مفاجأة: أكثر من (85%) من السودانيين راضون عن حياتهم
د. عثمان أبوزيد
4 March, 2012
4 March, 2012
osman abuzaid [osman.abuzaid@gmail.com]
تقرير طازج جداً، صادر في شهر مارس هذا الذي نحن في أوله. التقرير هو المؤشر العربي لعام 2011 الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره في دولة قطر. وهذا المؤشر الذي ينفذ لأول مرّة، يُعنى بقياس اتجاهات المواطنين نحو العديد من الموضوعات مثل: مدى رضا المواطنين عن ظروفهم الاقتصاديّة والمعيشيّة ومستوى الخدمات، إضافة إلى مواقفهم من الدّيمقراطية والمشاركة السّياسيّة وأثر الدّين في الحياة العامّة والحياة السّياسيّة، كما يتضمّن المؤشّر العربيّ أسئلة تقيس مدى ثقة المواطنين بمؤسّسات دولهم وتعريفهم لمصادر التّهديد لأمنهم الشخصيّ وأمن بلدانهم وتصوّراتهم عن محيطهم العربيّ.
وقد يبدو مفاجئاً أنّ الاستطلاع يظهر مواطني المنطقة العربيّة راضين - بصفةٍ عامّة - عن حياتهم؛ إذ أفاد (73%) بأنّهم "راضون جدّا" أو "راضون" عن حياتهم، مقابل (27%) أفادوا بعدم رضاهم عن حياتهم. وتتباين إجابات المستجيبين بحسب مجتمعاتهم في مدى رضاهم عن حياتهم، وبرزت أعلى نسبة للذين أفادوا بأنّهم راضون في دول: السّعودية؛ وموريتانيا؛ والسّودان، وقد تجاوزت نسبتهم (85%) في تلك الدّول (وكان أكثر من نصف المستجيبين "راضين جدًّا")، في حين جاءت نسب الرّاضين عن حياتهم بين ثلثي وثلاثة أرباع مستجيبي البلدان الأخرى ماعدا العراقيّين؛ إذ أفاد أكثريّتهم بأنّهم غير راضين عن حياتهم، بل إنّ نسبة المستجيبين العراقيّين الّذين قالوا إنّهم "راضون جدّا" بلغت 2% فقط. وتجدر الملاحظة أيضًا أنّ 35% من الفلسطينيّين أفادوا بأنّهم غير راضين عن حياتهم، وكذلك 30% من اليمنيّين، و29% من مستجيبي كلّ من المغرب ولبنان.
وجاءت نتائج الاستطلاع بنسبة عالية بين المواطنين السودانيين للرضا عن مستوى الأمان في أماكن سكنهم، فالنسبة في كلّ من السّودان ولبنان ومصر وتونس وفلسطين تتراوح بين (60) إلى (75%)، فيما انقسم اليمنيّون بين راضٍ وغير راضٍ، وكانت أكثريّة العراقيّين (57%) غير راضية عن مستوى الأمان في أماكن سكنها.
وتدل نتائج العراق على الأوضاع الكارثية التي خلفها الاحتلال الأمريكي والذي ما يزال الشعب العراقي يعاني آثاره المدمرة.
وجاء تقييم المواطنين السودانيين سلبياً للوضع الاقتصادي ، وهو متسق مع التقييم السلبيّ للأوضاع العامّة في البلدان العربية ، إذ أفاد 28% فقط من المستجيبين في الدّول كافة برضاهم عن الوضع الاقتصاديّ لبلدانهم بصفةٍ عامّة، مقابل ثلثي المستجيبين الذين عبّروا عن عدم رضاهم عن وضع بلدانهم الاقتصاديّ، وباستثناء السّعوديّة التي عبّر المستجيبون فيها عن رضاهم عن الوضع الاقتصاديّ في بلدهم بنسبة (76%)، فإنّ أكثريّة المستجيبين- وبنسبةٍ لافتة للانتباه- في كلّ دولة من الدّول المستطلعة عبّرت عن عدم رضاها عن الأوضاع الاقتصاديّة في بلدانها.
وأفاد (50%) من مستجيبي السّودان بأنّهم يرغبون أو ينوون الهجرة إلى خارج بلدهم، فيما كانت النّسبة نحو ربع المستجيبين في المغرب واليمن والجزائر. وأقلّ المستجيبين رغبةً في الهجرة من بلدانهم هم الفلسطينيّون (13%) والسّعوديّون (9%) والمصريّون (8%). إنّ تحليل الأسباب التي اختارها المستجيبون كأسبابٍ للهجرة وتحليل خياراتهم بخصوص الدّول التي تكون مقصدًا للهجرة، يشير إلى أنّ اندفاع المواطنين نحو الهجرة هو بدافع الرّغبة في تحسين أوضاعهم الاقتصاديّة، وأنّ مفهومهم للهجرة مفهومٌ مختلط، فأحيانًا يقصدون به الهجرة وأحيانًا يقصدون به الاغتراب بغاية البحث عن عمل.
وعند سؤال المستجيبين عمّا إذا كانوا يؤيِّدون استِلام حزبٍ ديني السّلطة في حال حصوله على الأصوات اللاّزمة في الانتخابات؛ كان الرّأي العامّ في المنطقة العربيّة مؤيِّدًا لذلك، وبنسبة (56%). وعلى صعيد سَبْر اتِّجاهات الرّأي نحو هذا الأمر في كلِّ دولة على حدة؛ تبرز معارضة أكثريّة اللبنانيّين، وبنسبة 70%؛ في حين انقسم الرّأيان العامّان -الأردنيّ والجزائريّ- بين مؤيِّدٍ ومعارضٍ، وأيّد الرّأي العامّ الموريتانيّ والسّودانيّ والفلسطينيّ والتونسيّ واليمنيّ ذلك، وبنسبٍ أعلى من المعدّل العامّ.
ويبدو أنّ آراء مستجيبي السّعوديّة، وموريتانيا، والأردن، ومصر، والسّودان، وتونس تميل إلى الاعتقاد أنّ حكوماتهم جادّة في محاربة الفساد، وبنسبٍ تفوق المعدّل العامّ؛ وذلك مقابل أكثريّة مستجيبي الجزائر، واليمن، والمغرب، ولبنان الذين يعتقدون أنّ حكوماتهم غير جادّة في محاربة الفساد.
وتبلغ أسئلة الاستطلاع (59) سؤالاً، يشمل جوانب سياسية واجتماعية أخرى مثل مؤشر الرضا عن أداء الأجهزة التشريعية وزواج الأقارب والموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية، وقد كان تركيزي على مؤشرات تتعلق بالسودان لأهميتها للقارئ السوداني، ولأنها مؤشرات للرأي العام تصادم بوضوح ما تظهره اتجاهات الإعلام بشكل عام ومواقف كتاب أعمدة الرأي في الصحف.
من الدروس التي حفظناها في أولى محاضراتنا بالجامعة أن الإعلام تعبير موضوعي عن عقلية الجماهير واتجاهاتها وميولها ... يبدو أن الإعلام العربي لم يعد كذلك، وفي الأمثال الشعبية المصرية (آدي الجمل وآدي الجمال)!