محادثات جنيف: مواجهة بين الإرادة الشعبية والتدخلات الدولية

 


 

 

hussainomer183@gmail.com

بقلم/ حسين بَقَيرة
المملكة المتحدة

بديهياً، أي مفاوضات يجب أن تكون بين طرفين على أقل تقدير، كما حدث سابقاً في مفاوضات: نيفاشا، أبوجا، الدوحة، وأخيراً مفاوضات جوبا. جميعها أفضت إلى اتفاقيات حملت نفس أسماء المدن التي جرت فيها المفاوضات. وكان الطرف الأساسي فيها هو الحكومة السودانية، أما الطرف الثاني فكان الحركات المسلحة. بالإضافة إلى ذلك، شملت هذه المفاوضات الأطراف الوسطاء والضامنون. كانت أبرز هذه الاتفاقيات اتفاقية نيفاشا (CPA) بين الحكومة والحركة الشعبية عام 2005. للأسف، المحصلة النهائية أدت إلى فصل جزء عزيز من الوطن بسبب قصر نظر الجانب الحكومي الذي استسلم للمؤامرات الدولية. ولو حظيت كل هذه الاتفاقيات بنصيبها من التنفيذ، لما احتاجت حكومة المؤتمر الوطني البائد إلى خلق شخصية مثل حميدتي بحجة محاربة الثوار ظاهرياً، بينما واقعياً كان الجنجويدي حميدتي يسعى لصنع مجده من أجل إنشاء دولة العطاوة، وذلك بإبادة الشعب الدارفوري أولاً ثم الشعب السوداني عامة، كما يحدث الآن.

على ضوء ذلك، كانت هناك أطراف في المفاوضات الماضية، وكما أسلفت، أي مفاوضات يجب أن تجري بين خصمين، وبالضرورة الطرف الأساسي يمثل الجانب الحكومي. إلا أن ما يجري اليوم من محادثات في جنيف، بمشاركة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والإمارات، والسعودية، وسويسرا، ومصر، حسب ما ورد في صفحة المبعوث الأمريكي توم بريلو، يحدث دون إشراك الحكومة السودانية. ذلك لأن الشعب السوداني قد رفض الجلوس مع مليشيا الدعم السريع، والتي يعتبرها منظمة إرهابية، ولم تنفذ ما اتفق عليه في اتفاق جدة. لكن الغريب أن الحكومة الأمريكية لديها إصرار على بدء المحادثات، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها تسعى بكل جدية لرفع الحرج عن نفسها، لما لعبته من دور كبير في تقاعسها عن حماية المدنيين العزل في السودان، والذي يصل إلى درجة التواطؤ الدولي التي تودي لشرعنة إبادة الجماعية ضد الشعب السوداني دون أدنى وازع إنساني. وذلك من خلال غضها الطرف عن ما يزيد عن عام من المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني و ما يتعرض لها من أعمال وحشية من قبل مليشيا الجنجويد، و محاولة الأمريكان مساواة بين ميليشيا الدعم السريع الإرهابية والحكومة السودانية، كل ذلك بتضليل من قبل العملاء في الداخل والخارج، بما في ذلك ما يعرف بتنسيقية "تقدم" بقيادة د. حمدوك، الذي أصبح بمثابة وكالة استخباراتية تقدم معلومات مضللة ضد السودان وشعبه.

إن الشعب السوداني يرى هذه المحادثات عبارة عن إذلال وإهانة للسودان وشعبه، ويتساءل عن الفائدة المرجوة من المحادثات مع ميليشيا الدعم السريع التي تحتل بيوتهم وترفض الخروج منها حتى بعد أن وقعت على اتفاق جدة. ما يقوم به المجتمع الدولي يوحي بأنها مؤامرة قديمة متجددة تجاه السودان. قلنا من قبل ونكررها، لا تستطيع أمريكا ولا غيرها إجبار الشعب السوداني وحكومته على الاستسلام، مهما كانت المعاناة والمأساة التي يعيشها. مهما كلفهم ذلك، لن يتنازلوا عن محاسبة الجنجويد الإرهابيين وأعوانهم، سواء كانوا جماعات أو دولاً، على ما اقترفوه ضد الشعب. سوف يتحاسبون عاجلاً أم آجلاً.

لا جدوى من محادثات دون مشاركة الطرف الأساسي (الحكومة السودانية)، حتى لو اجتمعت الدول كلها، ناهيك عن أمريكا وبقية الدول المشاركة، لأن حكومتنا قوية بصمود شعبها وستظل هكذا، ولن تخالف تفويض الشعب السوداني العظيم. لأن إرادة الشعوب لن تنهزم مهما تكالبت عليها الأعداء، فلا مكان للحلول الجزئية، بل لابد من حلول دائمة وجذرية، ولن يتحقق ذلك إلا باجتثاث مليشيا الدعم السريع الإرهابية من جسد الدولة السودانية.

 

بقلم/ حسين بَقَيرة
المملكة المتحدة
الخميس الموافق 15/08/2024

 

آراء