نتائج مفاوضات الحرب في السودان.. الأمل أم خيبته؟

 


 

 

الخرطوم/العربي الجديد/عبد الحميد عوض
ما بين الخيبة والأمل، استقبل السودانيون نتائج المفاوضات التي تجرى بين وفدي الجيش و"الدعم السريع"، بهدف إنهاء حرب استمرت لنحو 7 أشهر.

وكان وسطاء منبر جدة التفاوضي، السعودية، والولايات المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، قد أصدروا بياناً، أمس الثلاثاء، أكد التزام القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع باتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية، وتنفيذ إجراءات بناء الثقة، على أن يتركز العمل في محادثات جدة على مواضيع محدّدة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وتحقيق وقف إطلاق النار وغيره من إجراءات بناء الثقة، تمهيداً للتوصل إلى وقف دائم للعدائيات، مشيراً إلى أن المحادثات بدأت قبل أيام على ضوء إعلان جدة لحماية المدنيين في السودان الموقع في 11 مايو/ أيار الماضي.

وأوضح البيان أن الطرفين التزاما بالانخراط في آلية إنسانية مشتركة، بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لمعالجة معوقات إيصال المساعدات الإغاثية، وتحديد جهات اتصال لتسهيل مرور وعبور العاملين في المجال الإنساني والمساعدات، وتنفيذ إجراءات بناء الثقة في ما يخص إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبما يخص أيضاً احتجاز الهاربين من السجون، وتحسين المحتوى الإعلامي لكلا الطرفين، وتخفيف حدة اللغة الإعلامية، عدا عن اتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤججة للصراع، على أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات بالتوازي.

وأكد الطرفان، وفقاً لبيان الوسطاء، التزامهما الفردي تجاه تيسير مرور المساعدات الإنسانية لكلا الطرفين، مبيناً أن تلك الالتزامات تمثل خطوةً مهمة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، مما يسهم في تخفيف معاناة الشعب السوداني. واستطرد الوسطاء بقولهم: "يعود الأمر الآن لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الالتزام التام بمسؤوليتهما لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه".

وعبّر الوسطاء عن أسفهم لعدم تمكن الطرفين من التوافق على اتفاقات لتنفيذ وقف إطلاق النار خلال هذه الجولة، حيث لا يوجد أي حلّ عسكري مقبول لهذا الصراع، وحثوا كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على تقديم مصلحة الشعب السوداني أولاً، وإلقاء السلاح، والانخراط في المفاوضات لإنهاء الصراع.

وتدور منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي معارك متواصلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قُتل فيها ما يقارب 9 آلاف مدني، وشُرّد نحو 6 ملايين من منازلهم، غالبيتهم من العاصمة الخرطوم، كما تعرضت البنى التحتية في مدن الحرب للتدمير والتخريب.

ويعود نشاط الوساطة السعودية الأميركية لمطلع مايو/ أيار الماضي، حيث نجحت في الجولات الأولى في إنجاز هدنات متكررة لم يلتزم بها الطرفان، ما أدى إلى تعليقها بالكامل، حتى استؤنفت في مطلع الشهر الحالي، بانضمام وسيط ثالث، هو منظمة "إيغاد" التي طرحت من قبل مبادرة مختلفة لوقف إطلاق النار لم يتجاوب معها الجيش، بحجة انحياز كينيا، رئيسة لجنة الوساطة، لقوات الدعم السريع.

وخلال جولة التفاوض الحالية، صعّد الطرفان قتالهما على الأرض، خصوصاً الدعم السريع الذي استولى على عدد من المقرات العسكرية التابعة للجيش في إقليمي دارفور وكردفان، ويحاول الهجوم هذه الأيام على معاقل الجيش في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، وفي حال نجاحه، يكون قد سيطر على أكبر 5 مدن في إقليم دارفور.

أمّا في الخرطوم، فلم تهدأ جبهات القتال مطلقاً، ويهاجم الدعم السريع باستمرار مناطق عسكرية مثل سلاح المدرعات وسلاح الإشارة، وتشهد جبهة شمال أم درمان تصعيداً متواصلاً على غرار ما تشهده منطقة شمال بحري، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بتخريب مصفاة للنفط، هي المصفاة الأهم والكبرى في البلاد، ومع ذلك التصعيد جاء بيان الوسطاء، والذي مثّل خيبة أمل لكثيرين كانوا يتطلعون لوقف إطلاق نار شامل، يمكّنهم على الأقل من العودة لمنازلهم.

خيبة أمل
وتقول المواطنة إلهام حسين (50 عاماً)، وهي نازحة من الخرطوم وموجودة في ولاية الجزيرة، لـ"العربي الجديد"، إنها كانت مثلها ومثل الملايين، تتوقع نتائج مبشرة من جدة توقف آلة الحرب ويعمّ السلام، لكن أطراف الحرب، في ما يبدو لها، لا ترغب في إنهاء متاعب المدنيين الذين فقدوا مساكنهم، ومدخراتهم، ووظائفهم.

بدوره، يقرّ مستشار قوات الدعم السريع اللواء صلاح الدين عيساوي بفشل المفاوضات بعدم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو الأهم للسودانيين بحسب رأيه، محمّلاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، المسؤولية للجيش لعدم جديته في إنهاء الحرب، ولعدم إدراكه أيضاً للنتائج المستقبلية حتى بالنسبة للجيش، الذي سيواصل الانهيار والتشتت، وخير له أن يقبل بحلّ سلمي ينقذه أولاً من خطر الانهيار الكامل كما بدأ في نيالا، وزالنجي، والجنينة، وغيرها من المناطق، على حدّ قوله.

ويضيف عيساوي أن البيان الصادر من الوساطة يتحدث عن ممرات إنسانية، وتوصيل مساعدات، وكلها أمور من المستحيل تيسّرها في ظل استمرار الحرب، كما أنه من الصعب أن تصل إلى المتضررين، لا سيما إذا استلمتها السلطة الحالية التي باعت الإغاثة حسب زعمه، واستخدمتها كإمداد للجيش.

وأكد عيساوي أن الدعم السريع أكثر عزيمة وإصراراً على تحقيق السلام، والاستمرار في التفاوض، عكس الجيش تماماً.

لكن أستاذ الدراسات الاستراتيجية بالجامعات السودانية اللواء المتقاعد محمد خليل الصائم يحمّل المسؤولية بالكامل لما يسمّيها مليشيا الدعم السريع، مشيراً في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أن بيان الوسطاء أمس يمثل فشلاً حقيقياً لجولة التفاوض، ويؤكد أن الحل الوحيد هو الحسم العسكري لمليشيا الدعم السريع، مبيناً أن نتيجة التفاوض والاتفاق على قضايا إنسانية جاءت عبر بيان من الوساطة، وليس عبر اتفاق، وبالتالي لن يكون البيان ملزماً لأي طرف.

ويضيف الصائم أن ما جاء في البيان عن إجراءات لبناء الثقة لن ينجح، في ظل معارك تدور في المناطق المأهولة بالسكان، ومعها انتهاكات واسعة في حق المدنيين ترتكبها يومياً قوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن منبر جدة لم يصل لاتفاق وقف إطلاق نار أو هدنة، حيث تستمر المعارك لتاريخ اليوم، مجدداً تأكيد أهمية الحسم العسكري كعلاج حاسم لتمرد المليشيا.

قلق وبارقة أمل
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم دكتور منزول عسل، أن بيان الوساطة يشير بوضوح لعدم إحراز تقدّم يُذكر في المفاوضات، على عكس الجولات السابقة التي حققت خرقاً مهمّاً، بينما فشلت الجولة هذه في تحقيق وقف إطلاق نار، حتى ولو على المدى القصير، مبيناً أن ذلك لا يعني فشلاً تاماً للجولة، لأن بيان الوسطاء أشار لخطوات لو تم تنفيذها والتقيد بها، قد تقود في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق النار.

ويضيف عسل لـ"العربي الجديد" أن هناك قلقاً من الوسطاء من الدعوة لاستمرار الحرب، لذا طالبوا الطرفين بتخفيف المحتوى الإعلامي في منصاتهما الرسمية، والتحذير من داعمي الطرفين، عدا حديث البيان الواضح عن ضرورة اعتقال الهاربين من السجون، وهي إشارة تبيّن ضيق الوسطاء من الذين يدعمون استمرار الحرب، وفي ذلك اتهام صريح جداً لأنصار النظام السابق بتأجيج الصراع، ممّا يستوجب القبض على زعمائهم الذين هربوا من السجن.

وينبه عسل إلى أن بيان الوسطاء يبيّن أن الجيش في موقف صعب جداً، عكس ما يروج له داعمو الجيش من أنصار النظام السابق.

أما الناشط السياسي والحقوقي حاتم الياس، فيصف ما خرجت به المفاوضات بأنه "ممتاز جدًا"، ويؤكد جدية الطرفين في الوصول لحلّ، مشيراً إلى أن الوساطة أظهرت ذكاءً عالياً، لأنها لم تخرج بياناً دفعة واحدة، لإدراكها أن الواقع ما زال محتقناً في السودان، وأنه أسير لاستقطاب حاد له بعد عرقي ومناطقي وأيديولوجي، وكذلك مليء برغبات إفناء الآخر.

ويوضح الياس لـ"العربي الجديد" أن الحرب لم تكن في وجهها الحقيقي حرباً بين الجيش والدعم السريع، إذ حصلت فيها تعبئة اجتماعية واسعة جداً، وبالتالي أي قرار أو اتفاق بوقف الحرب أو مؤشرات لاتفاق نهائي سوف يؤدي لإفشال مساعي الوسطاء، لذلك يحتاج الأمر، بحسب تقديره، لجرعات محسوبة خلال البيانات التي تصدر.

 

آراء