلفين كانا قد أفلحا في تقديم معلومات قيمة عن السودان في كتابهما، إلا أنه يجب القول بأن ما ورد بالكتاب عن تاريخ كردفان لم يكن كله نتاجا لأبحاثهما الشخصية، بل كان مُسْتَقا من أبحاث المستشرق الفرنسي الشاب ماتيو أوغست كونيغ Mathien – Auguste Koening. ولد كونيغ في باريس عام 1802م، ودرس اللغات الشرقية بها، ثم انتقل إلى مصر عام 1821م ليكمل دراسته للغة العربية، وبقي بها طوال حياته. ويبدو أنه أصاب نجاحا كبيرا في اللغة العربية، إذ عينه والي مصر محمد علي باشا مترجما للمؤلفات العلمية الغربية. وكان يُدَرِّسُ في كلية الأركان المصرية (مكتب الرجال) ويُعلم أبناء الوالي أيضا. وعمل كذلك سكرتيرا خاصا لمحمد سعيد باشا بين عامي 1854 – 1863م، وكان يحتل مكانا مرموقا في أوساط المجتمع الأوروبي بمصر إلى حين وفاته عام 1865م. وكان كونيغ قد قام بجولة واسعة في السودان بين عامي 1823 – 1825م، زار في غضونها مدن شندي وسنار وكردفان. ولا توجد أي كتابات موثقة عن تلك الرحلة سوى ما خطه الرجل من رسائل قليلة القيمة عن رحلته تلك، تم نشرها في أعوام 1824 و1825و 1826م في "مجلة الجمعية الجغرافية" الفرنسية. غير أن هنالك محاولات قد جرت للبحث عن أوراق كونيغ (بخصوص تلك الرحلة وغيرها. المترجم) في باريس والقاهرة. وكما أسلفنا فإن غالب ما سجله مؤلفا كتاب "مصر والنوبة" عن تاريخ كردفان المتأخر كان مصدره هو كونيغ. كان شيخ تيما؟ Tayma ، وهو من بسانا Basna (أحد أفخاذ / فروع المسبعات) قد رافق المقدوم مسلم عندما تقدم نحو كردفان في عام 1214 هـ / 1799 – 1800م. وعقب استيلاء محمد بك الدفتردار على كردفان، قام ذلك الشيخ بالانسحاب نحو سلطنة دارفور (في رفقة قادة دارفوريين آخرين) حيث قام السلطان محمد الفضل بسجنه. غير أنه أفلح في الهرب من السجن والعودة لكردفان، حيث وضع نفسه تحت رحمة الدفتردار. وفي تلك السنوات كان محمد علي باشا يقوم بالتنقيب عن الذهب في منطقة شيبون (3). وفكر الاتراك في الاستفادة من نفوذ الشيخ تيما في التأثير على سكان المنطقة لتسهيل عمليات التنقيب. ولما لم يثمر مشروع التنقيب عن شيء يذكر، قاد الشيخ مؤسسة في مدينة الأبيض تخصصت في عمليات إخصاء المسترقين وبيعهم. وقابل الرحالة البريطاني هولرويد (4) شيخ تيما هذا في الأبيض (وكان يسميه "تمار Tamar") وزعم له الشيخ بأنه من كنجارا الفور الذين يمتون بصلة الدم مع فخذ من المسبعات يسمى بسانا، وأنه أخ لسلطان دارفور الراحل عبد الرحمن الراشد (1204هـ / 1789م - 1215 هـ /1801م). جاء في مذكرات هولرويد عن ذلك الشيخ: "قال بأنه أتى لأول مرة لكردفان قبل 36 عاما، وبقي بها حتى غزاها الدفتردار، حين آب إلى دارفور. غير أن أحس بأن وجوده في دارفور غير مرغوب فيه، وخشي أن يقتل غِيلةً، فآثر أن يرتحل إلى سنار. ولما استقرت الأمور للحكومة الجديدة، عاد لمدينة الأبيض، حيث تم منحه معاشا شهريا يبلغ 600 قرشا من محمد علي باشا". ولا بد أن شيخ تيما كان قد زار مصر وأستقر فيها في وقت من الأوقات، وقابله في غضون ذلك دي كالفان ودي بروفري بعد عودتهما من رحلتهما للسودان. سيلاحظ القارئ أن ذكر كردفان في كتاب "مصر والنوبة" قد ورد في جزئين تفصل بينهما صفحة واحدة (ص 203)، بالفقرة الثانية في النص الأصلي للكتاب. وتعزز المصادر المستقلة المعلومات التي وردت بالكتاب في ذلك الجزء، ويمكن أن يُعتمد عليها، رغم أنها ليست خالية تماما من بعض الهنات. وكان الجزء السابق لما ذكر مشابها في أسلوبه للجزء التالي، ويمكن تصديق أنه قد أحداثه قد وقعت بالفعل. غير أن ما ذكر به من تواريخ مختلف عليها بعض الشيء بحسب بعض المصادر الأخرى. ومن الممكن أن نحدد بالكتاب الأصلي أقرب تاريخ ممكن للأحداث ونهاياتها (terminus a quo)، فقد ذكر في صفحة 200 من الكتاب بأن شيخ عجب كان قد توفي في بداية القرن السابع عشر. وتفيد الرواية في الكتاب بأن أحمد المعقور "الغريب الحكيم" في تراث دارفور هو من أدخل الإسلام لدارفور بعد عهد شيخ عجيب، وهذه فرضية معقولة ولكنها ليست مثبتة تماما. ولكن كانت هنالك إشارات تدل على أن الصراعات الباكرة بين الفونج والفور في كردفان (المذكورة في صفحات 200 – 202) لم تكن قد وقعت قبل 1700م. وكان على رأس تلك النزاعات شيخ من "الغديات" اسمه الليسي تم تنصيبه كـ "شيخ الجبال" في 1559م. وظهر ابن لذلك الشيخ في وثيقة من الفونج عام 1737م، ولا بد أن يكون حفيده قد عاش بين 1166 هـ /1752م و1177هـ /1763م. لذا يمكن القول باختصار بأن ما ورد في كتاب "مصر والنوبة" عن كردفان يقتصر على الأحداث التي وقعت في القرن الثامن عشر، ولا يجب الاعتداد بكل ما ذكر فيه من أحداث في تواريخ سابقة لذلك القرن، فكل تلك المعلومات فيما يبدو مُختَلَقة. وقمت في هذا المقال باستخدام التهجئة الحديثة لأسماء البشر والأماكن، وأضفت كذلك التواريخ الهجرية المقابلة للتواريخ الميلادية. وهدفت من تعليقاتي على النص الأصلي أن أقدم إسنادات (مراجع) ترافقية cross references وليس تفسيرات لكل حالات الغموض في ذلك النص. ويجب تذكر أن كلمة كردفان (كردفال في النص الأصلي) تشير إلى ما هو الآن الجزء الأوسط من كردفان الحديثة. ********** *********** *********** الجزء الثاني من "مصر والنوبة": صفحات 197 - 215 ظلت كردفان الواقعة بين سلطنتي دارفور وسنار القويتين أضعف من أن تحافظ على استقلالها ضد جارتيها القويتين، وبقيت لسنوات طويلة تحت حكم أجنبي. وتتفق كل الروايات عن تلك المديرية على أنها كانت المسرح والجائزة التي تنافس عليها حكام السلطنتين المجاورتين بصراعات دموية. وكان تاريخ أقدم الوثائق عن تاريخ كردفان يمتد لأكثر قليلا من أربعة عقود. وكانت كردفان تحكم لمدة طويلة من قبل سلاطين الداجو الدارفوريين. وكان التنجر والكاشيفور؟ Kachifor هم آخر الحكام الوثنيين الذين حكموا كردفان بين عامي 850 هـ و 1446 – 1447م. وفي تلك السنوات أفلح أحمد المعقور (عربي قرشي الأصل يُنسب إلى عبد الله بن عباس ابن عم النبي) في تزعم بعض القبائل العربية وإنشاء أول سلطنة اسلامية في دارفور وكردفان بعد أن حارب حكامها الوثنيين (أورد الكاتب قائمة بترتيب زمني بحكام دارفور المسلمين، تجدها في نهاية هذا المقال. المترجم). ووردت في مأثورات أخرى أن دارفور كانت قد فقدت كردفان من قبل ذلك. وكانت تلك المديرية تحكم بالقوانيين الإسلامية عندما غزاها أحمد المعقور، وكانت من ضمن أملاك عجيب الكافولي (يسمى أحيانا عجيب الكافوتا) الذي حكم المنطقة الممتدة من دنقلا العجوز وسواكن، التي كان يقطنها العرب الحداربة، (5)، والجبال التي يسكنها الوثنيون في الجنوب. في عام 1474م، حين توفي عجيب الكافولي (وفوق قبره قبة لا تزال موجودة في جبل قري التي لا تبعد كثيرا عن الحلفايا)، قام عمارة دنقس أبو نايل (أول سلطان لسنار) بالاستفادة من النزاعات التي وقعت بين القبائل العربية المُتَرَحّلة في السهول وبين حشود قاطني الجبال الذين يمثلون غالب سكان كردفان، وضم تلك المديرية لسلطنته. وفي تلك السنوات كان على سلاطين دارفور أن يتخلوا عن حكم كردفان بسبب صراعاتهم الداخلية. غير أنهم لم يترددوا في استغلال وفاة السلطان عمارة عام 1510م لتجديد سيادتهم على كردفان. فقام إبراهيم الدليل، بمساندة من القبائل العربية والغديات، بالتحرك من كوبي (عاصمة دارفور قديما) على رأس جيش كبير وأحتل الأبيض، عاصمة كردفان، دون قتال. غير أن ذلك الانتصار لم يُعَمِّر طويلا لأن زعماء القبيلتين العربيتين القويتين الذين أعانوا سلطان دارفور على احتلال منطقتهم اختلفوا فيما بينهم واصطرعوا على السلطة. ونتيجة لذلك أفلح بادي سلطان سنار في إقناع / إغراء الغديات بالتعاون معه في احتلال كردفان عام 1559م، مقابل إعطاء شيخهم (الليسي أو الياس في بعض المصادر) لقب "شيخ الجبال" والسلطة المطلقة على منطقة مركزها في كاشقيل. وكانت الخلافات والنزاعات الفاشية في دارفور قد حالت لعقود طويلة بين حكامها وبين التفكير في توسيع نطاق حكمهم. وظل الصراع الدموي حول السلطة محتدما بين عشيرتي (عائلتي) المسبعات والكنجارة. وكان يقف خلف كل واحدة من العشيرتين أنصار كثيرون. وبقيت دارفور لعقدين من الزمان في حالة حرب أهلية نتيجة لذلك الصراع. وفي عام 1578م أحرز إدريس جعل ؟ (Ja’l) بن صابون انتصارا حاسما ضد المسبعات، لم يعد بإمكانهم بعده ادعاء أي حق في تسنم عرش سلطنة دارفور. وكان دكين الفونجاوي قد خلف شيخ الليسي في حكم كردفان وذلك باسم سلطان الفونج بسنار في عام 1603م (6) حين حاول أمير من المسبعات اسمه جنقال، كان قد طُرد من دارفور، السيطرة على كردفان بعون من عرب البديرية القاطنين جبال سروجي بغرب كردفان في الطريق إلى دارفور. سار جنقال بجيشه نحو الأبيض حيث وقعت معركة بينه وبين دكين الفونجاوي أنتصر فيها الأخير بعد أن قتل جنقال بيديه، وأرسل رأسه إلى سلطان سنار. وبذا توطدت سيطرة سلطنة الفونج بسنار على كردفان لقرن كامل تقريبا. وبعد مرور خمس سنوات، عاد موسى لدارفور استجابة لنداءات أنصاره فيها، وأفلح في استعادة عرشه وقتل أخيه. واستفاد الفونج من مغادرة موسى، واستعادوا – بعون من الغديات - حكم كردفان عام 1706م. ************* ************ ************ إحالات مرجعية 1/ نشر المؤرخ أحمد أبوشوك نعيا لأوفاهي، تجده في مجلة Islamic Africa 10 (2019) 1-9 ونعاه أيضا معهد دراسة الفكر الإسلامي في إفريقيا بجامعة نورثويستن الإمريكية: https://isita.northwestern.edu/about/r.s.-ofahey/index.html 2/ للمزيد عن تاريخ المسبعات يمكن النظر في الرابط https://tinyurl.com/y4ry3x5x 3/ سبق لنا ترجمة مقال بعنوان "ذهب شيبون" تجده هنا: https://tinyurl.com/y5lyttul 4/ آرثر تود هولرويد (1806 – 1887م) هو طبيب ورحالة وقانوني. يعد أول أوروبي يقطع صحراء بيوضة ويصل الخرطوم، وأول إنجليزي يبلغ كردفان ويطوف بها بين عامي 1836 و1837م. نشر مذكراته عن رحلته لكردفان بمجلة الجمعية الجغرافية الملكية عام 1838م. https://tinyurl.com/y26sepdg 5/ الحداربة بطن من العرب بسواكن وبلاد البجا في السودان وأريتريا ومصر. https://tinyurl.com/y5e6pxsq 6/ ذكر أوفاهي في ورقة له عن "هاشم والمسبعات" أن هذا التاريخ (1603م) قد لا يكون صحيحا..0 ************ ******************* ************* ترتيب زمني لحكام دارفور المسلمين (كما ورد في كتاب "مصر والنوبة") 852 هـ / 1448- 1449م ......................... أحمد المعقور 877 هـ / 1472- 1473م .........................رفاعة أحمد المعقور 897 هـ / 1491- 1492م ......................... شو دورشيد (Show Dorshid) بن رفاعة أحمد المعقور 913 هـ / 1507- 1508م ......................... إبراهيم الدليل (أخ للحاكم السابق). خلف هذا الأمير ولدين هما بحر (جد المسبعات) وصابون (جد الكنجارا). 967 هـ / 1559- 1560م ......................... صابون (Sabun) بن إبراهيم الدليل 987 هـ / 1579 – 1580م ........................ إدريس جعل (Ja’l) بن صابون 1000 هـ /1591 – 1592م .......................... كورو (Kuuruu) بن إدريس 1011 هـ / 1602 – 1603م ........................ تريندم (Terrindem)، أخ كورو 1020 هـ / 1611 – 1602م ........................ سول بيوت (Sol Bute)، أخ تريندم 1031 هـ / 1621 – 1662م ..................... عبد الرحمن الصراف، أخ سول 6410 هـ / 1653 – 1654م .................... رمسام (Rumsam)، أخ عبد الرحمن 1096 هـ / 1684 – 1685م .................. دياتومي (Diatome) بن رمسام 1100هـ / 1688 – 1689م .................. سليمان سولونق دنقو، ابن عم دياتومي 1113هـ / 1701 – 1702م ................. موسى بن سليمان 1116هـ / 1704 – 1705م ............... محمد بلات (Bulat) أخ موسى 1119هـ / 1707 – 1708م ............... عودة موسى بن سليمان للحكم 1128هـ / 1715 – 1716م ............... أحمد بكر بن موسى 1141هـ / 1728 – 1729م ............... إسماعيل أبو حرانة Haranaa، أخ أحمد بكر 1154هـ / 1741 – 1742م ............... محمد أبو حرانة، ابن عم إسماعيل أبو حرانة 1154هـ / 1741 – 1742م ............... محمد أبو حرانة، ابن عم إسماعيل أبو حرانة. كان قد أقنع ولده موسى (الذي خرج عليه بالعودة له والتفاوض معه) غير أنه قتله بيديه بعد أن عاد. 1159هـ / 1746 – 1747م ............... عمر 1167هـ / 1753 – 1754م ............... أبو القاسم، عم عمر 1176هـ / 1762 – 1763م ............... تيراب، أخ أبو القاسم 1200هـ / 1785 – 1786م ............... الحاج إسحق بن تيراب 1204هـ / 1789 – 1790م ............... عبد الرحمن عم الحاج إسحق 1214هـ / 1799 – 1800م ............... محمد الفضل بن عبد الرحمن