لهذه الاسباب حلايب سودانية -7-
6 February, 2010
1899 معاهدات واحداث ألغت اتفاقية
تتمسك مصر بنصوص معاهدة 1899 لتبرير سيادتها علي مثلث حلايب. الا ان احداث كثيرة جرت علي الساحة السياسية السودانية والمصرية والدولية ادت الي تجاوز تلك الاتفاقية والرمي بها في مزبلة التاريخ. .فتلك الاتفاقية اكل عليها الدهر وشرب. الاتفاقيات التي فرضتها الدول الاستعمارية في القرون الغابر للاستيلاء علي مستعمرات في العالم الثالث لم تعد لها اية مرجعية قانونية في عالم اليوم. لو تمسكنا بتلك
الاتفاقيات لكانت مصر ذاتها اليوم مستعمرة تركية اومستعمرة بريطانية. تلت اتفاقية عام 1899 اتفاقيات اخري موقعة بين تركيا ومصر من ناحية ومن بريطانيا من ناحية اخري وكلها خاصة بالسيادة علي السودان وفي تناقض تام مع معاهدة 1899.ــ
يقول الاستاذ فيصل عبدالرحمن:ـ
ثابت في القانون الدولي أن المعاهدة تعتبر منقضية إذا أبرم طرفاها معاهد جديدة
بشأن الموضوع نفسه وتوافر أحد الشرطين الآتيين:ـ
أ- إذا ظهر من المعاهدة أو ثبت بطريقة أخرى أن الأطراف قصدوا أن يحكم الموضوع بأحكام المعاهدة الجديدة أو:
ب- إذا كانت نصوص المعاهدة الجديدة غير منسجمة إطلاقاً مع نصوص المعاهدة القديمة بحيث لا يمكن تطبيق المعاهدتين في نفس الوقت
كانت مصر تخضع للحكم العثماني كولاية بدرجة عالية من الاستقلال وحتى مجيء الاحتلال البريطاني 1882الذي فرض سيطرته عليها مع الاعتراف الشكلي باستمرارية تبعيتها للدولة العثمانية. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى واختارت
تركيا دخول الحرب إلى جانب ألمانيا،وانهزمت, انتهزت السلطة البريطانية الفرصة وإنهت علاقة مصر بالدول العثمانية ووضعتها تحت الحماية البريطانية الخالصة.ـ بعد انتصار الحلفاء في تلك الحرب الزمت بريطانيا والعديد من الدول الاوروبية والولايات المتحدة الزمت تركيا باجراءات مهينة منها التنازل عن سيادتها على الشعوب غير التركية التى كانت خاضعة لسيطرتها وفي هذا السياق يهمنا الزامها التام بالتخلي عن اي سيادة لها علي السودان وعلي مصر والتزمت بهذه التنازلات بتوقيعها علي معاهدة سيفر فى 10 أغسطس م1920. ثم تلتها معاهدة لوزان عام1923 الدولية بين تركيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة الامريكية واليابان ورومانياوغسلافيا التي امنت علي التنازلات السابقة واستقلال السودان ومصر وعلمانية الدولة التركيةمـ
(1899) وهاتان الاتفاقيتان تعتبران اول ولعل اكبر لطمة توجه لاتفاقية
فموجبه انهت تركيا اي سيادة لها علي السودان ومصر ونصت الاتفاقيتان علي استقلال كل من السودان
ومصر.ـ
تنازلت تركيا عن كل حقوق لها بالسودان.ـواضعةا بذلك نهاية لاتفاقية عام 1899 .ـ
بعد مرور عدة قرون علي هذا الحدث تحتل دولة مصر اراضي سودانية بقواتها العسكرية متمسكة بتلاليب معاهدة 1899 وتريد ان ترجع عجلة التاريخ
للوراء. انها لا تريد ان تستوعب ان اتفاقية 1899 ـ صارت لاغية, وان تركيا التي كانت لها السيادة علي السودان وعلي مصر تنازلت في اتفاقية سيفر و لوزان عن تلك السيادة. لقد وضعت الاتفاقيتان النهاية للسيلدة التركية علي السودان. يعني ذلك ايضا سحب الاسس القانونية لوجود الجيش المصري والاداريين في السودان. تصرفات الادارة البريطانية اللاحقة ستكشف ان اتفاق لوزان
سيؤدي الي انفراد بريطانيا بالسيادة علي السودان.ـ
ففي 1919 اشتعل النضال الشعبي في مصر مطالبا بالجلاء عن مصر والسودان وبوحدة وادي النيل وبالديموقراطية, وجرت مفاوضات مضينة ومتعثرة بشأن قضية السودان بين الحكومة المصرية والبريطانية تمسكت فيها بريطانيا علي سيادتها علي السودان. وانتهت المفاوضات بتصريح28فبراير 1922والذي بموجبه تنتهي الحماية الإنجليزية على مصر ويتم إعلان الاستقلال ولكن مع تحفظات تفقد الاستقلال معناه الحقيقي, منها
حق إنجلترا في تأمين مواصلاتها في مصر و بقاء الجيش الإنجليزي في مصر و حقه في الدفاع عن مصر وبقاء الامتيازات الأجنبية والاهم من ذلك في هذا السياق حق إنجلترا في التصرف في السودان. نعم في عام 1922 اضطرت بريطانيا لتقديم بعض التنازلات للحركة الوطنية المصرية, ومنحت نوعا من الاستقلال لمصر وسمحت بوضع دستور مصري علي اسس ديموقراطية ولكنها ضمنت لنفسها حق التصرف لوحدها في السودان.ـ
الدستور المصري اجيز عام 1923 والغريب فيه انه لم يشر لاي حقوق سيادية مصرية علي اي جزء من السودان فجاء متوافقا مع اتفاق سيفرو لوزان ومع مضمون مفاوضات عام 1922 المشاراليها هنا, وبذلك تم اعتراف مصر الكامل بالسيادة البريطانية علي كل السودان. بمعني اخر لم يتمسك الدستور المصري بمثلث حلايب كجزء من مصر. ويعتبر هذا دق مسمار اخر في نعش اتفاقية عام 1899 التي تتمسك بها مصر الان.ـ
...لكن الاحداث تتوالي
في نوفمبر 1924 ، تم اغتيال السير لي ستاك, الحاكم العام للسودان، في القاهرة. كان لمصرع السردار دوي هائل في بريطانيا وهز كيان الامبراطورية واشعل غضبها وانتهزت بريطانيا الفرصة السانحة للانفراد بالسودان فامرت جميع القوات المصرية والاداريين، وموظفي القطاع العام بالانسحاب الفوري بل في خلال يوم واحد من السودان. فرضخت مصر ونفذت كل ما طلبته بريطانيا منها في ذلك الحين. الجدير بالذكر ان سعد زغلول رئيس الوزراء حين ذاك رفض بعض الشروط وعند اصرار بريطانيا علي شروطها قدم استقالته وعين القصر زيوار رئيسا للوزارة فرضخ لكل الشروط.ـ
وهذا مسمار اخر في نعش اتفاق عام 1899
لم تتمسك مصر باتفاقية 1899 بل لبت الاوامر في لحظتها وباسرع ما يمكن تاركة السودان تحت الادارة البريطانية لوحدها.ـ
انسحب الجيش المصري تاركا البطل الملازم عبد الفضيل الماظ قائد الكتيبة السودانية بالخرطوم بحري ورفاقه لوحدهم يواجهون رصاص الانجليز ويقتحمون مواقعهم في شجاعة نادرة وهم يهتفون بحياة الزعيم سعد زغلول وبوحدة وادي النيل وبالكفاح المشترك, فاستشهد من استشهد وجرح من جرح واعتقل من اعتقل. لكنهم سطروا ملحمة رائعة سيفتخر بها شعبنا للاجيال القادمة.ـ.
من المؤلم ان اخوتهم من الضباط المصريين قد سبق ان اكدوا لهم دخولهم المعركة جنبا الي جنب ضد القوات
البريطانية, لكنهم تركوهم لوحدهم يقاومون وشدوا الرحال الي مصر
ترك الجيش المصري وكل الاداريين والموظفين السودان, مخلفين نعش اتفاقية عام 1899 خلفهم.ـ
واليوم جاءت مصر تغزو اراضي سودانية مدعية تمسكها بذاك النعش الذي شاخ عليه الزمن وشرب.ـ
يتضح من هذا السرد:ـ
ــ مصر كدولة تابعة للدولة العثمانية لا يحق لها توقيع معاهدات مع دولة اخري كما قال الاستاذ فيصل عبدالرحمن علي طه.ـ
ــ عام 1920م 1923 تنازلت تركيا عن سيادتها علي السودان في معاهدتي سيفر لوزان ووافقت علي استقلال السودان.ـ
ــ في تصريح فبراير 1922 الذي صدر اثر المفاوضات المصرية البريطانية تمسكت بريطانيا بالسيادة لوحدها علي السودان.ـ
ــ فجاء الدستور المصري عام 1923 خاليا تماما عن اي اشارة لسيادة مصرية علي السودان.
ــ عام 1924 جاء الانصياع المصري للاوامر البريطانية باخلاء السودان من كل الجيش والاداريين والموظفين المصريين, تاركين السودان للادارة البريطانية لوحدها, وعلي ارض الواقع تلاشت نصوص اتفاقية 1899م.ـ
اي من هذا الاحداث والمعاهدات, لكاف لوحده بالغاء اتفاقية 1899م.ـ
drabuamna [abuamnas@gmail.com]