كي تنقذوا إفريقيا ارفضوا دولها!! ….. عادل الباز

 


 

عادل الباز
27 June, 2010

 

بقلم: بيير انجلبيرت <

تقديم:

هذه المقالة تطرح فكرة جديدة ولذا اخترت أن أقدمها لكم اليوم وأبدأ الحوار حولها غداً بإن الله وأدعو المهتمين بمستقبل إفريقيا لمناقشتها لأنها فكرة تنطوي على خطورة بالغة ولأن كاتبها واحد من أهم كتاب النيويورك تايمز ذات الثأثير الواسع في صناعة القرار الأمريكي.

الباز

توجب مسابقة كأس العالم التي بدأت يوم الجمعة الموافق 11 من هذا الشهر، توجيه التحية إلى جمهورية جنوب إفريقيا، البلد الذي تحوّل من سيطرة الأقلية البيضاء إلى دولة ديمقراطية تعددية نابضة بالحياة. لكن الإنجاز الذي حققته جمهورية جنوب إفريقيا يقف وحيداً في القارة الإفريقية. فمن بين الدول السبع عشرة التي تحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لاستقلالها وسوف تحتفل كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال بذكرى استقلالهما في غضون الأسابيع المقبلة فإنه يوجد لدى القليل منها ما يستحق الاحتفال.

قبل خمسة عقود، كان استقلال إفريقيا أمراً يستدعي الابتهاج. فهذه الدول الجديدة عبرت عن نهاية الهيمنة الغربية العنيفة والمهينة، وسرعان ما اعترف المجتمع الدولي بهذه الدول. ومنحت السيادة النخب الوليدة هناك الدرع التي تقي دولها الضعيفة من استمرار قهر الاستعمار، وكذلك الوسائل السياسية للإسراع بعملية التنمية الاقتصادية.

وقد حظيت تلك الدول باعتراف المجتمع الدولي قبل أن يصبح لها وجود فعلي وهو ما يرجع إلى أن منحة السيادة قد وُهِبَت من الخارج، بدلاً من أن يتم الحصول عليها من الداخل. ولذلك فإن منحة السيادة لم تأت مصحوبة بميزة المساءلة الشعبية، أو حتى العقد الاجتماعي بين الحكام والمواطنين.

في ظل الشرعية والحصانة اللتين وفرهما المجتمع الدولي للساسة والمسؤولين الأفارقة، قام الكثيرون منهم بتطويع الأنشطة العادية للدولة إلى حدود هائلة، محولين المهام العادية مثل وضع السياسات والتشريع وفرض الضرائب إلى أسلحة للظلم.

ومن ثم، فخلال العقود الخمسة الماضية، قاسى معظم الأفارقة من نهب مساوٍ في حجمه للنهب الاستعماري، لكن هذه المرة بواسطة الدول نفسها التي كان مفترضاً أن تأتي لهم بالحرية. وقد أصبحت معظم هذه الدول، المفلسة بفعل النهب الداخلي، غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، كالأمن والطرق والمستشفيات والمدارس. فما الذي يمكن عمله إذا؟

لعل المهمة الأولى والأكثر إلحاحاً تتمثل في أن تتوقف البلدان المانحة التي تُبقي الدول الإفريقية واقفة على قدميها عن حماية النخب الإفريقية من المساءلة. ومن أجل تحقيق ذلك، يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة نحو نزع اعترافه عن الدول الإفريقية ذات الأداء الأسوأ، مجبراً حكامها للمرة الأولى في تاريخهم بما فيه من مشكلات على البحث عن الدعم والشرعية في الداخل.

وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تبدو راديكالية، فإنها ليست من دون سابقة، ذلك أن معظم دول العالم لم تكن في عقد السبعينيات تعترف بتايوان، البلد المفتقر إلى الديمقراطية (باعتبار أن ذلك هو النتيجة الطبيعية للاعتراف بالصين).

وأدى هذا الحرمان من الاعتراف الدولي بحزب الكومنتانج الحاكم هناك إلى تبني سياسات جدية بحثاً عن الشرعية في الداخل، حيث قام بتحرير الاقتصاد، وأعطى الشرعية القانونية لأحزاب المعارضة، وألغى قانون الطوارئ، وأجرى انتخابات. والأكثر من ذلك، أنه أصدر اعتذاراً لشعب تايوان عن سوء الحكم في الفترة السابقة. وقد حولت هذه الإجراءات تايوان إلى دولة ديمقراطية نابضة بالحياة وسريعة النمو.

وبالمثل، فإن عدم الاعتراف الدولي بجمهورية أرض الصومال الانفصالية قدم لمواطني هذا البلد درجة نسبية من السلام والديمقراطية، وهو ما يمثل النقيض المدهش لحالة العنف والبؤس التي تسود جمهورية الصومال المجاورة التي تتمتع بالسيادة. ويرجع ذلك جزئياً إلى غياب الاعتراف الدولي الذي دفع الحركة الوطنية الصومالية في بداية التسعينيات إلى التوصل إلى صفقة مع قادة العشائر المحليين، وإقامة مؤسسات شرعية تمثيلية في جمهورية أرض الصومال.

فما الذي يعنيه ذلك عمليًّا؟ يعني ذلك أن تبلغ حكومات الدول المانحة حكام بلاد كتشاد أو الكونغو أو غينيا الاستوائية أو السودان وهي جميعاً نظم تمثل كابوساً بالنسبة لأقسام كبيرة من شعوبها بأنها لم تعد تعترف بها كدول ذات سيادة، وأنها لن تعترف سوى بالدول الإفريقية التي توفر لمواطنيها الحد الأدنى من الحماية والحقوق الأساسية.

ولا شك أن الجوانب اللوجستية لعملية نزع الاعتراف هذه سوف تكون معقدة. فسوف يجري سحب السفراء بالتبادل، وسوف تُطرد هذه الدول من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وسوف يتم إلغاء جميع برامج المساعدات المقدمة بهدف دعم الاقتصاد الكلي والموازنة، وإعادة الإعمار في أعقاب الصراعات. (مع استمرار المساعدات المقدمة إلى المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية المحلية).

وإذا حدث ذلك، فسوف تظل الدول الخيرة نسبيّاً كجنوب إفريقيا وعدد قليل من الدول الإفريقية الأخرى على حالها. لكن السياسيين في الدول الأكثر اضطراباً في القارة سوف يفقدون فجأة الأساس القانوني لسلطتهم. وقد يؤدي ذلك في وقت قريب إلى الإطاحة ببعض من القادة القمعيين بفعل حرمانهم من وسائل السيطرة الناتجة عن السيادة، ومن المساعدات الدولية التي تقدم العون المالي لنظمهم.

أما الدول الإفريقية التي تبدأ في توفير الحقوق والخدمات الأساسية لمواطنيها، وتكبح العنف، وتعاود توجيه الموارد من أجل مشروعات التنمية، فسوف تُكافأ باستعادة الاعتراف الدولي بها. وسوف تعود المساعدات إليها. لكن الأهم من ذلك أن هذه الدول سوف تكون قد اكتسبت درجة ما من المساءلة الشعبية والشرعية الداخلية.

وكما هو الحال مع كل التجارب، تكتنف المخاطر عملية نزع الاعتراف واستعادته. ويخشى البعض من أن تحض هذه العملية على الصراع، وأن يستطيع أمراء الحرب الاستحواذ على المناطق الغنية بالموارد، والقيام بالسيطرة على أشباه دول تفتقر إلى القوانين. غير أن إفريقيا تعج بالعنف بالفعل، وتنتشر بها ظاهرة أمراء الحرب.

وبالرغم من أن الدول المنزوع عنها الاعتراف قد تواصل الإساءة لشعوبها، فإن التاريخ يشير إلى أنه نادراً ما تستطيع النظم الضعيفة والمعزولة البقاء على قيد الحياة من دون تقديم تنازلات كبيرة إلى أقسام من السكان.

وبالنسبة للكثير من الأفارقة، كانت 50 عاماً من السيادة بمثابة فشل ذريع، أعاد تحت ستار الحرية إنتاج ويلات عهد السيطرة الاستعمارية. وسوف يكون نزع الاعتراف الدولي عن الدول الفاسدة أول خطوة في طريق التحرر الحقيقي.

 < كاتب أمريكي.. المقال نقلاً عن (الشروق المصرية).

 

آراء