ومضى الفقير لله هاشم عبد الرزاق الى حيث سنمضى

 


 

 

 

1

فجر الجمعة 14 ذى القعدة 1439 هجرية الموافق 27 يوليو 2018 ميلادية، فاضت روح السفير هاشم الى بارئها ليلتحق بابنه احمد الذى غادر الفانية خلال الاسبوع الثانى من رمضان الفائت.
حين نقلت لنا الاسافير نبأ رحيل ابنه ، كنت بعيدا عن أرض الوطن ، ارسلت له تعزية مطولة...اؤكد فيها بأن ما لديه من بعد ايمانى عميق سيجعله قادرا على تخطى هذه الصدمة .المهولة والخطب الجلل. ارتحت كثيرا حين علمت من زملاء لنا وفدوا الى ام ضوا بان لتقديم العزاء بأن هاشما متماسك وثابت جنانه...و بعد هنيهه استلمت ردا منه على تعزيتى يشكر الله ويلتمس من ان يجعله قادرا على اجتياز هذا الابتلاء قائلا " اللهم ارحم ابنى أحمد وأجعله فى عليين من الشفعاء يوم الدين "

2

فى الرثاء الذى دبجه الزميل كازميرو رودلف..أشار بأن الراحل فد علق على رحيل ابنه قائلا --موت الجنا حار--، و من عايش هذه التجربة المريرة يعلم ان ألم الفقد يسرى فى العروق، و يهز الوجدان.. عندما يغيب عن ناظرى المكلوم من كان يملآ الدار حياة وأملا..و كان المراد المرتجى لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه فى حياته تلك المحدودة..و لاشك ان هذا الفراق المفاجىء ..رغم الايمان ... كان له الاثر السلبى فى التدهور لصحته التى لم يفصح عنها ليلحق بفلذة كبده.
حين أتانى خبر هذا الحادث المشؤؤم فى طريق مدنى الخرطوم ، تراءت على ناظرى مئات بل الآلآف ضحايا هذا الطريق التى أصبحت كجبهة حرب تلتهم فلذات اكبادنا ، و يكاد لا يخلو مكان فى أرض المحنة والمحن و ما جاورها من اعزاء فقدوا عبر حوادث دامية. وتأتينا انباء باتفاق تم لتحويل هذا الطريق الكارثة الى مسار مزدوج يتمشى مع مواصفات الطرق البرية و ما زلنا فى الانتظار.
وأنا اسرد هذه الوقائع لا انسى الاسى والحزن الذى كان قد اكتسى وجه زميلنا الراحل السفير محمد محمود ابوسن حين فقد فى ذات الطريق زوجته جميلة وشقيقها ... و من ثم لحق بهما بعد فترة لم تطل، والامر يحتاج فعلا الى وقفة جادة ..حتى ولو دعت الظروف الى هدم الاسفلت ليبقى ..كما كان فضاءا مفتوحا على طبيعته!

3

عرفت هاشم منذ ان وطأت قدماى وزارة الخارجية أواخر العقد السابع من القرن الماضى ، ولأن فى روحه ذاك البعد الروحانى المستمد من البيئة الصوقية التى ترعرع فيها...أحبه كل من عمل معه .. بمختلف مستوياتهم، و قر الكبير واحترم الصغير وأعانه. أخلاق رفيعة استمدها من بيئة التصوف النقية، و من خلال الحوار الممتع الذى اجراه معه الاعلامى مصعب محمد على تحت عنوان ( حوار السجادتين الحمراء والخضراء )فى السابع من اغسطس 2015 ..مع ( الفقير لله ) هاشم عبد الرزاق نشرت فى صحيفة أخر لحظة..برزت ومضات من افكاره وقناعاته، تسمية " الفقير لله " أطلقت على فقراء المتصوفة الذين يبغون رضا الله و ينشدون الآخرة، ولانه من اؤلئك القوم.. كان يترك فيلته فى حى الصافية شمال المتاخمة لشمبات و يهرع الى أم ضوا بان عند مسيد ( الدبليبة) وعلى بوابتها كتب - العندو محبة ما خلى حبة ---مسيد طوره و رعاه الشيخ العبيد ود بدر الذى عكف على تدريس واطعام طلابها ، واستمر ابناؤه وأحفاده فى احياء نار القران التى ظلت مشتعلة منذ عشرات من السنوات
وفى متن هذا اللقاء ربط هاشم بعمق ودراية ما بين. السجادتين الحمراء ( وهى التى تفرش لا ستقبال الرؤساء والسفراء) والخضراء (هى راية المتصوفين..) اى بين المهام الرسمية والتماهى مع التعاليم الصوفية..مشيرا بأن الانسان تحت الراية الخضراء تمتلأ روحه بحب الناس
وتقديم العون للمحتاج..والارتباط الوثيق بالذات الالهية ، وكلها صفات لو توفرت للمنضويين تحت الراية الحمراء لأعانتهم لتحقيق مايفيد، و عن ولعه بالاطلاع والقراءة قال بأنه ومنذ بلوغه الثامنة من عمره داوم على القراءة ؤ يجافى التوم عينيه لو لم يطلع على بعض من السطور من كتاب يختاره..مضيفا بأن الاطلاع المستديم والجوس فى بطون الكتب والمراجع لا بد ان تكون من عادات اى دبلوماسى .

4

هاشم نتاج التربية الصوفية التى كان لها الاثر البائن فى بروز الشخصية السودانية التى عرفت بالتسامح والود والكرم، واى قارىء للتاريخ يعلم ان تعاليم الاسلام السمحة فى الدعوة بالتى احسن والابتعاد عن الغلو الذى تشربت بها اوردة ابناء وبنات السودان كانت تعاليم...من شيوخ المتصوفة الاجلاء الذين جمعوا ما بين الثقافتين الصوفية والعلمية، و عبرالومضات التى برزت فى ذاك الحوار بين السجادتين..تحدث هاشم عن علاقته بالشاعر محمد المهدى مجذوب ..الذى كان يلملم أوراقه مغادرا وظيفته الحكومية كمدير للحسابات .. عندما ولج للخارجية .. وحين امر المجذوب باخلاء منزله الحكومى بعجلة قال( يا ود الشيخ قاتل الله شغل الوظيفة فانه يطول قبحا ) ليتمم جملته ( و يقل ربحا و يطول مغرمه ، و يجمعك مع من لا تلائمه )..، والشاعر محمد المهدى مجذوب سليل لسرة المتصوفين كان بجانب المفكر الصوفى العلم محمودمحمد طه فى الدعوة الى الحزب الجمهورى...و رحل قبل ثلاث سنوات من ذاك الرحيل المأساوي للشيخ الذى جاوز السادسة والستين من عمره. ، ومما يحزن ان تبرز على الساحة عداوات ضد قبيلة المتصوفة بمختلف فرقهم، و صحيح قد تكون هناك بعضا من التجاوزات من عامة يهولون من مقدرات شيوخهم لدرجة اقرب للشرك ولكن ليس من العدل تعميم هذه الظاهرة.

5

اخى هاشم لقد مضيت كالشهاب من سمائنا فقد عاهدناك طيب القلب ، وسبحان الله كنت اتوقع ملاقاتك بمسجد التقوى لأواسيك عن قرب فى نقس يوم رحيلك الابدى ...واتذكر حين كنا نلتقى و نتجاذب اطراف الحديث .. لقد كان للحديث معك متعة .لا تعادلها متعة وأذكر زيارتنا سويا للزميل الراحل نصر الدين احمد محمد بمنزله حيث تواعدنا ان نلتقى كل بعد فترة ...ولم تتح لنا ظروف الحياة الضاغطة الا اللقاءات العابرة ...لقد مضيت مبكرا فالجرح فوق الدمع


salahmsai@hotmail.com
////////////////

 

آراء