هل هذه الحرب عبثية ؟

 


 

 

يحفل قاموس الأوصاف السياسي السوداني بمصطلحات معلبة وصدئة،تطلق فوراً على الأحداث والتحركات العسكرية التي جرت في البلاد ضد السلطة المركزية في الخرطوم على مدى عشرات السنين ،وظلت تلك الحركات ترفع شعارات مطلبية تنموية وأحيانا سياسية،غير أن الخرطوم سرعان ماتفتح قاموسها وتطلق وابلاً من الأوصاف والنعوت على أي حركة مطلبية تتحرك في الهامش وتشن حرباً عليها،ولعل وصف تلك الحركات بالتمرد هو أشهرها وأكثرها تداولا في الخطاب السياسي الخرطومي،إلى جانب نعوت أخرى كالمرتزقة والمأجورين إذا كان تشكيل العمل المسلح يضم قبائل مشتركة مع دول الجوار،وبعض الاحيان تستعين الخرطوم بقاموسها الديني فتصف مواطنيها المعارضين لسياساتها بالخوارج والكفرة الواجب جهادهم،ويجتهد إعلام السلطة المركزية في إطلاق وصف العملاء والخونة على كل من دعا إلى إعمال العقل والاستناد على الحوار كطريق معبد بالاستدامة لحل القضايا الوطنية التي لا يمكن حلها بالندقية، فالمواجهة العسكرية تعقد الامور وتلحق ضرراً فادحاً طويل الأثر بالبيئة النفسية للمواطنين ،فضلا عن الدمار وإهدار الموارد البشرية والمادية للدولة.
وصف البرهان حرب الخرطوم بأنها عبثية ،خطأ فادح في حد ذاته ان يصدر عن قائد ورئيس دولة رفع مواطنوه السلاح في وجهه...،فالتاريخ البشري لم يسجل حتى الان مايسمى بالحروب العبثية،فكل الحروب التي إشتعلت في العالم لها مسبباتها ودوافعها خاصة في الدول الافريقية،فمنذ ان تولت الحكومات الوطنية مقاليد السلطة من يد المستعمر،فشلت في تحقيق مفهوم الدولة القائم على اساس العدل،فمارست الحكومات المركزية كافة أشكال الظلم والاستبداد والتسلط والبطش بالمناوئين،فبدلا من بناء المدارس والمستشفيات ،ثابرت تلك الحكومات في بناء السجون والمعتقلات لتهش إليها المعارضين،وبدلاً عن تخصيص ميزانية لخدمات التعليم والصحة ،تصرف بسخاء على شراء السلاح وتجهيز قواتها لا لحراسة حدود الدولة وحماية القانون،بل لقمع كل من يطالب بحقوقه المشروعة والمستحقة كمواطن وهذا في حد ذاته إنتهاك صريح من قبل الدولة للقانون والدستور الوطني الذي كتبته بنفسها.
ظهرت مؤخراً تصريحات لقادة ميدانيين بالدعم السريع نادوا من خلالها وظلوا يرددونها بإستمرار وأنهم يرون حتمية تفكيك ما يطلق عليها دولة 56... فلايمكن بأي حال من الاحوال طالما هناك بعض المفاهيم قد برزت أن يستمر هذا الوصف العبثي...ولقد تعالت الاصوات في اكثر من مناسبة ومكان تنادي بقيام دولة المساواة التي يرى كل سوداني نفسه فيها...كل هذه المعطيات تدعو إلى ضرورة التعامل مع هذه الحرب بجدية وعدم التعويل على البندقية لاسكات هذه الاصوات ،فالحرب الان انتقلت من حرب ميدان إلى ميدان المفاهيم والتحشيد المعنوي للمطالبة بالحقوق ،ويلاحظ ايضا الخطاب النشط والمباشر في مخاطبة الأسرى كنوع من غسل الادمغة وتغيير القناعات للجنود ،فهذه المنعطفات لها ما بعدها حتى لو تغلب طرف على الاخر ستظل وقوداً لحرب مستقبلية سريعة الاشتعال....
وصف هذه الحرب بالعبثية تشخيص خاطئ لاسبابها الحقيقية ولا يمكن الاستناد على هذا الوصف والانطلاق للحل كفيما تشاء الاهواء والمنطلقات العاطفية،فالدول لاتبنى بالعواطف،بل بالحسابات العقلية...إذن هذه الحرب ليست حرباً عبثية كما وصفها البرهان،بل أبحثوا عن من يعبث بالمصطلحات في قاموس الخطاب السياسي السوداني لاكثر من ستين عاماً...!!!

msharafadin@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء