من أين خريطة جديدة للسودان؟ الجزء الثاني
سعيد محمد عدنان
10 September, 2021
10 September, 2021
انتهينا من كشف الحال في المقال السابق
بسم الله نبدأ في المحاسبة:
ذلك التقسيم العرقي للهوية السودانية في المقال السابق لم يحملها محمل الجد ولاة أمرنا بعد الاستقلال، وأستثني حكومة إبراهيم عبود التي يُشهد لها بضمادة جروح الاختلاف والانشقاق.
تخاذلوا بتسارعهم للصيد في الماء العكر وتربية الخلاف وتمكينه، وزايدوا به، فأندت صديداً اختزنته في جراحها الماضية والمتتالية. ولما وقع المحظور، وهو فُراق الديمقراطية للمرة الثالثة، انتقل إلى فشلٍ كلي
أبدأ بخذلان الأحزاب الطائفية الأمة والاتحادي، التطرفية – الراديكالية (الشيوعي والاخوان) والعرقية (القومية العربية وغلاة الكتاب الأسود).
احتضن الطائفيون والإخوان طرد نواب الحزب الشيوعي بحجة تعدّي على عقيدة لا يوجد في رسالتها ما يسند ذلك، وهي تهمة جنائية تخص فرداً واحداً، وليست تعدي على هوية دستورية لإفشال مستعجل لأول أساسٍ ديمقراطي، فأفشلوا الديمقراطية في أولى خطواتها. ثم خرجوا على قرار المحكمة العليا، غرس أولى خطيئات الهوية.
ننتقل لخذلان الجيش: لن أحسب انقلاب إبراهيم عبود خذلاناً من الجيش قدر ما هو خذلانٌ من الأحزاب. ولكن انقلاب جعفر نميري، رغم أن حجته هو إنقاذ الديمقراطية من خلافات الهوية التي لم تُمنح حواراً عقلانياً وفلسفياً فيها، وهي ميزة الديمقراطية، رغم حجته تلك قام بالائتلاف مع الحزب الشيوعي وأحزاب اليسار العرقية لفرض هويةٍ من عنده، فزاد الجرح إهانة وعادت البلاد أسيرة الحكم العسكري. وما فًتئ أن ذاق مرارة خيانة شركاء الجريمة في انقلاب هاشم العطا، حتى انتفض راجعاً إلى غلاة الراديكالية اليمينية، الإخوان المسلمين، الذين كانوا وراء مصيبة الديمقراطية التي انقلب عليها بسببهم، وهكذا لعب النميري بأخطر سلاحين في وجه الوحدة الوطنية وفتح باب العش لثعالب الحيلة في العالم: القذافي، حسني مبارك، المعونة الأمريكية، رأس المال العربي، وبدأ في مغامرات تطوير الريف المفتعلة لمسح العسل على شفاه الأطماع العربية بقيادة الأمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر.
فمصر تحدثت عنها قبلاً في تأريخها مع السودان، والذي تتشبّك به كدولة كانت مستعمرةً للسودان، واندفق ذلك على السوشال ميديا في تباهيهم بأن السودانيين عبيد وكانوا هم يستعمرونهم مع يوغندا وأخريات. فات عليهم ان المستعمر كان المماليك الألبان تحت الدولة العثمانية، وقبل عتقهم من العثمانيين استعمرهم الإنجليز ودخلوا معهم في اتفاق الحكم الثنائي. قاموا بمساندة نميري بضرب الجزيرة أبا في أمرٍ لا يجوز لنميري القيام به، فهو ليس رئيساً منتخباً، وقطعاً هذا عمّق الشتات الوحدوي في السودان وأدمى الجرح العرقي فيه. ثم سارع الرئيس حسني مبارك بتهنئة البشير بثورة الإنقاذ ظاناً إنها انقلاب القوميين العرب باسم الإنقاذ الذي كان ابتدعه حزب الاتحادي الديمقراطي المعارض آنذاك في استثماره لاتفاقية كوكادام مع جون قرنق والتي ضايقت الإخوان وحزب الامة الحاكم، واستعمل الإخوان إسم الإنقاذ لخديعة مبارك، هل ترى كيف القاهرة تحكم السودان سراً؟
وقد خلقوا في السودان دولة داخل دولة، حتى فقد عددٌ كبيرٌ من السودانيين بوصلة هويتهم، وكلنا نرى كيف يلعّب المصريون السودان "يويو" في يدهم، فأغرقوا حلفا في اتفاقية خسيئة، لعمل السد العالي وغمر أي أدلة على مملكة كوش وآثارها التي يتضايقون مما تحمله من أخبار حول الحضارة الكوشية. كذلك عمّروا درب الأربعين الذي عن طريقه يتم تهريب الجمال، وعملت مصر على كسر عظم ا لسودان حتى لا ينتصب لميزته كسلة غذاء العالم وتريد هي أن تكون بدلاً عنه. ثم توجّهت لسلب المياه من السودان، وهو غنيٌّ بها، ولكن لا يمكن أن تكون العلاقة مع مصر علاقة خير إذا كانت مصر كل همها أن تستكثر الخير على السودان. والآن كل مناورات سد النهضة هي فقط حتى لا يقتسم معها حصة الأسد أي من المتشاطئين، وتهدد بسناريوهات كيف ستدمر السد وكيف سيغرق السودان ويختفي ليصبح غنيمة لمن يغنم. سأفرد في مجال آخر ما كتبه كثيرٌ من الدبلوماسيين السودانيين عن تجاربهم مع القاهرة في تعاملها الازدراءي على السودان ومع جاليته ونشطائه. وهي تحتل أرضنا ب "عين قوية" وتقول عنا "إخوان"
أما الأمارات والسعودية فقد استغلوا البلاد في أحلك مرحلة فساد وضياع تحت حكم البشير، وشهدنا في المحاكم كيف كانت الرشوات تمنح له كالطفل المشرّد يستلمها وهو صاغرٌ، وذلك أساساً لأنهم اشتروه ليبيع لهم دماء أبنائنا ودماء أبناء إفريقيا الأطفال كمورّدٍ للمرتزقة، شيء ضد الدين، ضد الأخلاق، وضد القانون، وما رأينا في ثورة ديسمبر المجيدة من مجازر وما عاشه السودان من معارك بين أبنائه، ماهي إلا غذاء خميرة الساحرات والشياطين لهد مناعة الهوية السودانية، وكل أنظارهم العمياء مركّزة على أحلام يقظتهم بأن ينقرض السودانيون أو يتوهوا تحت سحرهم حتى تخلو لهم هذه الخيرات لمن لا يستحق
وبمناسبة لا يستحق، هل تجدني أدين كثيراً من السودانيين في أنهم أيضاً ساهموا في صورة من هو غير مستحق، وجلبوا أطماع في تقسيم السودان، وغذّوْا ما كان موجودا من أطماع؟ طبعاً وسيكون ذلك في الجزء الثالث:
سيكون محاسبةً لأهل السودان أنفسهم: من مثقفين، ومن حركاتٍ مسلحة، ومن مهاجرين، ومن لاجئين
ننتقل الآن لخذلان المستثمرين العرب: كنانة، الهيئة العربية، الراجحي
إيييه.. وكان أيّما خذلان
أنظر أولاً في أهداف الهيئة العربية في حديثها عن نفسها:
[حققت الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي مجموعة من الإنجازات تتمثل في الآتي
توفير السلع الغذائية الأساسية ودعم الأمن الغذائي ●
دعم التجارة البينية العربية ●
دعم المزارعين وتعزيز قدراتهم الإنتاجية والتنافسية ●
ولا يوجد تأمين وتوسيع الاستثمار الغذائي في السودان
وهذا ما افتقدناه في ثورة إبريل حيث تسلم سوار الدهب، وكان رئيس وزرائه السيد الجزولي دفع الله، والذي قام برحلةٍ للسعودية يقترح على العرب انتشال السودان من الهوة على نظام مشروع مارشال الأمريكي لانتشال ألمانيا من بؤرة الدمار التي سببتها لها الحرب العالمية الثانية.
وماذا كان ردهم؟ كان الخذلان.
ولما تهدد إعلان السودان بإفلاسه، تحرك العرب وجدولوا للسودان تسديد ديونه!
وهم يعلمون الدمار الذي تسببوا فيه في استثمارهم الخجول في السودان
الاستثمار العربي، بعد أذاه، تبقي بَعداً عبارة عن كاتاليست (حفّازاً) لكثيرٍ من خطط تقسيم واختطاف السودان من الداخل والخارج
كان الاستثمار العربي يتقدم لإقامة مشروع تُقدم دراسة جدواه الحكومة السودانية، فتراجعه الهيئة العربية بواسطة أخصائيين أجانب. ثم تختار الشركات الأجنبية التي تنفذه، وتشرف على تشغيل كل وحداته، تدرّب عامليه، وتشغله بنجاح.
ثم تتعاقد مع الدولة (السودان) أن تكون مرتبات الهيئة بالعملة الصعبة.
وتُمنح الهيئة العربية الحق في تصدير منتجات الشركات، كما تُمنح الهيئة حق استيراد المواد التي تقوم الشركات لتصنيعها أو لتطويرها، كحق في حال كان الإنتاج المحلي غير كافٍ أو غير مضمون، كما ولها حق استيراد منتجات الشركات في حالة تعثر الإنتاج لكفاية الزبائن، ولها الحق في زراعة ما تراه من المواد المغذية للمصنع وامتلاك أراضي ومشاريع زراعية للقيام بذلك، وعمل صناعات مساندة لاحتياجات المصنع مثل البراميل والباقات، كما واستيراد البلاستيك وما فاض من إنتاجه (أو لم يفض) لذلك الغرض، وتصدير المزروعات واستيرادها.... بمعنى آخر، تحتكر كل ما يدور قبل التصنيع وبعد التصنيع، ولا يستفيد السودان تطوراً، يبقى فقط "قدرة فول" ضخمة، تخدم السودانيين بصفتهم عمالة بشرية، وتحتكر الهيئة فوائد التدريب الفني باحتكارها تقسيم فرص انتداب خبراء وشركات إنشاء أجنبية فيما بين أعضاء مجالس إدارتها، ولا يمثل السودان إلا في توفير معلومات الإدارة والمال. أما نصيب السودان فهو صك اشتراكه بنسبة مئوية بسيطة عبارة عن مشاركته بالأرض وفرص الاستثمار.
فانحصرت الفرص التجارية من ذلك للهيئة العربية، تستعملها لتشتري مؤيدين في الدولة لبرامج أكبر.
وهنا تعطلت كثير من أعمال شركات الهيئة، ولم تتحرك الهيئة لعدم اعتبار الأمر طارئاً، فالإنتاج غير مهم مادام التجارة بتوقفهِ ستكون سالكةً ومربحة على منحىً آخر، إلا أن السودان هو الوحيد الخاسر.
راجع بعض تجاربي معهم في مقالاتي، قوقلها، بعنوان [القهر والفساد معاركته عمراً كاملاً في دولة الولادة المتعسرة] عن سكر كنانة، عن الشركة العربية السودانية للنشا والجلكوز، والخطوط الجوية السودانية.
ولأبدأ بتقريرٍ رسمي عن فشل الأعمال الزراعية في السودان في السبعينات والثمانينات، فأقدم هنا عينةً، بحثاً بقلم ستيفن كونتوس، باحث عالمي:
يبدأ كونتوس: "منذ ما لا يزيد عن عقد من الزمان، كان السودان مشهوداً به على نطاق واسع.
وضخ المقرضون الدوليون والمستثمرون العرب الأغنياء بالنفط أكثر من ملياري دولار في رهان القطاع الزراعي في السودان. 1975 و1985، ومع ذلك، خلال هذه الفترة، ركدت إنتاجيتها الزراعية وانخفضت عائدات الصادرات فعليًا . بالنسبة لبلد يأتي فيه 40٪ من الناتج القومي الإجمالي وأكثر من 90٪ من عائدات التصدير من الزراعة، فهو أمرٌ مرير بالفعل
كان فشل الزراعة التجارية، واسعةَ النطاق في السودان، كان واضحًا حتى قبل الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والكوارث الطبيعية في منتصف الثمانينيات. فمن بين جميع المشاريع الزراعية الكبرى التي بدأت في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لا يمكن القول بأنه كان نجاحًا تجاريًا .
تلك التي لا تزال بين عامي 1974-1981، وهي الفترة التي بدأت فيها معظم المشاريع، انخفض الحجم السنوي لثلاث صادرات رئيسية - القطن والفول السوداني والسمسم - من متوسط 168.000 طن و99.000 طن و70.000 طن إلى 81.000 طن، 43.000 طن، و41000 طن على التوالي. [البنك الدولي، السودان: الاستثمار من أجل الاستقرار الاقتصادي والتغيير الهيكلي (واشنطن العاصمة: البنك الدولي، 1982)]، تقرير رقم 3551 والتغيير للحصول على أرقام الإنتاج السنوية للمحاصيل
أيضاً أنظر تقرير برايان دا سيلفا، السودان، الخطة: التصحيحات التنظيمية ومستقبل الإصلاحات للمحاصيل الرئيسية خلال هذه الفترة الزراعية بعد الجفاف (واشنطن العاصمة، وزارة الزراعة الأمريكية 1985)
هل ترى حجم الأذى الذي ساهم في تفكيك أو التخطيط على تفكيك السودان؟
هل ترى ذلك الآن في استثمار مشكلة سد النهضة حتى تستطيع دول الجوار تنفيذ خططها لشراء أراضي السودان لمصلحتها، قد تزرعها وقد لا تزرعها، وتغذي بها أغنامها فتستغنى عن اللحوم السودانية، وتتعدى على ثرواتنا في التراث والذهب واقتطاع أراضينا، كما نشهد فيما يحدث في الفشقة وحلايب وشلاتين؟ ودس الفساد غير اللائق في تخديم حكومتنا مثل ما تخدّم وزير الخارجية فيما لا مصلحة للسودان فيها بتوزيع الإتاوات من لحم السودان للعرب بدلاً من إجبارهم على احترام حقنا في استثمار خيراتنا كما استثمروا هم خيراتهم فينا ودفعناها من دمائنا، في بترولهم وفي ستثمارهم أجور عقولنا المهاجرة.
izcorpizcorp@yahoo.co.uk
///////////////////////
بسم الله نبدأ في المحاسبة:
ذلك التقسيم العرقي للهوية السودانية في المقال السابق لم يحملها محمل الجد ولاة أمرنا بعد الاستقلال، وأستثني حكومة إبراهيم عبود التي يُشهد لها بضمادة جروح الاختلاف والانشقاق.
تخاذلوا بتسارعهم للصيد في الماء العكر وتربية الخلاف وتمكينه، وزايدوا به، فأندت صديداً اختزنته في جراحها الماضية والمتتالية. ولما وقع المحظور، وهو فُراق الديمقراطية للمرة الثالثة، انتقل إلى فشلٍ كلي
أبدأ بخذلان الأحزاب الطائفية الأمة والاتحادي، التطرفية – الراديكالية (الشيوعي والاخوان) والعرقية (القومية العربية وغلاة الكتاب الأسود).
احتضن الطائفيون والإخوان طرد نواب الحزب الشيوعي بحجة تعدّي على عقيدة لا يوجد في رسالتها ما يسند ذلك، وهي تهمة جنائية تخص فرداً واحداً، وليست تعدي على هوية دستورية لإفشال مستعجل لأول أساسٍ ديمقراطي، فأفشلوا الديمقراطية في أولى خطواتها. ثم خرجوا على قرار المحكمة العليا، غرس أولى خطيئات الهوية.
ننتقل لخذلان الجيش: لن أحسب انقلاب إبراهيم عبود خذلاناً من الجيش قدر ما هو خذلانٌ من الأحزاب. ولكن انقلاب جعفر نميري، رغم أن حجته هو إنقاذ الديمقراطية من خلافات الهوية التي لم تُمنح حواراً عقلانياً وفلسفياً فيها، وهي ميزة الديمقراطية، رغم حجته تلك قام بالائتلاف مع الحزب الشيوعي وأحزاب اليسار العرقية لفرض هويةٍ من عنده، فزاد الجرح إهانة وعادت البلاد أسيرة الحكم العسكري. وما فًتئ أن ذاق مرارة خيانة شركاء الجريمة في انقلاب هاشم العطا، حتى انتفض راجعاً إلى غلاة الراديكالية اليمينية، الإخوان المسلمين، الذين كانوا وراء مصيبة الديمقراطية التي انقلب عليها بسببهم، وهكذا لعب النميري بأخطر سلاحين في وجه الوحدة الوطنية وفتح باب العش لثعالب الحيلة في العالم: القذافي، حسني مبارك، المعونة الأمريكية، رأس المال العربي، وبدأ في مغامرات تطوير الريف المفتعلة لمسح العسل على شفاه الأطماع العربية بقيادة الأمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر.
فمصر تحدثت عنها قبلاً في تأريخها مع السودان، والذي تتشبّك به كدولة كانت مستعمرةً للسودان، واندفق ذلك على السوشال ميديا في تباهيهم بأن السودانيين عبيد وكانوا هم يستعمرونهم مع يوغندا وأخريات. فات عليهم ان المستعمر كان المماليك الألبان تحت الدولة العثمانية، وقبل عتقهم من العثمانيين استعمرهم الإنجليز ودخلوا معهم في اتفاق الحكم الثنائي. قاموا بمساندة نميري بضرب الجزيرة أبا في أمرٍ لا يجوز لنميري القيام به، فهو ليس رئيساً منتخباً، وقطعاً هذا عمّق الشتات الوحدوي في السودان وأدمى الجرح العرقي فيه. ثم سارع الرئيس حسني مبارك بتهنئة البشير بثورة الإنقاذ ظاناً إنها انقلاب القوميين العرب باسم الإنقاذ الذي كان ابتدعه حزب الاتحادي الديمقراطي المعارض آنذاك في استثماره لاتفاقية كوكادام مع جون قرنق والتي ضايقت الإخوان وحزب الامة الحاكم، واستعمل الإخوان إسم الإنقاذ لخديعة مبارك، هل ترى كيف القاهرة تحكم السودان سراً؟
وقد خلقوا في السودان دولة داخل دولة، حتى فقد عددٌ كبيرٌ من السودانيين بوصلة هويتهم، وكلنا نرى كيف يلعّب المصريون السودان "يويو" في يدهم، فأغرقوا حلفا في اتفاقية خسيئة، لعمل السد العالي وغمر أي أدلة على مملكة كوش وآثارها التي يتضايقون مما تحمله من أخبار حول الحضارة الكوشية. كذلك عمّروا درب الأربعين الذي عن طريقه يتم تهريب الجمال، وعملت مصر على كسر عظم ا لسودان حتى لا ينتصب لميزته كسلة غذاء العالم وتريد هي أن تكون بدلاً عنه. ثم توجّهت لسلب المياه من السودان، وهو غنيٌّ بها، ولكن لا يمكن أن تكون العلاقة مع مصر علاقة خير إذا كانت مصر كل همها أن تستكثر الخير على السودان. والآن كل مناورات سد النهضة هي فقط حتى لا يقتسم معها حصة الأسد أي من المتشاطئين، وتهدد بسناريوهات كيف ستدمر السد وكيف سيغرق السودان ويختفي ليصبح غنيمة لمن يغنم. سأفرد في مجال آخر ما كتبه كثيرٌ من الدبلوماسيين السودانيين عن تجاربهم مع القاهرة في تعاملها الازدراءي على السودان ومع جاليته ونشطائه. وهي تحتل أرضنا ب "عين قوية" وتقول عنا "إخوان"
أما الأمارات والسعودية فقد استغلوا البلاد في أحلك مرحلة فساد وضياع تحت حكم البشير، وشهدنا في المحاكم كيف كانت الرشوات تمنح له كالطفل المشرّد يستلمها وهو صاغرٌ، وذلك أساساً لأنهم اشتروه ليبيع لهم دماء أبنائنا ودماء أبناء إفريقيا الأطفال كمورّدٍ للمرتزقة، شيء ضد الدين، ضد الأخلاق، وضد القانون، وما رأينا في ثورة ديسمبر المجيدة من مجازر وما عاشه السودان من معارك بين أبنائه، ماهي إلا غذاء خميرة الساحرات والشياطين لهد مناعة الهوية السودانية، وكل أنظارهم العمياء مركّزة على أحلام يقظتهم بأن ينقرض السودانيون أو يتوهوا تحت سحرهم حتى تخلو لهم هذه الخيرات لمن لا يستحق
وبمناسبة لا يستحق، هل تجدني أدين كثيراً من السودانيين في أنهم أيضاً ساهموا في صورة من هو غير مستحق، وجلبوا أطماع في تقسيم السودان، وغذّوْا ما كان موجودا من أطماع؟ طبعاً وسيكون ذلك في الجزء الثالث:
سيكون محاسبةً لأهل السودان أنفسهم: من مثقفين، ومن حركاتٍ مسلحة، ومن مهاجرين، ومن لاجئين
ننتقل الآن لخذلان المستثمرين العرب: كنانة، الهيئة العربية، الراجحي
إيييه.. وكان أيّما خذلان
أنظر أولاً في أهداف الهيئة العربية في حديثها عن نفسها:
[حققت الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي مجموعة من الإنجازات تتمثل في الآتي
توفير السلع الغذائية الأساسية ودعم الأمن الغذائي ●
دعم التجارة البينية العربية ●
دعم المزارعين وتعزيز قدراتهم الإنتاجية والتنافسية ●
ولا يوجد تأمين وتوسيع الاستثمار الغذائي في السودان
وهذا ما افتقدناه في ثورة إبريل حيث تسلم سوار الدهب، وكان رئيس وزرائه السيد الجزولي دفع الله، والذي قام برحلةٍ للسعودية يقترح على العرب انتشال السودان من الهوة على نظام مشروع مارشال الأمريكي لانتشال ألمانيا من بؤرة الدمار التي سببتها لها الحرب العالمية الثانية.
وماذا كان ردهم؟ كان الخذلان.
ولما تهدد إعلان السودان بإفلاسه، تحرك العرب وجدولوا للسودان تسديد ديونه!
وهم يعلمون الدمار الذي تسببوا فيه في استثمارهم الخجول في السودان
الاستثمار العربي، بعد أذاه، تبقي بَعداً عبارة عن كاتاليست (حفّازاً) لكثيرٍ من خطط تقسيم واختطاف السودان من الداخل والخارج
كان الاستثمار العربي يتقدم لإقامة مشروع تُقدم دراسة جدواه الحكومة السودانية، فتراجعه الهيئة العربية بواسطة أخصائيين أجانب. ثم تختار الشركات الأجنبية التي تنفذه، وتشرف على تشغيل كل وحداته، تدرّب عامليه، وتشغله بنجاح.
ثم تتعاقد مع الدولة (السودان) أن تكون مرتبات الهيئة بالعملة الصعبة.
وتُمنح الهيئة العربية الحق في تصدير منتجات الشركات، كما تُمنح الهيئة حق استيراد المواد التي تقوم الشركات لتصنيعها أو لتطويرها، كحق في حال كان الإنتاج المحلي غير كافٍ أو غير مضمون، كما ولها حق استيراد منتجات الشركات في حالة تعثر الإنتاج لكفاية الزبائن، ولها الحق في زراعة ما تراه من المواد المغذية للمصنع وامتلاك أراضي ومشاريع زراعية للقيام بذلك، وعمل صناعات مساندة لاحتياجات المصنع مثل البراميل والباقات، كما واستيراد البلاستيك وما فاض من إنتاجه (أو لم يفض) لذلك الغرض، وتصدير المزروعات واستيرادها.... بمعنى آخر، تحتكر كل ما يدور قبل التصنيع وبعد التصنيع، ولا يستفيد السودان تطوراً، يبقى فقط "قدرة فول" ضخمة، تخدم السودانيين بصفتهم عمالة بشرية، وتحتكر الهيئة فوائد التدريب الفني باحتكارها تقسيم فرص انتداب خبراء وشركات إنشاء أجنبية فيما بين أعضاء مجالس إدارتها، ولا يمثل السودان إلا في توفير معلومات الإدارة والمال. أما نصيب السودان فهو صك اشتراكه بنسبة مئوية بسيطة عبارة عن مشاركته بالأرض وفرص الاستثمار.
فانحصرت الفرص التجارية من ذلك للهيئة العربية، تستعملها لتشتري مؤيدين في الدولة لبرامج أكبر.
وهنا تعطلت كثير من أعمال شركات الهيئة، ولم تتحرك الهيئة لعدم اعتبار الأمر طارئاً، فالإنتاج غير مهم مادام التجارة بتوقفهِ ستكون سالكةً ومربحة على منحىً آخر، إلا أن السودان هو الوحيد الخاسر.
راجع بعض تجاربي معهم في مقالاتي، قوقلها، بعنوان [القهر والفساد معاركته عمراً كاملاً في دولة الولادة المتعسرة] عن سكر كنانة، عن الشركة العربية السودانية للنشا والجلكوز، والخطوط الجوية السودانية.
ولأبدأ بتقريرٍ رسمي عن فشل الأعمال الزراعية في السودان في السبعينات والثمانينات، فأقدم هنا عينةً، بحثاً بقلم ستيفن كونتوس، باحث عالمي:
يبدأ كونتوس: "منذ ما لا يزيد عن عقد من الزمان، كان السودان مشهوداً به على نطاق واسع.
وضخ المقرضون الدوليون والمستثمرون العرب الأغنياء بالنفط أكثر من ملياري دولار في رهان القطاع الزراعي في السودان. 1975 و1985، ومع ذلك، خلال هذه الفترة، ركدت إنتاجيتها الزراعية وانخفضت عائدات الصادرات فعليًا . بالنسبة لبلد يأتي فيه 40٪ من الناتج القومي الإجمالي وأكثر من 90٪ من عائدات التصدير من الزراعة، فهو أمرٌ مرير بالفعل
كان فشل الزراعة التجارية، واسعةَ النطاق في السودان، كان واضحًا حتى قبل الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والكوارث الطبيعية في منتصف الثمانينيات. فمن بين جميع المشاريع الزراعية الكبرى التي بدأت في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لا يمكن القول بأنه كان نجاحًا تجاريًا .
تلك التي لا تزال بين عامي 1974-1981، وهي الفترة التي بدأت فيها معظم المشاريع، انخفض الحجم السنوي لثلاث صادرات رئيسية - القطن والفول السوداني والسمسم - من متوسط 168.000 طن و99.000 طن و70.000 طن إلى 81.000 طن، 43.000 طن، و41000 طن على التوالي. [البنك الدولي، السودان: الاستثمار من أجل الاستقرار الاقتصادي والتغيير الهيكلي (واشنطن العاصمة: البنك الدولي، 1982)]، تقرير رقم 3551 والتغيير للحصول على أرقام الإنتاج السنوية للمحاصيل
أيضاً أنظر تقرير برايان دا سيلفا، السودان، الخطة: التصحيحات التنظيمية ومستقبل الإصلاحات للمحاصيل الرئيسية خلال هذه الفترة الزراعية بعد الجفاف (واشنطن العاصمة، وزارة الزراعة الأمريكية 1985)
هل ترى حجم الأذى الذي ساهم في تفكيك أو التخطيط على تفكيك السودان؟
هل ترى ذلك الآن في استثمار مشكلة سد النهضة حتى تستطيع دول الجوار تنفيذ خططها لشراء أراضي السودان لمصلحتها، قد تزرعها وقد لا تزرعها، وتغذي بها أغنامها فتستغنى عن اللحوم السودانية، وتتعدى على ثرواتنا في التراث والذهب واقتطاع أراضينا، كما نشهد فيما يحدث في الفشقة وحلايب وشلاتين؟ ودس الفساد غير اللائق في تخديم حكومتنا مثل ما تخدّم وزير الخارجية فيما لا مصلحة للسودان فيها بتوزيع الإتاوات من لحم السودان للعرب بدلاً من إجبارهم على احترام حقنا في استثمار خيراتنا كما استثمروا هم خيراتهم فينا ودفعناها من دمائنا، في بترولهم وفي ستثمارهم أجور عقولنا المهاجرة.
izcorpizcorp@yahoo.co.uk
///////////////////////