هُراء الإسلاميين عن أمبيكي

 


 

 


ushari@outlook.com
أولا،
الإسلامي كاره الإنقاذ والحركة الإسلامية
(1)
ما الذي يا ترى حفز الأستاذ غانم سليمان غانم إلى استثمار ساعات طوال وربما أيام في ترجمة عشرين صفحة عن سيرة ثامبو أمبيكي ثم نشر الترجمة العربية في سودانايل، رغم أن المقال المترجم في غاية السخف لا قيمة له، كتبته منظمة طوعية تمولها حكومة جنوب أفريقيا ونشرته في موقع شبكي للدعاية يستعرض بتاريخ مركب تركيبا عن جنوب أفريقيا؟   http://www.sahistory.org.za/people/thabo-mvuyelwa-mbeki
...
وما الذي حفز هذا المترجِم القدير إلى كتابة توطئة للمقال المترجَم يطلب فيها من أسماهم "ِوليدات الحركة الشعبية" أن يوقفوا إساءاتهم لأمبيكي، وأن يعطوا هذا الصنديد الأفريقي الأجاويدي، وهو في تقديري بل الجنجويدي، "وساما رفيعا"؟
ثم قال الأستاذ غانم إن "وليدات الحركة الشعبية"، على عكسنا نحن، الإسلاميين بالطبع، لا يفهمون احترام الكبار الذين لهم "مكانة". وقرأت أنه كان يشير فيما كان يشير إليه إلى أني كنت وصفت أمبيكي بأنه فاسد محتال. ولأمور التحلية، أقحم الأستاذ غانم اسطوانة الإسلاميين أن الحرب يجب أن تتوقف.
(2)
يقدم الأستاذ غانم نفسه في بعض مقالاته في سودانايل على أنه معارض شرس ضد الإنقاذ، وكتب في سودانايل أقسى العبارات عن الحركة الإسلامية وعن نظام الإنقاذ. وصف الحركة الإسلامية السودانية بأنها "حركة مفلسة دينياً وأخلاقيا وقيمياً"، هكذا. وقال "جاءت الحركة الاسلامية في السودان إلى الحكم بالدبابة وبشرذمة من العسكر بادعاء انقاذ البلاد والعباد من سوءات النظام السابق إن كانت له سوءات!!!".
هذه العبارات كافية لتضع غانم في معسكر المعارضين لنظام الإنقاذ الكارهين للحركة الإسلامية في جميع أشكالها. لكن يستبين تناقض الأستاذ غانم حين وجدناه أزلق في إحدى مقالاته في سودانايل ذات مرة إنه يود "من صميم قلبه" أن "تكون الحركة الاسلامية السودانية نموذجاً بل رائدة للحركات الاسلامية في المنطقة والعالم!"، وأضاف لزوم الزوغان "لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!"  (الحركة الإسلامية ...)
(3)
ثم كتب الأستاذ غانم مقالات لاحقة يقرظ فيها نظام الإنقاذ بطريقة خفية غير مباشرة، وترجم مقالات لا علاقة لها بموضوع في السودان غير تعبئتها الكيد ضد اليساريين لمصلحة نظام الإنقاذ والإسلاميين. مثل مقال لا معنى له ترجمه الأستاذ غانم فقط لأنه يقدح في اليساريين في أمريكا اللاتينية!! وله مقالات فيها إشادة بالإنقاذ ومؤسساتها التجارية، ومحاولة منه لزرع التفاؤل أن السودان تحت الإنقاذ بخير.
(4)
عليه، لابد من إخضاع هذه الوضعية الكتابية للتحليل، فترجمة السيرة الذاتية من عشرين صفحة عن أمبيكي تصبح كتابة من نوع خاص، حين نضعها في سياق مقالات الأستاذ غانم المتناقضة، وحين ننظر في ترجمته هذه السيرة الذاتية لأمبيكي، وفي عملية الترجمة كتركيب للمعاني وتعبئتها لأغراض استراتيجية. فالمترجم لا يترجم فقط، بل لديه ما يريده وراء انتقائه المقال المحدد وترجمته ونشره تحت اسمه في سودانايل المعروفة بموقف أغلبية كتابها ضد نظام الإنقاذ.
وللأستاذ غانم مقالات مترجمة أخرى من ذات النوع، مطعمة أحيانا بمقال مشاتر أو اثنين لكف العين، وله مقال إشادة بسودانايل التي يعلم أنها جريدة مكروهة لدى جهاز الأمن في نظام الإنقاذ!  
فأين الحقيقة عن موقف هذا الكاتب في سودانايل؟ يريد القارئ دائما أن يعرف، بدون لف أو دوران، أين يقف الكاتب من القضايا المختلفة؟ يمكن للكاتب أن يغير موقفه بالطبع، لكن عليه أن يُفصح عن حقيقة موقفه السبقي. ما هي فلسفته؟ ما موقعه في نظام الإنقاذ، وما موقفه من النظام؟ ما موقفه من الحركات المسلحة؟ ومن الحركة الإسلامية؟ ومن كل قضية مطروحة للنقاش؟
أما حين تكون مواقف الكاتب مصبوغة بالتناقضات المريعة أو نجدها يلفها الغموض، وحين يصر الكاتب على الدغمسة الاستراتيجية في كتابته، هنا يمكن للقارئ إخضاع هذا الكاتب وما يكتبه، وهما سيان، للانتقاد.
ثانيا،
سيرة أمبيكي
(1)
إن ثابو أمبيكي الذي يشيد به الأستاذ غانم ويتحفنا بسيرته الذاتية في عشرين صفحة من قادة أفريقيا المحتالين، بل هو مثال نموذجي للقائد الأفريقي المحتال، وقد تحدث أمبيكي ذاته مستغربا لوجود هذه النوعية من القادة الأفارقة المحتالين الحرامية (يوتيوب)! بالطبع نسي أمبيكي أنه هو ذاته مثل القادة الأفارقة الذين يتفلسف عنهم كانت حامت حوله  شبهات فساد قوية، ومعروف أن أمبيكي كان رئيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أحد أفسد الأحزاب السياسية في العالم، فيلحق بأمبيكي فسادُ حزبه.  
(2)
فانظر كيف وقفت الأغلبية المرتشية من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، حزب أمبيكي، قبل يومين متعاظلين بدون حياء للدفاع عن الرئيس جاكوب زوما الثابت الآن فساده بقرار المحكمة الدستورية التي قررت ما معناه الواضح أن زوما لص نهب باللفة تحت غطاء توفير الأمان له وأسرته نهب ملايين الدولارات من خزينة الحكومة، لتحديث بيته الخاص، ببناء مَمشَى مُسَوَّر للدجاج، وحوض سباحة، ودار سينما، وبلاط فاخر، ومركز للزوار، وحظيرة أبقار، إلخ.
ثم رفض زوما أن يعيد هذه الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة حتى بعد أن تم توجيهه بالتحلل على طريقة الإسلاميين في السودان. وكان ذلك النهب الحرابي بحجة من زوما أنه كان يريد تعزيز الحماية في بيته بعد أن كانت زوجته تعرضت للاغتصاب من قبل حرامية، وزوما بالطبع كان ذاته اُتهم بجريمة الاغتصاب وأقر بالفعل الجنسي ضد ضحيته لكنه أنكر أن الفعل كان اغتصابا، طبعا.
لم يكن أمبيكي ببعيد كل البعد عن فساد زوما، منذ أن كانا دائما مع بعض في شكلة حرامية، منها الشكلة بينهما حول مبيعات الأسلحة، وقد هدد زوما أمبيكي بأنه سيفضح فساده ورشاويه، فالوسخ الجنوب أفريقي يلحق بأمبيكي الذي استقال صاغرا تحت الضغط بعد اتهامه بتدخل فسادي في مجرى العدالة، وبعدها عقد صفقة مع زوما ليساعده للحصول على وظيفته الحالية عند الإسلاميين في السودان هي ما ظللنا نعاني منه على مدى ثمانية أعواما من الاستهبال من قبل أمبيكي، ليس عند أمبيكي أي شيء يقدمه للسودان، وهو لا يتحلى بالقدر الأدنى من المبدئية، يعتقد أن السياسية خداع واحتيال ويرى أنه لا مجال في السياسة للقانون أو العهود أو الأخلاق أو المعايير.
(3)
يمكن للقراء متابعة السيرة الذاتية الحقيقية لأمبيكي، أهم أجزائها في اليوتيوب Mbeki، ومنها الأرشيف الخاص بأمبيكي في السودان، خاصة سيرته ذات العلاقة بخريطة الطريق، وأن تتم قراءة السيرة الفالصو التي ترجمها الأستاذ غانم من منظور السيرة الحقيقية التي سيكون القارئ قادرا على تركيبها.
ستكتشف أيها القارئ المشاهد في اليوتيوب هذا الأمبيكي سياسيا جاهلا ديماغوجيا، وستجده أمامك مهرِّجا يثير الضحك والتصفيق الساخر من الجمهور بسبب كلامه الموغل في السطحية والغباء، وبسبب حركاته للزوغان من الأسئلة المحرجة.
(4) سلطة بالخضار لعلاج الأيدز
لا تنس أيها القارئ خزعبلات أمبيكي المشهورة عن أن خليطا من  الخُضار والسَّلَطة سيعالج مرض الإيدز! نعم هو كرئيس جمهورية أصر على صحة ادعاها لهذا الكلام الفارغ أمام مجتمع علمي من الباحثين في مرض الإيدز، وكان يصر على تطبيق كلامه الفارغ كسياسة صحية حين كانت أزمة مرض الإيدز تهدد أفريقيا جنوب الصحراء بأكملها.  
قال أمبيكي، كرئيس جمهورية، إن الدواء لعلاج الإيدز الذي دفعت فيه الدول والشركات للمراكز البحثية بلايين الدولارات لا قيمة له! وبسبب استهبال هذا أمبيكي وشعوذته مات آلاف مرضى الإيدز في جنوب أفريقيا، وقد ثبت بالطبع أن الأدوية الطبية التي تم أخيرا إنتاجها تتيح لمرضى الإيدز حياة تكاد تكون عادية، ولم يعد المرض يقتل الناس كما كان يفعل تحت أثر سلطة أمبيكي وسياسته الصحية بدون عقل. لذا يحبه الإسلاميون.
تصف السيرة الذاتية المترجمة بواسطة الأستاذ غانم هذا الحدث وكأنه كان اختلافا علميا بين خبراء، بينما لم يكن الأمر يتجاوز ادعاءات رئيس جمهورية مهووس مهلوِس يعتقد أن لديه معرفة بالصحة والطب والعلاج لمرض الإيدز، ولم يكن أمبيكي في قلة عقله يعترف بالعلماء والباحثين المتخصصين في مرض الأيدز الذين بالطبع أثبتوا بالبينات المادية غباءه وشعوذته.
فهذه هي نوعية القادة الأفارقة، وكذا هي النوعية التي يتم إرسالها إلى السودان، ويحبها الإسلاميون شبهينا واتلاقينا.
(5)
وهنالك مواقف أمبيكي الغرضية مدفوعة الثمن في الدفاع في كل مناسبة عن المجرمين في أفريقيا، ترداده أنه يتعين عدم تقديم هؤلاء الجناة قتلة أفريقيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لذا يحبه عمر البشير والإسلاميون ويحبه أيضا جوزيف كوني اليوغندي وباقبو ساحل العاج.
حين تسمع أمبيكي يردد الكلام الساذج عن كيفية الوفاق مع جوزيف كوني عبر تدابير طقوسية محلية، من نوع الكجور، تعرف أن أمبيكي جاهل كبير حتى في هذا العمر واضح أنه لم يقرأ في حياته كتابا فيظل يردد الترهات المسهوكة التي سمعها في ونسات وكأنها حِكم فكَّر فيها للحظته. فمنذ متى كان قادة الحركات المسلحة مستخدمو تلفونات الستالايت يعترفون بالطقوس القبلية من ضروب الشعوذة التي يتحدث عنها أمبيكي أو يصدقون فيها؟
قال أمبيكي إنه يحب السلام، وإن السلام يجُبُّ العدالة! وقس على ذلك كل كلام من أي نوع حول أي موضوع أفتى فيه أمبيكي دون علم أو معرفة أو عقل: القيادات، الفساد، المنظمات الطوعية، جنوب السودان، الأحزاب السياسية الأفريقية. كل كلامه حكي فارغ واحتيالي، مثل حديثه عن الفساد وهو أبو الفساد، ومثل حديثه بالاستهبال عن دورات الرئاسة، أن السويد لا تحدد عدد مرات الرئاسة! يريد تبرير مطالبته في السابق بالتمديد له لرئاسة جمهورية ثالثة قبل أن يطيح به فساده قبل إكماله دورته الثانية.
وأنت ستجد في اليوتيوب تساؤل أمبيكي وكأنه لا يعرف الإجابة: "هؤلاء القادة الفاسدون في أفريقيا، من أين أتوا ومن أين يأتون؟ هل يوجد مخبز bakery لإنتاجهم؟"
يا سلام!
رابعا،
في تعريف الهُراء
(1)
ذلك هو أمبيكي الحقيقي الذي يعرفه أهل السودان اليوم. فكيف نفهم خطاب الأستاذ غانم المكوَّن من ترجمته لمقال من عشرين صفحة فيه السيرة الذاتية لأمبيكي؟ وهي سيرة مكتوبة بواسطة دعوجية كانت تمولهم حكومة أمبيكي، ومع الترجمة نجد توطئة ينتقد فيها غانم من أسماهم "وليدات الحركة الشعبية"، إمعانا منه في التحقير وفي التمرغ في الاستمتاع بالهراء كرده على هؤلاء "وليدات الحركة الشعبية" الذين انتقدوا أمبيكي، وكنت بالطبع كيفتُ أمبيكي وسيطا فاسدا محتالا، حيث لا مداهنة ولا دبلوماسية حين يتعلق الأمر بالحقوق المعتدى عليها بواسطة هذا عميل الإسلاميين.
(2)
هنا أقدم من مجال الفلسفة الإجابة عن كيفية فهم تدخل الأستاذ غانم، تحديدا من نظرية الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت في كتابه بعنوان "On Bullshit"، وأترجمه "في فقه الهُراء"، لأن الكتاب أطروحة فلسفية متكاملة عن حد الهُراء، وكذا نجد أن العبارة الإنجليزية (بولشيت bullshit") تعني هُرارَ البقر،  ويستخدمها الأمريكيون على أنها تعني "الكلام الفارغ".
فالذي أريد تبيينه هو أن مقال الأستاذ غانم عن أمبيكي ترجمةً وتوطئةً محضُ هُراء.
كتاب فرانكفورت عن فقه الهراء أون بولشيت موجود مجانا في الأنترنيت، عدد صفحاته قريب من عدد صفحات السيرة الذاتية لأمبيكي التي ترجمها الأستاذ غانم.
(3)
يتعمق الفيلسوف الأمريكي ليبين لنا معنى الهُراء وحَدَّه، ويكيِّفُه على أنه أسوأ من الكذب، لأن الكذَّاب يعرف الحقيقة، ويهتم لها، ويتعامل معها بجدية، فيدلس عليها ويثبِّت خبرا لا علاقة له بهذه الحقيقة التي يعرفها، بينما الهَرَّاء لا يكترث أصلا للحقيقة، ولا يهمه ما إذا كان ما يكتبه أو يقوله صحيحا أم لا، وهو ينتج ذلك هراءه لغرض صرف الأنظار عن مشروع خداعي له لا يريد لنا أن نعرفه.
يقول هاري فرانكفورت في مقال آخر في كتاب عن فلسلفة الخداع:
"بالنسبة للهرَّاء، فهو ليس في جانب الحق أو الكذب. وليست عيناه مصوبتين نحو الحقائق أو الوقائع ... إلا في حال كانت الحقائق أو الوقائع متعلقة بمصلحته الخاصة في أن ينجو بفعلته القولية" وهي الهُراء (37).
إن الهَرَّاء في تكييف فرانكفورت مهتم بمشروعه الخاص فقط. وبسبب عدم اكتراثه للصدق أو الحقيقة، يصبح الهَرَّاء أخطر من الشخص الكاذب الذي يعرف الصدقَ ويهتم به ثم يفارقه لأغراضه الخاصة (48).    
(4)
الهُراء في العربية هو المنطق الفاسد لا نظام فيه. وللهُراء علاقة لغوية ذكية بالهُرَار المعروف في العامية السودانية المتناصة مع الكلمة ذاتها في الفصحي، وهي عبقرية اللغة العربية في جذورها الدلالية المتناغمة عبر المعاني التحتية العميقة.
 فالهرار في العربية الفصحى هو ما يُعبَّر عنه بكلمات مثل السلح، والبراز، والعذرة، والغائط  والخرء، مما يجعله رديف "هرار ذكور البقر" في التعبير الأمريكي بولشيت bullshit، وهو موضوع فلسلفة فرانكفورت.
عليه بالإمكان أيضا ترجمة عنوان الكتاب حرفيا على أنه "في فقه الهُرار الخطابي". وهنالك الهَرهَرة في لسان العرب وشكلها العامي الفصيح هو الخَرْخرة كالمغالطة بالرغم من الحقيقة الواضحة، ومثلها "الضحك في الباطل".
(5)
كل الأفكار التالية في بقية المقال مقتبسة من فلسلفة فرانكفورت في مقاله في كتاب أوكسفورد عن "فلسلفة الخداع"، وفي كتابه "في فقه الهُراء"، أو هو "في فقه الهُرار الخطابي". وما أفعله هنا هو محاولة فهم مقال الأستاذ غانم بتطبيق نظرية الهراء في فلسفة فرانكفورت عليه. وكذا تجريب إعمال هذه النظرية في نقد خطاب الإسلاميين، وفي نقد كل خطاب ينطوي على الهراء، خاصة حين يُغرق الإسلاميون متفقين المجال العام بالترهات.    
استخدمت فلسلفة الهراء بهذا المعني في تفكيك الفساد القضائي في الجزء الخاص بالتدليس حين يستخدم القضاة الهراء للتغطية على فسادهم، مثل نشر القاضية فادية للآيات القرآنية والتعبيرات الإسلامية  في نص الرأي القضائي الفاسد، تريد التدليس على مخططها الإفسادي.
خامسا،
العلاقة بين الهُراء والهُرار
(1)
يميز الفيلسوف فرانكفورت بين مفهوم الهُرار shit والتعبير المصطلحي الهُراء bullshit. ثم يقدم فرانكفورت تحليلا للهُرار  shit الذي نعرفه في ماديته كالخرء، مثلا عند استخراج هذا الخرء من جسد الإنسان. والتمييز محوري عند الفيلسوف فرانكفورت، رغم العلاقة الاستعارية العبقرية في اللغتين العربية والانجليزية، وإن كانت العربية أكثر ذكاء في التمييز بين shit  و bullshit حين تميز بين "الهُراء" و"الهرار" بتغيير لام الفعل في الجذر هـ ر أ (هُراءً) من الهمزة إلى الراء في الجذر هـ ر ر (هُراراً).
التمييز محوري لأن الفيلسوف فرانكفورت يخلص به إلى أن الهُراء bullshit مصمم بعناية هندسية لنقل، وبقدر من الدراية والغرض الاستراتيجي وحذق الصِّنعة ، مثلما نراه في عملية ترجمة الأستاذ غانم للسيرة الذاتية لأمبيكي، مقارنة مع الهُرار shit الذي لا يُتحَكمُ في كيفية استخراجه.
(2)
يقول فرانكفورت إن الهُرار الذي نعرفه لا يتم التدقيق ولا التحكم في كيفية استخراجه أو تشكيله، فقط يتم القذف به أو سلحه [في حفرة أو جردل أو في الخلاء وراء شجرة أو في مرحاض حديث]، وإنه ليس للهرار شكل محدد يمكن التحكم فيه، أي إن الهرار الذي نعرفه ليس مصمما بطريقة هندسية، وبالطبع هنالك أنواع من الكتابة تماثل هذا الهرار، تجدها فوضوية وتهويمات فارغة، بدون نوع الهندسة المجربة التي نجدها في هراء الأستاذ غانم.
لكن بالطبع تظل الصلة الإيحائية بين الهُرار والهُراء في مقال الأستاذ غانم المكتوب باللغة العربية موجودة. وكذا الصلة موجودة في الخطاب باللغة الإنجليزية.
فالعلاقة في اللغة الإنجليزية بين الهُرار كـ shit تم تخصيصها بإضافة كلمة ثور البقر لتصبح bullshit ، مما يوحي بغلظة الهرار بعلة الثور الأكبر من البقرة، ومن ثم تمت الاستعارة اللغوية في استخدام براغماتي بمعنى الهراء bullshit، وهو الكلام الفارغ، أي المفرَغ من كل محتوى مفيد، حيث لا محتوى مفيد في الخرء، إلا لتسميد الأرض أحيانا، وربما نجد للخرء استخدامات أخرى مفيدة في كينيا مثلا عند الأطفال الشحاذين الذين تحتوي قبضة الطفل منهم على خرء يهدد به الطفل أصحاب العربات ليعطوه شيئا وإلا مسح ما في قبضة اليد على زجاج السيارة المغلق وربما المظلل، وهي حركة وجودية يأتي بها الدماغ البشري في أشكال شبيهة في ثقافات وسياقات أخرى.
(3) الهرار المنظم
يقول هاري فرانكفورت إن الهُراءَ أصبح اليوم يأتينا منمقا ومهندسا في الأنترنيت، ويمثل له بالدعاية والإعلانات، وهكذا نجد الهُراء في سودانايل أيضا في الترجمة الممتازة التي استثمر فيها الأستاذ غانم وقتا مقدرا وبذل مجهودا لتجويد هذه الترجمة عن أمبيكي، وعبأ قدراته اللغوية والفنية لينتجها ترجمة كاملة ودقيقة ومرتبة بعناوينها، ولها توطئة، ومعها اسم الكاتب وصورته وعنوان بريده الالكتروني، كلها من المحسنات للهُراء عن أمبيكي.
فمقال الأستاذ غانم عينة رائعة للهُراء. لكن، وبالرغم من حذق هذا الهَرَّاء لمهنته، ومقاصده للتدليس بالهراء على مشروعه الخفي، إلا أنه لا يتمكن من الإفلات من الملاحظة بطريقة ناجعة، لأن التفكيك له بالمرصاد.
(4)
ينطبق أيضا على مقال الأستاذ غانم ما يذهب إليه فرانكفورت أن الهَرَّاء لا يُزيف الوقائع أو الوضعية التي يتحدث عنها، هنا الوقائع المتصلة بوضعية ثامبو أمبيكي. ونرى أن الأستاذ غانم لا يأتي بأكاذيب عن أمبيكي، كل ما فعله غانم هو أنه ترجم مقالا كتبه دعوجي جنوب أفريقي في الأنترنيت عن السيرة الذاتية لثابو أمبيكي، بأجر. فهنا لا يمكن أن نسند أي تزييف لوقائع في المقال إلى الأستاذ غانم. قد يوجد تزييف للوقائع في المقال المترجم لكن غانم ليس مسؤولا عنها لأنه لم يكتبها.
فالكَذاب وحده، في فلسلفة فرانكفورت، هو الذي يزيِّف، وليس الهَرَّاء مثل الأستاذ غانم بالضرورة مزيِّفا. هكذا يصر فرانكفورت دائما على التمييز الضروري بين الهَرَّاء والكذَّاب. فيقول فرانكفورت إن الهرَّاء لا يخدعنا بشأن الوقائع أو بشأن ما يعتقد أنه الوقائع، حتى إن قصد إلى ذلك الخدع، لذا نجد أن الأستاذ غانم، وينطبق عليه تكييف الهَرَّاء، ترجم السيرة الذاتية لأمبيكي صحيحة في مجملها بصورة واضحة.
(5)
سيقول فرانكفورت إن الأستاذ غانم كالهَرَّاء هنا لا يُخفي حقيقته مثلما يفعل الكاتب الكذاب، لكن هذا الهَرَّاء لا تهمه أصلا القيمة المتعلقة بالحقيقة في كلامه، ولا يهمه هنا أن أمبيكي كان له ذلك التاريخ النضالي أم لم يكن. كما أن هذا الهراء هنا الأستاذ غانم  يخفي عنا أن الحقيقة عن أمبيكي لا تهمه أصلا، خاصة ونحن نكتشف أن الأستاذ غانم في توطئته  يُغيِّب أبعادا مهمة عن حقيقة أمبيكي، وعن النزاع حول خريطة الطريق، وينفذ الأستاذ غانم هذا التغييب بتركيزه على ما لا خلاف حوله ولا قيمة له عن تاريخ أمبيكي في النضال.
(6)
يقول فرانكفورت إنه يستحيل على الكذاب أن يكذب ما لم يكن يعرف الحقيقة. فالكذاب يتفاعل مع الحقيقة يريد إخفاءها. ولذا فهو شخص "يحترم الحقيقة"، وهذا الكذاب صادق مع نفسه أنه يَعرِف الحقيقة لكنه يزيفها.
أما الهَرَّاء الأستاذ غانم بمقاله وترجمته لسيرة أمبيكي، فلا يحتاج أصلا لمعرفة الحقيقة عن أمبيكي، وهو ليس مع الحقيقة عن أمبيكي ولا مع تزييف هذه الحقيقة. ليست عينا الهرَّاء غانم مثبتتين على الوقائع أو الحقيقة إلا بما يكفي لتخدم الحقائق مصلحته في أن ينجو بمخططه لدعم نظام الإنقاذ، تِحِت تِحِت.
لا يكترث الأستاذ غانم لما إذا كان المقال عن أمبيكي الذي ترجمه، وهو مقال كتبته منظمة طوعية جنوب أفريقية تتلقى دعما من الحكومة، لا يكترث الأستاذ غانم لما إذا كانت السيرة الذاتية لأمبيكي في عشرين صفحة صحيحة أم غير صحيحة، وهو مدرك أن من المستحيل له أن يعرف، لأن الكثير من التفاصيل الدقيقة في السيرة الذاتية المنشورة في الموقع الشبكي لا يمكن التحقق من صحته أصلا.
(7)
يدرك الأستاذ غانم أيضا أن الشخص لا يترجم هكذا عفو الخاطر وينشر كل مقال كتبته منظمة طوعية مجهولة في موقع شبكي، عن السير الذاتية لزعماء أفريقيا الفاسدين، وجميعهم باستثناء اثنين أو ثلاثة فاسدون.
ليس الأستاذ غانم غبيا، هو يعرف أن السيرة الذاتية التي ترجمها ربما انطوت على معلومات غير صحيحة عن أمبيكي أو على أكاذيب. لكن الأستاذ غانم كهرَّاء لا يكترث لهذي حقيقة احتمالية التلفيق في سيرة أمبيكي بواسطة الدعوجية من المنظمة الطوعية.
(8) الهُراء والسعادة
من أطرف ما جاء في فلسفة فرانكفورت عن الهُراء أن الهَرَّاء، مثل غانم، يجد متعة في إنتاج الزيف بهرائه. مثله مثل شخص يكذب فقط لأجل الكذب، لأنه يجد متعته في هذا الكذب. هنا يستمتع الأستاذ غانم بالزيف الذي يخلقه حول أمبيكي وينشره في سودانايل، مثلما يستمتع كل كاتب بمقاله المنشور، لكن متعة غانم مركبة، متعة إنتاج الهراء، ومتعة نشر هذا الهُراء وإذاعته، ومتعة استعمار المجال العام، وتغيير السياق، وخلق زحمة فارغة، بالإضافة إلى متعة نجاحه في التدليس على مشروعه الخداعي.  
لكن التفكيك كما أسلفت يبين حقيقة الهُراء في أن الهَرَّاء غانم  لا تهمه الحقيقة عن أمبيكي أو إخفاء هذه الحقيقة، فهو كهَرَّاء يسجل نفسه عدوا للحقيقة لأنه لا يكترث لها أصلا، فلا يكذب بشأنها ولا يصدُق بشأنها، همه مشغول بمشروعه الخداعي لدعم الحركة الإسلامية السودانية ولدعم نظام الإنقاذ.
(9) تايواني
سيسمي فرانكفورت المقال الهرائي الذي كتبه غانم ونشره بأنه مقال "فالصو" fake، وربما قلنا بالسودانية "تايواني". فالمشكلة في التايواني ليست في كونه فالصو، لأن الفالصو قد يكون مثل الأصل ويؤدي نفس الغرض، لذا يقول فرانكفورت إن مشكلة الفالصو هي "طريقة إنتاجه"، لأن طريقة إنتاجه كانت بالاحتيال على الآخرين وخدعهم. مما يثير إشارة فرانكفورت إلى فكرة الفيلسوف فيتقينشتاين عن أشكال الكلام الفارغ ذات الأغراض التخريبية. أي، إنتاج كلام فارغ وفالصو بغرض تخريب مشروع شخص آخر. هنا تخريب غانم مشروعات "وليدات الحركة الشعبية"، حين يغرق عليهم الساحة الإعلامية في سودانايل بترهات عن أمبيكي في عشرين صفحة كلها تفاصيل تافهة، علها تشغل هؤلاء "وليدات الحركة الشعبية".
سادسا،
باختصار
(1)
جوهر الهُراء المتمثل ماديا في ترجمة الأستاذ غانم للسيرة الذاتية لأمبيكي أنه هُراء مصنوع دون اكتراث للحقيقة عن أمبيكي، ومن ثم ليس من الممكن الحكم على السيرة الذاتية المترجمة أنها زائفة، فقد تكون صحيحة. لكن هذه الصحة المفترضة لا تعني شيئا لدينا، لأنها ليست متعلقة بالنزاع حول خريطة الطريق موضوع الجدل في السودان.
(2)
قد يكون أمبيكي كان مناضلا نزيها في تلك الأيام الماضية، فكم من لص نهبي محتال كان في يوم من الأيام مناضلا، لكن الذي نعرفه هو أن أمبيكي لابد استلم رشوة من نظام الإنقاذ، فدبر مع ممثلي النظام  مخططا احتياليا لفرض حوار قاعة الصداقة على المعارضة الرافضة. وأنه استخدم برنامجا شريرا انطوي على الإعمال القاصد للانحراف عن معايير الوساطة والأجاويدية، بأن جلس وحيدا في غرفة مظلمة مع طرف واحد قروشو أكتر ووقَّع مع هذا الطرف على الوثيقة المكتوبة بالاحتيال التي أرادها هذا الطرف في غياب الطرف الآخر للنزاع.
لم يكتف أمبيكي بخرق هذه المعايير الثابتة في الوساطة، بل استخدم وسائل الخداع لتمرير انحرافه عن المعايير، بأن كذب على المعارضة، وأغفل متعمدا وقائع رأي المعارضة في وثيقة خريطة الطريق وفي الحوار، وهو استبعد الوقائع الجوهرية للمعارضة من وثيقة خريطة الطريق، ثم دلَّس أمبيكي على خداعه وانحرافه بأن بدأ ينشر المغالطات أثناء تصريحاته، وكان يكذب مجددا ويشوه الوقائع، وكذا بدأ يُنتج هراء عن أهمية الوصول إلى حل للحرب.
وحين انكشفت عمليات أمبيكي الاحتيالية، سعى إلى التغطية على فساده بأن استدعى السيدة زوما وهي من بلاده جنوب أفريقيا لكي تستغل السيدة زوما منصبها في مفوضية الاتحاد الأفريقي للبلطجة بتهديد المعارضة لتوقِّع خلال أربعة أيام على خريطة الطريق المشتراة بالرشوة.
(3)
رشوة أمبيكي ثابتة بثبوت أفعال انحرافه عن المعايير وثبوت أفعال خداعه وتدليسه. حيث لا يمكن للوسيط أمبيكي أن يكون فعل ما فعله (الانحراف والخداع والتدليس والتغطية) إلا بسبب الرشوة، والرشوة بآلاف أو ملايين الدولارات أصبحت من الوسائل الفعالة التي يستخدمها الإسلاميون مع كل من تريد الإنقاذ منه شيئا، بما في ذلك مع المستشارين الدوليين والوسطاء وموظفي الأمم المتحدة.
خذ كبار موظفي اليوناميد في دارفور، فهل يصدقن أحد أنهم كانوا يدلسون على جرائم الحكومة ويكذبون في تقاريرهم إلى رؤسائهم في نيويورك فقط لأنهم كانوا يحبون عيون عمر البشير؟
...
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com
أبريل 7 2016

 

آراء