لماذا لم تنجح التظاهرات ؟!

 


 

د. زهير السراج
6 September, 2022

 

manazzeer@yahoo.com

* إستبعد الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في الشأن السوداني (وليام لورانس)، أن تؤدي المظاهرات إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي في السودان، وقال في تصريح لقناة (الجزيرة)، انه بعد أكثر من 11 شهرًا من الاحتجاجات تبيّن أنها لا تستطيع أن تغيّر كثيرًا في مجريات الأحداث، وأن ما يجري وراء الكواليس هو المُعوَّل عليه في حلحلة الأمور واعادة السودان الى المسار الديمقراطي، قاصدا بذلك إستئناف الحوار بين المكونين العسكري والمدني برعاية دولية تقود الى حدوث التغيير المطلوب !

* اجد نفسي متفقا مع (لورانس) لسببين، أولهما وأهمهما هو عدم توحد القوى المعارضة للانقلاب، والثاني ضعف الحراك الشعبي وعدم وصوله الى الحجم الذي الذي يرغم العسكر على الاستماع لصوت الشارع والتنازل عن السلطة لحكومة مدنية تحت ضغط دولي !

* قلت من قبل، بأنَّ المظاهرات المبرمجة (محدودة الحجم والتأثير) لا تكفي وحدها لاسقاط الانقلابيين، ولا بد من حدوث تصعيد ثوري شامل تتنوع فيه وسائل المقاومة بكافة أشكالها، والاقتداء بالارث النضالي السوداني والثورات العالمية التي حدثت خلال القرون الاربعة الماضية مع مراعاة الظروف الملائمة لمجتمعنا والتغييرات التي شهدها العالم !

* الإكتفاء بالتظاهرات الدورية ونصف الاسبوعية التى تنطلق من اماكن معينة او تستهدف الوصول الى اماكن معينة لن يقود الى التغيير المنشود، وعلينا توسيع الحركة الجماهيرية وتنظيم تظاهرات مستمرة نهارا وليلا، فى كل الاحياء والشوارع والميادين كما حدث في ثورة ابريل 1985 ، الأمر الذي يؤدى لارهاق السلطة ويمنعها من مواصلة عمليات القتل والقمع بالصورة التي تحدث الان، ويؤلب عليها العالم الحر فيكثف الضغط عليها للتنازل عن السلطة، بشكل شبيه بما حدث عقب تظاهرة الثلاثين من يونيو، 2019 ، مع ضرورة تفادي أخطاء الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري والوثيقة الدستورية!

* بجانب ذلك، لا بد من الاستعداد لاضراب سياسي عام وتعطيل دولاب العمل فى جميع انحاء البلاد بالتزامن مع اعتصام شعبي ضخم فى احد الميادين شبيه باعتصام القيادة العامة فى عام 2019 ، تعجز السلطة الانقلابية عن مواجهته، وإذا تجرأت على التصدي له تكون قد كتبت نهايتها باسرع مما لو تركته يقودها الى نهايتها الحتمية، وفى خلال ذلك تواصل القوى الثورية والشعبية تظاهراتها فى جميع أنحاء البلاد وعكس الروح الثورية الحقيقية فى مواجهة الطغيان، المستمدة من التاريخ النضالي السوداني وتضحيات الشهداء!

* الأمر المهم جدا أن تتوحد لجان المقاومة والقوى الثورية والنقابية، وتكوين مجموعة قيادية واحدة من الكتل المختلفة تكون محل ثقة الجماهير مثل كتلة قوى اعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ابان ثورة ديسمبر المجيدة (2018) ، والاتفاق على خطة عمل جماعية تتضمن مواكب داخلية وخارجية متواصلة امام سفارات السودان ومقرات الامم المتحدة والحكومات والمنظمات الحقوقية والبرلمانات فى العالم الحر تندد بالانقلاب وجرائم القتل المستمرة وتطالب بمعاقبة الجناة الذين انقلبوا على الانتقال الديمقراطي وقتلوا المتظاهرين الابرياء، على ان يتم الاتفاق على تواريخ موحدة لانطلاق المواكب فى جميع انحاء العالم بالتزامن مع حملات التصعيد الثوري فى الداخل بكل اشكاله مثل الندوات والمخاطبات والمقالات فى الوسائط التقليدية والالكترونية!

* وعلينا الاستفادة الى اقصى حد من التجمعات السودانية الثورية في الخارج مثل (المركز الموحد لقوى الثورة السودانية) الذي يضم 26 كيانا مدنيا ومهنيا وحزبيا، و(مجموعة دعم الثورة السودانية) التي تضم عددا مقدرا من اساتذة الجامعات والسفراء والاعلاميين والمهنيين وغيرهم من السودانيين المنتشرين في كل انحاء العالم، لرفع الشكاوي وتنوير الحكومات والبرلمانات والمنظمات وكل الجهات الرسمية والشعبية الاخرى بكل ما يحدث في السودان والجرائم التي ترتكبها السلطة الانقلابية ضد المواطنين السودانيين سواء في المركز او المناطق الطرفية وغيرها، وحشد الرأي العام العالمي ضد النظام الانقلابي كما حدث ابان ارتكاب النظام البائد لمجازر ومحارق دارفور، واستغلال الورقة الرابحة بان عددا من الذين شاركوا فيها يجلسون الآن على رأس السلطة الانقلابية، مع استمرار كل اشكال النضال بدون كلل أو ملل.

* باختصار شديد، لا بد من عمل ثوري جماعي ضخم ومنظم واستخدام تكتيكات ووسائل متنوعة، ليس فقط لاسقاط النظام الانقلابي العميل فاقد الشرعية والمعطل لاستمرار الحياة الطبيعية في البلاد، وإنما لاستكمال ثورة ديسمبر المجيدة وتحقيق التحول الديمقراطي المطلوب وصولا للانتخابات حرة ونزيهة تعبر عن ارادة الشعب من أجل تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية التي ننشدها!

* بدون ذلك، ستظل السلطة الانقلابية تواصل ألاعيبها ومراوغاتها بغرض شراء الوقت والبقاء على كرسي السلطة، وربما اقناع العالم بأنها الجهة الوحيدة المؤهلة لحكم البلاد .. وهو السيناريو الذي حدث في كثير من دول العالم خاصة مع وجود استعداد نفسي طبيعي للمجتمع الدولي بقبول حكم عسكري في شكل مدني وتحكم لعبة المصالح في العلاقات بين الدول!
///////////////////////////

 

بيدنا، لا بيد أمريكا ! .. بقلم: زهير السراج

* بوصول السفير (جون غودفري)، تفتح الولايات المتحدة صفحة جديدة مع السودان، لكن ليس كما يشتهيها الانقلابيون، بل ستكون تفعيلا لموقفها الثابت بضرورة تنحي العسكريين وتسليم السلطة لحكومة مدنية.

* غودفري الذي يشغل منصب السفير "لأول مرة في حياته"، سيعمل جاهداً لتحقيق مواقفه التي أعلنها أمام جلسة اعتماده في مجلس الشيوخ الأمريكي بدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، لأنها المحك لمصداقيته، وكانت خطوة ذكية منه أن يقوم بزيارة أمهات الشهداء كأول مهمة له، تأكيداً على ذلك!

* لقد حاول البعض تصوير تقديم (غودفري) أوراق إعتماده للجنرال البرهان بانه إعتراف بسلطته، ولكنها ليست سوى عملية روتينية كما جرت العادة، مهما كان الشخص الجالس على رأس الدولة.

* في تقديري الشخصي ان التوجه السياسي الامريكي الجديد نحو السودان سيعتمد النهج الذي ابتدرته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية (مولي في) على ضوء الاجتماع الذي جمعت فيه ممثلي المكونين المدني والعسكري بمقر إقامة السفير السعودي في الخرطوم، وسيُخضع (جودفري) تحركاته الدبلوماسية لقياس وتقييم ذاتي يستهدف الآتي:

- إعادة قبول السودان لدى الاجهزة والوكالات المختلفة المعنية باتخاذ القرار داخل الولايات المتحدة، وذلك موقف ستشارك فيه مجموعة دول الترويكا والعديد من اصدقاء السودان.

- السعى لاستدامة الدعم الذي انتهجته الولايات المتحدة نحو السودان بعد التغيير الذي حدث فيه بسقوط البشير، والدأب على تقييمه وفقا لمرامي السياسة الأمريكية تجاه السودان.

- ولعل أهم الملامح ما صرَّح به (غودفري) امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ برهن إستئناف الدعم الأمريكي للسودان بإنهاء الانقلاب وحدوث عملية انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية وموثوق بها، مؤكداً أن بلاده ستستعمل كل الادوات لدعم الشعب السوداني في سعيه الى سودان ديمقراطي مزدهر ، تُحترم فيه حقوق الانسان.

* وقال ردا على سؤال للسيناتور الديمقراطي (كريس كونز) ــ الصديق الشخصي والداعم الأول للرئيس بايدن ــ عن إمكانية فرض عقوبات على الذين يعيقون عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، بأنه لا يستبعد ذلك، مؤكدا بأن العقوبات أداة مهمة في يد الولايات المتحدة للدفع باتجاه الانتقال الديمقراطي، بيد أنه إستدرك كدبلوماسي متمرس قائلا، بأنه وقبل أن يوصي بفرض عقوبات يريد دراسة وطأتها على تصرفات قادة الجيش وعلى مواردهم المالية، وتأثيرها على الاقتصاد السوداني، وكيف سترتبط مع استراتيجية الولايات المتحدة الدبلوماسية بشكل عام، بما في ذلك المسار المسَّهل أمميا، مؤكدا على مواصلة الضغط على الحكومة العسكرية لتسهيل العودة الى حكومة بقيادة مدنية، وأنه سيعمل مع الشركاء للإستمرار في ذلك.



* في ذات السياق، قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية (نيد برايس)، "بإن علاقات الولايات المتحدة مع السودان تتمثل في دعم رغبة الشعب السوداني في الديموقراطية" ، وهى عبارة دبلوماسية قوية، تتطابق تمامامع الأجندة التي أعلنها السفير (جون غودفري) أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خلال جلسة إعتماده كسفير لدي السودان، وهي بالطبع السياسة التي رسمتها إدارة الرئيس بايدن تجاه السودان.

* واضاف (برايس) ان أبرز القضايا التي تمثل أولوية للولايات المتحدة في علاقتها مع السودان تتعلق بالاستيلاء العسكري على السلطة في السودان، وملف حقوق الإنسان، والعنف ضد المتظاهرين والقيود على حرية التعبير، وان الولايات المتحدة لن تستأنف المساعدات للحكومة السودانية حتى تشكيل حكومة مدنية تحت سيطرة المدنيين، وستظل تعمل مع المجتمع المدني في مجال المساعدات الانسانية بدلاً من الحكومة، ولن تستفيد الحكومة العسكرية من أية مساعدات أمريكية، وإدانة الولايات المتحدة بشدة للعنف ضد المتظاهرين السلميين في السودان، وان مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسودان سيعتمد ويستند الي التقدم نحو تشكيل حكومة مدنية لديها مصداقية وتحت قيادة المدنيين.

 

* كان ذلك ملخصا لما كتبه السفير والدبلوماسي السوداني السابق (نصر الدين والي) تعليقا على عودة السفير الأمريكي الى السودان بعد خمسة وعشرين عاما من سحب الولايات المتحدة لآخر سفير لها في الخرطوم إحتجاجا على ممارسات النظام البائد، ورغم أنني أجد نفسي متفقا معه حول بعض النقاط، إلا ان الحل يجب أن يكون بأيدينا نحن لا بيد أمريكا أو غيرها، مهما خلصت نواياهم وصدق ما يقولون !

/////////////////////////

 

آراء