مُذَكِّرَات مُغْتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٣٠)

 


 

 

ألقينا عصا التَّرْحَال في قريةِ ود الهندي . هي مسقطُ رأسي وانطلقتُ من لدُنهَا في دُروبِ المعرفةِ والعلمِ والشَّغَفِ بالقراءةِ والتَّعلُّم . هي " حنيني ولوعتي وشَجَني دار أبويا ومُتعَتي وعَجَني " أو كما تغنَّى الراحِلُ المُقيم محمد الأمين بود مدني . وبالمُناسَبة تقعُ ود الهندي جنوبَ غرب ود مدني على مسافةِ ٢٧ كم وبينَ المدينتين تقعُ بَرَكات مركزُ إدارةِ مَشرُوعِ الجَزيرة ثُمّ قَريتَا ود النُّور وود عَشا . نعم صارتْ ود الهندي مدينةً كبيرةً تَمدَدتْ على أحياءٍ سَكَنيةٍ إضافيةٍ حديثةٍ اقتُطِعتْ أراضِيها من مزارعِ المَشرُوع (الحَوَّاشات ) من جهاتٍ ثلاث وقد بدأ الاقتِطاعُ من ناحيةِ الشَّرقِ قبلَ عِدةِ سنوات . وقد دَخَلَتْها الكَهرُباء في عام١٩٧٧م وهي عامرةٌ بالخَدَماتِ الأهْليةِ والمَدارِس من الابتدائي والمُتوَسِط وحتى الثانوي والمراحلُ الثلاثُ بِفُروعِها بنين و بنات. ومُعظَمُ المُعلِّمين والمّعلِّمات بهذه المدارس من أهلِ البَلدةِ . ليس ذلك فَحَسْب ، بل هي عامرةٌ برياضِ الأطفالِ وخَلاوَى تحفيظِ القُرآنِ الكَرِيم إضافةً إلى أربعةِ مساجدَ مُوزعةً على شرقِ البلدةِ ووسطِها وشِمالِها . ولن ننسَى المُستَشفى الكبير الذي أصبحَ قبلةً يَؤمُه المرضي من مناطقَ عديدةٍ خلالَ أيَّام الحربِ اللَعينةِ التي اندلعتْ في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ م . والفضلُ يرجِعُ لكادرِ الأطِباءِ والمُمرِّضين والمُمرِّضات من أهلِ القريةِ وعلى رأسِهم دكتور عابدين محمد أحمد . فلهم منّا جميعاً كلُّ التَّقديرِ والاحتِرامِ وصالحِ الدَّعوات .
ولِود الهندي تاريخٌ عريقٌ يَنضَحُ بالأصَالةِ والشَّرَف . أنشأها جَدُّنا الشَّريف عيسى الغُدة إبنُ ابن الشَّريف مُحمد الهِندي الذي وّلِدَ بمكةَ المُكرَّمة وسُمِّي بالهندي لأنَّ مُرضِعتَه كانتْ هِنديةَ الأصل . وقد وُلدَ الشريف عيسى الغُدة بعد أخيه حَمد أب شَمْباني الذي وُلدَ في عام ١٨٦٦ م . وهما أبناءُ أدَم الشَّريف مُحمد الهندي . ولآدم أخَوان آخرَان هما علي بلَّة الشَّريف محمد الهندي وحَسَن الشّريف محمد الهندي . وبالمُناسَبة الشريف محمد الهندي هو الجَدُّ السَّادِس للشَّريف يُوسُف الهندي . أما سُكَّانُ ود الهندي فَهُم مزيجٌ فريدٌ متآلفٌ في لُحمةٍ اجتِماعيةٍ تَجمعُ بين الأشرافِ كأغْلَبِيةٍ والجَعليين والحُضُور والشَّوايقَة والدَناقلَة والرُّباطاب والكَواهلَة والفَلاَّتة ورّبَّما إثنياتٌ أخرَى لا أذكُرُها . نعم أصبحَ الفَلاتَة جزءاً لا يَتجَزأ من نسيجِ البلدةِ يُشارِكونَ الناسَ أفراحَهم وأترَاحَهم والناسُ يُشارِكونَهم كذلك . وكما قالَ الشَّاعِرُ المَعَرِّي :
الناسُ بالناسِ مِن حَضَرٍ وبادِيةٍ
بعضٌ لِبعضٍ وإنْ لمْ يَشعُرُوا خَدمُ .
وإن أنسَى لا أنسَى فَضلَ المُغترِبينَ من أبناءِ ود الهندي في نَهضتِها وتَقَدُّمِها منذُ ثمانينيات القرنِ الماضي وإلى يومِنا هذا ، فقد أسْهَمُوا في تَشييدِ المَدارسِ والأنديةِ والمُستوصَفات والمُستَشفى وفي كلِّ الأعمالِ الخَيرِيةِ التي رفعتْ رأس القريةِ عالياً ، فَلَهُم كلُّ التَّقدِير والدَّعَواتِ بأنْ يَحفَظَهُمُ اللهُ ويُبارِكَ في مالِهِم ودِيارِهم وذَرَارِيهم .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء