ياسر عرمان .. شاعرٌ يُشقُّ له غبار!!

 


 

 


ياسر عرمان .. شاعرٌ يُشقُّ له غبار!!
و(هُذروفٌ) مشْيٍ لا طيران!!
محمد وقيع الله
( 1 من 2)

أخيرا ادعى الدَّعي الذي يدعى ياسر عرمان أنه قد أصبح  شاعرا (يشق له غبار!!)
وأخبرنا بأنه كتب من واشنطون – لندن في مارس- ابريل 2011م ما زعم أنها قصيدة شعرية أعطاها عنوان (نضوب البحر أي جواز سيحمل عبدالفضيل الماظ) صك فيها أسماعنا بجنادل اللفظ وغث القول ورثه وحشد فيها ضروبا من الجمل الفاسدة المتهالكة التي لا تمت لفن الشعر بصلة.
وكعادة هذا الشخص الموهوم المتباهي المتفاخر والمولع بتضخيم شخصيته الضئيلة بوسائط النشر والإعلام احتفل احتفالا واسعا ذا صدى بمولد (قصيدته) المزعومة معلنا عن انتهائه من نسجها وتلفيقها وكأنه قد برَزَ وبرَّزَ وبَزَّ سادة الشعر وكهنته بواحدة من الخرائد الفرائد يتامى الدهور.
وأنبأنا عن موعد نشر قصيدته المدَّعاة بالتزامن في وقت واحد بعدد من الصائحف ووسائط النشر بالسودان وخارجه.
كل ذلك مع أن كلماته المنسوبة زورا لفن الشعر يستطيع كل من عرف قدرا ميسورا من مفردات قاموس اللغة العربية أن يرصف عشرا من أمثالها كلما أراد.
وقد جاءت قصيدة عرمان الخرمان مكتظة بألفاظ (الدوغما) الطنانة الرنانة الهتانة وعبارات السياسة اليومية المباشرة البعيدة عن لغة الأدب بعد أقاصي المشرقين عن المغربين.
ويمكن للناقد الأدبي أن يصنف هذا النص (الشعري) العرماني حسب أغراض الشعر العربي - إن أدرجه فيه تساهلا وظلما للشعر العربي الأصيل - في باب الاستجداء والاستعطاف.
فموضوعه الأساسي استجداء واستعطاف حار للرأي العام السوداني الشمالي لكي يمنح جوازات سفر للجنوبيين المغاضبين المغادرين الذين لم يرتضوا السودان وطنا ولكنهم أحبوا جوازات سفره وأرادوا الاستمتاع بها في حال الحل وحال الترحال!
واستخدامها للتآمر على السودان الشمالي بتكوين طابور داخلي يكيد له ويتربص به الدوائر.
ولأجل تسويغ هذا الصنيع الشنيع وتسويقه في مرابد الأدب حشد عرمان الخرمان اسمي بطلي الوحدة السودانية بل بطلي وحدة وادي النيل الشهيدين عبد الفضيل الماظ وعلي عبد اللطيف في زمرة من يطلب لهم جوازات سفر من الحكومة سودانية.
وبهذا الوزر والزور والتزوير والانتحال المكشوف والاختطاف المشبوه لاسمين من أسمى الأسماء الوطنية السودانية ومصادرتها لصالح البطلان الانفصالي الجنوبي استهل الشاعر المدعو عرمان قصيده قائلا:
الماظ يشرب قهوته الأخيرة قبل الغروب
يلتقي أمه من المورو مرة أخري وأخيرة
فيا لهذا من قول ركيك بارد لا معنى له ولا رمزية فيه!
وإلا فما معنى وما رمزية شرب القهوة في هذا القول، وما معنى وما رمزية شربها قبل الغروب أو بعده أو في غضونه؟!
وما رمزية أن يلقى البطل الماظ أمه، التي حرص هذا الشويعر الذي يدعي التزام القومية السودانية الجامعة، ويتفاخر بالدعوة إلى ما يدعوه بالسودان الجديد، القائم على آصرة المواطنة وحدها، على أن يذكرنا بأنها تنتمي إلي قبيلة المورو؟!
إن هذين البيتين الباهتين لم يشتملا على معنى شريف، ولا على مغزى باهر وضيئ، من مضمَّنات السياسة أو القومية أو الوطنية السودانية.
وليس لهما من جزالة اللفظ ولا حسن التصرف نصيب، وليس لهما من أنداء الفن وماء الصورة رُواء.
وإنما هي ألفاظ عجاف تراصت وترادفت وتراكمت عبثا وهراء، ولا يدري لها شاعرها الذي صاغها معنى رمزيا موحيا، ولا مضمونا محررا، هذا إن كان لها رمزية أو مضمونا على الإطلاق!
ولكن هكذا يتقمم الشويعر عرمان الوهمان ألفاظه ويلتقطها من تحت أقدام السابلة في قوارع الطرقات.
هذا وإذا كان شعراء الضاد يحرصون على تجويد مطالع قصائدهم بحسبانها مداخل لاجتناء جواهر الشعر واقتناء كرائمه، فقد وطنا أنفسنا منذ البدء بسبب من خيبة عرمان التي بدت واضحة في فشله في تحسين مطلعه، على معاناة كل هراء مهترئ مما يأتي في معرض شعره المُدَّعى.
ومن ذلك قوله:
ينظر ملياً لعبيد وثابت
قبيل المساء
صباح يوم الاستفتاء
يتذكر أن أباه من النوير
صباح الخير
ولقد خطر لي وأنا أطالع هذه (الأبيات!) أن قائلها طفل حدث غرير، ثم قلت لنفسي إن الطفل مهما كان غريرا قد يكون أرهف إحساسا، وأذكى تفكرا، وأهدى تبصرا من ياسر عرمان الذي جاء بهذا الهذيان.
فالطفل الحدث الهين أفطن وأكيس من أن ينزلق إلى هذا المهوى المسف، وأحصف من أن يردد قولا كهذا اللغو المستخف.
وإنا لا ننتظر من طفل مهما بلغت طفولته أن يقول على سبيل التمثيل: إني استمتعت هذا الصباح بهواء عليل ونظرت إلى هذا المنظر الجميل قبل أن يأتي المساء الطويل!
لأنه يعلم قطعا أن الكل يعلم قطعا أن الصباح يأتي كل يوم عادة - وبداهة - قبل المساء.
ولكن عرمان الخرمان لا يبالي أن ينطق بذلك ربما لأن لديه مفهوما آخر للزمان!
مثلما كان وربما لا يزال يحمل مفهوما آخر (جديدا) للمكان الذي يدعى بالسودان!
ثم ما أحلى هاتين الشطرتين المسجوعتين اللتين كادتا أن تستحيلا شعرا عربيا لولا خلوهما من المناسبة والمعنى والمغزى.
وهما الشطرتان المتناهيتان بعبارتي النوير صباح الخير!
فهاهنا كاد (الحداثي) أو ربما (بعد - الحداثي) ياسر عرمان أن يصبح شاعرا ملء أسماع الزمان.
أي شاعرا مثل شعراء التاريخ المملوكي والتركي، و(شعارير) فترات فتور الشعر العربي وانحطاطه إلى تحت الحضيض!
والشعرُ صعبٌ وطويل سُلُّمه       إذا ارتقى إليه مَن لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه         يريد أن يعربه فيعجمـه!
ولدعي الشعر عرمان أن يختار بعد ذلك موضعه في واحد من مرابع الشعراء الأربعة المعروفة.
وعليه أن يعتزل الرَّبع الأول لأنه رَبع الشاعر الذي يجري سباقا في المقدمة ولا يدانيه أحد ولا يشق له غبار.
وعليه أن يحتل مكانه الطبيعي في الربع الأخير  لأنه ربع الشاعر الذي يشق له غبار:
فالشعراء في الزمان أربعه              شاعرٌ يجري ولا يُجرى معـه
وشاعرٌ يُنشد وسط المعمعه                وشاعرٌ من حقك أن تسمعـه
وشاعرٌ من حقك أن تصفعه!


( 2 من 2)

وإذا كان نقاد الشعر الكبارمن أمثال الإمام عبد العزيز الجرجاني، والإمام عبد القاهر الجرجاني، وابن رشيق القيرواني، وقدامة بن جعفر، وابن طباطبا العلوي يأخذون على الشعراء الاسترسال أو (فضل) القول من دون إضافة معنى ذي قيمة، فإن ياسر عرمان لا يأبه بهؤلاء النقاد العظماء، ويستنكف أن يتقيد بموازينهم النقدية أو يخضع لما يحكمون فهو متمرد على كل قيد حتى ولو كان من قيود الفن التي بلاها لا تكون فنون!.
وهو ثائر يريد أن يحرر الشعر ويرسله طليقا من قيود الوزن والقافية معا.
مثلما أراد أن يحرر السودان ويرسله طليقا من قيود الدين والأعراف والقيم الرفيعة التي يتفق عليها جميع الأتقياء من أهل السودان.
وهو يسعى إلى أن يشيد نمطا من الشعر جديدا مثلما أراد أن يبني السودان الجديد.
ولذلك رأيناه يخبط في الهذيان، ويبسط نوافل القول الهذر بلا عنان، من مثل فضول حديثه المستأنف عن البطل الماظ الذي زعم فيه أنه:
أفاق علي السؤال عن الذات
إلي أي شعب ينتمي
إلي الجنوب أم الشمال
الشمال أم الجنوب
أم إليهما معاً
إلي الأرض أم السماء
إلي الإنسان أم الفضاء
فها هو يكرر وصفيْ: الجنوب أم الشمال، الشمال أم الجنوب، وكأنما هنالك معنى مستجدا مستفادا أو مستطرفا في هذا التكرار.
ثم يناظر هذا (الشويعر) في شطر له بين متناظرين هما الأرض والسماء، ثم يجئ  في عجزه بتناظر بين غير متناظرين هما الإنسان والفضاء، غير متنبه ولا متفطن أن الفضاء هو السماء!
هذا وإذا كان النقاد القدامى قد قالوا: يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره (أي للناثر)، فإن ابن عرمان يزعم فيما يبدو أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره من الشعراء المحدثين وما لا يجوز لعموم جمهرة الشعارير اللاغطين!
ولذا فهو يَسدُر في سرده ولا يُقدِّر في السَّرد.
وكان مثيرا أن ينقلب ياسر عرمان إلى داعية ديني وأن  يدعو بدعوى سيدنا سيد قطب الشهيد التي أوردها في فصل (عقيدة المسلم جنسيته) في كتابه الذائع الذكر (معالم في الطريق) وهي الدعوى التي تجعل آصرة العقيدة وحدها أساسا للمواطنة.
وقد ردد ياسر عرمان هذه الفكرة غير السديدة في شعره المزعوم فقال:
بعد أن أدينا الصلاة
لإله واحد
دون حديث عن الألوان
فقد صلينا معاً لذات الإله
هل سيسأل الله عن ألواننا بعد أن أعطاها لنا
إن الأرض فسيحة بقدر الحقيقة
نحن عبدنا ذات الإله عند الصباح
في رحلتي الاخيرة للفضاء لم أعد ولم تلتقطني
ها أنت تحرمني الأخوة
كنا معاً أتذكر أحلام عودتنا لبلال وسلمان وصهيب
هذا وإذا كان ياسر عرمان يتحدث عن نفسه بهذه (الأبيات) السمجات فقد كذب، وإيمُ الله، فما رآه راءٍ ببيت من بيوت الله يؤدي الجمع ولا الجماعات.
وإذا كان عرمان قد ادعي أنه يتعبد لذات الإله (وهي العبارة التي اختلسها من مذكرات مالكولم إكس) فلماذا نكص على عقبيه ورفض التعبد لذات الإله بتحكيم شرعه وإطاعة قانونه في عموم مناحي الحياة؟!
ودعا دعواه المنكرة إلى إباحة الزنا للأنام؟!
وأما إذا كان عرمان يتحدث في (شعره) عن أناس غيره، قاصدا بعض الجنوبيين المسلمين، فلماذا يتحدث باسم من قرروا أن يصوتوا لفصل الوطن وتقسيمه؟!
ولماذا يستجدي لهم جوازات سفر من الوطن الذي قلَوْه ونبذوه؟!
وأما إن كان عرمان يتحدث  فقي (شعره) عن أناس غيره، قاصدا عموم المسلمين بشتى بقاع الدنيا، فلماذا يطالب لكل واحد من مسلمي العالم، الذين تجاوز عددهم المليار ونصف المليار إنسان أن ينال جنسية السودان وجواز السودان؟!
فهذا مما لا يجوز في الأذهان.
وإن كان يجوز لأرباب المراء والمداهنة والمغالطة والمعاجزة في آيات الله تعالى من عشاق شعارات الحداثة الباهتة من أمثال ياسر عرمان!
ولكن لو جاز لياسر عرمان كل شيئ فلا يجوز له نظم الشعر.
وهذا ما قيل لسلف له من دعاة النقمة والخراب، وهو نيرون روما، الذي أحرق عاصمته وأخذ يلهو برثائها بالشعر.
فقيل له إن الشعب قد يغفر لك يا نيرون كل جرائرك التي أتيت بما فيها جريرة حرق البلاد.
ولكن الجريرة الوحيدة التي لا يمكن أن يغتفرها لك الرومان، وهم أرباب الفن الأسمى، هي أن تدعي أن لك نسبا بالفن وأن تتجه لصوغ الشعر!
وهذا القول بعينه هو ما ينبغي أن نوجهه لقطب الدمار والتمرد والعصيان ياسر عرمان.
ولكن قد هان الشعر العربي وانهارت دولته  منذ أن اجتاح الحداثيون الخلاعيون الغثائيون دولته ودعوا وادعوا أنهم بصدد تحريره من قيود التقليد.
ولعمر الحق فإنه لا يوجد فن ليس له قيود.
وكا قال سيد الحكمة والفكر والشعر  عباس محمود العقاد فإن كل فن له قيود لازمات:
فالرقص مثلا ضرب من المشي، ولكنه يصبح فنا عندما يلتزم ببعض قيود الفن.
والغناء كلام، ولكنه يصبح فنا عندما يلتزم ببعض قيود الفن.
فكيف يصبح الشعر فنا وهو لا يلتزم ببعض قيود الفن؟!
وكيف يصبح الشعر فنا وقالته، من أمثال عرمان، يزمعون أن يتحرروا من كل قيود الفن؟!
وكيف تجدي المغالطة البينة، من عرمان وأضرابه من أهل الهوان، في تسمية مثل هذا الضرب من القول بالشعر الحر أو شعر النثر؟!
كلا! وإنه قد أصبح كلاما نثريا متكلفا رديئا بعد أن تخلص من قيود الفن!
وإنما وصفناه بالتكلف والرداءة لأنه فقد طلاقة النثر وعفويته بعد أن فقد قيود الشعر.
وأصبح كالهُذروف طائرا يمشي ولا يطير.
وليس ثمة فن يستطيع الإبداع فيه كل من هب ودب، ويجول فيه ويصول كل من لا دربة له في اللغة ولا ملكة له في النظم من الأساس؟
وحتى في أيام صفاء اللغة العربية في عهد الجاهلية الأولى ما كان عدد شعرائها بضخامة شعراء الضاد اليوم الذين ترزؤنا الصحف اليومية بأشعارهم المفتراة.
وهو الكم الضخم الذي يتسارع ياسر عرمان ليلحق بأفراده في وسط يشق فيه الرهج والنقع والغبار.



mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء