جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ مفاصلة الإسلاميين في العام 1999م والتي كان نتاجها انقسام المؤتمر الوطني حينها الي مؤتمرين (وطني وشعبي) دخلا بعدها في قطيعة و صراع وخصام بلغ حدا من الفجور أحيانا . اعتاد فيه المراقبون علي سماع انتقادات لاذعة للسلطة من قبل المؤتمر الشعبي تكثفت في الأزمة الاخيرة للحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية ,إذ لم تواجه السلطة صوتا بالداخل مساندا بقوة لمذكرة التوقيف للرئيس سوى صوت الشعبي وان كانت بعض القوى السياسية الاخرى تشاركه الاراء ولكنها لا تجرؤ علي المواجهة. كما اعتاد الناس ايضا علي سماع العديد من الاجراءات المتعسفة من السلطة في مواجهة الشعبي.في ظل هذا الصراع تدهورت الأوضاع بكلا المؤتمرين. فالمؤتمر الشعبي يواجه العديد من التحديات والاخفاقات التي يمكن حصرها في الاتي: 1: ضبابية الرؤى والافكار والمناهج بالتنظيم وعدم وجود مراجعات حقيقة لها. اذ لم يتم حتى الان دراسة دقيقة للتجارب السابقة واكتفى التنظيم بهتافية جوفاء علي نقاط الخلاف مع المؤتمر الوطني وتصيد اخطاءه. 2 : لم يجد خطاب المؤتمر الشعبي التفهم أو القبول بالداخل و الخارج رغم تضمنه العديد من القيم الإسلامية والإنسانية, ويرى أغلب المراقبين انه يحتوي العديد من التناقضات النظرية والعملية التي تحتاج الي تفكيك واعادة قراءة وتقييم. 3: توقف نمو التنظيم خاصة وسط شرائح الطلاب والشباب والمرأة (التي اعتادت الحركة الاسلامية سابقا والي عهد المفاصلة علي النمو المضطرد فيها) الي أن بلغ الامر بعضوية المؤتمر الشعبي اليوم بأغلب الجامعات أن لا تستطيع اكمال قائمة الترشيح للانتخابات ناهيك عن الفوز بها. 4: الضعف البائن في قيادة التنظيم. فقد اختار أغلب قيادات الصف الاول والثاني- الذين عرفوا بالوعي في مجالات الفكر والسياسة والمؤهلين اكاديميا -الانضمام للمؤتمر الوطني وتبقى القليل من القيادات التاريخية وبعض القيادات الشابة غير المؤثرة , الامر الذي انعكس علي أداء هياكل التنظيم ونشاطه العام. 5: سيطرة اجواء اقرب ما تكون الي الصوفية والطائفية بداخل التنظيم بسبب تعاطف الذين بقوا بالمؤتمر الشعبي مع دكتور الترابي نسبة لاعتقادهم بتعرضه لمؤامرة بابعاده عن السلطة والتضحية به لارضاء الغرب واعتقاله عددا من المرات بيد أبنائه, مما قلل من مساحات الشورى والحوار وكرس لتسلط الامين العام. 6: ظلت مشكلة دارفور المنفذ شبه الأوحد للمؤتمر الشعبي للدخول في ساحة الحراك السياسي بالبلاد الأمر الذي تطلب موازنات عدة فيما يخص عضوية المؤتمر الشعبي من أبناء دارفور وقد انعكس ذلك علي تصاعد النبرة الجهوية بالتنظيم وظاهرة الولاء المزدوج للمؤتمر الشعبي والحركات الحاملة للسلاح بدارفور. 7: يعاني المؤتمر الشعبي منذ الانقسام من عجز في تمويل أنشطته التنظيمية وعدم المقدرة على تفريغ ولو عدد قليل من الكوادر خاصة ببعض المهام التظيمية ذات الطابع الذي لا يحتمل غير التفريغ ولم ينجح التنظيم في خلق مصادر تمويل واستثمار بالداخل او الخارج.ولا توجد اليات بديلة كاشتراكات العضوية وتبرعاتها الا لبعض الأنشطة او الأمور ذات الصلة المباشرة بالامين العام. اما المؤتمر الوطني فهو ايضا يعاني من عدة اشكاليات يمكن حصرها في الاتي: 1: اصبح المؤتمر الوطني كيانا ضيقا غيرجامع ( كما كان يرجى له في بداياته) وبات يعبر فقط عن هواجس و مصالح ومكتسبات أهل الوسط والشمال.متخذا بذلك منحا جهويا وعنصريا واضحا,أدى الي استقطاب مجتمعي حاد. 2: لم يستطع المؤتمر الوطني خلق معادلة تضمن تمسكه بمبادئه وشعاراته القديمة ومقدرته علي الانفتاح علي العالم بخطاب إسلامي معتدل مقابل الخطاب المتشدد في رؤاه ,المتسرع في تقديراته الذي تبناه التنظيم في أول عهد الانقاذ ,لكنه تنكر للعديد من المبادئ دون منهج واضح للتفكير.واصبحت كل القيم عنده عرضة للصفقات الأمنية والسياسية دون وازع أو ضابط من اخلاق. 3: انقلب السحر على الساحر فيما يخص علاقة المؤتمر الوطني بالمجتمع الدولي بعد كل ما قدمه من تنازلات في سبيل التقرب والرضى. لكنه اليوم في وضع لا يحسد عليه بسبب تفاقم ازمة دارفور التى أدارها بصورة خاطئة ولم يحسن معالجتها. 4: ضيق مساحات الشورى _خوفا وطمعا_ داخل التنظيم في مناقشة القضايا المصيرية والحساسة. 5: بقدر ما حققت نيفاشا من مكاسب للوطن وللجنوب خاصة واستقرار في حكم المؤتمر الوطني في الشمال الا ان الاتفاقية تحمل في طياتها العديد من القنابل الموقوتة التي تهدد البلاد في حال تدهور الاوضاع اكثر مما هو عليه الان. 6: ازدادت نسبة الفساد المالي بأجهزة الدولة والتنظيم الحاكم في الفترة التي تلت الإنقسام بشكل واضح. وازدادت شريحة الاغنياء الجدد من الإسلاميين الذين تملكوا العمارات الفارهة بالمركز والولايات وصارت ثقافة الفساد الاداري والمالي سمة أساسية بالنظام ولم يعد في ذلك أدنى حرج داخل التنظيم. بعد كل ذلك لم يعد بمقدور المؤتمرين إقناع العضوية الصادقة من أبناء الحركة الإسلامية يجدوى التمسك بهما,وانتهيا الي حالة احتضار في انتظار الممات و صارت هياكلهما لجانا لادارة الازمات وصناعة المكائد بعيدا عن الدين والاخلاق. لذا لا بد من وقفة نظر وتأمل في مستقبل العمل الإسلامي بالبلاد بمنظار حر, منفتح,معتدل ومتفاعل معتبرا بكل هذه النتائج السالبة ومبعدا لكل القيادات العليا والوسيطة من الذين فشلوا وادمنوا الفشل في ايجاد نماذج لعمل أسلامي صادق غير كاذب وعاقل غير متهور ومنفتح غير منغلق يكون سوداني المزاج متدرج الخطى بغير غربة أو تجريد. تنظيما يضع يده مع بقية القوى السياسية معترفا بها غير متامرعليها ومدركا بوعي تام تركيبة السودان المتعددة الأعراق والديانات وعارفا بأزمات البلاد وتحدياتها. ساعيا نحو الوصول الي ذلك بإحداث العديد من المراجعات وتكوين لجان متخصصة لمناقشة القضايا الاساسية وعرضها علي القواعد الاسلامية للبت فيها عبر اجسام مؤسسية. لذا تعكف الان مجموعة من شباب الإسلاميين (من المؤتمرين الوطني والشعبي) في وضع خارطة طريق لوحدة الإسلاميين تلبية لأشواق وطموحات قواعد الحركة الإسلامية السودانية.في ظل تمسك البعض بالسلطة متنكريين للعديد من القيم والمبادئ ومعارضة البعض الاخر انطلاقا من أجندة إنتقامية وتصفية للحسابات. وتسعى المجموعة حاليا لوضع رؤية للإصلاح بعد الدراسة المتأنية لتاريخ الحركة الإسلامية السودانية و الاعتبار من التجارب السابقة وبعد تحليل الوضع الراهن للبلاد وواقع العمل الإسلامي .وتجري كذلك مشاورات مكثفة بين هذه المجموعة وبعض الرموز القيادية بالمؤتمرين وعدد من المفكرين والأكاديميين والساسة السودانيين. وستتوالى الجهود الساعية لتحقيق وحدة الإسلاميين عبر أسس واضحة ومتفق عليها لا بدواع عصبية تنظيمية أو تاريخية, مستفيدة من كل الجهود السابقة التي سعت لرأب الصدع ولم الشمل خاصة بعد تأكد الفشل الذريع لأطراف الصراع وتدهور أوضاع العمل الإسلامي بالبلاد منذ الإنقسام في ظل حدوث العديد من المستجدات علي الصعيد العالمي.وتعي هذه المجموعة التحديات الوطنية المتعاظمة المتعلقة بوحدة البلاد واشكاليات التنمية والعدالة وتماسك النسيج الاجتماعي.وترى المجموعة أن الإسلاميين اليوم صاروا أكثر نضجا وعقلانية في التفاعل مع الواقع والتعاطي مع الاخر.وهذا ما ستبرهنه مقبل الايام. د. معتز بلال محمد elmutaz16@gmail.com