موسم الهجرة الى شمال مالى .. طالبان أفريقيا !

 


 

 




ليس سراً أن بعضاً من شباب التيارات الأصولية الإسلامية فى السودان قد هجروا مقاعد الدراسة الجامعية وهاجروا صوب شمال مالى وأرض الأزواد التى أُعلن فيها عن قيام أمارة إسلامية سلفية . هذه الأمارة يراها الغرب الأمريكى والأوربى معقل أفريقى جديد للأصولية الإسلامية ولتنظيم القاعدة يماثل حركة طالبان أفغانستان فى القارة الآسيوية . و الحكاية حتى الآن بدأت ببضعة أفراد من الشباب الذين غادروا منازل أبائهم وأسرهم سراً وأنسلوا من جامعاتهم الخاصة ذات الكلفة المالية العالية دون أن يخطروا أهاليهم أو يتركوا دليل على مقصدهم ، وأتلفوا كل وسيلة تعين الأهل على التواصل معهم بما فى ذلك محو ذاكرة هواتفهم النقالة وأجهزة حواسيبهم التى خلفوها فى منازل الأباء . هذه الظاهرة .. ظاهرة الهجرة السلفية الجهادية عرفها السودان منذ الغزو السوفيتى لأفغانستان فى 1979 حيث تطوع بعض الشباب السودانى بدافع الحمية الدينية والنصرة الجهادية فأنخرطوا داخل المنظومة التى عُرفت فيما بعد بـ (الأفغان العرب ) التى أسسها أول الأمر الفلسطينى عبد الله عزام ثم آل أمرها فيما بعد الى أسامة بن لادن . ففى عقدى الثمانينات والتسعينات هاجر هؤلاء الى اقاليم بيشاور ووزيرستان التى تشكل الشريط الحدودى الباكستانى المتاخم للحدود مع أفغانستان وأنخرطوا هناك فى المنظمات الطوعية الإسلامية السلفية الداعمة لحركة طالبان ، وتسلل بعضهم الى داخل أفغانستان حيث قاتلوا الى جانب النظام فى مواجهته للعالم الغربى عقب أحداث 11 سبتمبر الشهيرة ، وأنتهى الأمر ببعضهم الى سجون أفغانستان الأمريكية مثل سجن باغرام أو معتقل غوانتانمو فى الجزيرة الكوبية .
أمارة شمال مالى السلفية هذه يدور حولها لغط سياسى كبير ، وحتى إنتسابها لتنظيم القاعدة تحيطه الكثير من الشكوك فالبعض يراها كيان هجين تتنازع عليه التيارات السلفية مع مكونات عرقية وإجتماعية مثل قبائل الطوارق أو أمازيغ الصحراء الذين ينتشرون فى جنوب الجزائر ومالى والنيجر وليبيا وبوركينا فاسو ، ومن المتفق عليه أن تداعيات الثورة الليبية وما صحبها من تدفق لترسانة السلاح الليبى جنوبا ً كان عاملاً حاسماً فى قيام هذه الأمارة ، بجانب إنفراط قبضة السلطة المركزية فى العاصمة المالية باماكو على شمال البلاد خصوصاً عقب الإنقلاب الأخير هناك . وثمة فريق آخر من المحلليين يرى أن غض الطرف عن قيام الأمارة حتى الآن هو مجرد ذريعة للتدخل من أجل إعادة إقتسام النفوذ فى تلك الصحراء الغنية بالموارد بغرض تقليص النفوذ الفرنسى الأوربى لصالح النفوذ الأمريكى ، وبالفعل تمت مساومة دول الجوار ومن بينها الجزائر لتشكيل قوة تدخل سريع لسحق الأمارة إلا أن الجزائر وبقية الدول المتاخمة للإقليم ما زالت تتمنع . وقد أوردت صحيفة (لوكنار أنشينيه) الفرنسية بأن دولة قطر هى التى توفر الأموال للجماعات السلفية المهيمنة على الأمارة تنفيذاً لإستراتيجية إعادة تقسيم النفوذ الدولى فى المنطقة .
كل هذا قد لا يعنينا فى السودان من قريب فنحن والحمد لله (فينا ما يكفينا ) ولكن ثمة سؤال مشروع أو ربما عدة أسئلة تطوف بالذهن ... ما الذى يدفع هؤلاء الشباب لهجر جامعاتهم الدولارية وأستبدال رغد عيشهم بالهجرة نحو صحراء مالى شوقاً وأشتهاءً للفردوس الجهادى الإستشهادى ؟ هل عجزت الأنظمة الحاكمة بإسم الإسلام السياسى فى إرواء هذه الأرواح الظامئة للنقاء الروحى بعد أن تداخلت فى تلك الأنظمة أسباب الدنيا بأسباب الآخرة ؟ سألت هذا السؤال لأحد شباب السلفية فأجاب بأنه يتوق الى عدل الإسلام ونقاء جوهره وهو أمر يهون الجهاد والإستشهاد فى سبيله أينما كان الجهاد أو الإستشهاد ... وسألت ذات السؤال لشاب آخر يعلق سماعات الموبايل على أذنيه ومظهره لا ينم عن قرب بالفكر السلفى فهز كتفيه وقال : يا عم ... أنا مالى ومالى !
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء