نحو رؤية واضحة لسودان ما بعد الحرب!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لنبدأ ببديهية لاأختلاف عليها وهي أن أي حرب, منذ حروب الانسان الاول مهما طال زمنها, ستنتهي أو أنها قد أنتهت بالفعل, لاحرب تدوم للأبد. لذا فعند أنتهاء حرب السودان الحالية رغم بشاعتها و ماقتل فيها من أبرياء فلابد أن تكون هنالك رؤية واضحة يتوافق عليها معظم السودانيون حول سودان مابعد الحرب الذي يحلمون به, و الخطوات العملية لتحقيق ذلك الحلم.

حاليا يتفق معظم السودانيين لحاجة البلاد لفترة أنتقالية تديرها حكومة غير حزبية, ولكنهم يختلفون في ماوراء ذلك. هذا المقال طرح لرؤية حول سودان مابعد الحرب, و يشمل ذلك مابعد الفترة الأنتقالية, دون الدخول في تفاصيل الفترة الانتقالية التي ستحدد تفاصيلها مفاوضات انهاء الحرب, إن شاء الله.

كمواطن سوداني: فقد سئمت من أن الآخرين تحدثوا باسمي لعشرات السنين دون أن أعطيهم أي تفويض إنتخابي, إتخذوا قرارت مصيرية بأسمي. قراراتهم دمرت البلاد وقتلت عشرات الألوف . تلك القرارات التي أتخذها من لاتفويض شعبي لهم أفلست بلد غني كالسودان و جعلت كثير منا لأجئين في بلاد الآخرين أو مقيمين فيها أقامة مؤقتة لعشرات السنين علي ذمة كفلاء يستطيعون طردنا في أي وقت. و من عاش منا في و طنه كان يلهث يوميا لتوفير أبسط متطلبات الحياة الكريمة. لكل ذلك فإن ملامح الدولة السودانية القادمة يجب الا يحددها أي من القوي السياسية المفلسة الحالية في مؤتمر دستوري او خلافه. فمن له الحق في تحديد من سيشارك في هذا المؤتمر الدستوري؟ فلا أحد منا يعرف وزن هذه القوي! و كثير من الاحزاب الحالية وزنها الحقيقي هو في مقدرة قياداتها علي الصياح و العمالة و الفساد و الارتزاق. لذا فمن الأفضل أن تكون الانتخابات بعد الفترة الانتقالية ذات شقين: الجزء الأول يكون بغرض انتخاب برلمان يختار رئيس وزرء يقوم بتشكيل حكومة يراقبها البرلمان. الجزء الثاني من الانتخابات هو أن تنتخب فيه كل ولاية من ولايات السودان مندوبين أثنين أو ثلاثة (بشروط معينة تشمل مستوي التعليم لهم ونسبة النساء في المنادييب ) تكون مهمتهم كتابة دستور دائم للبلاد في فترة محددة, و يمكن توفير طاقم قانوني متكامل لمناديب كل ولاية لمعاونتهم في عملهم ويشمل ذلك دراستهم لدساتير بعض الدول الناجحة. الدستور بعد كتابته بواسطة مناديب الولايات المنتخبين يتم أجازته أما بأستفتاء شعبي أو بواسطة البرلمان. الدستور المجاز سيحدد شكل النظام السياسي الدائم للبلاد (جمهورية رئاسة أم برلمانية). و بموجب ذلك سيتم حل البرلمان و اجراء انتخابات ثانية بموجب الدستور الدائم المجاز.

في سودان ما بعد الحرب اتمني أن تحتكر الدولة تعدين الذهب و كل أنواع المعادن (الا تسمح بالتعدين الأهلي). و هي ان فعلت ذلك لتمكنت بما تدره عائدات الذهب- في أقل تقدير- من توفير التعليم المجاني والعلاج المجاني لمواطنيها. فما يحدث حاليا بخصوص تعدين الذهب بالسودان يمكننا تخيل عبثيته لو افترضنا عدم وجود شركة أرامكو الحكومية السعودية وبدلا عنها كان يسمح لاي مواطن سعودي بحفر بئر في أي مكان يشاء و امتلاك وبيع ما ينتجه من بترول ذلك البئر.

أتمني أن تنشيء الدولة السودانية سريعا شركة واحدة لإحتكار تعدين الذهب في كل أنحاء السودان (أشبه بشركة أرامكو السعودية التي تحتكر استخراج وتصدير النفط في السعودية) علي أن تمتلك الدولة معظم أسهمها وتسمح للقطاع الخاص السوداني و الاجنبي بشراء بقية الاسهم. ألأولوية في شراء الاسهم تكون لشركات تعدين الذهب العالمية الكبري, و للدهابة السودانيين. وفي تقديري أن كثير من شركات تعدين الذهب العالمية ستتدافع لشراء أسهم تلك الشركة لمعرفتها بحجم أحتياطي السودان من الذهب, وبذلك ستساعدنا تلك الشركات العالمية الكبري في تطوير طريقة التعدين ليتم وفق أسس علمية حديثة تحافظ علي البيئة وعلي صحة مواطني مناطق استخراج الذهب.

نفس فكرة أنشاء شركة حكومية واحدة ذات شراكة مع القطاع الخاص المحلي وألاجنبي لأستثمار ثروة البلاد من الذهب, يمن تعميمها بانشاء شركة حكومية لاستغلال الثروة الزراعية و الحيوانية بطرق أكثر حداثة, ويمكن البدء باستغلال و زراعة أراضي الفشقة و تطوير مسالخ حديثة ضخمة ذات مواصفات عالمية تمكن السودان من مضاعفة دخله من الثروة الحيوانية وذلك بالتركيز علي تصدير اللحوم الطازجة أو المجمدة بدلا من الطريقة البدائية الحالية التي تعتمد علي أرسال بواخر محملة بالخراف للخليج.

كما ذكرت أعلاه فان احتكار الدولة لتعدين و تصدير ذهب البلاد سيمكنها من تمويل التعليم و جعله مجانيا و لكن قبل ذلك لابد للمختصين من تحديد نوع التعليم العالي الذي يجب التركيز عليه, بدلا من الفوضى الحالية التي نتجت عن خصخصة نظام الإنقاذ البائد للتعليم العالي. هل نحتاج لهذا الكم الهائل من حملة الدكتوراة في مجالات لاتستفيد منهم البلاد؟ هؤلاء الدكاترة الذين قيل أنهم لكثرة عددهم أصبح مناداة أحدهم في بلادنا ب يادكتور أصبحت مثل المناداة ب ياحاج! في ذهني تجربة أمريكية لتعليم عال وسيط يسمي نظام كليات المجتمع. ففي الولايات المتحدة تنشيئ و تمول كل ولاية نظاما تعليميا وسيطا يسمونه "كليات المجتمع". و يوجد فرعا لكلية الولاية المجتمعية في كل محلية بالولاية. مدة الدراسة في كليات المجتمع سنتين, و توجد بها تخصصات تقنية و مهنية عدة تؤهل من يتحصل علي دبلومها من دخول سوق العمل مباشرة, ومن يريد منهم مواصلة تعليمه الأكاديمي فيتم قبلوله في جامعة يواصل بها الدراسة لسنتين أضافيتين ليتخرج بعدها بدرجة البكالريوس.

الأسراع في أحتكار الدولة للذهب و تطوير طريقة أستغلالنا لثروتنا الحيوانية بجعل معظم صادراتنا منها هي من اللحوم المذبوحة او المجمدة, سينتج عنه مال وفير بخزينة الدولة يمكنها من الخلاص من مهانة الاعتماد علي الهبات و القروض الاجنبية المشروطة التي لم تطور أي بلد في العالم. كما و أن الناتج من تصدير الذهب و اللحوم سيمكن الدولة من أحداث نهضة تنموية شاملة في زمن قياسي .

___________________
مدونتي:
https://hussein-abdelgalil.blogspot.com

husseinabdelgalil@gmail.com

 

آراء