نداء الكيان النوبى الجامع .. رؤية د. جيلى مصطفى فرح للوحدة النوبية .. اعداد: صلاح محمد احمد

 


 

 


وخير الرأى ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا

تمهيد:-
الحديث عن د. جيلى مصطفى فرح فى هذه الورقة ، لا يسعى لشخصنة القضايا الكبرى التى تهمنا، ولكن ما اعنيه اتخاذ جيلى نموذجا للمثقف الواعى ،فهو قد عاش مدة ناهزت الاربعين عاما بالمملكة المتحدة بعد تخرجه من اقتصاد جامعة الخرطوم وينال الدكتوراه فيها من جامعة برونيل . رغم بعده ظل مرتبطا بوطنه الكبير السودان وغارقا حتى الوله عشقا بالارض النوبية، فعمل بجد واجتهاد من أجل جمع كلمة النوبيين من اجل البقاء والتنمية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وعلى الصعيد الشخصى ظل جيلى هناك نموذجا للسودانى الاصيل يقدم العون والمساعدة لكل محتاج بلا من ، تماما كما عناه الشاعر:-
لو لم يكن فى كفه غير روحه لجاد بها ، فليتق الله سائله
و قبل اشهر قليله من رحيله ادى فريضة الحج....و يصدق عليه قول :-( قلب أجرد، فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن)
-لم يكن جيلى عنصريا، ينادى بهوية نوبية متعالية، ولكنه كمثقف واع....كان يدرك بأن النوبة مكون من مكونات الشعب السودانى ، والمنطقة النوبية تزخر بموروثات وكنوز تاريخية هى الروح والاساس لاصالة السودان فى اطار تنوع خلاق و مبدع.
- منذ البداية كان التفكير فى خلق ( وعاء جامع )، والتركيز بأن هذا الوعاء لا ينفى الآخر ولا يتعارض مع الانتماء الى الاحزاب والمنظمات الاخرى

( 2 )
بدء التفكير فى انشاء الكيان النوبى الجامع
-ظل جيلى مع مجايليه من النشطاء يعملون ضمن منظمات نوبية متعددة سواء اكانت ذات طابع جهوى أو مناهضة لسدود تغرق المنطقة، ومع متابعته الدقيقة شعر مع رفقائه بأن هناك ثمة تشتت فى الرؤية الكلية لقضايا المنطقة لاسباب تتراوح مابين الشخصية أو الحزبية الضيقة أو الرؤية الضبابية المغبشة حول استراتيجية مواجهة المخاطر التى تهدد وجود وتقدم المنطقة .
- كانت لحظة بداية التفكير العملى لتحقيق فكرة ( وحدة النوبيين ) قد جاءت بعد ان حضر اجتماعا و بمعيته الراحل د. عبد الحليم صبار والدبلوماسى نور الدين منان بالمتحف البريطانى ، خصص الاجتماع لوفد أثارى سودانى قدم الى المتحف لنقل فكرة ارسال نداء لليونسكو والآثاريين العالميين لبحث امكانية انقاذ الاثار فى المناطق التى ستغمرها مياه سد كجبار ثم سد دال - تماما كما حدث فى الماضى عند تشييد السد العالى .
-مع التركيز على ضرورة تبنى مشاريع واقعية لتنمية المنطقة النوبية ، كان الرفض القاطع تشييد اى سد فى المنطقة واعتبار الاصرار عليه كعمل معاد للثقافة والوجود النوبى فى السودان.
- بدأ جيلى رحلة التحرك لتحقيق هذا الحلم.. فى الخرطوم وعلى امتداد المنطقة النوبية، و فى سائر بلاد المهجر.
-تحت شعار ماورد فى الحديث الشريف " انما يأكل الذئب من الغنم القاصية "، حضر جيلى للخرطوم ليبدأ سلسلة اجتماعات تنويرية يستمع بصبر الى الآراء المتوافقه والمتشاكسة ، ليتمكن المتحمسون من تكوين لجنة تمهيدية( الاسماء- فى مضابط الكيان )

( 3 )
نماذج من المواقف السالبة التى تعيق العمل النوبى الموحد
- رغم الايمان الذى يبديه الجميع بأن الخيار السياسى لكل فرد حق مكفول لا يحق لاى طرف التدخل فيه أو توجيهه، ظهر خلط من البعض فى تقييم اى عمل وادخاله فى دائرة الخلاف السياسى الايدولوجى ، مما أدى الى تنميط مخل للافراد أو الجماعات، دونما مراعاة لما لهذا التوجه من أضرار على العمل النوبى الجمعى.
-أدى الارتباط الحزبى والايدولوجى لبعض الافراد لمحاولات جر العمل النوبى برمته فى اتون صراع مبهم بين معسكريين مناوئيين لبعضهما البعض، الامر الذى جعل كل تحرك من طرف يرفضه الآخر مهما كانت ايجابياته..لندور فى حلقة مفرغة ... وحوارات طرشان !.
- سعى البعض - دون دراية ودراسة -الى تصوير العمل النوبى وكأنه عمل مناهض للعروبة والاسلام، وانداح هذا التصور لوضع مصر ( برمتها ) كعدو دائم للنوبيين، دونما مراعاة لما ظل الحادبون الدعوة اليه..بأن من أهم عوامل بقاء القضية النوبية دراسة البيئة السياسية والاجتماعية لما حولها ، والتنسيق العقلانى بين العمل النوبى بشقيه السودانى والمصرى.والتركيز على دعامتين اساسيتين:- عودة النوبيين الى ضفاف بحيرتهم فى الجانبين .
- التركيز المخل على العمل الجهوى ، بمعنى مناهضة منطقة لاخرى وازكاء روح الكراهية بين مكونات المجتمع النوبى .

( 4 )
بعض من قناعات البعض التى تحتاج الى اقناع
- فى مخيلة البعض بأن هناك عمل استراتيجى منظم من جهات نافذة فى السلطة .تسعى لابادة الحضارة النوبية والقضاء عليها والتركيز على الاسلاموية العربية - وهذه النقطة تحتاج الى توضيح و تحليل من واقع معايشتنا للاحداث.
- صحيح بعض من المنتمين للتيار الاسلامى السياسى لا يعترفون بأية مساهمة من اى طرف كان فى مسيرة الحضارة الانسانية ، وهم منغلقون فكريا ، و يوصمون اى فخر بتاريخ تليد وكأنه فكر يعادى الاسلام.
- ولكن من الناحية الاخرى هناك بعض من الذين انتموا للتيار الاسلامى - ولا سيما من بنى جلدتنا - كان التزامهم للوصول للمجتمع الفاضل ولم يعرف عنهم وله بنهب مال عام او عقار، ولكنهم قلبا وقالبا يدافعون عن الحضارة النوبية ويسعون لتنمية المنطقة.
- لمجابهة الجناح السلبى المعارض ، وفضح ادعاءاتهم وتبيان خواء افكارهم، يبدو منطقيا التعامل مع الجانب الايجابى مع الحرص على عدم وضعهما فى سلة واحدة.. و التحرك بخطة مدروسة دون اللجوء للالفاظ الغليظة عند المخاطبة والمواجهة .

( 5 )
ميلاد النوبى الجامع والتحديات الكيان

- اجتماعات د. جيلى بالافراد والجماعات فى الخرطوم وعلى طول المنطقة النوبية لمدة استمرت حوالى 30 شهرا ، جاءت تحت قناعات اجملها فى قوله :- ( ان فعالياتنا تعتمد على قوة تماسكنا، النأى بأنفسنا من الانشغال بتناقضاتنا ، وخلافاتنا الثانوية التى يقوم البعض بتضخيمها بدلا من التركيز على القواسم المشتركة وأوجه الالتقاء وهى عديدة )
- بهذه القناعة كان الاجتماع التاريخى فى فريق - المحس تحت شعار ( بعث جديد - لمجد تليد ) وكان على دكة المنضدة الرئاسة :- د. جيلى و د . صلاح على محجوب و د. فريدة شورة، و كان من ابرز سمات هذا الاجتماع التاريخى حضور ممثلين للمناطق النوبية برمتها ( دنقلا- المحس - السكوت - وادى حلفا - وحلفا الجديدة )، وتم تكوين اللجنة التنفيذية حيث انيطت مهام الشوون الخارجية للكيان لدكتور جيلى ، و مهام امين المال فى الخارج د. صلاح على محجوب و سكرتارية الاعلام والاتصالات فى الخارج د. فريدة شورة -- (يمكن الرجوع لتكوين اللجنة التنفيذية من وثائق الكيان . )
- عمل الكيان فى مساقات عدة ، مع تأييد و مشاركة واسعة من التجمعات النوبية فى المهجر ، كان ابرزها اعلان المؤتمر النوبى برئاسة د. عبد القادر شلبى انضمام المؤتمر للكيان متمشيا مع هدف الكيان فى السعى لتوحيد كلمة النوبيين----و قد تم عقد اجتماعات الدورة الثانية للكيان بدار حزب الامة فى اكتوبر 2016 حيث حضر الاجتماع الراحل جيلى و د. صلاح ود. فريدة وقدمت اللجنة انجازاتها فى الفترة الماضية وانتخبت اللجنة الجديدة ( يمكن الرجوع لمضابط الكيان لمتابعة الانجازات وحجم التحديات و اسماء اعضاء اللجنة الجديدة )

( 6 )
التنسيق مع اخوتنا النوبيين فى مصر
فى حوارى مع د. جيلى حين جاء لتقبل العزاء فى وفاة والدته رحمها الله العام الماضى تطرقنا الى اهمية خلق جسور بين العمل النوبى فى السودان ومصر ...واهمية التنسيق تحتم على كل نوبى متابعة نضالات اخوتنا فى مصر ..و متابعة نشاطاتهم الثقافية والاجتماعية.
-منطقة النوبة فى مصر تنقسم الى 3 اقسام :- الكنوز جنوب اسوان وتبدأ من قرية دابود الى مضيق وتضم 17قرية -- ومنطقة العرب وتبدأ من العلاقى الى عمدا وتضم 6 قرية، ومنطقة النوبة الفاديجا من كروسكو الى ادندان و تضم 19 قرية.
- كان عدد النوبيين الذين هجروا الى كوم امبو 70 الف وقد تضاعف عددهم مرات ومرات .
- فى السبيعينات من القرن الماضى كانت هناك دراسات لاعادة توطين لنحو عشر قرى حول بحيرة النوبة شملت اسماء مثل ( كلابشة- ( توشكى)- وكانت هناك محاولات جادة لمشاريع استيطانية انجحها مشرؤع قرية السلام بجوار ابى سنبل قرب موقع بلانة وفرقندى بمساحة 7 الف فدانا--ظلت حبرا على الورق.
- انحصرت مطالب النوبيين فى مصر فى عدة نقاط أهمها :-
+ العودة للمنطقة التى هجروا منها وتعميرها
+اقامة هياكل قاعدية كالطرق ومحطات الكهرباء وانشاء اسطول نهرى.
* تقسيم القرى بنفس ما كانت عليها قبل التهجير.
+تعويض النوبيين الذين لم يعوضوا ابان التهجير.
+ تهجير الدخلاء على المنطقة .
+ مطالبة اليونسكو والمنظمات الدولية ذات الصلة فى المساهمة لاعادة تعمير المنطقة .
+ اعطاء النوبيين الافضلية فى المشاريع الاستثمارية.....
نضال النوبيين وصل ذروته حين استطاعوا برئاسة الاديب حجاج ادول ادراج المادة 236 فى الدستور المصرى بعج ثورة 25 ينائر- تقرأ كالآتى :-

"" تكفل الدولة وضع و تنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة ،وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى اولوية الاستفادة منها مع مراعاة الانماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستوروذلك على النحو ينظمه القانون،وتعمل الدولة على وضع وتنفبذ مشروعات تعيد سكان النوبة الى مناطقه الاصلية وتنميتها خلال عشر سنوات ......
• ....ماذا حدث بعد هذه الوعود وكيف الآن الساحة النوبية المصرية .. علينا دراستها ومعرفة تطوراتها .. لان عودة النوبة الى ضفاف بحيرتهم ستكون العودة الطبيعية للبيئة التى اعتادوا عليها ، وستكون العودة للنوبيين فى الجانب السودانى والجانب المصرى لخير البلدين الجارتين.

( 7 )
الرؤية المستقبلية
يرى البعض ان تكوين الكيان النوبى الجامع محاولة لطمس بقية التنظيمات الاخرى كالتجمع النوبى او الهيئة الشعبية لتنمية النوبة أو المؤتمر النوبى أو اي تنظيمات اخرى على كافة الاصعدة .. وقد أكد الكيان حسب ميثاقه احترامه الكامل لكل هذه التنظيمات ان كانت للتنمية او مناهضة تشييد السدود. و هدفه ان يتفهم اعضاء هذه التنظيمات بمختلف مسمياتها ان الهدف جمع الكلمة و مواجهة المخاطر بجسم واحد له اعتبار.
- لا يغيب عن الفطنة بأن ضياع المناطق النوبية بعد السد العالى و ما صحبها من مظالم، طالت الاماكن التى هجروا اليها ،أو التعويضات الهزيلة التى صرفت لهم كانت نتيجة منطقية...لعدم وجود جهة واحدة مجمع عليها تتحدث بأسم الجميع. ومنذ اجازت الحكومة فى 9 مارس 1960 قرارا لقيام ادارة حكومية لتنفيذ هجرة و توطين اهالى وادى حلفا، شرعت اللجنة فى تحديد الاماكن المقترحة للتوطين و شملت :_ وادى الخوى (فى دنقلا )- شمال الخرطوم ( الكدرو )-جنوب الخرطوم -امتداد الجزيرة - امتداد المناقل-- ود الحداد - خشم القربة .
اختلف الناس حول الخيارات ما بين مؤيد و معارض لجهة، وكونت لجنة قومية للتوطين من 22 شخصا ، 8 منهم بالتعيين وروعى فى تكوينها ان تكون ممثلة لكل المناطق التى ستتأثر بمياه السد العالى.
- من السرد اعلاه يلاحظ بأن الكلمة لم تكن واحدة ، بل خلاف حول المكان أو خلاف شخصى .. وانعزل الرافضون وسجن عدد منهم وعلى رأسهم الراحلة سعاد ابراهيم أحمد( لمعرفة اسماء من سجنوا وتفاصيل الهجرة وما صاحبها اقرأ التسخة الاصلية بالانجليزية :- حسن دفع الله The Nubian exodus --)
و بنفس المنطق . باختلاف الرؤى يمكن لاية جهة ان تخترق المنطقة وتفرض ما تشاء ان كان تشييد سد أو توسيع لعمليات التعدين العشوائى او اقامة مصانع تستعمل السينايد..الا تبدو من الضرورة لوجودنا ان نكون تحت مظلة كيان جامع --- هذا ما نذر دكتور جيلى مصطفى فرح حياته لها

مع تحياتى وتقديرى


salahmsai@hotmail.com
>

 

آراء