مستقبل الجامعات وجامعة المستقبل
في دراسات لي قيد الإعداد بعنوان (أبرز مائة شخصية سودانية) لم ينقض ترددي حول إدراج بعض الشخصيات السودانية التي لها أثرها الخطير في حالة البلاد تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
كما لا زال التردد يراودني في ناحية ترتيب الأشخاص حسب بروزهم وحسب أهمية تأثيرهم.
غير أن هنالك نواحي لم أتردد فيها قط مثل وضع إمام الجهاد والثورة الشيخ عثمان دقنة على رأس القائمة.
ليس ذلك لأن أثره كان كبيرا وحسب، وإنما لأن أثره كان إيجابيا صافيا، ولأن هذا الشيخ العظيم لم يخلف وراءه أي شوائب أو سلبيات.
ومن الشخصيات التي لم يساورني حيالها التردد شخصية شيخنا الدكتور إبراهيم أحمد عمر، الذي لم أتأثر نحوه بعاطفة المعرفة الشخصية، ولا بتاريخه الطويل في الكفاح الإسلامي، وإنما بجهاده في إنجاز ثورة التعليم العالي، التي لا أريد أن أتحدث عنها اليوم إجمالا، وإنما أتحدث عنها تفصيلا في مثال واحدة من الجامعات التي انبثقت عنها.
وهي هذه الجامعة الواعدة التي تحتفل في الأيام القادمة بمناسبة مرور عَقدين من السنين على إنشائها وهي جامعة المستقبل.
وقد حملت الجامعة اسمها بجدارة تامة لأنها أسهمت ولا تني تسهم في صناعة إنسان الحضارة في بلادنا، بتدريبها طلابها على آليات الإنجاز في الحياة الحديثة، وهي آليات الحاسب الآلي و(الميديا) الحديثة، التي تحتاج إدارات الدولة والقطاع الخاص جميعا إلى التمرس بها، من أجل تجويد العمل ومضاعفة عائده كما هو الحال في دول العالم الناهض.
ولهذه الجامعة مأثرة مستقبلية كريمة حيث تعهدت نخبة صالحة من علمائها بنذر جزء من وقتهم القيم لبذل خبرة العلم والتقنية لصالح تنفيذ مشروع مكتبة السودان القومية، الذي تأخر تنفيذه كثيرا، ولم تبذل الحكومة اهتماما ولا عونا يذكر له، وكأنه من نافلات العمل العلمي وفضوله.
وقد كان لجامعة المستقبل دورا رياديا في تدريب الكوادر التي نيط بها تنفيذ مشروع مكتبة السودان القومية في الجانب الإلكتروني، حيث أصبح الكتاب الإلكتروني في هذا العصر أهم مصدر علمي ثقافي معرفي، وذلك لسهولة ومجانية الحصول عليه، ولأن في عالمه الرحب المدهش يعثر الإنسان على كتب وبحوث ما كان يتصور وجودها لو لم يرها هناك.
ولذا نرجو أن يحزم علماء جامعة المستقبل أمرهم، وأن يجهد موظفو المكتبة الوطنية أنفسهم لتنزيل هذه الكتب العلمية من مكتبات العالم الكبرى، وتوفيرها لأبنائنا الطلاب والباحثين، وتمليكها لهم مجانا، ولينهوا بهذا الجهد التقدمي الرائع عهد كهانة الكتاب وتقديسه في السودان.
ذلك العهد التالف البائد الذي كان بعض سدنة المكتبات الجامعية يتعاملون فيه مع الكتاب العادي وكأنه طِلِّسْمٌ مسحور، فيمتنعون عن إعارته للطلاب والباحثين، ويغالون في حجبه وتكديسه وعدم تجديده والتعامل معه كما يتعامل العوام مع كتب السحر وترهات الأباطيل.
ولجامعة المستقبل توجهات واتفاقات واتصالات عالمية رفيعة المستوى تلحقها بهيئات علمية عالمية مثل هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، ووكالة الفضاء البرازيلية، وجامعة (مَلْتي ميديا) الماليزية، وجامعة نوتيندو الإيطالية، وجامعة النرويج للعلوم والتكنولوجيا، وجامعتي بوستون وتينيسي الأمريكيتين ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وكلها من المؤسسات الريادية المشهود لها من أولى النهى والأبصار.
ومن هذه المؤسسات العلمية التكنولوجية العالمية تستمد جامعة المستقبل تجارب قيمة وأفكار نيرة ودماء جديدة موارة ترفد حيويتها وتدفعها قدما في مضمار التطور المستدام.
وبقوة برامجها واتجاهها نحو اللحاق بمستويات التعليم الأكاديمي في دول العالم المتقدمة، حيث نصبت الجامعة لنفسها أهدافا طموحة، لا تقصر عن الالتحاق بركب جامعات الطبقة الأولى في الغرب، خاصة في مجالات تقنيات المعلومات والاتصالات والتقنيات الهندسية، نرجو أن يكون لجامعة المستقبل أثرها الكبير في صناعة مستقبل السودان فيكون لها بالتالي من اسمها الاستشرافي نصيب مرموق.
وأخيرا فإن كان لنا بهذه المناسبة وبسبب من إقامتنا الطويلة في ديار الغرب ومعرفتنا الدقيقة بجامعاته، أن نسدي بعض النصح لقيادات جامعاتنا الذين يزورون الجامعات الغربية ليصلوا جامعاتهم بها، فهو نصح يتلخص في ضرورة أن يلتزموا الصمت هناك، وألا ينهمكوا في الحديث المسترسل عن جامعاتهم وما فيها، فلا أحد يريدهم أن يتحدثوا في هذه الشجون، وما عليهم إلا أن ينتهزوا كل فرصة تسنح هنالك للتعلم واقتباس كل ما هو مناسب ممكن ومفيد، حتى يعودوا ليقووا به جامعاتنا الناشئة ويدفعونها في مضمار النماء.
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]