كشف الحال الضؤى وأمن المطارات بين الواقع والحقيقة

 


 

 

ما زال صدى الأعلان عن إستخدام أجهزة المسح الضوئى للمسافرين عبر المطارات الأوربية خاصة الرحلات المتجهه الى الولايات المتحدة الأميريكية يثير جدلا واسعا فى الأوساط الأمنية السياسية ، والحقوقية فى كثير من بلدان العالم ما بين مدافع ، معارض ، ومرتاب. وكما هو معروف أن تشديد الأجراءات الأمنية فى المطارات عادة يأتى بعد أى محاولة إرهابية سواء ناجحة كما الهجوم الجوى على نيويورك وواشنطن فى سبتمبر 2009 ؛ أو فاشلة كما المحاولة التى قام بها النيجيرى جعفر عبدالمطلب أثناء إحتفال العالم بأعياد الكريسماس على الطائرة القادمة من أمستردام الى ديترويت بولاية متشجان الأميريكية يوم 25 من الشهر والعام المنصرم قبل أن تحط رحالها على أرض المطار وعلى متنها 300 راكب. الملاحظ أن الولايات المتحدة قد أنفقت مليارات الدولارات منذ 2001 على إبتداع اساليب مبتكره لمنع حدوث أى أعمال تفجير أو إختطاف لطائرات يمكن أن تستخدم لأغراض تدميرية. فالأرهاب الطائر- إن جازت التسمية- جريمة تتطور فيها الأساليب والتكتيكات كلما تطورت أساليب المكافحة وتطلبت الدواعى. فكما كان تنفيذ الهجوم على بُرْجَىْ التجارة فى نيويورك ومبنى البنتاجون فى واشنطن قد تم بإستخدام طائرات مدنية حدثا فريدا ومبتكرا فى العام 2001 ؛ جاءت محاولة القاعدة هذه المرة ايضا مبتكرة ومتقدمة فى نوع المتفجرات المستخدمة.

 فقد ساد إعتقاد جازم على مدى السنوات الثمانية الماضية أن القاعدة أو أى جماعة مناهضة لأمريكا لن تستطيع أن تنفذ حدثا مماثلا لأحداث الحادى عشر من سبتمبر ولن يكون ممكنا إستخدام الطائرات المدنية كسلاح. وجاء هذا الجزم كنتيجة طبيعية لما أنفقته الولايات المتحدة فى تأمين مطاراتها وأجوائها المدنية بطريقة غير مسبوقة جعلت السفر لكثير من رعايا الدول المشتبه فى علاقتها بالأرهاب أو علاقة الأرهاب بها أمرا عسيرا للغاية. ليس هذا فحسب فقد حثت السلطات الحكومية الأميريكية وتعاونت مع دول الأتخاد الأوربى ودول العالم فى تطبيق معايير مشابهه لأحكام السيطرة على المطارات ومنع تسلل العناصر الأرهابية أو تلك التى ضمتها قوائم المنوعين من السفر الى أمريكا أو الممنوعين من إستخدام الطائرات كوسيلة تنقل بين البلدان أو داخل أمريكا فضل عن إجراءات منح تاشيرات الدخول. وأيضا ضاعف منه الكشف عن أكثر من أربعة محاولات فى مراحل الأعداد لها فى الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق جورج بوش كان أخطرها مجاولة الهجوم على مطار جى اف كنيدى ومحاولتين على الأقل تم الأعلان عنهما فى عهد الريئس الحالى أوباما خلال العام الماضى مسرح إحداها مدينة شيكاغو ومقع الثانية كنساس سيتى والأخيرة بدأت فكرتها بتفجير مفخخه قرب برج من ستين طابقا. بالأضافة لهذا ايضا فشل المحاولة التى قامت بها بعض العناصر المتشددة فى 2008  لتفجير مجموعة من الطائرات المتجه الى الولايات المتحدة فوق مياة الأطلنطى. وكان قد ألقت سلطات الأمن البريطانية على العناصر التى إشتركت فى المحاولة اثناء الأعداد لها فى مرحلته الأخيره. وقبل أن يودع عام 2009 كان أمن المطارات وإجراءات السفر والتاشيرات  الأستخبارت المتعلقة بالسفر الجوى فى أمريكا وأوربا على موعد من القاعدة فى محاولة لنسف طائرة ديترويت بإستخدام مادة كيماوية متواضعة القوة التفجيرية كما وصفها الخبراء المختصين. ولكن بيت القصيد أن المادة التى فشل جعفر الفاروق فى إشعالها لا تكشفها الأجهزة المستخدمة لكشف المتفجرات والتى عادة ما يكون أحد مكونها معدن صممت تلك الأجهزة لتحديد ملامحه ومكان تواجده على جسد المسافر أو حقائبه.

ولمّا كان من السهولة بمكان إخفاء مثل هكذا مواد ؛ جاءت الفكرة محل الجدل ، بإستخدام أجهزة المسح الضوئ التى تَنْفُذ الى جميع أجزاء الجسد البشرى وتظهره بكل تفاصيله على شاشه ضوئيهة كبيرة مثبته أمام مسؤلى أمن المطارات المختصين. وهنا يكمنالخوف و الخلاف على مشروعية إستخدامها بإعتبارها إنتهاك لخصوصية المسافرين ولصوصية على أكثر الأماكن حساسية لكل إنسان مسافر فى أجواء أوربا وأمريكا. ويتطور الجدل ليصبح اكثر حدة عندما أثار بعض المتشككين إمكانية سوء إستخدام الصور المتحصلة فى أعمال بعيده عن الغرص الأصلى منها. وهنا يثار السؤال الذى طرحه الكاتب فيصل اللدابى فى مقاله " الخطوط الجوية للعراة" المنشور على هذا الموقع يوم أمس - ما هو رأى علماء الدين فى ظهور المسافر المسلم عارى أو المسلمة عارية تماما أمام شخص أجنبى دون إختياره أو إختيارها؟ وهنا يبرز المشكل : من إختار أو إختارت أن تسافر عبر مطارات أوربا وإلى أمريكا يعلم وتعلم أنه وأنها معرضة لهذا الأنتهاك الصارخ الذى يخالف تعاليم الأسلام ويجافى الخصوصية المتفق عليها فى المجتمعات المتحضرة. ولكا كان الطيران هو الوسيلة العملية الوحيدة للوصول الى أمريكا يصبح الأضطرار مطروحا حال نقاش الوضوع على الطاولة الأسلامية. فرغم صدور بعض التطمينات من السلطات المختصة هنا فى أمريكا من أن المسح الضوئ للجسم سيكون فى اضيق الحدود ولن يكون بمقدور الشخص الجالس أمام الجهاز رؤية أى شخص مالم يشير الجهاز الى ما يدعو لذلك، الا أنها ربما لن تكن كافية للشعوب الأسلامية التى تنبذ العرى اكثر من غيرها بأعتباره مخالفا لتعاليم الدين. وهنا يتبادر الى الذهن ؛ ماهية الأشياء التى صمم الجهاز للكشف عنها وما هى حدود المسؤلين الأمنىين فى تعاملهم مع أجهزة المسح الضوئ خاصة بعد أن منحت الأدارة الأميريكية صلاحيات واسعة لهم لا يحدها غير تقديراتهم الشخصية للموقف والأشخاص الذين يعبرون من أمام الجهاز فى طريقهم الى ركوب الطائرة بما فيها إخضاعهم لإجراءات تفتيش أكثر دقة بعد إجتيازهم الحاجز الضوئ حفاة، عراة، فى حال من الكسوف والخجل المسبب.

يبدو جليا أن هذا الموضوع الحساس لم يأخذ مكانه من النقاش فى عالمنا الأسلامى والذى هو المستهدف فى المقام الأول من هذا التشديد الأمنى فى المطارات ؛ الا أنه أصبح حقيقة واقعية فى أغلب الدول الأوربية وأمريكا بالطبع صاحبة المشروع والأختراع. فقد تم حتى اليوم توزيع مائة وخمسون جهازا داخل أمريكا كما أعلنت سلطات أمن المطارات. وبعد أن طلبت أمريكا ذلك ؛  أعلنت دول الأتحاد الأوربى تعميم ذات الأجهزة فى مطاراتها فى غضون ثلاث اسابيع بدأت فى التاسع والعشرين من ديسمبر الماضى. وتسعى الأدارة الأمريكية لتعميمها على جميع المطارات فى العالم التى تستقبل الطيران الأميركى أو التى يمر عبرها مساقرون تنتهى رحلتهم فى أمريكا. ومن خلال متابعة الأخبار والنقاش الدائر فى دوائر الأعلام وغيرها ؛ يبدؤ أن المواطنين الأمريكيين قد سكتوا ورضو على إنتهاك خصوصية أجسادهم لسببين اساسيين. الأول أنهم يرغبون فى توفير الأمان لهم مقابل ما يعتبرونه ثمنا يقل عن حماية أرواح الأبرياء من مستخدمى الطائرات خاصة بعد أن ثبت عدم جدوى كل المعايير التى طبقت خلال الأعوام الثمانيه الماضيه بعد دخول الكيماويات الى المعادلة . فالشعب الأمريكى من أكثر الشعوب إستخداما للتنقل عبر المطارات فى الداخل وأكثره عرضة وأستهدافا لأعمال تفجيرات محتملة. الثانى أنهم يعلمون أنهم غير مستهدفين من تلك الأحهزة وأن عنى أن المسح الضوئ لن يستثنى أحدا. وفى هذا السياق يشار للتطبيق الأنتقائى للأجراءات المستخدمة قبل أعياد الميلاد الأخيره والتى خفّت حدتها حتى جاء جعفر النيجيرى ليعيدها للأذهان ويضيف دولته الى القائمة التى ضمّت اربعة عشر دولة أعلنتها الأدارة الأمريكية من أن رعاياها سيكونون أكثر عرضة من غيرهم لأجراءات التفتيش والمتابعة والمراقبة داخل وخارج المطارات الأوربية والأميريكية والعالمية.

فى تقديرى الشخصى أن الدول والشعوب الأسلامية لن تستطيع أن تتدخل لدى أمريكا والأوربيين لتُوقِف عمل هذه الأجهزة لأنها تعمل بجانبهم فى محاربة الأرهاب الذى بدأت حلقاته فى " " العهد الجورج بوشى" قبل تسعة أعوام ، ولأن لدى مستخدمى الأجهزة ما يبرر إستخدامها لحماية أوراحاً سيكون من ضمنها حتما مسلمين حال نجاح محاولة تفجير طائرة فى أجواء أوربا أو أمريكا.  يضاف الى ذلك ستفشل تلك الدول فى تقديم البديل لأجهزة المسح الضؤئى. ومن حيث العموم أن عالم اليوم هو عالم الأقوى ؛  فالذى يملك التكنلوجيا يستطيع - ومن حقه ان يوجهها لخدمة مصالحه وأمنه على أقل تقدير.

 

mekkimusa@aol.com

 

آراء