ياسر عوافي عليه

 


 

د. صديق أمبده
31 January, 2021

 

 

 


طفرت من عيني دمعة وتبعتها دمعات وانا استمع إلى فيديو صغير أرسله لي قبل أيام الصديق مدني مالك (من أبناء بارا). تنساب الي أذني كلمات الحكًّامة وبقية النساء يردِّدن خلفها:
ياسر وصل زي فريع البانه
بقطع تذاكر وبجي عشانه
عوافي عليك يا ياسر
لقطات الفيديو والغناء كانت تسجيل للحظة تدفق الماء من بئر أُرتوازية قام بحفرها السيد/ ياسر لقرية من قرى دار حامد ريفي بارا ، وياسر هو إستشاري وصاحب محل معدات لحفر الآبار ببارا ومن الخيِّرين. لبست نساء القرية أزهي ثيابهن والبعض كان يحمل الجركانات التي حلّت محل القِرَب الجلدية (جمع قِربة) التي كانت تجلب بها النساء الماء من الآبار على بعد عشرات الكيلومترات. غنَّت أولئك النسوة بثيابهن البهيجة وكأنهن في عرس أحد أقاربهن أو طهور أحد أبنائهن ، غنَّن لياسر لأنه (قَدّ) بتشديد الدال (أي حفر) لهن بئر ماء في جوار القرية فتأمَّل. كان الغناء عِرفاناً بجميله بحفر البئر، بتوفير جرعة ماء للأطفال الذين كانوا أيضاً متحلقين حول البئر الجديدة التي " يا دوب" إرتفع منها خزان المياه على قوائم حديدية وتم تركيب خلايا للطاقة الشمسية. .
فرح حقيقي بزغاريده وثيابه المزركشة بسبب حفر بئر مياه ونحن في نهاية الربع الأول من القرن الواحد وعشرين . ماذا تقول وكيف تعتذر لأهل الرِّيف، الحكومات المتعاقبة على امتداد أكثر من ستة قرون على الاستقلال، وما زالت النخب السياسية المتوارثة للحكم والتي تحمل وزر ذلك تقتتل ، حتي الان ، علي كراسي الحكم دون برامج ودون التزام بتحقيق الحاجات الاساسية للفقراء والمحتاجين أكثر من غيرهم للماء والدواء والتعليم. خيبة عليكم أجمعين . الف عوافي عليك يا ياسر .
يستمر الغناء:
ياسر دا نور شَلَع بيتنا
الليلة بنعزّوك زي ما عزيتنا
عوافي عليك يا ياسر
*********
ياسر دي..... كل الناس مقتنعه بي
كسر البحر . . كسر البحر . . فرحانه بي
عوافي عليك يا ياسر
انظر إلى هذا الود الصافي الذي تبادله القرية بأسرها لياسر، النساء والأطفال والرجال، كلهم أجمعين. النساء يقلن (الليلة بنعزٌّوك "بتشديد وضم الزاي" زي ما عزَّيتنا) وهذه بلاغة في رد الجميل لا يدرك عمقها كثيرون . في الريف ومع الظلام المُطبق عند هطول الأمطار والرعد يهدر يشلع البرّاق فيُضئ الدنيا من حولك بنوره الساطع . ياسر عزّ "من العِز" أهل القرية بحفر البئر فكأنما أنار منازلهم مثل ذلك البرق، والنساء على طريقتهن "يعِزًّنو" بجميل القول ويخلِّدن ذكره بغناء من القلب . إن الود والعرفان الذي لهجت به بُطينات قلوب أولئك النسوة وحمَّلنه أغانيهن هو قطعاً شئ لا يُشترى .رحم الله أمل دنقل الذي صَكَّ "هي أشياء لا تشترى".
صديق امبده
30/1/2021


sumbadda@gmail.com

 

آراء