عملية يوليو الكبرى (74): المذبحة والمجزرة قلب العملية: القتل العمد والاغتيالات بغطاء القانون … عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 

 

جرائم بشعة ارتكبت في بيت الضيافة يوم 22 يوليو 1971م: ضرب معتقلين عزل بقذائف الدبابات ت55: التصفية الداخلية للجرحى بالرصاص الحارق. إهانة الجثث والضرب على معتقلين مستلقين على الأرض ومنهم من قضى نحبه والضرب على غير هدى.. مدنيون يتم اصطيادهم.. وضابط يسقط جزء من سقف غرفة الاعتقال على رأسه وآخر تقتله رشاشات طائشة داخل مكتبه.

وجرائم بشعة ارتكبت في مدرعات الشجرة أو القيادة العامة أو غيرها يوم 22 يوليو 1971م فرق اعدامات سرية لضباط صف وجنود, واعدامات دون محاكمات ومحاكمات جزافية وتعذيب ما قبل المحاكمة لدرجة مثول المتهم أمام المحكمة فاقداً للوعي.. أو نصف ميت.. وإهانة جثث بالركل والسحل واطلاق الرصاص قبل حملها أو تجميع أشلاءها الى المدافن دون مشاركة ذويهم في قبرهم.
وعندما تكون أحكام المحاكم معدة سلفاً عند الجهة الاستئنافية, فان كثير من المحاكم تكون صورية وتكون أحكام الجهة الاستئنافية مستندة على اتهامات غير معلنة او ادعاءات دون أدلة اثبات.. وتكون الحقيقة أن جرائم قتل عمد واغتيالات سياسية قد وقعت تحت غطاء القانون.
صور صادمة من قلب العملية
نكتفى في هذا العرض بنماذج قليلة بما يخدم الغرض بتسليط الضوء على بعض صور صادمة: طويت صفحتها عملياً باتفاق غير معلن من كافة الأطراف إلا العائلات والأسر التي لم تتوقف جهودها لسنوات طويلة.
(1) نيران على الظهر وركل الجثة
العقيد/ قائد اللواء الأول مدرعات, من الدفعة التاسعة عضو تنظيم الضباط الشيوعيين وعضو تنظيم الضباط الأحرار كان من المشاركين في تنفيذ انقلاب القوميين العرب في 25 مايو 1969م بتوجيه من حزبه, على الرغم من معارضته وتنظيمه للانقلاب قبل يوم 24 مايو 1969م. وهو من قيادات التحرك العسكري يوم 19 يوليو 1971م.
لم يقدم لمحاكمة وكان قد طلب من رئيس جهاز الأمن القومي تقديمه لأول محكمة وقبل كل الضباط لأنه يتحمل كل المسئولية وأكد ذلك في التحقيق الذي ذكر فيه أنه تحرك لأسباب سياسية واضحة هي:
تردي السلطة وفسادها: التدخل الأجنبي في شئون السودان الداخلية والسير في ركاب دول ميثاق طرابلس, والإنهيار الاقتصادي. وان هدف التحرك انقاذ البلاد وقيام سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية. وأثناء اتجاه الشهيد العقيد الى مكان الاعدام الذي قرره المحققون رئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة, وقبل أن يصله أطلقوا على ظهره سيلاً طويلاً متصلاً من النيران ولم يكتفوا بذلك بل ركلوا الجثة الممزقة. "الشهيد/ عبدالمنعم محمد احمد الهاموشي".
(2) عندما انفصل النصف الأعلى
الشهيد الرائد م/ من الدفعة (11) التي تخرجت من الكلية الحربية في العام 1959م من الضباط المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والسلوك القويم. وكان له دور مميز عند انحياز تنظيم الضباط الأحرار لثورة الشعب في اكتوبر 1964م وأعفى من مناصبه يوم 16 نوفمبر 1970م, عند انقلاب القوميين العرب على الشيوعيين واشترك في تحرك 19 يوليو العسكري وهو خارج القوات المسلحة.
رفض اجراء أي لقاء مع نميري أو أي مسئول في معسكر الشجرة وتمسك بذلك "حتى لا يتم تشويه أقواله وتحريفها" وأنه لن يدلي بأقواله إلا أمام محكمة علنية, فأقتيد قسراً وهو مكبل الى مكتب نميري. ومن ضمن ما قاله لنميري "لست نادماً على ما قمت به. وان كان لي أن أندم فلأنني اعتقلتك ثلاثة أيام وعاملتك معاملة كريمة".
راجع: توثيق أحمد حمروش عند مقابلته للرائد م/ هاشم محمد العطا يوم 20 يوليو 1971م
(عرض سابق)
أنظر: "ان حسن المعاملة لمعتقلي بيت الضيافة لم تكن مسلكاً فردياً وفي القصر كان الرائد م/ هاشم العطا يجول ومعه العقيد/ عثمان حاج حسين ابوشيبة وكانا يمنعان أي موظف أن يتصل بجعفر نميري. كما أنهما كانا يحثان الحرس أن يعامل المعتقلين معاملة حسنة...".
(محجوب عمر باشري/ شغل وظيفة كبير المترجمين بالقصر: كاره للشيوعية/ اعدام شعب)
وكان الرائد م/ خلال الساعات التي قضاها قبل اعدامه يردد مقطعاً من نشيد الشهيد "صلاح بشرى" الذي عرضنا قبل ذلك: ويضيف الى المقطع "جاءكم هاشم فاعدوا المقصلة" والضباط والجنود المعتقلين يرددون المقطع خلفه.
وكان يضحك وهو في طريقه الى المقصلة. لكن لم ينتظر الجناة وصوله اليها فضربوه من الخلف حتى انفصل نصفه الأعلى قبل ان يسقط على الأرض وحتى بعد ذلك واصلوا اطلاق الرصاص على الجثة وحولها وفي الهواء حتى نفذت ذخيرتهم وكان ذلك يوم الجمعة 23 يوليو 1971م.
(3) يتعلمون حتى اللحظة الأخيرة
دلالة أن بعض الأحكام معدة مسبقاً تؤكدها محكمة الشهيد المقدم م/ بابكر النور, عندما أصدرت المحكمة حكمها عليه باثني عشر عاماً سجناً. فرفض نميري الحكم "سلطة تصديق واستئناف" وأعاد الأوراق الى المحكمة مرة أخرى فأعيدت المحاكمة وصدر الحكم بعشرين عاماً وأيضاً رفضه العقيد/ نميري وأعاد أوراق الحكم مرة أخرى للمحكمة. فرفض العميد/ تاج السر المقبول أن يترأس المحكمة كما رفض كل الضباط الذين كلفوا برئاسة المحكمة "سبب تأخير صدور الحكم!!" ولم يقبل بها إلا المقدم/ صلاح عبدالعال مبروك الذي حضر وتسلم أوراق المحكمة وحكم على الشهيد بالاعدام.
وفي ساحة الاعدام: تراجع الشهيد بخطواته الى الوراء حتى لا يطلق الرصاص على ظهره وهو يخاطب الجنود حتى كاد أن يتعطل تنفيذ الحكم!! حتى دخل نميري ومعه مجموعة من الضباط الى ساحة الاعدام كشكل من أشكال ارهاب الجنود المكلفين بتنفيذ الحكم.
وهكذا فعل الشهيد الرائد م/ فاروق عثمان حمد الله التراجع في خطوات ثابتة للخلف فاتحاً أزرار القميص, كاشفاً صدره للرصاص.
ان الشهيدين يتعلمان حتى اللحظة الأخيرة وهو درس بليغ.
أنظر:
من دوجلاس هيوم الى نميري
يوم 24/7/1971م:
"لقد تم تكليفي من قبل وزير خارجية صاحبة الجلالة السير اليك دوجلاس هيوم بأن أقوم بتهنئتكم على نجاتكم بالنيابة عنه. كما تم تكليفي بأن أعرب عن أملنا بأن تبدو جانب الرأفة تجاه المقدم/ بابكر النور والرائد م/ فاروق حمد الله. ان السير اليك دوجلاس هيوم لا يرغب بالطبع بالتدخل في الشئون الداخلية للسودان. ولكن بالنظر الى حقيقة أنه قد تم أخذهما من طائرة بريطانية, فإنه واثق من أنكم تدركون أن لبريطانيا اهتماماً مشروعاً حيال مصير الرجلين.
يوم 25/7/1971م:
لقد أعلن النميري في مؤتمر صحفي اصدار حكم الاعدام في حق فاروق حمد الله وهذا الحكم يراد تنفيذه بصورة فورية ويتعين علينا أن نفترض بأن فاروق قد تم اعدامه بالفعل. وأما محاكمة بابكر النور فهي ما زالت جارية ولم يتم اصدار حكم حتى الآن.
مذكرة دائرة شمال افريقيا بوزارة الخارجية – لندن
2/8/1971م:
"عندما أعلن وزير الاعلام في مؤتمر صحفي الاسبوع الماضي أنه لم يعدم أحد بدون محاكمة صحيحة, فان كلماته قد بدت خاوية بالنظر الى محاكمة عبدالخالق محجوب المخزية والتي سمح للصحفيين الأجانب بحضور جزء منها وأعدم عبدالخالق في نفس الليلة".
(أحداث 19 يوليو 1971م/ من ارشيف المملكة المتحدة/ الاسترحام البريطاني/ فيصل عبدالرحمن علي طه/ 17 فبراير 2017م)
اعدام بعد اللقاء
تخرج الشهيد العقيد/ عثمان حاج حسين ابوشيبة قائد الحرس الجمهوري من الكلية الحربية في العام 1960م وهو عضو تنظيم الضباط الشيوعيين وعضو تنظيم الضباط الأحرار وعضو تنظيم أحرار مايو.
ومن الضباط المشاركين في تنفيذ انقلاب القوميين العرب يوم 25 مايو 1969م من خور عمر ظل داخل القصر الجمهوري يوم 22 يوليو دون أن يقترب منه أحد وقام بتسليم نفسه يوم الجمعة 23 يوليو. قال للعقيد/ جعفر نميري في لقاء ما قبل المحاكمة وحضره أعضاء مجلس قيادة الثورة:
"كل المسئولية مسئوليتي وعبدالمنعم محمد احمد ومعاوية عبدالحي نحن قادة القوة التي تحركت. بقية الضباط والجنود نفذوا الأوامر. ونحن الذين أشركنا هاشم العطا فهو ليس له قوات يحركها.
واعدم في نفس اليوم من دون محاكمة!
مثل أمام المحكمة نصف ميت
سلم النقيب/ معاوية عبدالحي نفسه بعد حضوره للقيادة العامة للمقدم/ عبدالقادر احمد محمد من الناجين من مذبحة بيت الضيافة. والمقدم/ عبدالقادر من الضباط المايويين واثر نجاته وخروجه من المعتقل توجه بدبابة مباشرة الى القيادة العامة وتمكن من استعادتها في معركة قاوم فيها المقدم/ محمد أحمد الريح ورفض الاستسلام حتى تم هد مكتب المظلات الذي اتخذ منه ساتراً عليه.
وبحسب توثيق المقدم/ عبدالقادر احمد محمد فان غرفة الاعتقال في بيت الضيافة ضمت ثلاثة عشر عسكرياً منهم: العقيد/ حمودي, العقيد/ كيلة/ الرائد/ عبدالصادق, الملازم أول/ الطاهر, الملازم/ عبدالعزيز محمد محمود, الملازم/ صلاح, الملازم/ محمد الزين, الملازم/ حسن ابونا "وهذه هي الاسماء التي ذكرها".
كما جاء في توثيقه أن أول مجموعة بعد أن فتح الجناة الأبواب كانت على رأس العقيد حمودي.. وهذه الشهادة تعارضت مع شهادة الناجين من ذات الغرفة منهم النقيب مأمون حسن محجوب كما عرضنا.
وقام المقدم/ عبدالقادر أحمد محمد بتسليم النقيب/ معاوية عبدالحي الى الملازم/ حسب الله نوجا, ومن ثم الى فرقة تعذيب المظلات حيث تم تعذيب الشهيد بوحشية وتمزقت ملابسه ونقل الى معسكر الشجرة بالملابس الداخلية فاقداً للوعي, مكتوفاً تسيل منه الدماء والقى به في غرفة قذرة ثم حمل الى المحكمة وقد تهشمت عظام رأسه ومنها الى ساحة الاعدام بعد لحظات وجيزة (اعدام ميت).
أنظر:
محاكمة بدون شهود اتهام
اعتقل النقيب/ محمد احمد محجوب مساء يوم 22 يوليو بالقصر الجمهوري ونقل الى معسكر الشجرة. ورغم أن المحكمة فشلت في تحديد أية جريمة حسب الاتهامات أعلن الحكم سنتين سجناً. وفي المساء وصله اعلان بأن الحكم عشر سنوات وكانت الاذاعة السودانية قد أذاعت أن الحكم هو خمس سنوات وكذلك الصحف.
وخلال فترة انتظار النطق بالحكم استدعاه نميري "لقاء ما بعد المحكمة" وحاول أن يستخلص منه معلومات عن معاملته للشهيد/ عبدالخالق محجوب ود. عزالدين علي عامر عندما كانا تحت حراسته في السجن الحربي!!
(هل هذه هي التهمة الأصل والتي لم تشملها لائحة الاتهامات؟!)
ونختم الجزئية بقول العميد م/ عبدالرحمن حسن عبدالحفيظ:
"إن المحاكمات التي تمت في يوليو 1971م كانت تتصف بالتسرع الذي ما كان له ان يحدث. فكثير من الاتهامات لم تكن ترقى للاعدام كالمغفور له المقدم/ بابكر النور والرائد م/ فاروق عثمان حمد الله. فقد ارتبطت أسماؤهما بقيادة الانقلاب وهما خارج الوطن, ولا يمكن أن تحاكمهما مثل من دبر الانقلاب ونفذه".
أنظر: محاولة انقلاب الملازم/ خالد حسين الكد 1966م
ونواصل: القوميون العرب أداة تنفيذ المجزرة
للتواصل والمشاركة في هذا التوثيق الجماعي: موبايل 0126667742 واتساب 0117333006 بريد khogali17@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء