نقوش على جِدار الحرب السودانية ٣: مدخَل لِحل الأزمة
د. مقبول التجاني
11 May, 2024
11 May, 2024
د. مقبول التجاني
يجب ان ننظر، إلى الحرب السودانية الراهنة، على أنها، هي أحد صيرورات ثورة ديسمبر المجيدة، و التي هزت أركان نظام الإسلام السياسي البائد، و رسمت طريقاً جديداً للتحرر و الإنعتاق، داخل حدود الدولة السودانية.
في مُختلف إنحاء العالم، و على مر التأريخ، دخلت كثير مِن الثورات الشعبية و الهبات، مرحلة الحرب الأهلية، كما كان هو الحال في الثورتين الخالدتين، الثورة الفرنسية، و الثورة البلشفية الروسية.
على هذ الأساس، يمكننا النظر إلى الحرب الأهلية السودانية، على أنها إمتداد و بلشفة للثورة السودانية، و جاءت نتيجة لفشل عملية التحول المدني، و الإنتقال الديمقراطي، بقيادة المدنيين، و لمُمانعة و تكتيكات الدولة الكيزانية العميقة.
كما تعتبر الحروب الأهلية مُهمة و ضرورية، لنهضة و تطور الأمم، و الشعوب المُختلفة، و نادراً ما تجد شعب ما في هذا العالم، لم يدخل مرحلة الحرب الأهلية.
لذلك، فإن السؤال المُلِح، و الذي يطرح نفس هنا، هو، ما هي المُقاربة الماركسية للحرب الأهلية السودانية؟ الدائرة الآن!
او بطريقةٍ أخرى معكوسة، ما هي المُقاربة السودانية، للثورة البلشفية الروسية؟، على ضؤ الحرب الأهلية السودانية!
هل الجنجويد السوداني جيش أحمر بلشفي؟ أم هل كان بلاشفة الإتحاد السوفيتي، و جيشه الأحمر، جنجويد و روس شتات؟
يحتاج الحزب الشيوعي السوداني، إلى تطوير موقف مبدئي، و رؤية سياسية واضحة مما يجرى، و أن لا يكتفي بالمُراقبة فقط، و نقد سياسات تقدم، و أحزابها الضعيفة.
لا شك أن الحرب الأهلية المُندلِعة الآن، هي نتيجة حتمية، لعملية الهبوط الناعِم، سيئة الذِّكر، و ما أنتجته مِن وثيقة دستورية هشة، أحدثت فيما بعد، سيولة كبيرة في جسد الدولة السودانية.
هناك سؤال يتبادر إلى الذِّهن، و هو: أين لِجان المُقاومة الكرتونية، مما يجري؟ و لماذا إبتلع الجميع ألسنتهم الطويلة؟ و توقفت كُل الهُتافات و المُمارسات الحُنجورية اليومية!
لِماذا لم تحمِل لِجان المُقاومة السودانية السلاح؟ و لو إضطرها الأمر أن تدخل كطرف مُستقِل جديد، أو أن تُقاتِل الجيش و الدعم السريع معاً!
الدعم السريع، و الذى هو عبارة عن مليشيات همجية، غير مُنضبطة، و قوامها العُصبية العِرقية و القبلية، يَدعِي أنه يُقاتِل مِن أجل الديمقراطية و الدولة المدنية، و إعلاء قِيم الثورة السودانية.
لكن المُشكلة الحقيقية، هي ليست في عدم أمانة قوات الدعم السريع، في هذا الإدعاء العالي، بقدر ما هي، في إنتهاكات، و مُمارسات تِلك القوات اليومية.
تُعتبر نظرية الفوضى الخلاقة، و التى تم تطويرها بواسطة المُحافظين الجُدد، في الولايات المُتحدة الأمريكي، أكثر نظرية ملاءمة لتفسير الحالة السودنية، خصوصاً إذا أخذنا فِي الإعتبار، أن فسيخ الحرب السودانية الراهنة، يُمكن أن يُنتج شربات بعد عشرات السنوات، و يؤدي لتشكيل الأوضاع الإجتماعية و السياسية السودانية، على نحو جديد.
لكن المُشكلة الحقيقية للحرب، هي فِي المآسي، و فِي تكلفتها الإنسانية العالية.
تُعتبر مُبادرة رئيس الوزراء، بتأريخ ٢٢ يونيو ٢٠٢١ م، بعنوان: الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام)، مُحاولة جادة مِنه وقتها، لتجنيب البلاد خطر التمزق، و الإنزلاق، نحو الحرب الأهلية الشامِلة.
لكن بعد خِطاب الأزمة الشهير، لحمدوك، إتفقت قيادتا الجيش و الدعم السريع معاً ضد المدنيين، و أنكروا تماماً وجود خلاف بينهما، و بدأوا فِي التآمر و التخطيط، للإنقضاض على الحكومة الإنتقالية المدنية.
إلا أن الآلية السياسية التى شكلها حمدوك وقتها، كانت ضعيفة للغاية، و للمُصادفة أيضاً، فقد كانت تضم نفس الشخصيات، الموجودة الآن فى قِيادة تنسيقية القِوى الديقراطية و المدنية.
تُعتبر سياسة "التبقى تبقى" التى إنتهجها حميدتي، آنذاك، هي التي فتحت الباب واسعاً أمام إنقلاب ال ٢٥ مِن أكتوبر ٢٠٢١م.
كانت محاولات فولكر بيرتس، و العملية السياسية، مُحاولات متأخرة لِفرملة الإنزااق نحو الحرب الأهلية، و لكن ديموغاغوية الحرية و التغيير وقتها، إنحرفت بالعملية السياسية، عن مسارها الطبيعي، و عمقت مِن حالة الإنسداد السياسي.
الحرية و التغيير لم تصنع العملية السياسية، و لكنها تبنتها، و إنحرفت بها، في إتجاه الإتفاق الإطاري، نتيجة لِضعف كادرها السياسي، و لضيق أفق الطموحات الشخصية.
لكن الحرية و التغيير، لا تتحمل كل المسؤولية عن الحرب الدائرة الآن، و لكن مسؤوليتها في المقام الأول، هي مسؤولية تقصيرية.
المُلاحظة الغريبة، أن ٩٠ في المية من كوادر و قادة أحزاب الحرية و التغيير، ينتمون إلى إقليم كردفان، و لديهم إرتباطات قبلية و عرقية قوية، بحواضن الدعم السريع الإجتماعية.
المُلاحظة الأخري، هي أن حزب الأمة القومي، و لأول مرة في تأريخه، منذ عملية المُرتزقة ضد الرئيس السابق جعفر نميري، يصبح لديه عداء واضح و صريح ضد المؤسسة العسكرية السودانية.
تُتعبر الحرب آداة من أدوات الحل السياسي الشامل، و بذلك يُمكِن النظر إلى الحرب الدائرة الآن، على أنها إمتداد و بديل للعملية السياسية، و تأتي الحروب دوماً فِي حالات الآنسداد السياسي، و عندما ينقطِع الطريق نحو الحلول السياسية السلمية.
خطاب لالبرهان، في بورتسودان، و بعد خروجه من البدروم، جاء رافضاً لكل المُبادرات و الحلول السلمية، و جاء خطاب حميدتي أيضاً، بحضور حمدوك في إديس أبابا، في الإتجاه المًضاد، مما يعطي إنطباعاً قوياً، أن الطرفان يخوضان شكلة شخصية.
على المُستوى الإجتماعي، عندما يرفض طرفان مُتخاصمان، وساطات الصلح أكثر من مرة، و ييأس منهم الجميع، يقول العقلا وقتها: خلوهم اليتو شكلتهم.
إن تحديد أطراف الصراع الدائر الآن فِي السودان، مُهم للغاية، من أجل الدخول في عملية إيجاد حل سياسي سِلمي له.
هناك أكثر مِن أربعة أطراف، في هذا الصِراع، و هُم: الإسلاميين، و تقدم، و الجيش، و الدعم السريع.
جيش الإسلاميين هو كتيبة البراء بن مالك، و جيش الجيش هو ما تَبَقى مِنه، و جيش الدعم السريع أكثره هو مِن الفَزَع القبلى، و جيش تقدم هو حلف الناتو، و المارينز الأمريكي.
تقدم على المُستوى السوداني الداخلى، هي عبارة عن تحالف تكتيكي، بين قحت المجلس المركزي و شُلة المزرعة، و هي فِي المُحصِلة النهائية، تعتبر تطور سياسي فِي الإتجاه الحميد.
لكن، على تجربة تقدم الراهِنة، أن تستفيد مِن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، السابِقة، و أن لا يقعوا فِي نفس الأخطاء.
إن عملية إعادة تعريف الصراع، في السودان، أيضاً مُهمة لِلغاية، حتى نتمكن مِن إيجاد الحلول الناجِعة له.
هل يُمكن للإسلاميين و الجيش السوداني، عقد صفقة سياسية مع الدعم السريع، لإنهاء الحرب، و إخراج تقدم من المُعادلة السياسية؟ و هل هُناك مُشكلة مبدئية أصلاً بين الإسلامين و الدعم السريع؟ أم أن مُشكِلة الإسلاميين، هي فِي المقام الأول مع من يهدد بفقدان سُلطتهم؟ و ينازعهم عليها!
في رأيي المُتواضِع، أن مُشكلة الإسلاميين مع القِوى السياسية المدنية، في تقدم و غيرها، أكبر مِن مُشكِلتهُم مع الدعم السريع.
إنهم فقط، يريدون لبندقية الدعم السريع، و التي أنشأوها، أن تعود لبيت الطاعة، و تعمل ككلب لِحراستهم، و تبطش بخصومهم، و تعمل لصالحهم ضد الشعب السوداني، و هذا هو الغرض الأساسي لِقيامهم بإنشاء هذه القوات المُتوحِشة.
لذلك، فهي عبارة عن حرب، بين كلب و صاحِبه.
عندما كانت قوات الدعم السريع تنتهك في دارفور، و تقتل المُتظاهرين في إنتفاضة سبتمبر عام ٢٠١٣م، كانت كُل جرائمها النكراء، تتنزل برداً و سلاماً على الإسلاميين.
حتى عندما شاركتهم في فض الإعتصام عام ٢٠١٩ م، و فِي قتل المُتظاهرين و سحلهم، و إلقائهم مُقيدين في النيل، كان الإسلاميين يغضون الطرف عن شريكتهم في الجرائم، طالما أن بطشها موجه نحو الشعب السوداني فقط، و لا يشملهم.
هُناك عِدة سرديات، للصراع الدائر الآن فِي السودان، و مِنها سردية مقاومة الغزو الأجنبي، و هي سردية تحتزي، بنموزج المُقاومة العراقية المُسلحة للغزو الأمريكي، بعد إنهيار الجيش العراقي، و ما تلى ذلك مِن ظهور القاعدة في العراق، و ما ترتب عليه مِن ظهور داعش، في العراق و سوريا مِن بعد ذلك.
على الجيش السوداني، إذا أراد أن يخوض الحرب، تحت هذه السردية، و المظلة الوطنية النبيلة، أن يجعل بينه و بين الإسلاميين، مسافة واضِحة و كبيرة، و عندها سيجد الإلتفافو الدعم، الذي لن يخطر له على بال.
إن العملية العسكرية للجيش السوداني، و المُعلنة من السيد البرهان، تهدف حسب قوله، إلى إخراج قوات الدعم السريع من ولاية الخرطوم، و ولاية الجزيرة، و كل إقليم دارفور حتى حدود الجنينة غرباً.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو: هل هذه الأهداف العسكرية، و المُعلنة، قابلة للتحقيق؟ و كم مدة من الزمن تحتاج؟
إن المُعطيات الجيوسياسية، تقول أن الحرب في إقليم دارفور وحده، قد تأخذ فترة طويلة جِداً، قد تمتد إلى ثلاثين عاماً، إذا لم يتدخل المُجتمع الدولي.
لذلك فإن مستقبل الفاشر و الجنينة تحديداً، يُنزِر بتدخل عسكري دولي، حتمي و محدود، بغرض حماية المدنيين.
الحل الوحيد، للخروج مِن ورطة الحرب الحالية، هو فِي إنتخابات مراقبة دولياً، تجري فِي مناطق سيطرة الجيش، و مناطق سيطرة الدعم السريع، ليقوم البرلمان المُنتخب القادم، و يفتي في إمر حل، أو دمج الدعم السريع، و بقية القوات العسكرية.
ثم يقوم البرلمان المُنتخَب القادِم، بالإشراف على عملية إصلاح القوات المُسلحة، و تكوين الجيش المهني الواحد.
كما أننا نحتاج إلى إستفتاء شعبي أيضاً، للإجابة على سؤال: مواصلة الحرب من عدمه! و نحتاج إلى التصويت بين خيارات: بل بس، أو، لا لٍلحرب!
يُمكِن التمهيد لِهذه الإنتخابات، و ما يصحبها مِن إستفتاء شعبي، بوقف إطلاق نار لمدة ثلاثة أشهر، برقابة إفريقية و دولية ولية.
نحن نحتاج الآن، إلى تفعيل آلية الجودية السودانية، فِي حل النزاعات، و إبتدار حلول سلمية خلاقة، للأزمة الراهنة، و كلي ثقة أن الحكمة السودانية الموروثة، مصحوبة مع ذِّكرى الأسلاف و الأجداد، قادرة على أن تعبر بِنا، فِي هذه المرحلة المفصلية الدقيقة.
لكن علينا أن نُدرِك أيضاً، أن السودان القديم الذي نعرفه، قد ولى للأبد، و إلى غير رجعة.
magboul80@gmail.com
يجب ان ننظر، إلى الحرب السودانية الراهنة، على أنها، هي أحد صيرورات ثورة ديسمبر المجيدة، و التي هزت أركان نظام الإسلام السياسي البائد، و رسمت طريقاً جديداً للتحرر و الإنعتاق، داخل حدود الدولة السودانية.
في مُختلف إنحاء العالم، و على مر التأريخ، دخلت كثير مِن الثورات الشعبية و الهبات، مرحلة الحرب الأهلية، كما كان هو الحال في الثورتين الخالدتين، الثورة الفرنسية، و الثورة البلشفية الروسية.
على هذ الأساس، يمكننا النظر إلى الحرب الأهلية السودانية، على أنها إمتداد و بلشفة للثورة السودانية، و جاءت نتيجة لفشل عملية التحول المدني، و الإنتقال الديمقراطي، بقيادة المدنيين، و لمُمانعة و تكتيكات الدولة الكيزانية العميقة.
كما تعتبر الحروب الأهلية مُهمة و ضرورية، لنهضة و تطور الأمم، و الشعوب المُختلفة، و نادراً ما تجد شعب ما في هذا العالم، لم يدخل مرحلة الحرب الأهلية.
لذلك، فإن السؤال المُلِح، و الذي يطرح نفس هنا، هو، ما هي المُقاربة الماركسية للحرب الأهلية السودانية؟ الدائرة الآن!
او بطريقةٍ أخرى معكوسة، ما هي المُقاربة السودانية، للثورة البلشفية الروسية؟، على ضؤ الحرب الأهلية السودانية!
هل الجنجويد السوداني جيش أحمر بلشفي؟ أم هل كان بلاشفة الإتحاد السوفيتي، و جيشه الأحمر، جنجويد و روس شتات؟
يحتاج الحزب الشيوعي السوداني، إلى تطوير موقف مبدئي، و رؤية سياسية واضحة مما يجرى، و أن لا يكتفي بالمُراقبة فقط، و نقد سياسات تقدم، و أحزابها الضعيفة.
لا شك أن الحرب الأهلية المُندلِعة الآن، هي نتيجة حتمية، لعملية الهبوط الناعِم، سيئة الذِّكر، و ما أنتجته مِن وثيقة دستورية هشة، أحدثت فيما بعد، سيولة كبيرة في جسد الدولة السودانية.
هناك سؤال يتبادر إلى الذِّهن، و هو: أين لِجان المُقاومة الكرتونية، مما يجري؟ و لماذا إبتلع الجميع ألسنتهم الطويلة؟ و توقفت كُل الهُتافات و المُمارسات الحُنجورية اليومية!
لِماذا لم تحمِل لِجان المُقاومة السودانية السلاح؟ و لو إضطرها الأمر أن تدخل كطرف مُستقِل جديد، أو أن تُقاتِل الجيش و الدعم السريع معاً!
الدعم السريع، و الذى هو عبارة عن مليشيات همجية، غير مُنضبطة، و قوامها العُصبية العِرقية و القبلية، يَدعِي أنه يُقاتِل مِن أجل الديمقراطية و الدولة المدنية، و إعلاء قِيم الثورة السودانية.
لكن المُشكلة الحقيقية، هي ليست في عدم أمانة قوات الدعم السريع، في هذا الإدعاء العالي، بقدر ما هي، في إنتهاكات، و مُمارسات تِلك القوات اليومية.
تُعتبر نظرية الفوضى الخلاقة، و التى تم تطويرها بواسطة المُحافظين الجُدد، في الولايات المُتحدة الأمريكي، أكثر نظرية ملاءمة لتفسير الحالة السودنية، خصوصاً إذا أخذنا فِي الإعتبار، أن فسيخ الحرب السودانية الراهنة، يُمكن أن يُنتج شربات بعد عشرات السنوات، و يؤدي لتشكيل الأوضاع الإجتماعية و السياسية السودانية، على نحو جديد.
لكن المُشكلة الحقيقية للحرب، هي فِي المآسي، و فِي تكلفتها الإنسانية العالية.
تُعتبر مُبادرة رئيس الوزراء، بتأريخ ٢٢ يونيو ٢٠٢١ م، بعنوان: الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام)، مُحاولة جادة مِنه وقتها، لتجنيب البلاد خطر التمزق، و الإنزلاق، نحو الحرب الأهلية الشامِلة.
لكن بعد خِطاب الأزمة الشهير، لحمدوك، إتفقت قيادتا الجيش و الدعم السريع معاً ضد المدنيين، و أنكروا تماماً وجود خلاف بينهما، و بدأوا فِي التآمر و التخطيط، للإنقضاض على الحكومة الإنتقالية المدنية.
إلا أن الآلية السياسية التى شكلها حمدوك وقتها، كانت ضعيفة للغاية، و للمُصادفة أيضاً، فقد كانت تضم نفس الشخصيات، الموجودة الآن فى قِيادة تنسيقية القِوى الديقراطية و المدنية.
تُعتبر سياسة "التبقى تبقى" التى إنتهجها حميدتي، آنذاك، هي التي فتحت الباب واسعاً أمام إنقلاب ال ٢٥ مِن أكتوبر ٢٠٢١م.
كانت محاولات فولكر بيرتس، و العملية السياسية، مُحاولات متأخرة لِفرملة الإنزااق نحو الحرب الأهلية، و لكن ديموغاغوية الحرية و التغيير وقتها، إنحرفت بالعملية السياسية، عن مسارها الطبيعي، و عمقت مِن حالة الإنسداد السياسي.
الحرية و التغيير لم تصنع العملية السياسية، و لكنها تبنتها، و إنحرفت بها، في إتجاه الإتفاق الإطاري، نتيجة لِضعف كادرها السياسي، و لضيق أفق الطموحات الشخصية.
لكن الحرية و التغيير، لا تتحمل كل المسؤولية عن الحرب الدائرة الآن، و لكن مسؤوليتها في المقام الأول، هي مسؤولية تقصيرية.
المُلاحظة الغريبة، أن ٩٠ في المية من كوادر و قادة أحزاب الحرية و التغيير، ينتمون إلى إقليم كردفان، و لديهم إرتباطات قبلية و عرقية قوية، بحواضن الدعم السريع الإجتماعية.
المُلاحظة الأخري، هي أن حزب الأمة القومي، و لأول مرة في تأريخه، منذ عملية المُرتزقة ضد الرئيس السابق جعفر نميري، يصبح لديه عداء واضح و صريح ضد المؤسسة العسكرية السودانية.
تُتعبر الحرب آداة من أدوات الحل السياسي الشامل، و بذلك يُمكِن النظر إلى الحرب الدائرة الآن، على أنها إمتداد و بديل للعملية السياسية، و تأتي الحروب دوماً فِي حالات الآنسداد السياسي، و عندما ينقطِع الطريق نحو الحلول السياسية السلمية.
خطاب لالبرهان، في بورتسودان، و بعد خروجه من البدروم، جاء رافضاً لكل المُبادرات و الحلول السلمية، و جاء خطاب حميدتي أيضاً، بحضور حمدوك في إديس أبابا، في الإتجاه المًضاد، مما يعطي إنطباعاً قوياً، أن الطرفان يخوضان شكلة شخصية.
على المُستوى الإجتماعي، عندما يرفض طرفان مُتخاصمان، وساطات الصلح أكثر من مرة، و ييأس منهم الجميع، يقول العقلا وقتها: خلوهم اليتو شكلتهم.
إن تحديد أطراف الصراع الدائر الآن فِي السودان، مُهم للغاية، من أجل الدخول في عملية إيجاد حل سياسي سِلمي له.
هناك أكثر مِن أربعة أطراف، في هذا الصِراع، و هُم: الإسلاميين، و تقدم، و الجيش، و الدعم السريع.
جيش الإسلاميين هو كتيبة البراء بن مالك، و جيش الجيش هو ما تَبَقى مِنه، و جيش الدعم السريع أكثره هو مِن الفَزَع القبلى، و جيش تقدم هو حلف الناتو، و المارينز الأمريكي.
تقدم على المُستوى السوداني الداخلى، هي عبارة عن تحالف تكتيكي، بين قحت المجلس المركزي و شُلة المزرعة، و هي فِي المُحصِلة النهائية، تعتبر تطور سياسي فِي الإتجاه الحميد.
لكن، على تجربة تقدم الراهِنة، أن تستفيد مِن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، السابِقة، و أن لا يقعوا فِي نفس الأخطاء.
إن عملية إعادة تعريف الصراع، في السودان، أيضاً مُهمة لِلغاية، حتى نتمكن مِن إيجاد الحلول الناجِعة له.
هل يُمكن للإسلاميين و الجيش السوداني، عقد صفقة سياسية مع الدعم السريع، لإنهاء الحرب، و إخراج تقدم من المُعادلة السياسية؟ و هل هُناك مُشكلة مبدئية أصلاً بين الإسلامين و الدعم السريع؟ أم أن مُشكِلة الإسلاميين، هي فِي المقام الأول مع من يهدد بفقدان سُلطتهم؟ و ينازعهم عليها!
في رأيي المُتواضِع، أن مُشكلة الإسلاميين مع القِوى السياسية المدنية، في تقدم و غيرها، أكبر مِن مُشكِلتهُم مع الدعم السريع.
إنهم فقط، يريدون لبندقية الدعم السريع، و التي أنشأوها، أن تعود لبيت الطاعة، و تعمل ككلب لِحراستهم، و تبطش بخصومهم، و تعمل لصالحهم ضد الشعب السوداني، و هذا هو الغرض الأساسي لِقيامهم بإنشاء هذه القوات المُتوحِشة.
لذلك، فهي عبارة عن حرب، بين كلب و صاحِبه.
عندما كانت قوات الدعم السريع تنتهك في دارفور، و تقتل المُتظاهرين في إنتفاضة سبتمبر عام ٢٠١٣م، كانت كُل جرائمها النكراء، تتنزل برداً و سلاماً على الإسلاميين.
حتى عندما شاركتهم في فض الإعتصام عام ٢٠١٩ م، و فِي قتل المُتظاهرين و سحلهم، و إلقائهم مُقيدين في النيل، كان الإسلاميين يغضون الطرف عن شريكتهم في الجرائم، طالما أن بطشها موجه نحو الشعب السوداني فقط، و لا يشملهم.
هُناك عِدة سرديات، للصراع الدائر الآن فِي السودان، و مِنها سردية مقاومة الغزو الأجنبي، و هي سردية تحتزي، بنموزج المُقاومة العراقية المُسلحة للغزو الأمريكي، بعد إنهيار الجيش العراقي، و ما تلى ذلك مِن ظهور القاعدة في العراق، و ما ترتب عليه مِن ظهور داعش، في العراق و سوريا مِن بعد ذلك.
على الجيش السوداني، إذا أراد أن يخوض الحرب، تحت هذه السردية، و المظلة الوطنية النبيلة، أن يجعل بينه و بين الإسلاميين، مسافة واضِحة و كبيرة، و عندها سيجد الإلتفافو الدعم، الذي لن يخطر له على بال.
إن العملية العسكرية للجيش السوداني، و المُعلنة من السيد البرهان، تهدف حسب قوله، إلى إخراج قوات الدعم السريع من ولاية الخرطوم، و ولاية الجزيرة، و كل إقليم دارفور حتى حدود الجنينة غرباً.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو: هل هذه الأهداف العسكرية، و المُعلنة، قابلة للتحقيق؟ و كم مدة من الزمن تحتاج؟
إن المُعطيات الجيوسياسية، تقول أن الحرب في إقليم دارفور وحده، قد تأخذ فترة طويلة جِداً، قد تمتد إلى ثلاثين عاماً، إذا لم يتدخل المُجتمع الدولي.
لذلك فإن مستقبل الفاشر و الجنينة تحديداً، يُنزِر بتدخل عسكري دولي، حتمي و محدود، بغرض حماية المدنيين.
الحل الوحيد، للخروج مِن ورطة الحرب الحالية، هو فِي إنتخابات مراقبة دولياً، تجري فِي مناطق سيطرة الجيش، و مناطق سيطرة الدعم السريع، ليقوم البرلمان المُنتخب القادم، و يفتي في إمر حل، أو دمج الدعم السريع، و بقية القوات العسكرية.
ثم يقوم البرلمان المُنتخَب القادِم، بالإشراف على عملية إصلاح القوات المُسلحة، و تكوين الجيش المهني الواحد.
كما أننا نحتاج إلى إستفتاء شعبي أيضاً، للإجابة على سؤال: مواصلة الحرب من عدمه! و نحتاج إلى التصويت بين خيارات: بل بس، أو، لا لٍلحرب!
يُمكِن التمهيد لِهذه الإنتخابات، و ما يصحبها مِن إستفتاء شعبي، بوقف إطلاق نار لمدة ثلاثة أشهر، برقابة إفريقية و دولية ولية.
نحن نحتاج الآن، إلى تفعيل آلية الجودية السودانية، فِي حل النزاعات، و إبتدار حلول سلمية خلاقة، للأزمة الراهنة، و كلي ثقة أن الحكمة السودانية الموروثة، مصحوبة مع ذِّكرى الأسلاف و الأجداد، قادرة على أن تعبر بِنا، فِي هذه المرحلة المفصلية الدقيقة.
لكن علينا أن نُدرِك أيضاً، أن السودان القديم الذي نعرفه، قد ولى للأبد، و إلى غير رجعة.
magboul80@gmail.com