مُدْخَلاتُ التَّهَيُّؤِ، فَاسْتِجَابَاتُ الرَّحِيْلِ (12)

 


 

 

 

dokahassan@yahoo.com

"... الآن بَحْرٌ كُلُّهُ بَحْرُ، ومَنْ لا بَرَّ لَهْ، لا بَحْرَ لَهْ.
والبَحْرُ صُوْرَتُنَا، فَلا تَذْهَبْ تَمَاماً، هِيَ هِجْرَة ٌأُخْرَى، فَلا تَذْهَبْ تَمَاما...".
(مَدِيْحُ الظِّلِّ العَالِي، للشَّاعِر الرَّاحل محمود درويش)
والنَّصُّ يحتَلُّ مِنِّي اِهتماماً عَظيماً واستغْراقاً صُوْفيّاً في ما بينَ يَدَيَّ من مادةٍ إذاعيَّة مكتوبة لبرنامج " صباح الخير يا وطني" بهُنا أمدرمان بعدَ مُنتصف عام 1989م، بمكتب المنوعات، هذا البرنامج الصَّباحي اليومي الذي يتمُّ تسجيلُهُ مساء كل يوم باستديو (أ)، والذي صار لاحقاً وحتى يومنا هذا يحملُ اسم العلاَّمة البروف عبد الله الطَّيب (طيَّب الله ثراه). ويُبثُّ البرنامج - لمدة خمسينَ دقيقةً- في الساعة السابعة صباحاً، يتخلَّلُها موجز أنباء السابعة والنصف، لينتهي في الثامنة صباحا، والذي يُعَدُّ برنامجاً أساساً ورئيساً ضمن برامج الإذاعة السودانية (هُنا امدرمان)، حيث أوْكِلَ للأستاذ المعلم صاحب الأداء الدرامي والصوت المعبِّر، واللغة الفُصحى في تمام صحَّتها، عثمان محمد صالح (الشَّايقي) مَهمَّة التَّدقيق اللُّغوي لمثل هذه البرامج من المنوعات ومن بينها برنامجنا هذا، والدراما ذات اللغة الفصيحة، ونشرات الأخبار الرئيسة. وقد كنا نستهله يومياً بشعاره الذي يشي بأهدافه، ومضامينه، وشكله، مبتدرين قائلين: " صَباح الخيرِ يا وَطَني، مَجَلَّةٌ أثِيْرِيَّةٌ صَباحيَّةٌ، تُعْنَى بالوَطَنِ، والحَيَاةِ، والإِنْسان ".

بِرَوِيَّةٍ، اِنتقتِ الإذاعةُ بدقَّةٍ معهودة فيها، وتفضيلٍ تَمايزيٍّ ورثه أهلوها جيلاً فَجيلا، حتى صار بطاقةَ تعريفٍ أَهْلاً لها، وهِي بِها تتفرَّد في الأوساط الأثيريَّة على مسارات موجاتها المحلِّية والإقليميَّة والقارِّيَّة والتي تغطي المحيط الأفريقي والعربي بل العالمي، بدفئ كلمتِهَا وصدقِها. فاختارت "مُتعاقدةً" مع مُعِدَّيَنِ رَئِيْسَيْنِ يكتبانِ البرنامجَ يوميّاً بتناوبٍ وتناغمٍ يعكسُ غايات البرنامج مع تباينُ الطَّرح على مستوياته اللُّغوية الأسلوبية،والأُسلوب كما تقول أدبيات علم اللغة التَّطبيقي، هو الإنسانُ نفْسُهُ وعيْنُهُ وبصْمتُه ذات التَّفرُّد والخُصوصيَّة، إنهما الشاعر الأديب الكاتب الصحفي الراحل سعد الدين إبراهيم (عليه الرحمة)، والباحث الموسوعي الكاتب محمد مصطفى محمد أحمد (حفظه الله، وردَّ غُربته اليَمانِيَّة)، وقد شَرُفنا - لاحقاً- بمشاركتهما إعداد البرنامج. يُذكرُ، أنَّ فترة البثِّ الصَّباحيَّة قد أُفْرِدَتْ سابقاً لبرنامجين ضاربي الشُّهرة والصِّيتِ الحَفِي هما (نَفحات الصَّباح)، والذي تقدمه الراحلةُ ذاتُ الصوت الآسر، والأداء الساحر، والأدب الباهر، ليلى محمود المغربي (رحمها لله وأثابها الجنة).و( إشراقة الصباح) السابق للنفحات، ويقدمه مع الراحلة ليلى الأستاذ حمدي بولاد.

وبينما كنتُ مأخوذاً كلِّياً، ومستغرقاً تماماً بمعالجاتٍ لُغوية لازمةٍ لمادة البرنامج، جاء مَن يدعوني لاستقبال مكالمة هاتفية وردت إلى مكتب الأخبار، كانت من الأستاذ أحمد مكي مدير مكتب أستاذنا البروف يوسف الخليفة أبو بكر الخبير بمعهد الخرطوم الدولي للغة العربية، والذي درستُ وتخرَّجتُ فيه حاصلاً على ماجستير تعليم العربية بوصفها لغةً أجنبية أوثانية، وتدْريسها للناطقين بغيرها. والمعهد مؤسسة تربوية تعليمية سودانية تشرف عليه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ALESCO التابعة لجامعة الدول العربية، ومقرها تونس، وقد تمَّ إنشاء المعهد بالخرطوم عام 1974م بناءً على رغبة السودان في معالجة مشكلات التَّداخل اللُّغوي فيه، فاستجابت المنظمة مَشكورةً وأشرفت عليه، ومازالت، موسِّعةً من مِظلَّته القاصدة لتشمل تعليم العربية للناطقين بغيرها في الدول الإسلامية، فضلاً عن الدول العربية والأفريقية والأوربية والآسيوية. وقد شرفت المنظمة بتعيين الدكتور محي الدين صابر (رحمه الله) مديراً عاماً لها في الفترة بين عام 1976 وحتى عام 1988م، كأطول مدة يقضيها مدير للمنظمة منذ إنشائها وحتى يومنا هذا. وبهذا سيكمل المعهد سن الأربعة وأربعين عاماً في أكتوبر القادم. فقد نقل إِليَّ الأستاذ أحمد مكي رغبة بروف يوسف في لقائي لأمر هام وعاجل بمكتبه صباح اليوم التَّالِي بمقرِّ المعهدِ جنوبَ خُرطومِ أواخر الثَّمانينات، وقد عرض عليَّ البروف وظيفة محاضر بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، منتظراً ردِّي بالقَبُولِ.

ونواصل

 

آراء