مكافحة الفساد وتعزيز آليات النزاهة في السودان

 


 

 

 

مقدمة

قدمت هذه الورقة ضمن ورشة (تنمية قدرات العمل الجماعي غير الحكومي لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في المنطقة العربية- الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) التي انعقدت بتونس في سبتمبر 2019م.
لم يحظ السودان تاريخيا منذ تكوين الدولة الوطنية بفترة حكم مدني مؤسس على مبادئ المواطنة، فقد تنقل بين أنظمة عسكرية شمولية لفترات طويلة، وأخرى حزبية قائمة على الطائفية والعقائدية لفترات قصيرة نسبيا. لذلك لم تتح للسودان فرصة لتأسيس وترسيخ أجهزة الدولة المدنية ودولة القانون. وكان غياب مبادئ الحكم الرشيد ومفاهيمها واضحة في جميع مؤسساته، وبائنة في غيابه عن مجالات أدبيات التنمية المؤسسات الادارية والحياة الاجتماعية والحكم الرشيد بمفهومه العام الذي يشمل الممارسات والأساليب التي تضمن تحقيق ودعم وتعزيز الرفاهية الإنسانية، وتتيح إمكانية توسيع خيارات المواطنين لتحقيق مستوى معيشي أفضل على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
ويواجه السودان الآن مرحلة جديدة من المنظور السياسي قائمة على عدم وجود البنية الأساسية لأنظمة الشفافية والحكم الرشيد التي تشمل ولا تقتصر على المساءلة، والمساواة، والمشاركة والشفافية، والقدرة على الاستجابة للمتغيّرات المختلفة، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.
أولا: أصول المشكلة.
(1) بيئة العمل في السودان هي أحد أهم معوقات مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية:-
تتعدد وتتنوع في السودان مظاهر الفساد في بيئة العمل بصورة عامة، وفي القطاع العام بصورة خاصة. وتتمثل مظاهر الفساد تلك في إقصاء الكفاءات المؤهلّة أولا، ثم تتوالى مظاهر الفساد التبعية من رشوة ومحسوبية ومحاباة، واستغلال للممتلكات العامة واستيلاء على المال العام، واستغلال النفوذ. بل وقد تشمل عدم الالتزام بمواعيد الدّوام الرّسمي والتّهاون في تطبيق الأنظمة المقررة.
ومن البدهي أن الإصلاح الإداري يحتاج الى دراسة الواقع الإداري، ومراقبة سلوك العاملين من خلاله لمحاربة الفساد حين اكتشافه. وتعتبر محاربة الفساد في بيئة العمل من الامور الأكثر تعقيداً، حيث أنها نتاج لعوامل عدة منها انتشار الفقر وضعف الأجور، هذا فضلاًعن عدم وجود الأنظمة المضادة للفساد، وعدم اطِّلاع الموظفين على مدونة السلوك الأخلاقية لكل مؤسسة أو عدم وجودها أصلاً.
وهنالك أيضا غياب شبه تام لمفردات النزاهة في بيئة العمل والتي ينبغي أن تكون مدرجة ضمن مدونة السلوك الوظيفي مثل الصدق، والأمانة، والإخلاص، والمهنية، وإدارة المصالح العامة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي والمحسوبية والاحتكار وغيرها من المفردات والمفاهيم التي ترفع من قدر قيم النزاهة.

(2) البيئة الاجتماعية هي أحد مكونات تغلغل الفساد في الدولة:-
أهداف التنمية المستدامة 2030م
أهداف التنمية المستدامة والمعروفة كذلك باسم "الأهداف العالمية" هي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار.
ويرمي الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة (العدل والسلام والمؤسسات القوية) لتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير إمكانية الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات.
غير أن الأنظمة غير الديمقراطية تكرس لإبقاء البيئة الاجتماعية دوما في حالة انغلاق فكري وانعزال عن التطور الاجتماعي الذي يكرس لقيم الحرية والعدالة، وبالتالي تظل المجتمعات تعيش في ظل أفكار وبيئة تحض على العنصرية والقبلية والعقائدية التي تصبح سنداً وغطاءً لكافة أشكال الفساد ومناصرة الفاسدين وفق المرجعيات المجتمعية السائدة.
والفساد كما هو معلوم، هو إساءة استخدام أي شيء، سواءً أكان في المال العام، أو النفوذ، ويشمل ذلك بالطبع إساءة تطبيق القوانين والأنظمة لتخدم مصالح ذاتية. ويمكن تعريفه أيضا بتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة والإضرار بالغير. لذلك، ولمعرفة أسباب تجذر الفساد في المجتمعات، ينبغي أن ندرك أن الفساد نوعان، صغير وكبير. فالفساد الصغيرمحدود الأثر على المستوى العام، وقد تكون آثاره ظاهرة في عدد محدود من الافراد، مثل الحصول على منفعة شخصية أو خدمة لا يستحقها، أو حتى الحصول على منفعة قبل غيره دون مراعاة للترتيب والأسبقية. ويدخل أيضا في مفهومها التعدي على حق شخص آخر. أما الفساد الكبير فهو الفساد الذي تكون له آثار تنعكس على الدولة يتضرر منها المجتمع بأسره، أي أن نطاقه أشمل وأوسع وأطول مثل اختلاس الاموال العامة، وعدم تطبيق القانون على البعض دون غيرهم عن قصد، وانشاء مشروعات من المال العام لايعود عائدها للخزينة العامة للدولة بل لأشخاص محددين وغير ذلك.
لذلك نجدأن الفساد قد تكرس داخل المجتمع السوداني للأسباب الآتية: -
• البيئة أوالثقافات المجتمعية التي لا تجرم ولا تعيب أخذ حق الغير، بل أحياناً قد يوصف مثل ذلك السلوك الجائر بأنه نوع من الشجاعة والقوة أو الذكاء. وأحياناً يصنف تحقيق مكاسب شخصية بطرق غير شرعية بحسبانه من الأمور التي تدعو للإعجاب والفخر في بعض البيئات.
(3) ضعف إدراك المجتمع لمفاهيم المواطنة (الحقوق - الواجبات):-
تعرف المواطنة بأنها مفهوم تاريخ شامل ومعقد له أبعاد متعددّة ومتنوعة ومتداخلة فيما بينها؛ سواءً أكان ذلك على ذلك الصعيد المادي أو القانوني. كما أن للمواطنة بعض الآثار المهمة أيضا على الجانب الثقافي السلوكي. وفي بعض الدول تتأثر المواطنة بالنضج السياسي، والرقي الحضاري لأفراد المجتمع.


العناصر الأساسية للمواطنة:-
العنصر المدني: يشمل العنصر المدني كل من الحريات الفردية، والتعبير والاعتقاد، والإيمان، وحق التملك، بالإضافة إلى حق المساواة والعدالة، ويمكن تحقيق هذا العنصر في / عبر المؤسسات القضائية.
العنصر السياسي: يشيرهذا العنصر إلى الحق الذي ينبغي أن يتمتع به الفرد، ويمنحه الفرصة في أن يكون عنصرا فعالاً في الحياة السياسية في المجتمع. ويمكن تحقيق هذا العنصر من خلال المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة للمؤسسات الديمقراطية مثل مجلس النواب والبرلمان أو غيرهما .
العنصر الاجتماعي: يقصد بالعنصر الاجتماعي كل ما يجب أن يتمتع به الفرد من خدمات تحقق الرفاهية الاجتماعية، وإشباع حاجة الفرد الاقتصادية. ويشمل هذا العنصر التعليم وحسن الرعاية الصحية. ويُشار إلى المواطن المتمتع بالمواطنة الصالحة في حال توفر خصائص اجتماعية معينة ذات معنى سياسي كالحقوق، والواجبات، والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات التي تمت للمصلحة الخاصة بصلة.
وعند تطبيق عناصر المواطنة المذكورة آنفا على واقع السودان، نجد أنها غير متوفرة وغير متاحة لانعدام مفردات عناصرها وغيابها عند غالب أفراد المجتمع السوداني، وذلك لأسباب تعود الى ارتفاع مستوى الأمية، وضعف بل تردي مستوى التعليم ، وتزايد مستوي الفقر وانعدام كثير من أساسيات الخدمات الواجب تقديمها تقدم للمواطن في الحياة مثل الخدمات الطبية والصحية (خاصة تلك التي ينبغي أن تقدمها الدولة) . وأفضى ذلك عند الكثيرين من أفراد المجتمع (خاصة في الأرياف) إلى ضعف الإدراك للتحدث عن الحقوق لانعدامها، وعن الواجبات لأنهم لا يمتلكون أدواتها.
(4): تطبيق أنظمة التحرير الاقتصادي في الدولة دون وجود معايير الحكم الرشيد:-
تهدف سياسة التحرير الاقتصادي إلى التخفيف من قبضة الدولة على النشاط الاقتصادي عن طريق التقليل من القيود الإدارية والقوانين حتى يغدو القطاع الخاص هو صاحب الدور القيادي في الاقتصاد. ويرتبط مفهوم سياسة التحرير الاقتصادي بالفكر الليبرالي في الاقتصاد، والذي يدعو إلى ترسيخ مباديء الحريات المدنية وسيادة مبدأ حكم القانون في إطار الحرية الاقتصادية.
لقد بدأ السودان في تطبيق سياسة تحرير الاقتصاد في العام 1992م (وهي بدايات فترة حكم ذلك النظام الشمولي)، وشرع في التنفيذ الفوري لسياسة تحرير الاقتصاد (أي خروج الدولة من العملية الانتاجية والخدمية) بشكل تام متجاهلا حتى توصيات صندوق النقد الدولي والذي عادة ما يوصي بتنفيذ حزمة من الاصلاحات بالتدريج وعلى مراحل بغرض التخفيف من حدة الصدمة التي عادة ما يقع عبئها / غوائلها على عاتق الفقراء وذوي الدخل المحدود.
وكان من تبعات سياسة التحرير والخصخصة تلك خروج الدولة من السوق بصورة كاملة وسيطرة فئة قليلة من التجار والنافذين والمُتَنَفِّذين على مفاصل العمل التجاري، وتفشت الممارسات الاحتكارية في السلع الاستراتيجية الرئيسية.
ثانياً: الرقابة وآليات النزاهة.
(1) توفير البنية الأساسية للمعلومات ضمن التخطيط العام للدولة: -
يعد حق الحصول على المعلومات من الحقوق المدنية والسياسية الأساسية.وتكمن أهمية توفر المعلومات في فتح قنوات الاتصال الفعالة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وكذلك مع المسؤولين والقائمين على الأعمال المختلفة في المجتمع والدولة، حيث يؤمن ذلك الإتصال الحفاظ على حقوق جميع الأطراف، ويقلّل من تضارب المصالح، ويتيح للمواطن إمكانية الاطلاع على الأوضاع وفهم الواقع بصورة واقعية.
ويفتقر السودان إلى البنية الأساسية للمعلومات، وعدم إتاحتها للمواطنين منذ بناء الدولة الوطنية، لأسباب عديدة منها:-
1منهجية إدارة الحكم بالبلاد، والتضييق على الحريات العامة.
2.ضعف البنية الأساسية لتكنلوجيا المعلومات، وعدم مواكبتها لثورة تكنولوجيا المعلومات بسبب عدم توفير الاعتمادات المالية، وعدم توفر التأهيل والتدريب الحديث، وجهل العديد من أفراد المجتمع بأهمية تكنلوجيا المعلومات، وعوز التوعية، وعدم انتشار ونشر الثقافة الإلكترونية.
3.قلة الخبراء والمتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وكانت من أهداف التنمية المستدامة (الهدف السادس عشر) تحقيق العدالة والمؤسسات القوية، وتحقيق المقاصد ذات الصلة بحق وصول للمعلومات (كفالة وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقًا للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية).
وكانت حكومة السودان قد أصدرت في عام 2015م تشريعاً بخصوص (حق الوصول للمعلومات) يمنح الأفراد والجماعات الحق في الحصول على المعلومات بالقانون. وقد نص ذلك التشريع على تكوين مفوضية تتولى توفير المعلومات لطالبيها وإلزام الجهات المختلفة بنشر معلوماتها الضرورية. واستثنى ذلك التشريع 12 جهةً من تطبيقه إن كانت تلك طبيعة تلك المعلومات سرية و/ أو تتعلق بأمن الدولة وأسرارها. ورغم أن ذلك القانون بدا ظاهريا وكأنه يدعم السير في اتجاه دعم الشفافية، إلا أن النظام الحاكم جعله عمليا عديم الفعالية، وبدا وكأن القصد منه كان تقنين حجب المعلومات، حيث أن الاستثناءات الواردة في ذلك القانون جاءت غامضة ومطلقة دون أن يشير المشرع إلى معايير ضبط بين ماهو متاح وبين ماهو محظور.أي أن إصدار تشريع لقانون حق الوصول إلى المعلومات قصد منه تكريس قبضة الدولة وسيطرتها التامة على المعلومات بصورة أشمل ولا تتعارض مع ما سنته من قانون.
يمر السودان الآن بمرحلة تاريخية مهمة يتصاعد الاهتمام فيها بموضوع مكافحة الفساد. وتستلزم تلك المكافحة تفعيل قانون حق الوصول للمعلومات، وتحديد البنود الاستثناءات بصورة واضحة لا لبس فيها، وإنشاء مفوضية / مركز متطور للمعلومات لتفعيل ومراقبة تنفيذ القانون.
وينبغي أن تولي الوزارات والمؤسسات الحكومية اهتماما أكثر بعرض المعلومات بصورة تقنية ودقيقة من حيث الصحة والنوعية الجيدة، وتقليل الفترة الزمنية المستغرقة لتقديم المعلومات للمستفيد واسترجاعها، وأن تكون المعلومات بعيدة عن اللبس والغموض والخلط غير المبرر مع موضوعات أخرى. وينبغي أن تكون المعلومات المتقدمة قابلة للفحص والمراجعة والتحقيق من حيث الصحة والتوقيت.
(2) تنمية مفاهيم المواطنة ومكافحة الفساد في / من قبل المجتمع المدني السوداني:
تبرز أهمية مؤسسات المجتمع المدني كشريك أساس للحكومات في تطوير المجتمعات وتنظيمها، وتعزيز مشاركة الأفراد في خططها التنموية. لذلك فإن للمؤسسات المجتمع المدني المختلفة دور مشترك في تعزيز وحماية النزاهة ومكافحة الفساد. ويتمثل هذا الدور في تعزيز الشفافية والنزاهة بتوعية المجتمع بمفاهيم محاربة الفساد وتطوير الأنظمة واللوائح التنظيمية الحاكمة لأعمال مؤسسات المجتمع المدني بما يمكنها من أن تكون قوية ومؤثرة مع ضمان استقلاليتها بالقيام بالآتي:-
1. توعية المجتمع بمكافحة الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر على مصالحه.
2. القيام بأنشطة إعلامية تسهم في نشر مفاهيم عدم التسامح مع الفساد، وكذلك برامج توعية تشمل المناهج المدرسية والجامعية.
3. تعريف الناس بهيئات مكافحة الفساد ذات الصلة المشار إليها في هذه الاتفاقية وأن توفر لهم سبل الاتصال بتلك الهيئات ليتمكنوا من إبلاغها عن أي حوادث قد تكون تشكل فعلاً مجرماً وفقاً للقانون.
4.يجب أن تؤدي منظمات المجتمع المدني دوراً مهما في تعريف الجمهور بشأن تكاليف الفساد في الخدمات الرئيسة مثل الصحة والتعليم، وتعريف فئات الشباب (خاصةً) بماهية الفساد وكيفية مكافحته، وحفز الاستقرار الاقتصادي بفرض ممارسات عدم التسامح اطلاقا إزاء الفساد والمفسدين.
(3) حاكمية التطبيق لقوانين مكافحة الفساد (استغلال الجهات العدلية):
لقد أصدر السودان عددا من القوانين المجرمة للفساد. فقد إصدر لمكافحة الفساد (قانون المفوضية القومية للشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد لسنة 2016م). وساهم إصدار هذا القانون في تحسين ترتيب السودان في قائمة دول العالم الاكثر فساداً. غير أنه لم يكن لذلك القانون أثر عملي ملحوظ على أرض الواقع، ربما لأسباب تتعلق بالطبيعة الشمولية لنظام الحكم السابق نفسه وممارسات بعض منتسبيه.
والقانون وحده كما هو معلوم لا يكفي لحماية أي دولة ومؤسساته جميعا من الفساد، إذ أن وجوده في بلد كالسودان تلازم (وما زال يتلازم) مع ضعف الاحصاءات والمصادر الرسمية عن حجم الفساد نفسه، خاصة في ظل انعدام الشفافية ونقص المعلومات في البنية الاساسية للدولة، وكذلك عدم وجود سوابق لمحاربة الفساد للمسئولين وهم في مناصبهم. وغالباً ما يكون العزل من المنصب فقط هو الجزاء الأعظم لمن يرتكب منهم جريمة فساد. وبالتالي يتقزم دور القانون في محاربة الفساد في ظل عدم وجود مصادر رسمية لحجم الفساد وعدم تطبيق مفاهيم الحوكمة (المسؤولية – المساءلة – المحاسبة).
وحيث أن السودان يعيش الان مرحلة حكم جديد ينادي بأن تكون إحدى أدوات مكافحة الفساد هي تطبيق القوانين على الجميع بمعايير واحدة، ومراقبة ومنع التباطؤ الاجراءات القضائية وكل ما من شأنه عرقلة سير العدالة لقضايا الفساد وغيرها.
ومن جانب آخر، أصدر السودان قانوناً لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب في عام 2014م جاء في بعض نصوصه حماية المبلغين عن هذه الجريمة. غير أنه يلاحظ ضعف مستوى الإِبْلاغات وقلة البلاغات التي تحول الى النيابة. وقد يعزى ذلك لأن كثيرا من المتورطين في قضايا غسل الأموال وتمويل الارهاب هم من النافذين في الدولة، ويصعب –لأسباب قانونية وغيرها - رفع بلاغات ضدهم. وتنفيذاً للمتطلبات الدولية لمحاربة الفساد يتحتم إيجاد وجود آليات قانونية صارمة في تطبيق القانون وسير العادلة بشفافية وعلى الجميع.
(4) العلاقة بين توفير مناخ الديموقراطية ونجاح مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص.
يتطلب النهج العام مكافحة الفساد دوراً تشاركياً بين القطاعين العام والخاص. وتعتمد هذه المكافحة على تفعيل الوقاية – الدور القطاعي – الدور المحلي، وكذلك توسيع دائرة الفاعلين في مكافحة الفساد (الشباب – القطاع الخاص – الاعلام).
وكذلك تتطلب محاربة الفساد صياغة الأولويات لبرامج للعمل المنظم لتنفيذ منهجية مكافحة الفساد. إضافة لذلك يجب إدخال البرلمانين في مفاهيم الحوكمة ، حيث أن شريحة البرلمانين تعتبر من أهم الشرائح الفعالة والتي يجب أن يكون لها دور تشاركي في محاربة الفساد، حيث يعتبر تنظيم المعايير الاخلاقية ومعايير السلوك البرلماني عنصرا أساسيا لضمان ثقة الجمهور في كفاءة وشفافية وعدالة الانظمة الديمقراطية بالاضافة إلى تعزيز ثقافة الخدمة العامة التي تؤثر المصلحة العامة على المكاسب الشخصية.

ثالثاً: التوصيات:-
1. ينبغي تهيئة منظومة تشريعية متكاملة تشمل صياغة الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وإنشاء اليات تفعيل مفوضية قانون حق الوصول للمعلومات، وقانون حماية المبلغين، وقانون مكافحة الفساد.
2. يجب تعريف المواطنين بقانون حق الانتفاع بالمعلومات والذي يدعو لضرورة ضمان حق انتفاع الأفراد بالمعلومات وحماية حرياتهم الأساسية، وذلك لضمان نجاح جهود التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم من أجل الوجود الإنساني على الصعيدين المحلي والعالمي.
3. لا بد من اعتماد تشريعات تكفل حرية التعبير للأفراد، ووضع سياسات لتعدد اللغات والتنوع الثقافي في الفضاء الالكتروني، وضمان إدماج النساء والرجال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة تعزيز التقدم نحو خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، وتمهيد الطريق لإنشاء مجتمعات المعرفة في جميع أنحاء العالم .
4.ينبغي إعلاء قيمة أن الشفافية هي حجر الزاوية لأي ديموقراطية قوية.
5. يجب العمل على إعداد مدونة سلوك ومدونة أخلاقيات (Code of ethics) لجميع الموظفين والعاملين بإختلاف مستوياتهم، وبشكل خاص عنصر تضارب المصالح الذي يعتبر أكبر مهدد للنزاهة، وتحديد ورسم خريطة مخاطر تحدد الوظائف المعرضة لمخاطر خرق النزاهة.
6. لا بد من نشر معايير النزاهة قائمة على التوعية وبناء القدرات للتعامل مع النواحي المتعلقة بأخلاقيات وتعزيز النزاهة، وإدراك الظروف والعلاقات التي قد تؤدي إلى حالات التضارب في المصالح. وقد تشمل تلك الحالات على سبيل المثال لا الحصر قبول الهدايا والمنافع والاستضافة، ومنافع مالية واقتصادية أخرى، وعلاقات شخصية وعائلية وارتباطات مع المنظمات أو وعود بتوظيف مستقبلي.
7. ينبغي إيجاد قاعدة بيانات لجميع الموظفين والعاملين في الدولة، وتوعيتهم بمعايير النزاهة ليكونوا قادرين على تحديد النزاعات المحتملة بين مصالحهم الخاصة والواجبات العامة والتي يمكن أن تؤثر صنع القرارات على المستوى العام. كذلك يجب الحرص على شفافية شروط التوظيف العام ابتداءً من شروط التقدم للوظيفة وما يتبعها من شروط أخرى، فيما يتعلق بالأجور والحوافز -التقدم الوظيفي – التطوير الشخصي وتطوير معارف ومهارات الموظفين على أساس نظامي، بشكل يعكس التطور التنظيمي والإداري والتكنلوجي.

8. إن جريمة غسل الأموال وتمويل الارهاب هي جريمة متطورة ومتجددة وتتضافر الجهود العالمية والمحلية لمحاربتها. لذلك يمكن التخفيف أو الحد منها عبر الوعي المجتمعي بمخاطرها وسن التشريعات الوقائية والمجرمة، ويشمل ذلك بالطبع التطبيق العادل للقانون. ومعلوم أنه يلغب على المجتمع السوداني (وهو يعاني من الانعزال الاقتصادي والاجتماعي وانخفاض مستوى التعليم العام) أن يمارس الاقتصاد الخفي عن قصد (تبعا لمفاهيم التحرير الاقتصادي) وأحيانا دون قصد. وفي الحالتين يعد ذلك من أنواع الاقتصاد غير الرسمي.
9. يجب تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في ترسيخ المفاهيم العالمية لمكافحة الفساد وتعزيز آليات النزاهة وتبسيطها للمجتمع مثل ما ورد في مبادئ وتوجيهات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الحوكمة، والتي جاء نصها كالآتي:-
*الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتعزيز :
الحوكمة الرشيدة، المتجسدة بشكل خاص في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وخطة التنمية المستدامة للعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وتلك التي بذلتها منظمات دولية وإقليمية أخرى، وإذ يعترف بأنّ النزاهة، التي هي إحدى ركائز البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أمراً ضرورياً لضمان الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتأمين رخاء الأفراد والمجتمعات ككل.
وإذ يعترف بأن النزاهة هي أساسية للحوكمة العامة، ولحماية المصلحة العامة وتعزيز القيم الأساسية مثل الالتزام بنظام ديمقراطي تعددي قائم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وإذ يعترف بأن النزاهة هي حجر الأساس في النظام العام للحوكمة الرشيدة، وأنه بناء على ذلك من شأن التوجيهات المحدثة بشأن النزاهة العامة تعزيز التماسك مع غيرها من العناصر الرئيسية للحوكمة العامة، وإذ يضع في اعتباره أن الإنتهاكات لمعايير النزاهة التي ما من بلد بمنأى عنها ، تزداد تعقيداً منذ اعتماد توصية المجلس بشأن تحسين السلوك الأخلاقي في الخدمة العامة، بما في ذلك مبادئ التي تحل مكانها إدارة الأخلاقيات في الخدمة العامة تلك التوصية. وإذ يعترف بأن المخاطر المتصلة بالنزاهة موجودة في التفاعلات المختلفة بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأفراد في جميع مراحل العملية السياسية وعملية صنع السياسات، فبالتالي يتطلب هذا الترابط اعتماد نهج تكاملي مشترك بين جميع أعضاء الم مبادئ وتوجيهات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن الحوكمة جتمع لتعزيز النزاهة العامة الحد من الفساد في القطاع العام، وإذ يعترف بأن الممارسات الوطنية الخاصة بتشجيع النزاهة تختلف بشكل كبير بين بلد وآخر بسبب الطبيعة الخاصة للمخاطر المتصلة بالنزاهة العامة والأطر القانونية والمؤسسية والثقافية لكل بلد، وإذ يضع في اعتباره أن تعزيز النزاهة العامة هي مهمة ومسؤولية مشتركة بين جميع المستويات الحكومية من خلال ولاياتها المختلفة ومستويات الحكم الذاتي الخاصة بها بما يتماشى مع الأطر القانونية والمؤسسية الوطنية، وأن هذه التوصية تنطبق على جميع مستويات الحكومة لتعزيز ثقة الجمهور. "


nazikelhashmi@hotmail.com

 

آراء