مرة ثالثة- وهى ثابتة كما يقطع القول الشائع - يكتب د .الواثق كمير [إلى السيد الرئيس: التالتة واقعة - نشر فى صحيفة اليوم التالى بتاريخ ٢٠١٥/٧/١ م] وهو يعالج الأزمة التى تمسك بخناق بلادنا منذ زمن تطاول حتى بتنا نردد مع الشاعر الجاهلى امرؤ القيس:
ولَـيْـلٍ كَـمَـوْجِ الـبَـحْـرِ أَرْخَـى سُـدُوْلَــهُ عَــلَـيَّ بِـأَنْـوَاعِ الـهُــمُــوْمِ لِــيَــبْــتَــلِـي فَــقُــلْــتُ لَـهُ لَـمَّـا تَـمَــطَّــى بِـصُــلْــبِـهِ وأَرْدَفَ أَعْــجَــازاً وَنَـــاءَ بِــكَــلْـــكَــلِ ألاَ أَيُّـهَـا الـلَّـيْـلُ الـطَّـوِيْــلُ ألاَ انْـجَـلِــي بِـصُـبْـحٍ، وَمَــا الإصْـبَـاحُ مـنِـكَ بِأَمْثَلِ وبالحق ان ليلنا تطاول ولكن الصبح قريب وهو صناعة أيدينا نحن أهل السودان . ومع نجاعة مقترحات كيفية معالجة الأزمة بين الفرقاء من بين القوى السياسية والمجتمعية فى بلادنا التى تقدم بها د. الواثق فى مقاله الرصين الا انه ينقصها فى رأيى المتواضع :١/ انها لا تستشرف المستقبل وجليسة الحاضر وحبيسة الماضي وتاليا تستعير أدوات غير مناسبة ومفاتيح خاطئة لشرع الأبواب المغلقة . فالمشهد السياسي السودانى الان حكومة ومعارضة مجرد تاريخ احزاب وأسماء و ينتمى الى الماضي بخيره وشره حتى وان تبدى لنا انه شاخص ويتحرك فى الحاضر وقد تحول ركاما وما عاد يجدى رتقه فتيلا اذ عجز ان يصل بنِسَب الى المستقبل. وهى العقبة التى تقعد بانطلاق قوة وقوى التغيير ولا اقصد هنا دعاوى ازالة النظام وكنسه الممجوجة بل حالة الاستقرار والتحول اليقيني ولحظة الانفلات من كليهما الماضي والحاضر نحو مقاصد المجتمع فى الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الانسانية وهى القيم الحقة التى تنشدها البشرية فى ماضيها السحيق او حاضرها اليوم او مستقبل حياتها المقبلة . وألفت هنا فى سبيل الإشارة الى ماكتبه د. خالد التجانى موءخرا ونشر فى مايو المنصرم فى مقال بعنوان : مبادرات شبابية تعيد تعريف السياسة . وَمِما جاء فيه :( وسط ركام الحروب وسفك الدماء الذي كاد يتطبع عليه السودانيون من فرط استشرائها في أراضيه حتى باتت في باب ما اعتاده الناس من سيئ الأخبار، ولا دافع لها إلا “الأنفس الشح” صراعاً عبثياً على السلطة والثروة، ومن بين فرث ودم يخرج من رحم الشعب السوداني ثلة من الشباب المستنير المستقيم انحيازاً لهموم وطنه ليثبت أنه لا يزال ولوداً لم تعقر نساؤه. بدا الرأي العام وكأنه أخذ على حين غرة بحلم لم يحسبه يتحقق أبداً، وسط حالة اليأس التي غشيته جراء عبث السياسة وصراعاتهم التي لا تنتهي حتى أدخلت البلاد في نفق مظلم، حين بدأ يلوح في آخره ضوء أمل وهو يتناقل بفخر النبأ الذي جاء به شابات وشباب مبادرة “شارع الحوادث” وقد فرغوا من إنجاز ضخم عكفوا عليه بمثابرة وصبر وهمة حتى أنجزوه ليهدوا وحدة “عناية طبية مكثفة” لمستشفى محمد الأمين حامد بأمدرمان. كانت أبرزاللحظات وضاءة في ظل هذا الحدث المهيب أن عهدوا إلى سيدة كادحة من غمار الناس أن تقص شريط الافتتاح في سابقة للفتة إنسانية عميقة المغزى، لم تكن أبداً من باب التبكيت على أحد من الساسة، ولكن جاءت متسقة تماماً مع طبيعة الوعي والحس الاجتماعي الذي تميزّت به هذه الفئة من الشباب، ضمن مجموعات أخرى عديدة من المبادرات الشبابية، التي نشطت في السنوات القليلة الماضية لتشق مساراً جديداً مختلفاً كلياً في الساحة الوطنية تميّز بقدرته على تجاوز الواقع المأزوم للنخب المتصارعة على السلطة كما ظل شأنها على مدار سنوات الاستقلال لتنفذ إلى عمق المجتمع تخدم أجندته الحقيقية وتجتهد في مخاطبة قضاياه الملّحة. ولذلك أصبح هناك ثمة أمل يشرق في سماء السودان من جديد، ويمنح رجاء في المستقبل). انتهى وقصدت من الاطالة ان انقل عن غيرى بعضا من التوافق فى تلمس حالة التوق الى المستقبل والانتقال الى الامام من القوى الحية فى مجتمعنا. كما يلاحظ المرء بغبطة الحديث المتصل استنكارا للفساد ليس فى المال العام فحسب بل وقبلا فى السياسة والوظيفة الحكومية والقانون والدستور . فمما يثلج الصدر ان يتصدى المجتمع لداء الباطل ويطلب الحق. وهو دليل عافية وصحة واستقامة . وفى مقال حمل عنوان : مكافحة الفساد لن تنهى الفقر ...نشر فى بروجكت سانديكيت بتاريخ ٢٠١٥/٧/٢٤م ينقل كاتبه ريكاردو هاوسمان- وهو وزير سابق للتخطيط فى فنزويلا وأستاذ حاليا بجامعة هارفاد - عن فرانسيس فوكوياما إشارته الى :( ان تطور الدولة المقتدرة المسؤولة والتي يحكمها القانون يُعَد واحداً من أبرز إنجازات الحضارة الإنسانية. فهو ينطوي على خلق شعور مشترك بالضمير الجمعي، أو المجتمع المتخيل الذي تتصرف الدولة بالنيابة عنه). انتهى
ويضيف :(وهي ليست بالمهمة السهلة عندما تكون المجتمعات شديدة الانقسام على أساس عِرقي، أو ديني، أو اجتماعي. فلمصلحة من تعمل الدولة على أية حال؟ كل العراقيين أو الشيعة فقط من بينهم؟ كل أهل كينيا أو فقط المنتمين منهم إلى مجموعة كيكويو القَبَلية؟ وما الذي قد يمنع المجموعة العِرقية القائمة على السلطة حالياً من تحويل الموارد إلى نفسها بحجة: " هذا دورنا لتناول الطعام"؟ ولماذا لا يسعى من يسيطرون على الدولة حالياً إلى تحويلها إلى إرث لهم؟). انتهى وكأنه يصف حالنا وهو يقول :( إن الدولة الصالحة هي الدولة المقتدرة: فهي النظام البيروقراطي القادر على حماية البلاد وشعبها، وحفظ السلام، وفرض القواعد وإنفاذ العقود، وتوفير البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية، وتنظيم النشاط الاقتصادي، والتعهد بمصداقية بالتزامات زمنية، وفرض الضرائب على المجتمع لتغطية تكاليف كل هذه الأمور. وغياب الدولة المقتدرة هو الذي يؤدي إلى انتشار الفساد (عدم القدرة على منع الموظفين العموميين، الذين يتواطؤون غالباً مع أفراد آخرين في المجتمع، من تخريب عملية صنع القرار لتحقيق مكاسب خاصة)، فضلاً عن الفقر والتخلف). ٢/ الرئيس مع كامل الاحترام هو جزء من الأزمة وليس جزءا من الحل ويتبدى هذا فى اظهر تجلياته فى شأن المحكمة الجنائية الدولية -مع تحفظاتى الجوهرية حولها - الا ان سوء إدارة ملفها والادعى المسالة الدارفورية على وجه الخصوص وهنا استدعى الى الذاكرة حديث د. الترابى عن الغرباوية وإنشاء ميليشيات الجنجويد مما يعضد من هذا الزعم . بل هو عجز ان إدارة الشأن العام بالكفاءة المطلوبة فى وجه استحقاقات جسيمة - على سبيل المثال (مهزلة) سد مروى والتى تعكس أوجه الفساد والعجز فى التخطيط والتنفيذ والمتابعة وعدم تحمل مسؤولية الفشل فى حالة عدم تحقيق الأهداف والغايات المرجوة ... وعودة الى مقال د الواثق الاول بعنوان :(الكرة فى ملعب الرئيس )... فالكرة ظلت ولا تزال فى ملعب او -- بالأحرى سوح -الشعب لكنه عنها غافل!
حسين التهامى كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية