نهب محلات جورج مشرقي

 


 

 

لا يوجد فرق بين الأب جورج مشرقي والراحل فوزي المرضي ، فهما يمثلان عراقة أمدرمان القديمة ، وهما جيل نادر مثل قيم الوحدة والأصالة ..
فوزي المرضي هو الهلال والهلال هو فوزي المرضي ، لم يتوقع أن يرحل الأستاذ فوزي المرضي بتلك الطريقة ، فالرجل عاش مسالماً ومات وهو يعتصره الألم بعد أن قضى الرصاص على اسرته ، فلم يحتمل قلبه ذلك ولكن رحيله قد ترك سؤالاً مهما وهو أين كانت الدولة السودانية من كل ذلك ؟؟
ومن هنا تدور معركة الاسافير للإجابة على السؤال من الذي تسبب في ذلك :
هناك من يزعم بالقول أنها قوات الدعم السريع ، التتار ، المغول ، أرطغول ، الذي هاجم خرطومنا الحبيبة وهو يستخدم عرب غرب افريقيا ..
وهنام من يقول أن الدعم السريع هو جزء من الدولة السودانية حتى قبل يوم 15 أبريل ، ومن يتحمل سقوط المدنيين هو البرهان نفسه الذي يختبئ في نفق عميق ويترك الشعب ضحية لاعمال السلب والنهب ، ولا ننسى تنظيم الإخوان الذين توعدوا وقالوا سوف نجعل عاليها سافلها إن لم يعودوا للحكم .
لكن ما ساءني وأستوقفني هو نهب محلات العم جورج مشرقي والتي تقع شرق عمارة البريد في أمدرمان ..
كانت محلات جورج مشرقي في بداية نشأتها قهوة تتجمع فيها النخب المتعلمة وتتدارس قضية الإستقلال ، كانت القهوة جزءاً من التاريخ السوداني حيث يحرص مشرقي الأب على ارتداء الزي التقليدي السوداني ويصلي على النبي محمد ويحلف برب الكعبة ..
كان موقع القهوة متميزاً قبل ان تطوقه عمارة " أولاد شندي " والتي يملكها الإنقاذي نافع علي نافع والتي قامت على حرم البريد جوراً وظلماً في الإستيلاء على الميادين العامة وحرم الأسواق .
وبعد تغير الزمان ومرور السنين تحولت قهوة جورج مشرقي إلى سوبر ماركت تجد فيه المواد الغذائية المستوردة والحلويات وغيرها مما تحتاجه البيوت ..
مرة إلتقيت بإبنه مجدي وهو يحمل شيكاً لديوان الزكاة فسألته عن السبب :
قال لي هم يعتبرونني مسلم - يقصد ديوان الزكاة - وأنا لا أريد أن استخدم ديانتي من أجل الإعفاء من الزكاة طالما هي مال يذهب للفقراء ..
مزحت معه وقلت له أكيد سوف تخصمه من ناس الكنيسة
ضحك وقال لي : طبعاً ولعلمك الكنيسة نفسها بتدفع لديوان الزكاة ولكن في شكل تبرع ..
هذا هو القليل الذي أود أن تعرفه الناس عن اسرة جورج مشرقي والتي كانت ولا زالت جزءاً من تاريخ السودان ، في بداية عهد الإنقاذ هاجر معظ الأقباط للخارج ولكن آل مشرقي بقوا في السودان وإحتملوا ظلم الإنقاذ وجورها ، وبالأمس تعرض متجرهم للسرقة والنهب ، فكان هذا هو الجزاء ، فثلاثة عقود من حكم البشير صنعت هذه الفوضى الخلاقة ، فالذي ينهب متجر جورج مشرقي يمكنه نهب متحف بيت الخليفة وأظنه قد فعل لأنه لا يعلم أهمية التاريخ أو التراث .
فنحن في مرحلة سقوط الدولة ، وهذا ما فات على الجميع ، وحتى الإخوان المسلمين الذين اشعلوا هذه الفتنة فلن يجدوا وطناً ليحكموه لأن غلبة السلاح لم تصبح إحدى خصائصهم.

 

آراء