هل يفتح انتصار الإسلام في تونس صفحة جديدة لحوار الحضارات؟ . بقلم: د. محمد وقيع الله

 


 

 



في عددها الأخير نشرت مجلة تايم الأمريكية مقال أساسيا بعنوان (هل يخفف الغرب من جزعه ويتعلم كيف يحب الإسلاميين؟).
وذكرت فيه أنانتصارات الإسلاميين في الانتخابات التونسية، وتصريحات مصطفى عبد الجليل في احتفالات ليبيا بتحريرها التي أفادت أن بلاده ستعتمد الشريعة الإسلامية قانونا للحكم ربما أثارت الفزع في دوائر واشنطون وأحيت فيها مناخ حرب باردة ضد الإسلام.
وأكدت المجلة إن من حرر ليبيا من طاغوتها القذافي كانوا الإسلاميين، وليسوا السياسيين الليبيين الذين يتصلون بالغرب وينعمون بدعمه،من أمثال محمود جبريل، الذي فرض عليه الإسلاميون أخيرا أن يعتزل الحكم، وأن يتغيب عن مشهد الاحتفال المهيب.
وأشارت المجلة إلى أن الأمر الغالب هو أن ليبيا ستتحرر من العلمانية السياسية التي فرضها عليها القذافي طوال أربعين عاما ونيف.
وحذرت المجلة من تجاهل قوة الإسلاميين العرب قائلا إن أحداث الـ (ويك إند) الماضي تدل دلالة كافية أن كل من ينكر أو يتجاهل مركزية الإسلاميين في السياسة العربية سيضطر إلى أضيق الطرق وهوامشها في خاتمة المطاف.
وعندما حللت المجلة الشأن المصري انتهت إلى أن العلمانية لا مستقبل لها هناك، وأن الصراع الانتخابي القادم فيها لن يندلع بين الإسلاميين والعلمانيين، وإنما بين الإسلاميين المعتدلين والسلفيين الراديكاليين.
وبعد تأكيدها على انتصارات الإسلاميين الحتمية في المجال السياسي، التفتت المجلة إلى شأن أهم، فاستخلصت أنه لا يوجد تعارض فكري مبدئي أصيل بين الإسلام والديمقراطية.
ودللت على ذلك عمليا بأن الأحزاب الإسلامية، لاسيما في تركيا، تؤمن بالعمل الديمقراطي، وتختلف عن الأحزاب العلمانية في أنها تتخذ من الإسلام إطارا فلسفيا ثقافية قيميا للأداء.
ولذلك دعت المجلة الولايات المتحدة إلى تقدير هذا الأمر بموضوعية تامة، وألا تعمد إلى منافرةالإسلاميين لمجرد أنهم إسلاميون.
وألا تصر على معيارها الذرائعي المصلحي في التعامل مع الدول الأخرى.
وهو المعيار القائم على مدى الخضوع لها ولإسرائيل.
وألا تعول على أداء أتباعها من الليبراليين العلمانيين في البلاد الإسلامية ممن كشفت الانتخابات التونسية هشاشتهم وعزلتهم وضعف حيلتهم وقلة اكتراث الناس بما يلغطون به من الشعارات.
واستشهدت المجلة بمقتطفات من أقوال الزعيم الإمام راشد الغنوشي إذ قال: لقد استطاع بن علي أن يحقق بنجاح خطته في تحطيم أجهزة الحركة الإسلامية التونسية، ولكنه فشل فشلا ذريعا في أن ينصب نفسه بديلا عنها، وفشل في أن يصل بخطابه السياسي إلى عقول الناس وقلوبهم.
أما حركة النهضة فقد استطاعت رغم الحصار والقهر أن تتصل بالناس على مستوياتهم المختلفة اعتمادا على وسائل اتصال قليلة كانت في أيديها.
واستطاعت أن تمدهم بما استطاعت من خِدمات وإعانات.
وعضدت المجلة استنتاجاتها بما ذكرته أخيرا الكاتبة رولا خلف، على صفحات (فاينانشيال تايمز)، من أن إيمان الإسلاميين بمبدأ العدالة الاجتماعية كان هو السر في التفاف الجماهير من حولهم ومنحهم الأصوات الانتخابية.
ثم فاجأتنا مجلة (تايم) بحكم مذهل ما جاء به أحد قبلها في العالمين.
وهو قولها: إن مستقبل العلمانية السياسية في العالم العربي سيكون محكوما بمدى رضا الإسلاميين عن بعض ملامحها وسماحهم بها.
ثم عادت المجلة وعززت إفادتها الأولى بعدم تعارض الإسلام مبدئيا مع الديمقراطية، فقالت إننا قد شهدنا على الصعيد العملي أن أكثر من روج للديمقراطية في العالم الإسلامي هم الإسلاميون الأتراك، الذين أقنعوا الناس بقيمتها وجدواها أكثر مما استطاعت الجهود الأمريكية أن تفعل على هذا الصعيد.
واستشهدت المجلة بقول رجب طيب أردوغان: إن العلمانية لا تعني بالضرورة خصام الدين وإنما الوقوف منه على الحياد.
وقالت إن الغنوشي قال كلمة جارى فيها العقل الأردوغاني عندما أكد أن أولويات حركته تتمثل في إعادة الإستقرار للبلاد وبناء المؤسسات الديمقراطية التي تحترم كرامة وحقوق الإنسان.
وعندما قال إن حركته لا تستعجل الخطى ولا تريد الانفراد بالحكم وأنها تمد أيديها من أجل تنسيق تحالف عريض مع الآخرين.
وزعمت أن الغنوشي استفاد هذه المعاني من تجربة أردوغان.
وما درت  أن الإمام الغنوشي هو أستاذ للطيب أردوغان وأن الأخير إنمانهج نهجا شقه وعبده الأستاذ الإمام.
ومهما يكن من أمر فقد أبانت مجلة (تايم) بمقالها هذا عن تفتح وموضوعية واستقامة ونضج قل أن رأيناله مثيلا  في الصحافة الأمريكية التي تصل إلى مرحلة البؤس حقا عندما تتناول شؤون الإسلام.
ونأمل أن يضيئ مقال (تايم) هذا للمجلات والصحف الأخرى وأن يمهد لسبيل قويم لحوار الغرب والشرق عن الديمقراطية والإسلام.
وهو حوار نرشح الإسلاميين التونسيين أن يتولوه، من قبيل فرض الكفاية في الجهاد الفكري، ينوبون به عن الإسلاميين المسطحين والمتشنجين.
فالإسلاميون التونيسون الإسلاميين هم أفضل الإسلاميين العرب– بلا مراء -  ثقافة وعلما وخبرة بالغرب والحضارة وشروط الحوار وأساليبه الرشيدة.



adam h [hilbawi2003@yahoo.com]

 

آراء