وعادل .. هل يرمي بدرر؟ (1-2) … بقلم: رباح الصادق
26 April, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب الأستاذ عادل الباز في عموده اليومي الذي افتقدناه بعض الأحيان في الأيام الحسوم الماضية، كثب ثلاثية في الأيام 18، و19 و20 أبريل بعنوان: رباح ترمي بشرر، وقد آلمنا أن نكون رميناه بشرر، ولو فعلناها فإننا نعتذر، وربما هذا المقال ليوضح سبب الشرر، وليداخل بعض ما جاء به الأستاذ عادل. وسنحاول هنا ألا ننجر للدفاع عن نفسنا، وسنبتلع بعض ما جاء به عادل في حلقته الثالثة من تهم لنا تقدح في أهليتنا للكتابة والتفكير والنظر بسبب ضيق الأفق وعدم معرفة النقد، بل والعمى وعدم الإبصار، بما أثبته لنا عادل نفسه في حلقته الأولى من نعوت ماجدة ويقيننا أن كلا القرائتين الصادرتين عن عادل نفسه من الصعب أن تلتقيان في صدر رجل واحد، وحسن منه أن نشرهما مقسمتين ويفصلهما يومين كاملين، فلم تجمعهما- على أقل تقدير- صحيفة واحدة!
أستاذنا عادل الباز، الفرق في العمر ليس كبيرا ولكن في القدر هو كذلك، كان الأستاذ الباز صحفيا مرموقا وأنا أتلمس خطاي في أول صحيفة أكتب فيها (الصحافي الدولي-2001م) بعد أن استدرجني لهذه المهنة أستاذي د. عبد الله علي إبراهيم، ثم كان عادل رئيس التحرير الذي زارني في عقر مكتبي (مكتب الإمام الصادق المهدي الخاص) ليضيفني لكتاب صحيفته (الصحافة- 2002م) والتي شكلت مدخلي الأوسع لهذه المهنة ولعلها تستمر معي حتى النهاية (جعلها الله بحسن خاتمة وألحقني بالحبيب شافعا آمين). ثم إن عادلا بعد أن ترك الصحافة وتبوأ مقعد رئيس التحرير مرة ثانية في (الأحداث) زاغت عين صحيفته نحو شقيقتنا الدكتورة مريم فأعلنتها من بين كاتباتها ولما حالت مشاغلها من الكتابة طفق عادل يبحث عنا وقد أبت علينا عزة نفسنا أن نكون بدلا حتى لشقيقتنا الكبرى التي كان لها دور هائل في تشكلنا صغارا والتي تعد تاجا برأسنا، قلت له كنت تريد مريم ولن آتيك ولكن يمكنني التوسط لديها لتبر بوعدها بالكتابة لديكم! وفي النهاية جئت للأستاذ عادل بظلفي ووساطة الأستاذ الحاج وراق بعد أن ضاق علي التنفس في (أجراس الحرية) وصرت أبحث عن منبر بعيد عن ارتباطات حزبية أو تقيدني فكرة أنني أكتب لقارئ له لون محدد، ولإحقاق الحق فإن المسئولين في أجراس الحرية لم يقيدوني بأي قيد أو يتدخلوا في كتابتي بأي شكل ولكن القيود التي أحسها كانت ذاتيه! إذن فقلمي في مولده صنيعة للأستاذ عادل الباز بنحو ما، وصار مربوطا برئاسته للتحرير أينما حلت بشكل ما، على نحو ما عبّر بكلمات أضبطها بالتفاصيل!
أعطى الأستاذ عادل وزنا كبيرا -مع الامتعاض- لوصفي لكتابته بأنها كانت ساخرة. لعل الأستاذ عادل يعلم أنه كثيرا ما يكتب بطريقة ساخرة حتى لو لم يسم المقال (المهزلة.. الضحك والنسيان) ثم ومالها السخرية؟ إنها ملح الكتابة وإن لم تصدقني فاسأل صديقك الأستاذ مصطفى البطل، وصديقه اللدود الأستاذ محمد محمد خير، وأستاذي عبد الله علي إبراهيم، ود. عبد اللطيف البوني، والسيد ثروت قاسم، والقائمة تطول! ولكني لا أصر على نعت عادل بسخرية يستنكرها، لنستخدم كلمته: استنكار: بالله عليك أستاذنا عادل بعد أن مرت هذه الانتخابات بكل عبثها، هل لا زالت الأحزاب هي التي تستحق الاستنكار؟!!! لقد تبين كثيرون ضحى الغد صحة موقف الاشتراطات ثم المقاطعة، الآن وبعد أن جاء بعد غد نفسه هل لا زال الباز في تلك المحطة؟ إنني لا أستنكر، إنني في اندهاش عظيم!
حسنا، لا أخفي أن مداخلة الأستاذ عادل بنيرانه صدا لنيراني حوت فوائد عديدة بمجرد محاولة التأسيس للاختلاف بيننا وذكر ما دار، وأعتقد أن الفائدة الأكبر هي إظهار لأي مدى يختلف الناس –ونختلف- في إدارك نفس الواقعة! فالأستاذ عادل ينظر للانتخابات كقطار صفّر يسير بمن حضر ويركب فيه (الجادون) ويتخلف عنه (النائمون)، بينما ننظر للانتخابات كمحطة قاطرات فيها قطارات عديدة ولكل وجهة هو موليها. فهناك قطار يقل الركاب للديمقراطية الحقيقية، وآخر يقل ركابه للأوتقراطية بلبوس ديمقراطي. فحينما تذهب للمحطة عليك لو كنت متيقظا التأكد أى وجهة ذاك القطار موليها! خط السير لكل محطة يمر بمحطات معينة. القطار المتجه للديمقراطية يمر بالمشاركة والتوافق بين اللاعبين الأساسيين وأهمهم الأحزاب التي تتنافس فيها، وهي من نوع ما يسمى أن (العملية) أهم من (الناتج)! فلا يهم من يفوز في الانتخابات؟ ولكن يهم كيف عقدت؟ هل تم الاتفاق على قانونها ومفوضيتها وكافة إجراءاتها؟ أم كانت إملاء! هل كان التسجيل نزيها؟ هل ابتعد عن استخدام إمكانيات الدولة.. هل ضوابط الاقتراع كافية..الخ؟ وفي حالة القطار المتجه للأوتقراطية بلبوس ديمقراطي تصير الانتخابات قاطرة للتأكيد على الأوضاع القائمة أو تزييف الإرادة، وهنا فإن النتيجة أهم من العملية ولا يهم كيف اتفق الناس على التسجيل أو الترسيم أو القانون أو المفوضية أو ضوابط الاقتراع أو الرقابة ولكن المهم أن يفوز الرئيس المظفر!! الانتخابات إذن ليست سواء، هناك انتخابات حرة ونزيهة وهناك انتخابات مطبوخة! الانتخابات حسب ما نراها عملية تقتضي الجدية فيها ألا يقوم القطر بمن حضر كما عبرت المفوضية، وبهذه الفكرة فإن (الداقسون) فقط هم الذين يركبون قطارا لا يعلمون اتجاهه. وهذه الحقيقة ظهرت للعيان بشكل لا يغالط فيه إثنان، راجع قارئي الكريم مقولة الأستاذ محجوب عروة الذي كتب في 9/4 لا للمقاطعة ثم كتب (شيء مؤسف) (السوداني/الأحد 18/4/2010م) وقد وصف نفسه ضمن من ساروا بركب الانتخابات ورموا الآخرين بكل سوء، بأنهم كانوا (مغفلون نافعون!) .. أصلا نحن لسنا معنيين بخوض أية انتخابات (أخنق فطّس) فإن لم تتم الانتخابات ذات الاسم إذن (يفتح الله) وهذا ما كان بالنسبة لكل حزب يحمل لبا سليما داخل جماجم رؤوس مسئوليه!هذه واحدة.
الثانية: هناك خلط كبير في قول الأستاذ عادل (أغرب ما ذكرته رباح في مقالتها عن المذكرة حين قالت إن حزب الأمة طالب بالاستجابة لشروطها وليس التنفيذ ظرف الأسبوع!! إذا تبقى من الزمن المتاح للانتخابات أسبوع فكيف تتم الاستجابة لشروطها ولا يتم التنفيذ؟) وأنا كنت أشير هنا لمقال أقدم لعادل عقب فيه على مذكرة ومسيرة الأحزاب للمفوضية، قلت: (الأستاذ عادل في التعليق على مذكرة الأحزاب للمفوضية سخر وقال كيف تطالب الأحزاب الاستجابة لمطالبها التي رآها مستحيلة في أسبوع وقد رأينا أنه وآخرون ساهموا في تلثيم رؤى المفوضية الملثمة أصلا بالهوى المؤتمر وطنجي فقامت بنشر ردها الفضيحة الذي كررت فيه منطق أستاذ الباز من استحالة تنفيذ المطلوبات في أسبوع بينما مطالبة المذكرة أن تتم الاستجابة وليس التنفيذ في ظرف الأسبوع والفرق ظاهر.) وهنا لم أكن أشير لشروط حزب الأمة القومي كما هو ظاهر بل مذكرة الأحزاب في 4/3/2010م، فالأحزاب كانت تنتظر أن تجتمع بها المفوضية بعد أسبوع (أي في 11/3/2010م) على أقصى تقدير لتقول لها إنها ستستجيب لمطالبها وستؤجل الانتخابات حتى نوفمبر 2010م وتقوم بالإصلاحات اللازمة، أي ستنفذ في بحر ثمانية شهور وليس أسبوعا!
الثالثة: شروط حزب الأمة التي لا يزال عادل يستنكرها ويرى أنها كانت مجرد مناورة بان مدى صحتها. عادل لم يقرأ شروط حزب الأمة من مصادرها الرسمية وأضاف لها حل المفوضية عن طريق الخطأ كما أضاف لها خطأ طباعة أوراق الاقتراع بالخارج وهذا سنعلق عليه لاحقا بإذن الله. شرط التأجيل لأسابيع نادى به مركز كارتر لأسباب لوجستية اتضحت جليا لاحقا، وقال السيد عمر البشير لن نؤجل ولا ساعة وقالت المفوضية لبيك وسعديك! ولكنها اضطرت للتأجيل ساعات بل يوما كاملا وعدة أيام في بعض المراكز، ثم ها هي تؤجل لشهرين في 33 دائرة بسبب الأخطاء المسماة فنية، الاستجابة كانت ممكنة وطالب بها كثيرون داخل البلاد وخارجها. وكذلك شرط التمويل الذي قطع عادل باستحالته، طالب به حزب الأمة واستلم جزءا من مستحقاته! وهكذا بقية الشروط. كرر الأستاذ عادل قوله (ثمانية شروط قبل أسبوع فقط من الاقتراع يدرك هو وحزبه أنه يستحيل الاستجابة لها وما جدوى المناورات في هذه الأوقات القاتلة؟)...و(هل يصدق حزب الأمة نفسه إمكانية تحقيق هذه المطالبات؟ أليس هذا أفضل من مهزلة الشروط التي يعرف الإمام قبل غيره أن المؤتمر الوطني لن ينظر إليها؟) نعم كان الحزب يراها شروطا مخففة للغاية ويتوقع الاستجابة لها بالكامل ولم يناور البتة، وكان رئيس الحزب راضيا عن درجة الاستجابة وقيمها بأنها 90% ولكن المكتب السياسي رأى أن الشرط الأساسي وهو التأجيل لأسابيع هو شرط صحة لكل الشروط المتبقية التي تم قبولها، فاتخذ موقف المقاطعة ونحن نحمد الله الآن ألف مرة أنه لم تتم الاستجابة الكاملة، إذن لكنا تورطنا في هذه (الكوشة) ولتحسسنا (القنابير) كما فعل بعض الآسفين من نتانة المستنقع الانتخابي الذي خاضوا فيه الآن! لا مسوغ برأينا لموقف الباز أن الحزب كان يدرك أن الشروط مستحيلة، وأن ذلك موقف عبثي أو مناورة، هو الذي رآها مستحيلة وظل يراها مستحيلة حتى بعد أن تيقن له أن التفاهم حولها كان معقودا وأنه تمت استجابات! ثم ثبت أن العبث بعينه كان هو الاشتراك في الانتخابات بأي حال وعدم التوقف لدى الاشتراطات اللازمة لانتخابات نزيهة!
من حقك أن تفكر بحرية وترى ما تراه ممكنا ممكنا وما تراه مستحيلا مستحيلا، ومن الظلم أن تحمل الآخرين قسرا على حمل رأسك التي تحملها فوق كتفيك، على أكتافهم التي يحملون فوقها رؤوسهم هم! .. قال عادل (إنهم يستخفون بعقولنا يا جماعة والله الشعب أذكى ما تظنون!) والشعب- أو الجزء الأكبر منه- يفكّر برأينا بهذه الطريقة التي تقول لا لانتخابات مطبوخة وليس بطريقته المؤيدة للانتخابات بأي حال، ولهذا وجد قرارنا بالشروط ثم المقاطعة ارتياحا شعبيا عارما، فلا جدوى من أن يسوق لنا الأقلام التي استنكرت موقفنا، لأننا نستطيع المقارنة بين السخط الذي لاقاه الحزب الكبير الذي اشترك ثم عض أصابع الندم والشعبية التي وجدها موقفنا، ولا يستطيعن أحد الحديث عن الشعب هكذا مطلقا، وإلا احتجنا (لانتخابات) لمعرفة أين يقف ذلك الشعب المتحدث باسمه، بشرط ألا تكون (طبخة نافع) كما قال الهتاف الشعبي الشائع!
عقدة المسألة أن من حق أي كاتب أن يرى رأيا مخالفا لهذا الحزب أو ذاك وينتقد أسلوبه، ولكن من الظلم افتراض أن ذلك الحزب يفكر بذات طريقته أو أن تلك الطريقة في التفكير هي الوحيدة الممكنة والحزب الذي يأتي فعلا غير متسق مع قراءة الكاتب يناقض نفسه!.. نريد طريقة تفكير تقبل التعددية طبعا وتفترض أن بالدنيا آراء كثيرة ومتعددة ومتخالفة جديرة بالاتباع! وحتى لو لم تكن جديرة بالاتباع أو فيها قصور في الرؤية، فلنعترف بوجودها ومخالفتنا إياها بدلا عن الإصرار أن الجميع والشعب برمته لا بد يرى ما أرى، وأن حزب الأمة نفسه يائس من شروطه التي قدمها ولكنه يناور! هنا بقدرة قادر يتم نقل المسألة من حديث حول مناقضة حزب الأمة لقراءة عادل الباز مهما كانت صحتها، لحديث حول مناقضة حزب الأمة لنفسه لأن عادل الباز يفترض أن فكرته (استحالة الشروط) هي ما يدركه حزب الأمة في قرارة نفسه و(يقطع دراعه) أن الشروط مجرد مناورة وعبث!!
نواصل بإذن الله،
وليبق ما بيننا
نشرت بصحيفة الأحداث الأحد 25 أبريل 2010م
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]