husselto@yahoo.com
يصح ان نقول الان فى السودان : ذهبت الشيوعية وبَقى الشيوعيون ... وذهب البعث وبَقى البعثيون... وذهبت الطائفية وبَقى الطائفيون وها قد ذهب الاسلام وبَقى الاسلاميون . فقد طلب وزير المالية
والتخطيط الاقتصادي بدر الدين محمود من نواب البرلمان الموافقة على تمرير رفع الدعم الحكومي عن الدقيق والقمح والمحروقات والكهرباء في موازنة العام ٢٠١٦م ، بغية تجنب انهيار اقتصاد البلاد.
ونقل المحرر البرلماني بـ(الصيحة) صابر حامد عن محمود قوله أمس "إن الأداء الفعلي لدعم السلع الإستراتيجية خلال العام الماضي بلغ ١٠.٥ مليار جنيه، فيما بلغ شراء السلع والخدمات لذات العام ٦.٢ مليار جنيه".
وأوضح محمود خلال جلسة البرلمان أن إجراءات رفع الدعم ستوفر الأموال اللازمة لتوجيهها لدعم الإنتاج والإنتاجية حتى يتسنى للبلاد الخروج من الاختناقات المعيشية الحالية والضائقة التي يعيشها السودانيون، بسبب انفصال الجنوب والضربة العسكرية التي وجهها جيش جنوب السودان لحقول النفط بهجليج). انتهى
وعلق رئيس حزب الإصلاح د. غازى صلاح الدين العتبانى فى لقاء صحفي نشرته الصيحة بتاريخ ١٠ من هذا الشهر على الأوضاع فى البلاد بقوله:( نلاحظ أن الأزمات الحقيقية التي قصد في الأصل والأساس أن يعالجها الحوار الوطني كقضية الحرب وقضية الاقتصاد إضافة الى قضية العلاقات الخارجية، فكل هذه القضايا الآن تتأزم ونحن نتحدث ونتجادل حول من يسافر ومن لا يسافر، الوضع الاقصادي يطبق بفكيه على المواطن والأزمة الخارجية تتفاقم). انتهى
وحسب الحكومة فقد استندت خطة وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي للعام ٢٠١٦م على أهداف إستراتيجية شملت تحقيق استدامة الاستقرار الاقتصادي واستكمال البنى التحتية لقطاع النفط والتعدين وتنمية وتطوير الموارد المائية لأغراض الزراعة والثروة الحيوانية ومياه الشرب والتوليد الكهربائي ورفع معدل الإيرادات من الناتج القومي الإجمالي وتوسيع القاعدة الإنتاجية وضبط الإنفاق العام وخفض المصروفات الإدارية وخفض العجز في الميزان التجاري وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين .
وتناول وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بدرالدين محمود في بيانه الذي قدمه أمام المجلس الوطني ا(لأهداف العامة لوزارته للعام ٢٠١٦م وأهمها إصلاح المالية العامة وذلك من خلال بسط ولاية المالية على المال العام واحكام الرقابة المالية والشفافية وتحقيق وحدة الموازنة العامة للدولة واستغلال التقنية في رفع الكفاءة العامة لأداء تنفيذ الموازنة والالتزام بنهج التخطيط الاقتصادي وزيادة الجهد المالي للدولة وتحقيق الإصلاح المالي وبناء القدرات في إعداد وتنفيذ ومتابعة الموازنة). انظر بيان الوزير .
كلام جميل لكنه للأسف يساوى صفرا فى واقع الحال ومعاش الناس .
وكنت قد اشرت فى مقال سابق نشر هنا فى سودانيل الى ان الحكومة منذ عام ١٩٨٩م تنفذ وتطبق بواقع الحال ميزانية حرب اى انها ليست ميزانية حكومية تقليدية . ومن الطريف ان كلمة اقتصاد تعنى لغةً: من مادة "قصد"؛ قصد في الأمر: توسط فلم يفرط ، واقتصد في النفقة : لم يسرف ، ولم يقتر. اما ميزانية الحرب فهى اصطلاحاً: نمط وقواعد إدارة الاقتصاد وفق المقتضيات، والظروف التي تفرضها إدارة الحرب انطلاقًا من طبيعة الحرب ومواصفات العدو وخططه المحتملة وبما يضمن حشد الطاقات الحيوية من بشرية واقتصادية ومعنوية لتأمين حاجات المقاتلين ومستلزمات القتال، وتحقيق الصمود والمنفعة للوطن، والمواطنين عن طريق ترشيد الإنتاج وتحديد أوجه الاستهلاك. ومن المنظور الاقتصادي ليست النفقات العسكرية والحربية مجرد اقتطاع من الفعاليات الاقتصادية، ولكنها أداة تدمير للنشاط الاقتصادي أيضاً.
وحيثما تجيل النظر فى بلادنا تقع على بقعة ملتهبة فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والحدود مع دولة جنوب السودان اضافة الى الاحتقان السياسى الأمنى فى ما تبقى من السودان . وحسب معظم التقديرات وأكثرها تفاؤلا فان اكثر من ٧٥٪ الميزانية العامة موجه للإنفاق العسكري والامني .
وللمقارنة فان يلدا مثل تونس كما نقلت صحيفة العربى الجديد بتاريخ ٣٠ نوفمبر المنصرم (يردّد هذه الأيام، في تونس، خبراء اقتصاديون ومسؤولون في حكومة الحبيب الصيد، مصطلح "اقتصاد حرب"، ومنهم الخبير معز الجودي الذي أكد أنه حان الوقت لاتباع اقتصاد الحرب وتشكيل حكومة أزمة، وقال "في هذه المرحلة، لم يعد بإمكاننا الحديث عن تطوير الاقتصاد وإنعاشه، وإنما يجب إعطاء الأولوية للملف الأمني". أما وزير المالية، سليم شاكر، فقد وصف قانون المالية لسنة ٢٠١٦م بأنه "قانون اقتصاد حرب ضد الإرهاب") انتهى
لكن أزمتنا أعمق اذ ان دينامية دورة العنف والصراع السياسى لم تقود الى هشاشة الحالة الاقتصادية لوحدها بل يضاف الى ذلك مأسسة الفساد ونقص الكفاءة الاخلاقية والمهنية فى التخصصات التى تعضد من اداء آلة الدولة نفسها ودوننا ارقام السودانيين الذين هاجروا خارج البلاد خلال العقود الماضية ففى تقرير نشرته بى بى سى قبل عامين ذكر (ان السودان يعانى نزيفا حادا منذ أكثر من أربع سنوات. فقد تجاوز عدد المثقفين ثقافة عالية ومتخصصة، الذين هاجروا البلاد منذ مطلع عام ٢٠١٤م ، حوالي ٥٠ ألف معظمهم من الاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات والاعلاميين.وقال حاج ماجد سوار، الامين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج، في تصريحات لبي بي سي، ان الذين هاجروا من السودان منذ العام ٢٠٠٩م تجاوز ٣٤٧ ألف شخص استقر معظمهم في دول الخليج. وتحتضن السعودية أكبر جالية سودانية مهاجرة عبر العالم، إذ يقيم بها وبصورة شرعية أكثر من مليوني سوداني) . انتهى
الجندى الخفى فى معركة الصراع السياسي فى السودان هو الاقتصاد
لكن الحكومة لن تدفع الثمن لوحدها بل البلاد معها فهى متلازمة أكيدة .
انظر قوله تعالى: { وضرب اللّه مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}.سورة النحل ١١٢
يصنعون عندى هو عين ما ظلت تفعل الحكومة !
حسين التهامى
كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية