ندوة قناة البلد حول الفكر الجمهوري .. تجليات السعي لاستمرار التشويه وبعث السردية الموروثة الزائفة 

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بثت قناة البلد التلفزيونية ندوة حول الفكر الجمهوري، كنت مشاركاً فيها، وذلك مساء الجمعة 25 نوفمبر 2022. كانت الندوة من حيث الترتيب، والإعداد، والتنظيم، ومنهج الحوار، وهيكل المشاركين، والإدارة، تُعبر عن استمرار المؤامرات ضد الفكر الجمهوري في أنصع الصور وأبلغ المعاني، غير أنها مؤامرات إلى حين!!! وتكشف الندوة كذلك عن تجليات السعي لاستمرار تشويه الفكر الجمهوري، وبعث السردية الموروثة الزائفة عنه، وهيهات!!!
كان يمكن أن نحمد لقناة البلد ونشكرها على فكرة فتح الحوار عبر تنظيم ندوة حول الفكر الجمهوري، غير أن الندوة وهيكلها، ومديرتها، وهي تمثل القناة، كشفت عن مدى غياب الالتزام في قناة البلد بالقيم الأخلاقية والشروط المهنية في خدمة التنوير وتنمية الوعي. وكشفت كذلك عن كيف أن الغرض من الندوة كان هو التشويه وبعث السردية الموروثة القائمة على كسل العقول وتناسل الجهل، وليس تنمية الوعي من خلال الحوار العلمي الجاد والمسؤول عن الفكر الجمهوري.

أصل الحكاية

اتصلت بي الأستاذة أسماء محمود محمد طه وابلغتني بأن قناة البلد التلفزيونية اتصلت بها لتشترك في ندوة عن الفكر الجمهوري وسيكون مشاركا معها أحد الإخوان المسلمين، ولكنها اعتذرت عن المشاركة، وأعطت مقدمة البرنامج الأستاذة نجوى يوسف رقم هاتفي لأكون البديل عنها في المشاركة.. وذكرت لي أن المذيعة ستتصل بي للتنسيق معي إذا كنت موافقا على المشاركة.. وبالفعل رحبت بالمشاركة، فالحوار هو ما ترجوه الفكرة الجمهورية، والمنابر الحرة هي أحد مطالبها المركزية والمستمرة.

التنسيق للندوة وتناقض الواقع مع الاتفاق

اتصلت بي المذيعة نجوى يوسف، وابلغتني بأنها تحاول حتى الآن للاتصال بشخص آخر ليكون معي في المشاركة ولكنها لم تفلح.. وقالت إنه غالبا ما أكون لوحدي، وطلبت مني أن أرسل لها المواضيع التي يمكن أن تسأل عنها عن الفكرة الجمهورية في الندوة.. فأرسلت لها الأستاذة أسماء بعض المواضيع، وكذلك فعلت أنا، وتحدثت معها فيها ووافقت عليها.. وقالت إن التسجيل للندوة سيكون في مساء نفس اليوم بالفندق الكبير..
وعند وصولي الفندق وجدت اثنين من المشاركين في الفندق في انتظار مقدمة الندوة هما البروفسير أحلام على حسن والدكتور راشد ابو القاسم..
ولما جاءت الأستاذة نجوى يوسف، وكانت متأخرة كثيرا عن المواعيد المقررة، ذكرت لها أن هذا الواقع مخالف ومناقض لما اتفقنا عليه.. وكانت مستعجلة في أن تبدأ الحلقة، التي تأخرت عنها كثيرا، ذكرت لي انها ستعطيني الفرصة كاملة في تقديم نبذة عن الفكرة الجمهورية ثم تتيح الفرصة لهما في التعليق على حديثي، ثم أعلق انا اخيرا على حديثهما، فوافقت أنا على ذلك خاصة بعد أن تم تجهيز الكاميرات للتصوير والتسجيل..

الخلل الهيكلي في تقسيم الفرص: اثنين معارضين ومديرة ندوة معارضة مقابل جمهوري

بدأت الندوة واعطتني مديرة الندوة نجوى يوسف الفرصة للحديث، ولكن بعد أقل من عشرة دقائق طلبت مني التوقف عن الحديث ليعلق عليه السيد راشد ثم الأستاذة احلام، وكليهما معارض للفكرة الجمهورية، ثم تعطيني الفرصة مرة أخرى للتعليق عليهما..
ولكن فقد كان السيد راشد جاهزا، ليس للتعليق على مقدمتي، ولكن لتقديم أسئلة عديدة ومطولة من عدد من كتب الجمهوريين والسيرة الذاتية عن نشأة الأستاذ محمود، ونشأة الفكرة الجمهورية.. واستمر في السرد لفترة طويلة لا علاقة لها بمقدمتي، ونبهت المذيعة إلى ذلك، فبدلا من تطلب منه التوقف طلبت منه الالتزام بالرأي الديني لا السياسي على أن يستمر في حديثه.. وفعلا بعد فترة شعرت أنني لا يمكن السكوت على ذلك خاصة بعد أن بدرت منه عبارات شتم للأستاذ لا تليق.. وتوقفت الندوة وتدخل المخرج وبعض المشاركين معه في أن يلزموا المتحدث بإنتهاج اسلوب بعيد من الشتم والمهاترات.. وتواصلت الندوة وسمحت المذيعة للسيد راشد في أن يواصل ما انقطع من كلامه..
لا أحب هنا في أن انقل كل ما دار في الندوة من مداخلات وتقسيم الفرص ولكن أقول باختصار أن الفرص التي أتيحت للمتحدثين الاثنين كانت كبيرة جدا بإزاء الفرصة التي أتيحت لي وانا في مواجهة خصمين، كلاهما كان يوجه الاتهامات للفكرة الجمهورية وانا المتحدث الوحيد باسم الفكرة.. ولا يعقل أن أرد على كل الأسئلة التي وجهت منهما في الفرصة المتساوية مع أي منهما كما قررت إدارة الندوة اخيرا.. وقلت للمذيعة أن هذه الندوة بدلا من أن تكون منبرا لنشر الوعي ونقل المعلومة الصحيحة للمشاهد، الذي ترك كل مشاغله ومهامه ليتفرغ إليها، فقد اصبحت الندوة تعمل بامتياز على تضليله بإيصال معلومات كاذبة وغير صحيحة ولا تمثل الا وجهة نظر واحدة فقط إليه.. ولكن المذيعة بدلا من أن تتدارك ما تبقى من زمن الندوة لتنقلها الي المسار الصحيح أصبحت هي نفسها توجه الأسئلة المعارضة للفكرة، وتصرح بالشبهات حول الفكرة الجمهورية، مما ساعد على تزايد عدد الأسئلة المطروحة والتي لم تجد إجابات عليها في الفرصة القصيرة المتاحة لي..
وعندما قررت المذيعة ختام اللقاء افادتنا بأنها ستعطي ٣ دقائق لأي متحدث.. وطلبت مني أن أكون أول المتحدثين.. فالتزمت بالثلاث دقائق وكذلك البروفسور احلام ولكنها تركت المجال مفتوحا للسيد راشد في أن يأخذ راحته للحديث في كل ضروب العلوم، وبغير زمن محدد، ولم توقفه الا بعد تكرار التنبيه من جانبنا، فأخذ قرابة ضعف المدة التي مُنحت لي..

هزيمة منابر الوعي وخدمة التنوير

بعد هذه المؤامرة الواضحة والبينة على الفكرة الجمهورية، وعلى هزيمة مهام منابر الوعي والتنوير المفترض أن تطلع بها كل القنوات الفضائية وكل وسائل الإعلام، فإننا نطالب قناة البلد، بصورة خاصة، أن تقوم بتصحيح هذا الخطأ الذي تغول على الفكرة الجمهورية وذلك بإتاحة فرصة اخرى للجمهوريين لتصحيح ما لحق بالفكرة من تشويه وتضليل للشعب من جراء هذه الندوة.. فإن ما يقوم به الشعب السوداني في هذه الفترة من التاريخ هو الثورة ضد التخلف وضد الهوس الديني الذي تربع على حكم هذه البلاد ثلاثون عاما فأذاق الناس الأمرين باسم الدين وقام بإصدار الفتاوى المضللة والجاهلة بالدين وبالحياة المعاصرة.. فإن مثل هذه الندوات ستمكن للجهل والتخلف باسم الدين وللمتمسحين به أن يعودوا مرة أخرى للساحة السياسية والدينية والمحاولة للسيطرة مرة أخرى على هذه البلاد ونهب مواردها وقتل الشباب الثائر المتعطش للكرامة والعزة والحرية، وسجن وسحل الأحرار من أبنائها..

 

آراء