مسرح اللامعقول فى السياسة السودانية واستفحال خيار العنف
--1---
بعد مشاركتى فى موكب 25 ديسمبر، رأيت بأم عينى كيف اعدت فرق للقمع حول مكان تجمع الجماهير..جنود بلباس الشرطة بهراواتهم، واخرون بلباس يميل للون الاصفر يحملون بنادقهم و اياديهم على الزناد !، بينما نتجمع بهدوء على رصيف الشارع.. انتظارا لوصول متظاهرين من جهات اخرى.انطلق بعضهم بهراواتهم نحونا مستهدفين بصورة واضحة المشاركات من النساء، و يبدو ان صراخ بعض الفتيات من الالم زاد من حماس اؤلئك فى مزيد من الضربات...وما كان على الجمع الا ان يتقدم...والضربات تنهال بشكل عشوائى، و نحن فى دهشة لان حق التظاهر السلمى مكفول و اقره مسؤولون...ايقنت فى قرارة نفسى ان هذا الاستهداف يخلق جوا من العداء، و يهيىء للمظلومين..
رغبة فى رد الكرامة...وضرب من هنا وهناك يخلق فوضى عارمة يمكن ان تدخل البلاد فى حرب اهلية..وهى تعانى من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية .
رجعت الى مكان سكنى مثقلا بالهموم على مصير وطنى ، لافاجأ بشريط مسجل قيل انه بصوت ( اللواء ) يونس يقول بحماسه ان البلاد فعلا تواجه مشاكل اقتصادية، ورغم انهم كاسلاميين لايمثلون سوى عشرة فى المائة فى الهيكل الوظيفي لحكومة الوفاق الوطنى...وقد يكونوا غير ملمين بالاقتصاد، ولكنهم يجيدون - القتال-- ذكرتنى بشعار فلترق منا الدماء او ترق ( كل) الدماء..ولم ينس ان يوصم كل الحراك الشعبى وكانهم شيوعيين معاديين للدين-- والكل يذكر صوت يونس فى بداية التسعينيات من القرن الماضى وهو يوزع السباب على دول الجوار ودول الاستكبار خطرفات غير مسؤولة من ضابط صغير الرتبة..ادخلت السودان فى خلافات مع كافة الدول لتظل الاثار السالبة حتى اليوم ... و يستمريعيد الكرة وهو ضابط عظيم برتبة اللواء.!! خطاب اثارة للكراهية.
الحديث عن القتال، وما رأيته من قمع للجماهير ارجعانى الى مطلع ايام ظهور الانقاذ اصطحب معى القراء حول تجارب عشتها منذ بداية الانقاذ لعلها تلقى الضوء على جوانب تساعد..فى ان يدخل السودان الى عهد جديد.
---2---
حين جاء نبأ استيلاء الجيش على السلطة ، كنت دبلوماسيا بسفارتنا بالكويت ، و جاءتنا انباء بان وفدا من القادة الجدد فى طريقهم للمنامة ، وكان لى شرف الذهاب الى هناك لاستقبالهم.. وفى مطار المنامة نزل افراد الوفد ، و كانت دهشتى كبيرة ان اجد من بينهم الراحل الزبير محمد صالح، ولم اكن ادرى انه عضو فى القيادة الجديدة والرجل الثانى بها ، فالزبيرزميل دراسة بمدرسة وادى سيدنا الثانوية.. ومما زاد دهشتى انه عرفنى رغم طول مدة الفراق، واتجهنا الى مكان اقامتهم الذى اعددناه، وبصراحة زملاء الزمن الجميل سألته عن اهداف التغيير ليجيب بحماس قاطبا جبينه بأن البلد قد دخلت فى فترة تيه وعدم استقرار سببه صراع الاحزاب وعدم توافق زعمائها على كلمة سواء، واهمل الجيش ونفدت الذخائر بينما قوات التمرد تتمدد، وانتشر الفساد مشيرابالتحديد الر شحنات تراكتورات وردت من ليبيا !! ، و أضاف بأن القوات المسلحة هى القادرة على ادارة البلاد و توظيف الكفاءات ، و قلت له اخشى ان تكون حركتكم لصالح جهة معينة ..واشرت له بأن الاحزاب بكل زخمها لا تمثل الا ما يقدر بعشرة فى المائة من مجموع من يحق لهم التصويت، واجابنى بأنهم قد وجدوا عربة التنمية متعطلة وتحتاج الى من يحركها ،فاذا اتت اية جهة لا يمكن ان نصدها. و كنت اعلم فى قرارة نفسى بأن اى انقلاب عسكرى لا ينجح الا بدعم من قوة مدنية منظمة والامثلة لهذا الاستقراء كثيرة.. واحيانا ينجح الانقلاب العسكرى حين يبلغ الغليان الشعبى مرحلة الرفض التام للاوضاع القائمة..
لم يكن الزبير منتميا لاى جهة من التنظيمات والتى تمثلت فى المنتمين لما سمى بالاسلاميين الذى قوى عودهم بعد وصول اساتذة مصريين منتمين للاخوان المسلمين. هربوا من ملاحقات الامن لهم ابان الصراع المحتدم بينهم وقيادة جمال عبد الناصر، وادخال كتب سيد قطب : معالم فى الطريق ، و شبهات حول الاسلام وطائفة اخرى تحت مسمى الجبهة الديمقراطية تنظيم مفتوح للكافة دونما تصنيف لسبب دينى او عرقى ومن اهدافها خلق ديمقراطية من القوى المؤمنة بها.. وقد حاول البعض ايهام الاخريين لانها اسم مغلف للحركة الشيوعية ...و فئة ثالثة تابعة للحزب الشيوعى المؤمنين بالماركسية وديكتاتورية البروليتاريا و المادية التاريخية والديمقراطية المركزية....و كانت كل هذه التنظيمات لاتمثل فى عضويتها مالا يفوق مابين 10 الى 15 فى المائة مجمل اعداد الطلاب ، بينما الغالبية كانوا من المستقلين او ما درج البعض تسميتهم الفلوترز ,,و من بين هؤلاء من لا يرضى بتقييم مسبق على كافة الموضوعات والشخصيات.الا بعد تمحيص شخصى لما يعتبره مفيدا للبلاد والعباد. ومنهم من لا يشغل باله بالتيارات الفكرية والسياسية...على اى حال لم يعرف عن الزبير اية ميول لجهة من الجهات ولكنه كان مواظبا على التدريبات العسكرية التى كانت تنتظم ضمن النشاطات العديدة .. وكان مبرزا فى السباحة عضوا فى نادى الزوارق..، و تمتلكنى الدهشة عندما تاتينى معلومات .بأن الزبير هذا الذى عرفته ودودا ,, و حييا....قد ارتبط اسمه بتجاوزات خطيرة فى مجال انتهاكات لحقوق الانسان ..لا اود الدخول فلا تفاصيلها المؤلمة ..هل كان مدفوعا بسطوة السلطة..تحت زعم انها ( الثورة ) التى لاتهادن كما هى فى ادبيات الانقلابات العسكرية التى ابتلينا بها ام لدوافع اخرى ساسعى لكشفها فى سياحة اخرى تخصص الى ماحاق من مظالم على عباد الله بيد من يدعون انهم قدموا لتحقيق العدالة باسم الله عز وجل.
-- 3----
مرت ايام قلائل وجاء وفد من النظام الجديد برئاسة العميد انذاك عمر البشير، و بما اننى كنت ممسكا بالاعمال القنصلية والاعلامية فى السفارة حرصت على دعوة كل من يمثلون الاطياف السياسية المختلفة لحضور اللقاء بالقادة الجدد ، و كان ديدنى فى ذلك ما قد تعلمته من انتمائى للجبهة الديمقراطية بضرورة الدعوة لكافة الفعاليات الحية للمشاركة وترك الساحة مفتوحة للراى والراى الاخر ، و تم لقاء الوفد مع من اخترناهم من مختلف الطيف السياسى والاجتماعى ، و كانت الاستفسارات والمداخلات من الحضور جريئة و صادقة . ، مرت التجربة وكان رئيس البعثة ابان هذه الزيارة فى الخرطوم ، و لا اذيع سرا حين اقول وهو الان فى رحاب الله بانه كان من المهللين لاى نظام ..جديد ليأتى ويقول لنا انه تحدث مع القائد الجديد . وسمع صوته ... مضيفا بان الاذن تعشق قبل القلب احيانا وايقنت بان هذه النوعية من المطبلين لاية سلطة .. هم اساس البلاء .. ولما كان تنظيم الجالية من علماء تكنوقراط والرئيس المنتخب الراحل د نورى صابر عالم الرياضيات الشهير كنت حريصا ان يكون هذا هو التنظيم الذى يمثل الجالية.. ليبرز تنظيم اخر... تحت مسمى اللجنة الشعبية اعضاءها من تنظيم سياسى معين لمساندة النظام الجديد .واذكر انى قلت لهم انكم ستجنون على تنظيمكم وعلى مصداقية الحكم الجيد ان اجلا او عاجلا... و رغم طول المدة اظن ان استقراءاتى قد صدقت.....!!
سقت هذه الاحداث لا ادعاء لبطولة ولكن تسجيلا لاحداث تبين الظروف التى ظهرت فيها الانقاذ..و لا انسى ان قدم الينا العميد حسن المسؤؤل السياسى فى مجلس القيادة وبرفقة القانونى الراحل عبد السميع عمر وبرفقتهم مدير مكتب العميد..والذى كان يعد نفسه لولوج عالم الدبلوماسية و تحقق له ذلك ! .وكان من مهام.هذا الوفد..اجراء تغييرات فى هيكلة السفارة... واستقال العميد فى مرحلة لاحقة ربما لعدم رضائه بمسار الحركة، و غاب الزبير محمد صالح جراء الحادث الغامض.. واذا ما اصطحبنا تصريحات اللواء نايل ايدام الاخيرة والتصريحات والتلميحات التى صدرت من العميد صلاح كرار تاتى... القناعة بان تحبس البلاد فى تنظيم يفتقر الى رؤية واضحة المعالم لا يمثل اكثر من واحد فى المائة من مجمل اصوات السودانيين، و يفتقر حسبما اشار كثيرون من منتسبيه الرؤية الصائبة فى المجال الاقتصادى و تحسين معايش الناس.. يعتبر خيارا غير عقلانى .. حتى لا يصدق علينا القول :- نرقع دنيانا بتمزيق ديننا--فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
واللهم لا تجعل مصيبتنا فى ديننا.........
salahmsai@hotmail.com