عند العاشرة والربع مساء يوم 19 يوليو استمع أحمد حمروش الى البيان الأول الذي أذاعه الرائد هاشم العطا, وذلك في منزل أمين الشبلي.. وتنفيذاً للواجبات التي حددها النظام الداخلي للتنظيم الطليعي "الذي مات عملياً باجراءات/ انقلاب 15 مايو 1971م بابعاد التيار اليساري من التنظيم السياسي وأجهزة الدولة" قام حمروش برفع بلاغه الى مكتب السادات مبيناً العلاقة الخاصة التي تربطه بزعيم الحركة الرائد/ هاشم العطا. وعند وصول حمروش الى منزله بعد منتصف الليل وجد أن رئاسة الجمهورية اتصلت به أكثر من مرة. وعندما طلب نمرة التليفون كان السادات على الطرف الآخر. وسأله السادات عن امكانية سفره للسودان "لمعرفة الحقيقة"!! لأنه يواجه ضغوطاً من طرابلس ودمشق معادية لما حدث في السودان وأكد حمروش استعداده. المهمة الحقيقية لطائرة حمروش في توثيق حمروش في كتابه "غروب يوليو" أنه بعد الموافقة على زيارة الخرطوم بدأت تنهمر عليه المكالمات التليفونية ومنها: * الفريق أول/ محمد صادق وزير الحربية وابلاغه بان طائرة عسكرية خاصة ستقله. * اللواء/ علي البغدادي قائد القوات الجوية. * اللواء/ أحمد اسماعيل قائد المخابرات وطلب منه محاولة معرفة الأسباب عن غياب اسم مصر من البيان الأول. * الدكتور/ عبدالقادر حاتم والذي ابلغه بأن أحمد فؤاد سيكون معه في الزيارة. وتحرك الوفد الى مطار الماظة وهبطت الطائرة الأقصر ووصلت الخرطوم بعد سبعة ساعات. و "قيل حول الطائرة المصرية التي أقلت الأستاذ/ أحمد حمروش الذي ابتعثه الرئيس انور السادات للتخاطب مع قادة حركة هاشم العطا أن الطائرة حملت أيضاً عناصر من أجهزة الأمن...." (محمد محجوب عثمان/ كتاب الجيش والسياسة في السودان) ان جعفر نميري كشف مهمة الطائرة في اغسطس 1971م وما كانت تحمله من أطقم للاستخبارات, ومعدات الاتصالات اللا سلكية.. الخ والتي كان فضل نجاح الانقلاب المضاد. راجع.. عرضنا السابق الذي لخص محضر الاجتماع المشترك بين مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء "وثيقة رسمية/ ولم يعلق عليه الأحياء من حضور الاجتماع. لقاء حمروش للعطاء وعبدالخالق -التقى هاشم العطا بالموفدين المصريين عند منتصف الليل تحت اصرارهما كسباً للوقت في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بمعسكر الشجرة حيث دار حديث طويل. وكتب حمروش: "أشهد أن هاشم العطا قال لنا انه قادم من مقابلة جعفر نميري, وكان يقرن اسمه دائماً بكلمة الرئيس أو الأخ وكان يتحدث عنه باحترام يتسق مع خلقه القويم. وعندما سألته عما اذا كانت له رسالة أحملها معي للقاهرة استمهلني للصباح حتى يتشاور مع زملائه.. وكرر ان ما تم هو حركة تصحيحية لمسار حركة مايو العسكرية.. وتأكدت من صدق حسن العلاقة بين الحركة السودانية والشعب المصري. -تم لقاء الموفدين وهاشم العطا عند الظهيرة بحضور عدد من أعضاء مجلس الثورة وكان طلبهم الوحيد: ارسال الوزراء أو أعضاء مجلس قيادة الثورة السابقين المتواجدين بالقاهرة الى الخرطوم, حيث تقرر محاكمتهم محاكمة عادلة, واكد هاشم العطا بأن أول وفد سوداني توفده الثورة سيتجه الى القاهرة التي يحرص على حسن العلاقة معها من منطلق مبدئي, وان عدم ورود اشارة لذلك في البيان الأول لم يكن عن قصد مطلقاً. أنظر: كتب محمد حسنين هيكل: "بعد انقلاب هاشم العطا مباشرة ارسلت الحكومة المصرية طائرة خاصة بها مبعوث الحكومة أحمد حمروش لينقل رسالة لهاشم العطا حول قلق مصر لسلامة نميري, وان هاشم العطا قد اخبر حمروش ان نميري سوف يقدم للمحاكمة وطلب العطا من المبعوث أن تقوم مصر بتسليم خالد حسن عباس وبابكر عوض الله للحكومة السودانية فأجاب حمروش ان كليهما في بلغراد وبرلين الشرقية ولا يمكن للحكومة المصرية اعتقالهما في تلك العواصم". (الوثائق البريطانية/ كتاب 3 أيام هزت العالم) -توجه حمروش في الصباح الى منزل عبدالخالق محجوب في ام درمان "قبل لقاء هاشم العطا عند الظهيرة" ولم يجده, وخرجت زوج عبدالخالق معه للبحث عن عبدالخالق في منزل الدكتور مصطفى خوجلي ولم تجده. -بعد مقابلة هاشم الثانية, عاد حمروش الى الفندق استعداداً لرحلة العودة. وفي أثناء تواجده ببهو فندق السودان حضر عبدالخالق. وكتب حمروش: "اذا بالصديق عبدالخالق محجوب يحيط عيني بيديه, ونعيش لحظات نادرة من الشوق المتوهج بعد شهور لم نلتقى فيها منذ حضر الى القاهرة للتعزية في وفاة جمال عبدالناصر. وروى لي عبدالخالق ما سمعه عن قصة الحركة التي تمت لأول مرة في العصر مخالفة لتقاليد الانقلابات.. وأكد لي ثقته بسلاسة العلاقة بين شعب مصر والسودان. وذلك من جهة الذين تحركوا في اليوم السابق لتغيير وجه السلطة في السودان.. ورافقني عبدالخالق من الفندق الى المطار وودعني حتى سلم الطائرة.. تعانقنا طويلاً وكانت عيناه آخر ما رأيت في ذلك اليوم". السادات لا يرغب معرفة نتائج الزيارة في توثيق حمروش: * وصل القاهرة ليلاً ووجد ضابطاً في المطار من الرئاسة أبلغه أن السادات يفضل اللقاء به صباحاً. * في العاشرة صباح 22 يوليو ذهب لمقابلة السادات في القناطر الخيرية دون أن يكتب تقريراً عما حدث.. وعندما تأخر حضور السادات كتب ورقة بكلمات موجزة, موضحاً ما طلبه منه هاشم ورفاقه, كما نبه السادات بأن يشيد بما تم في السودان في خطابه يوم 32 يوليو – عيد الثورة – ضماناً لحسن العلاقة ووقع أحمد فؤاد الى جانبه. * حضر السادات.. لم يطلع على المذكرة بل وضعها بجانبه على المائدة ولم يتحدث عن الزيارة أبداً, بل فتح موضع انتخابات نقابة الصحفيين!! إجبار طائرة الخطوط البريطانية على الهبوط وكتب حمروش: "قال لنا انور السادات في مفاجأة مذهلة أن طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل بابكر النور وفاروق عثمان حمدالله قد اجبرت بواسطة معمر القذافي على الهبوط في طرابلس.. ودهشت عندما وجدت بونا مارييف قد وصل مع الوفد السوفييتي الى استراحة القناطر..." أنظر: "ان اشتراك رولاند بدأ مع انتشار خبر سفر العقيد بابكر النور من لندن الى الخرطوم بطائرة تابعة لشركة الخطوط البريطانية في 21 يوليو 1971م وقال ضابط معلومات في ذلك الوقت.. لقد شعرت دوائر المخابرات بأنه يجب التحرك بسرعة لدعم المصالح الغربية, وايقاف العقيد بابكر النور ومن معه من الوصول الى الخرطوم. اذ انه اذا القى القبض على قائد الضباط الانقلابيين فان الانقلاب قد ينهار وينتهي...". (كتاب شتاء الغضب في الخليج/ كابي طبراني – كتاب/3 أيام هزت العالم) خطاب السادات ومحاولة وقف الاعدامات -كشف السادات في خطابه يوم 23 يوليو 1971م التواطؤ مع القذافي عندما أرسل له الفريق أول/ محمد صادق ليدير خطة انزال طائرة الخطوط الجوية البريطاية واعتقال زعماء حركة 19 يوليو "بما يؤكد حرصه على ضرب أية حركة يسارية كما النظامين الليبي والسوري". -وقال في ذلك الخطاب: "بس أنا يهمني أقول قدامكم حاجة عايز أسمعها للكل.. عايز اقول ان اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة ولد وله أسنان" وعلى أي واحد وأي قوة بتفكر انها تعمل أي حاجة في أي دولة من دول ميثاق طرابلس أنها تفكر عشر مرات". -ومن بعد الخطاب انتهزت بعض الصحف المصرية التي صرفت لها التعليمات منذ يوم 19 يوليو أن تكون على الحياد "حتى لا تعرقل مسارات عملية يوليو في السودان" للتشهير باليسار عامة والحزب الشيوعي السوداني خاصة. -وخلال هذه الفترة حاول "بونامارييف وقف الاندفاع الجنوني نحو الاعدام في السودان بالتوسط لدى أنور السادات, ولكن لم يستجب له. "وهو ما أكده أيضاً بريماكوف في كتابه الكواليس السرية للشرق الأوسط" انهيار الكيمونة في السودان كتب الصحفي/ ايريك رولو مقالاً في صحيفة اللوموند الفرنسية 20/8/71 بعنوان "انهيار الكيمونة في السودان" جاء فيه: "وحتى يتم وضع وتنفيذ مشروع التدخل في السودان, أراد الرئيس السادات أن يخدع خصمه ويضلله. فبينما صدرت الأوامر الى الصحف المصرية بالتزام الحياد الكامل بشأن انقلاب 19 يوليو ارسل الرئيس السادات في 20 يوليو أيضاً, اثنين من الشخصيات اليسارية المصرية في مهمة استعلامية الى الخرطوم حتى يبعث الثقة والطمأنينة في نفس هاشم العطا واخوانه.. وهكذا سافر الى الخرطوم أحمد حمروش رئيس تحرير روز اليوسف الاسبوعية وأحمد فؤاد رئيس مجلس ادارة بنك مصر. وهما من الأصدقاء المقربين لعبدالخالق. وهكذا أظهر عبدالخالق محجوب وهاشم العطا علامات الود والصداقة تجاه الجمهورية العربية المتحدة وأعلنا أنهما يتمنيان أن يستمر التعاون بين البلدين ولكن خارج نطاق اتحاد الجمهوريات العربية لأنهم لا يؤيدون قيامه. وأكدا أنهما لا ينويان أبداً اقامة نظام شيوعي في السودان. ووعدا بالمحافظة على حياة اللواء جعفر نميري وفقاً لرغبة السادات. وبينما كان مبعوثا الرئيس المصري يطيلان الأحاديث الودية مع الزعماء السودانيين كانت مصر وليبيا تستعدان لاسقاط هاشم العطا. وقد تم تخطيط التدخل على فترتين. فوزير الدفاع السوداني خالد حسن عباس الذي كان موجوداً في بلغراد توجه يوم 20 يوليو سراً الى القاهرة على متن طائرة خاصة. وفي اليوم التالي سافر الى طرابلس بصحبة الفريق صادق. أنظر: "تم نقل وزير الدفاع خالد حسن عباس ومعه محمد عبدالله هاشم من (بلغراد) حيث كانا في مهمة رسمية الى القاهرة بطائرة خاصة قدمتها شركة "لونرو" ثم طار وزير الدفاع الى طرابلس مع وزير الدفاع المصري حيث تمت الاستعدادات النهائية للانقلاب المضاد. وكانت الخطة تتعلق باستخدام الاكاديمية العسكرية المصرية في جبل أولياء كقاعدة للعمليات وذلك بمساعدة ضباط الجيش المصري الموجودين بالكلية.." (كتاب الاستخبارات البريطانية وعملياتها السرية في أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط/ كتاب 3 أيام هزت العالم) وفي العاصمة الليبية اكتملت العملية المزدوجة التي كان يجب أن تفتح الطريق أمام الانقلاب المضاد يوم 22 يوليو: × تحويل خط سير الطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية البريطانية والتي كانت تقل القائدين الرئيسيين للحكومة السودانية الجديدة. × نقل ألفين من رجال المظلات السودانيين في طائرات مصرية/ جسر جوي/ وأن 15 طائرة كانت قد هبطت بالقرب من الخرطوم على قاعدة تستخدمها القوات الجوية المصرية. فقد استخدم في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس 22 يوليو, أي قبل الانقلاب المضاد بعدة ساعات وليس صباح الجمعة كما تؤكد السلطات الرسمية. وعلى ظهر هذه الطائرات كان هناك حوالي أربعين ضابطاً أغلبهم من المصريين. أنظر: "منح اللواء خالد حسن عباس حرية الحركة في مصر لاجراء اتصالات على مستوى عال, ثم التحرك الى ليبيا لدراسة قيام تدخل عسكري مشترك تكون طليعته الكتيبة السودانية المرابطة في خطوط دفاع الجبهة المصرية عند قناة السويس وتدخل الكلية العسكرية المصرية في جبل اولياء وقاعدة الطيران المصري في وادي سيدنا. (عصام ميرغني/ كتاب الجيش السوداني والسياسة) أنظر: "ان الكلية الحربية المصرية التي كانت ترابط بطلابها وقواتها الادارية في جبل اولياء جنوب الخرطوم هي التي بدأت بالتدخل. ثم في طريقها الى الخرطوم انضمت اليها بعض الوحدات الموالية للنميري. وقد لعبت المخابرات المصرية دوراً كبيراً في هذا التحرك". (فؤاد مطر/ كتاب الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر) قرارات السادات يوم 20 يوليو -بعد الثانية عشر ليل 19/ يوليو اتصل سفير الاتحاد السوفييتي بالسادات طالباً الاعتراف فوراً بنظام 19 يوليو في السودان ودعمه وتثبيته ورد عليه السادات انهم في مصر لن يعترفوا بنظام شيوعي جنوب الوادي أبداً. ولن يسمحوا له بالاستمرار. لاحظ: قبل رحلة حمروش!! -وفي ذات يوم 20 يوليو أصدر السادات ثلاث قرارات: الأول: تجهيز مجموعة تدخل خاص من الجيش المصري من بينهم ضباط من ذوي التخصص العالي في تشغيل الدبابات السوفيتية ت 55 وآخرين متخصصين في قتال المدن. الثاني: طلب من القذافي التنسيق لعدم السماح لانقلاب 19 يوليو بالاستمرار. الثالث: طلب من المخابرات المصرية متابعة أمر قادة الانقلاب في لندن لمعرفة كيفية التعامل معهم. (ايريك رولو/ د. حسين نابري/ سودانايل 21 ديسمبر 2014م) وبعد كل ذلك تسألون عن من أصدر التعليمات بتصفية الضباط العزل؟ ونواصل للتواصل والمشاركة في هذا التوثيق الجماعي: موبايل 0126667742 واتساب 0117333006 بريد: khogali17@yahoo.com ////////////////