موقف السيد البرهان من قضية الحرب والسلام، وضرورة وجود خطة واضحة لإنهاء الحرب

 


 

 

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

وضوح الهدف وتحديد الوسائل اللازمة لبلوغه من أهم الأسباب المؤدية للغايات بأقصر الطرق، دون إهدار وقت غير ضروري أو إنفاق تكاليف مادية ومعنوية لا تستحق الانفاق، كما أنها في ذات الأوان تساعد الأطراف الاخرين على اتخاذ الموقف الصحيح الداعم لتحقيق الهدف. ينطبق هذا القول على الجوانب الإدارية كما ينطبق أيضاً في فضاء السياسة، خاصة في المسائل التي تقرر مصائر الشعوب، مثل الحرب والسلام. وباستقراء رؤية السيد عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش السوداني منذ اندلاع الحرب في 15 ابريل 2023 والتصريحات التي صدرت عنه تجاه التفاوض والحل السلمي للحرب الدائرة، فقد تضاربت في اتجاهاتها واتخذت عدة مناحي ولم تتبن موقفاً ثابتاً يفضي إلى سلام ويؤدي إلى انفتاح العملية السياسية أو رفض التفاوض كلية والتفرغ لقضية الحرب وحدها. وتراوحت تصريحاته بين الإعلان عن القبول بأي حل يؤدي إلى توقيع اتفاق سلام، أو رفض الجلوس تماماً مع قوات الدعم السريع وعدم القبول بأي اتفاق سلام معها، أو القبول بإجراءات تفاوض للتوصل لاتفاق سلام ولكن بشروط.

في بداية الأزمة التي سبقت نشوب الحرب وتصاعد التوتر إثر قيام قوات الدعم السريع بتحريك قواتها إلى مطار مروي دون موافقة القوات المسلحة، كان الاتجاه المعلن لدى القائد العام هو التوصل إلى حل الأزمة من خلال التفاوض. وأعلن أنه مستعد للإقدام على أية خطوة تعين على حلحلة الإشكال الطارئ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي. وبالطبع لم ينجح هذا الإعلان ولا الرغبة في الجنوح إلى حل تفاوضي في كبح اندلاع الحرب، والتي اندلعت بكل سوءاتها في 15 ابريل 2023، وكان على طرفيها تحديد موقف واضح لوقف الحريق المتمدد ومنع انتقاله لولايات السودان الأخرى، والحد من أي مضاعفات وتعقيدات تنشأ من جراء استمرار الحرب.

موقف القائد العام من الحرب مع بداية اندلاعها
في لقاء مع قناة الجزيرة في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب ذكر السيد البرهان أنّه لا خيار إلا الحسم العسكري، إذا لم تَعُد قوات الدعم السريع إلى مواقعها التي كانت ترابط فيها في ديسمبر 2022، وشدّد على رفضه أيّ حديث مباشر مع حميدتي وأشار إلى أنّ الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع. وبهذا اختط السيد عبد الفتاح البرهان موقفاً بتخيير قوات الدعم السريع بالانسحاب إلى مواقعها التي كانت ترابط فيها في ديسمبر 2022 أو الحسم العسكري، و استبعد أي خيار تفاوضي قبل رجوع قوات الدعم السريع إلى مواقعها السابقة.

اتفاقيات جدة
انطلقت في بداية مايو 2023 برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة مباحثات جدة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ، وكان من الواضح أن هدف هذه المفاوضات ليس إجراء مفاوضات لإنهاء الصراع بصورة حاسمة، فقد حدد لها سقف يتعلق بحماية المدنيين وتحقيق وقف اطلاق نار قصير الأمد لغايات إنسانية. وقد نجم عن هذه المباحثات اتفاقيتين هما:
1- إعلان جدة الالتزام بحماية المدنيين في السودان، وهو عبارة عن اتفاق على مبادئ عامة تشمل الالتزام بقواعد القانون الدولي الخاصة بالحرب، وحماية المدنيين واستئناف العمليات الإنسانية
2- اتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية.
وبالنظر لكلا الوثيقتين فلم يتضمنا آليات فعالة لتنفيذ مقتضياتهما والتحقق من التزام كل طرف بالمبادئ التي تم الاتفاق عليها. ولم تشتملا على جداول زمنية واضحة تجعل منهما خريطة عمل لانهاء الحرب بصورة نهائية، ولم تنجحا إلا في ترتيب هدنة قصيرة الأمد، وتتطلب هذه الوثائق مزيداً من التفاوض لتطويرها إلى وثائق سلام دائم، وهو ما يعني عملياً ضرورة التفاوض لقطف ثمارها.

الظهور الإعلامي الثاني للقائد العام
في 10 يونيو 2023 ظهر السيد البرهان للمرة الثانية منذ بدء الحرب بصورة علنية، وذكر أن قواته تخوض معركة الكرامة نيابة عن شعبها، وتوعد باستخدام ما أطلق عليه "القوة المميتة" ضد قوات الدعم السريع، وأوضح أن القوات المسلحة لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصَع العدو أو يستجب لصوت العقل. وحتى ذلك الوقت فإن الحرب لم تكن قد تمددت إلى بقية ولايات السودان، وكانت القوات المسلحة تسيطر على كل الولايات بصورة تامة عداً ولاية الخرطوم التي كانت تدور الحرب فيها. ولا شك أن حقائق القوة على الآرض لعبت دوراً في مضمون هذه التصريحات.

خروج القائد العام من مباني القيادة العامة
بعد أكثر من أربعة أشهر قضاها السيد البرهان في القيادة العامة، خرج عنهاـ وظهر وسط جنوده في القاعدة الجوية بوادي سيدنا، وفي خطاب له في 28 أغسطس 2023 أكد أنه لن يجري أي اتفاق مع أي جهة خانت الشعب السوداني، مشيراً بذلك إلى قوات الدعم السريع. ويبدو أن هذه التصريحات جاءت رداً على تصريحات أطلقها السيد محمد حمدان ذكر فيها، فيها أن السودان يجب أن يتأسس بوصفه جمهورية حقيقية، السلطة والنفوذ فيها لكل السودانيين، لا يتمايزون في ذلك إلا بما تسفر عنه الانتخابات العادلة والحرة في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي، قائم على تقاسم السلطات وتشاركها.

زيارات القائد العام خارج البلاد
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 22 سبتمبر 2023: ذكر السيد البرهان (أن كل حرب تنتهي بالسلام، سواء سلام بالمفاوضات أو بالقوة، ونحن نمضي في نفس المسارين والمسار المفضل لنا هو مسار المفاوضات وهناك مسار جدة ونحن متفائلون بأننا قد نصل إلى نتيجة إيجابية). وقد أكد السيد البرهان هذا التوجه بعد يومين من هذا الحدث. ففي في 24 سبتمبر 2024 وفي مقابلة مع قناة «بي بي سي»، أعلن، من حيث المبدأ، عن موافقته على الاجتماع مع السيد حميدتي، والتحدث إليه، ما دام أنه ملتزم بحماية المدنيين وقال: نحن مستعدون للمشاركة في المفاوضات، وإذا كانت قيادة القوات المتمردة ترغب في العودة إلى رشدها وسحب قواتها من المناطق السكنية والعودة إلى ثكناتها، فسوف نجلس مع أي منهم... خاصة إذا التزم بما تم الاتفاق عليه في جدة.
تمثل هذه التصريحات منعطفاً عن المواقف التي سبقتها وأعطت ضوءاً أخضر للاقتراب من التفاوض السلمي

الدعوة للقاء مع قائد قوات الدعم السريع
دعت منظمة ايغاد كلا من السيد البرهان والسيد محمد حمدان للقاء يتم فيه وضع الأسس لانهاء الحرب، وقد أبدى السيد البرهان ترحيبه بذلك اللقاء ، وأكد على هذا الموقف في ديسمبر 2023 أثناء مخاطبته حشداً عسكرياً في ولاية البحر الأحمر حيث أعلن عن إمكانية الانخراط في مفاوضات مع قوات الدعم السريع، لكنّه شدد على أنه لن يوقع اتفاق سلام "فيه ذل ومهانة للشعب والقوات المسلحة. ويفهم من هذا الخطاب استعداده لتوقيع اتفاق مع قوات الدعم السريع يتضمن كرامة الشعب السوداني وكرامة القوات المسلحة، وهذا لا يتم إلا من خلال تفاوض

الاتفاق بين قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)
في 5 يناير 2024 وفي الخطاب الذي ألقاه السيد عبد الفتاح البرهان أمام قوات في مدينة جبيت بشرق السودان.، عقب الاتفاق الذي تم توقيعه بين قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، تراجع عن قبوله الدعوة للقاء البرهان وحدد موقفاً معاكساً تعهد فيه بمواصلة الحرب وأكد أنه لا مجال للصلح أو الاتفاق مع قوات الدعم السريع، واستخدم أقوى العبارات لتأكيد موقفه فذكر (حميدتي بالسحر والدجالين والمشعوذين في القتال، واختبأ طيلة ثمانية اشهر متنقلاً بين المنازل والمزارع في الخرطوم، بأسماء مستعارة لذلك لا صلح معهم ولا اتفاق معهم إما أن ننتهي منهم أو ننتهي نحن. لابد من أخذ حقنا وحق الناس)

يلاحظ أيضاً أن تصريحات السيد البرهان الموجهة إلى الخارج سواء من خلال القنوات الفضائية أو من خلال حديثه مع رؤساء دول أو دبلوماسيين فإنها كانت تؤكد على أن التفاوض وتغليب الحل السلمي هو الخيار المفضل للقوات المسلحة، بينما تتغير هذه اللهجة عند مخاطبة الداخل في غالب أحوالها خاصة عند الحديث مع الوحدات العسكرية. كما يلاحظ أيضاً أن تغيير لهجة الخطاب لا يعتمد على تغيير جوهري في الوقائع الجارية على الأرض، وإنما قد تؤثر فيها تقلبات السياسة اليومية.

اقتربت الحرب من عامها الثاني ومن الضروري الاحتكام لصوت العقل ودراسة الكلفة الباهظة التي دفعها السودانيون قتلا وتشريداً واغتصاباً ودماراً، وأن تضع كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع خطة واضحة لانهاء الحرب، فقد ثبت عملياً الحل العسكري بعيد المنال.
أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

abuzerbashir@gmail.com

 

آراء