ملف الاستقلال “السودان للسودانيين” (3)
بسم الله الرحمن الرحيم
umsalsadig@gmail.com
(لأننا واثقون من عدالة مطلبنا،فليس في الوجود الآن من يطلب لبلاده غير الاستقلال وليس في العالم من يعمل على فرض سيادة أجنبية على وطنه وأهله).. الجبهة الاستقلالية في ترحيبها برفع القضية السودانية لهيئة الأمم المتحدة فبراير 1947.
نحمد الله حمدا كثيرا على صدور الحكم العادل الرادع على قتلة الشهيد احمد الخير30/12/2019 وهو حكم فوق أنه يحي قلوب الذين آمنوا والمظلومين، يطمئن أسرة الشهيد وعموم السودانيين على عدالة واستقلال القضاء في عهد سودان الثورة، أيضا يرسل رسائلا مهمة في بريد كل من تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين ظلما واقتدارا...
خالص التهاني نزجيها للسودانيين داخل وخارج الحدود بالعام الجديد العامر بألآء الثورة من حرية وسلام وعدالة ولاخوتنا المسيحيين بمناسبة عيد ميلاد المسيح. وتهنئة من القلب للحبيب الامام الصادق المهدي الذي وافق مولده الميمون ميلاد المسيح عليه السلام وقد تطابق مع صاحب الميلاد النبي المرسل في تحمل الأذى صنوفا فوق الاحتمال، ومهما كان بذله وجد من يشكك فيه ويطعن، اللهم اجعل كل ذلك الأذى في ميزان حسناته ..حقق الله آماله الخاصة التي امتزجت بالعامة حد التماهي وندعو الله أن يتم فضله عليه بأن تأخذ بلاده موقعها المتقدم بين الأمم رائدة للفلاح والسلم والسماح والنجاح ..آميين
كنا قد أوضحنا في حلقتين سابقتين من خلال تتبع كتاب "الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان 1936-1953" للدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه كيف نال السودان استقلاله اهتداء بشعار السودان للسودانيين الذي قاد به حزب الأمة نضاله من أجل الاستقلال باختيار طريق التطور الدستوري والتحرك في مساحة تناقض دولتي الاحتلال وتفضيل بريطانيا على مصر لتحقيق كامل الاستقلال...كما استعرضنا بداية الخطوات التي أدت لتحقيق الاستقلال: من معارضة للادعاءات المصرية بالسيادة على السودان التي أعلنتها الحكومة المصرية في خطاب العرش مارس 1924، مما استوجب الدعوة لاجتماع العباسية في يونيو 1924، لاعتماد بريطانيا وليس مصر للمطالبة باستقلال السودان لأسباب ذكرناها في المقال السابق. وبعد اتفاقية 36 التي تناولت الشأن السوداني دون اشراك السودانيين مما أيقظ جذور الوطنية السودانية وما أوجبه ذلك من سفر السيد عبدالرحمن لبريطانيا احتجاجا على عقد اتفاقية بشأن السودان مع استبعاد لأصحاب المصلحة و تنادي الصحافة السودانية بضرورة بلورة رأي عام سوداني من أجل قضايا السودان مما أدى لتكوين مؤتمر الخريجيين في فبراير 1938 ومذكرته ذات ال12 بندا والمنادية بالحكم الذاتي وأوضحنا أن رفض المذكرة من جانب الحكومة أدى لبروز تياريين وطنيين للمضي نحو الاستقلال : التيار الاستقلالي والاتحادي. وازاء تصاعد الخلافات بين هذين التيارين إثر اصدار المؤتمر قراره في ابريل 1945بشأن تقرير المصير بعد فوز الأشقاء الكاسح بالهيئة الستينية لمؤتمر الخريجيين خف نفر لاحتوائها. وقد نجحوا في جمع كل الجماعات حول مائدة مستديرة في 11 مايو 1945م وتبين أن كل الأحزاب توافق على العمل من أجل تشكيل حكومة سودانية حرة وعلى الاتحاد مع مصر من حيث المبدأ(اذ أن حزب الأمة كان لا يمانع من ذلك الاتحاد بين الدول المستقلة على أساس من الندية). وناقشت لجنة الأحزاب المطالب التي ستقدم للمؤتمر للعمل على تحقيقها بمساعدة حكومة السودان ومن بينها اصدار تصريح من دولتي الحكم الثنائي يحدد المستقبل السياسي للسودان(خاصة بسبب حلول الأجل الأول المحدد لاعادة النظر في معاهدة 1936م وتم التوقيع على وثيقة الأحزاب المؤتلفة في 25 اغسطس 1945(الأشقاء،الأمة،الاتحاديين،الأحرار الاتحاديين،القوميين) . اقترح المؤتمر اجراء تعديلات على الوثيقة وقد تم التوقيع عليها بعد التعديلات في 3 اكتوبر 1945، ورفعها اسماعيل الأزهري لحكومة السودان بصفته رئيسا للمؤتمر وقد أكدت الحكومة في ردها (عدم أحقية المؤتمر بادعاء تمثيل الرأي العام السوداني وأنه عندما يحين الوقت سيستشار الجميع كل حسب وزنه).
عندما حان أجل مراجعة معاهدة 1936م بعث مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد رسالة للحكومة البريطانية طرح فيها ضمن مسائل أخرى تسوية مسألة السودان وتحدث النقراشي رئيس الوزراء في 6 أغسطس 1945م عن أهداف مصر القومية أمام مجلس النواب والشيوخ المصري ومنها (وحدة وادي النيل بمصره وسودانه) ونحى ذات المنحى في خطابه للعرش في 11 نوفمبر 1945م. وفي 20 ديسمبرمن العام نفسه طلب من الحكومة البريطانيا موعد قريب تناقش فيه مطالب مصر القومية.
كان صدى تلك التحركات على الصعيد السوداني تنسيق بين الأحزاب المؤتلفة واللجنة التنفيذية للمؤتمر لبحث اشراك السودانيين في المفاوضات التي تعتزم تناول مسألة السودان .وخلال الاجتماعات والتداولات برزت خلافات جوهرية مثل الأساس الذي سيعمل بموجبه الوفد هل هو وثيقة الأحزاب المؤتلفة أم القرار الذي أصدره المؤتمر في 2 أبريل 1945 وتكشف أن لجنة المؤتمر(كل تكوينها من حزب الأشقاء)تريد الاستئثار بتكوين الوفد.ارتفعت أصوات تنبه لضرورة التمثيل الجامع وعدم تفويت الفرصة التي قل أن يجود بمثلها الزمان.سافر الوفد الممثل للأحزاب بعد التوصل الى تفسير مشترك لمعنى الاتحاد مع مصر (5 المؤتمر،3 الأمة،القوميين والأحرار والاتحاديين والأحرار الاتحاديين وحزب وحدة وادي النيل كل بواحد)وقد أصدر الأزهري بيانا شرح فيه مهمة الوفد وأهدافه والمطالب التي أوكل للوفد تحقيقها:
-تصريح مشترك من دولتي الحكم الثنائي بقيام حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر.
-تحدد الحكومة الحرة نوع الاتحاد.
-تدخل الحكومة الحرة في تحالف مع بريطانيا على ضوء نوع الاتحاد مع مصر.
في مصر تم استنكار كامل من قبل الصحف والجسم السياسي كله لمهمة الوفد وأساسا عدم جدوى تكوين وفد منفصل يمثل السودان.
في السودان تصدت الصحف الاستقلالية للضغوط التي تعرض لها الوفد فسارع الأزهري باعلان أن الصحف الاستقلالية تمثل نفسها. وقام الوفد بنشر بيانا تنويريا يوضح فيه مهمته وقد عارض ممثلو حزب الأمة والأحرار البيان التنويري لتعارضه مع المطالب المتفق عليها.
في 15 أبريل 1946م أعلنت حكومة السودان أن هدفها سودان حر مستقل وأن ذلك سيتم عن طريق اقامة دعائم الحكم الذاتي للوصول للاستقلال في النهاية والاسراع باسناد الوظائف ذات المسئولية الى السودانيين(بعقد مؤتمر مع السودانيين لبحث ذلك)وأكدت عدم حسم أي قضية تخص السودان دون اشراك السودانيين.
لم يوافق الرأي العام المصري على هذا الموقف البريطاني.
تبلور موقفان في وفد السودان :احداهما يرى أن لا مفر من ربط قضيتنا بمصر مهما كانت العواقب. الآخر يرى أن المصريين لا يمكن أن يذهبوا معنا الى نهاية الشوط ويريدون فقط استغلالنا دون الارتباط معنا بالتزام محدد.اثر ذلك انتدب ثلاثة من أعضاء الوفد لعرض الموقف على الأحزاب والحصول منها على تفويض بالعمل في اتجاه جديد(ربط قضيتنا بمصر فننادي بالجلاء ووحدة وادي النيل تحت تاج واحد بشرط أن تعطينا مصر موثقا حكومة وشعبا بألا تؤجل قضية السودان وألا توقع أي معاهدة بدون حل القضية السودانية). في السودان رفض حزب الأمة هذا الاتجاه الجديد متمسكا بالوثيقة وقبله حزب القوميين بشرط اعطاء ضمانات مصرية. استبق الأزهري عودة الوفد من الخرطوم وأعلن في 24 أبريل 1946م أن قرار الوفد الذي اتخذه أخيرا لتحقيق مصلحة السودان هو وحدة وادي النيل تحت تاج الفاروق ووحدة الجيش ووحدة التمثيل. وقال أن زملاءه الذين سافروا الى الخرطوم يحملون هذا القرار لتهيئة الأذهان قد نجحوا الى حد كبير..بعد عودة مندوبيه من الخرطوم عقد الوفد اجتماعا للتداول وقد قرر ممثلو حزب الأمة مسايرة الوفد لمعرفة ضمانات الحكومة المصرية وتقرير الانسحاب حسب هذا الموقف والاستمرار في عضوية الوفد بشكل شخصي بناء على بيان 2 مايو الذي أصدره الحزب مؤكدا أن ممثليه غير مخول لهم تجاوز ميثاق الأحزاب المؤتلفة.على اثر ذلك اتخذ الوفد قرارا بفصل ممثلي حزب الأمة وقد نصح احمد يوسف هاشم الاجتماع بالعدول عن فصل الحزب الذي لم يفعل سوى اعلانه التمسك بالمطالب التي أتى الوفد على أساسها وأخيرا تم الفصل على أساس مخالفة الحزب لأغلبية سياسة الوفد وليس مطالبه. فأصدر المبعدون بيانا مستنكرين فيه المسلك العجيب المخالف لما تقاسم عليه أعضاء الوفد قبيل حضورهم لمصر وما تعرضوا له من ضغوط غيرت بها المواقف والمواثيق.وقد تم لاحقا انسحاب كافة الأحزاب الاستقلالية فصار الوفد مجرد تجمع للأحزاب الاتحادية وببلوغ نهاية عام 1947م كان الوفد قد تصدع تماما وأعلنت أحزاب وحدة وادي النيل والاتحاديين والاتحاديين الأحرار انسحابهم معلنين أن أعضاء (وفد السودان) المقيمين في القاهرة لا يمثلون الا حزب الأشقاء.
بروتكول صدقي بيفن:
مرت المفاوضات المصرية البريطانية بشأن تعديل معاهدة 1936م بعدة مراحل حتى الجولة التي أجراها صدقي مع بيفن في لندن في الفترة من 18-25 أكتوبر 1946م. قبل سفره أعلن صدقي أنه سيجلب السيادة على السودان ردا على تصريح بيفن بأنه لا يمكن البت في أمر مستقبل السودان الا بعد استفتاء السودانيين.
أقلقت تصريحات صدقي دعاة الاستقلال فأبرقوا صدقي وبيفن وأبلغ السيد عبدالرحمن صدقي بأن الشعب السوداني لا يرغب الا في الاحتفاظ بالسيادة لأهله والغاء الحكم الثنائي وقيام حكومة ديمقراطية حرة تقرر فيما بعد علاقتها بمصر وبريطانيا، وأن أي وضع غير هذا لا يقره السودانيون.وفي برقيته الى بيفن أشار الى وعد الحكومة البريطانية بأنه لن يتخذ قرار يتعلق بمستقبل السودان السياسي دون استشارة أهله ويطلب منه بعد تصريح صدقي السابق (الحصول على تأكيد جديد لسيادة بلادنا). وانتدب حزب الأمة عبدالله خليل ويعقوب عثمان للسفر للندن ليكونا قريبين من مسرح المفاوضات ولعرض وجهة نظر الحزب المتمثلة في المطالبة بالاستقلال على الرأي العام العالمي ولدرأ مساومات قد تتم على حساب السودان.كما بعثت الأحزاب الاتحادية بوفد ضم الأزهري والدرديري أحمد اسماعيل ومحمود الفضلي للسفر للندن.
وفي 25 أكتوبر 1946م تم التوقيع بالأحرف الأولى على مشروع معاهدة مساعدة متبادلة وعلى مشروع بروتكول خاص بالسودان ومشروع بروتكول خاص بالجلاء ونص بروتكول السودان على (أن السياسة التي يتعهد الطرفان باتباعها في السودان في نطاق وحدة مصر والسودان تحت تاج مصر المشترك ستكون أهدافها الأساسية تحقيق رفاهية السودانيين وتنمية مصالحهم واعدادهم اعدادا فعليا للحكم الذاتي وتبعا لذلك حق اختيار النظام المستقبل للسودان.والى أن يتسنى ذلك تظل اتفاقية 1899م والمادة 11 من اتفاقية 1936م سارية ..الخ) اعتبر صدقي أن في البرتكول اعتراف بريطاني صريح يأتي للمرة الأولى بسيادة مصر على السودان وأعلن ذلك مسجلا(أن تاج مصر قد ازدان بدرة جديدة،وأن ملك مصر قد عاد الى الحدود التي رسمتها الطبيعة وسجلها التاريخ) بينما وصف أتلي تصريحات صدقي بالمضللة وأن ما جرى هو محادثات تمهيدية لم يتم التفاوض في أي منها بصفة نهائية).
ردود الأفعال على تصريح صدقي:
في السودان ابتهج دعاة الوحدة بالبروتكول ابتهاجا تحول الى شيء من التحفظ بسبب تصريحات أتلي.
استنكر حزب الأمة تصريح صدقي ووصف البريطانيين بالخيانة وقرر مقاطعة المجلس الاستشاري ومجالس المديريات و البلديات ومؤتمر ادارة السودان الذي كان قد بدأ أعماله في 24 أبريل 1946م.كما أعلن الحزب الجهاد العام وبعث ببرقيتي احتجاج الى صدقي وأتلي احتجاجا على التسليم بسيادة مصر على السودان ووضع السودان تحت التاج المصري.وأن السودانيين لن يرضوا بأن تكون حريتهم ثمنا لمصالح بريطانيا. وسيعمل الحزب على استقلال البلاد وتحريرها من الاستعمار المصري والبريطاني بكل وسيلة مهما تكن وعليكم وحدكم تقع التبعات.وأقام الحزب بداره ليلة سياسية كبرى سير بعدها المظاهرات الاحتجاجية التي هتفت بحياة السودان الحر المستقل.وتشكلت بدار حزب الأمة 28 أكتوبر 1946م جبهة استقلالية للعمل على انهاء الحكم الثنائي وقيام حكومة سودانية تتصرف بمحض ارادتها في سيادة السودان وعلاقته بمصر.كما أيدت الجبهة دعوة حزب الأمة الى الجهاد العام.ونظمت الجبهة مسيرة شارك فيها عدد من مؤيدي حزب الأمة القادمين من الأقاليم وقامت بتقديم مذكرة الى الحاكم العام تتضمن احتجاجها على ما أتى بالبروتكول.كان رد حكومة السودان على المذكرة بأن المفاوضات بشأن السودان ما زالت دائرة ولم يتم البت فيها وتطالبهم فيها بالتزام الهدوء.
ردا على مسيرة دعاة الاستقلال سير دعاة الوحدة مسيرة أخرى لعكس قناعاتهم. استدعت حكومة السودان ممثلي الجبهة الوطنية والاستقلالية مبلغة اياهم بضرورة الهدوء والحفاظ على الأمن.أصدر السيد عبدالرحمن بيانا في 3 نوفمبر 1946م دعا فيه الشعب السوداني لتقدير دقة الموقف ومعالجته بروح الاخلاص والتدبر وتجنب توسيع شقة الخلاف وطلب من الوافدين من الأقاليم العودة بلا تأخير ودعا الشعب السوداني لالتزام الهدوء والنظام حتى تنجلي الأمور التي ما تزال غامضة.حكومة السودان برئاسة الحاكم العام أعلنت فشلها في اقناع السودانيين بالمزايا الايجابية لمشروع البروتكول فقرر هدلستون(الحاكم العام) العودة الى لندن لابلاغ الحكومة البريطانية عن الآثار التي ترتبت على تصريحات صدقي خاصة وأن بيان أتلي لمجلس العموم البريطاني في 28 أكتوبر 1946م أخفق في ابطال مفعول ذلك التصريح في مذكرة تسلم لأتلي اشتملت على:
أن معظم السودانيين لن يقبلوا طواعية بالبروتكول، الذي يمثل خرقا لكل التعهدات البريطانية، وأن بيان أتلي لم يرض السودانيين، اذا أجيز البروتكول سوف تحدث استقالات جماعية.
في 8 نوفمبر 1946م أعلن وفد السودان رفضه لمشروع البروتكول أيضا (يذكر الأزهري في مذكراته انهم اعتبروا برتكول صدقي-بيفن خطوة موفقة فرحوا بها كأنصار لوحدة وادي النيل لأنه سدد طعنة نجلاء للادارة البريطانية في السودان).
25 نوفمبر 1946م كانت زيارة السيد عبدالرحمن للندن وقبل سفره زار السيد علي الميرغني حرصا على وحدة الصف (وليطمئن على صحته ويودعه ويخبره بأسباب ذهابه الى لندن) دار الحديث عن صحة السيد علي وموقع بيته وجودة هوائه وتاريخه(البيت) وكان واضحا أن السيد علي لم يرد الحديث عن البرتكول أو أي شيء يخص السياسة متعللا بأن تعليمات أطبائه تمنعه من مباشرة أي عمل جسدي أو فكري لذلك هو غير ملم بما يدور خارج داره.
توجه السيد عبدالرحمن الى لندن وأبرق الى صدقي مبديا رغبته في لقائه بعد العودة من لندن التي سيسرع في زيارتها أولا قبل اشتداد البرد.لم يرد صدقي على البرقية ولم يوفد أحدا لاستقبال السيد عبدالرحمن عند توقفه بالقاهرة.
في لندن رضخت الحكومة البريطانية لاستقبال السيدعبدالرحمن بعد أن كانت مترددة بسبب الحاح هدلستون وتحذيره من عواقب عدم الموافقة على حضور السيد عبدالرحمن للندن على الأقل كسبا للوقت ان لم يكن كسبه.وشبه هذا بطلب زغلول في 1919 والذي خولفت فيه توصية الحاكم العام على مصر حينها فكانت النتيجة ثورة عارمة أصبح ونجت كبش الفداء فيها.
في 28نوفمبر 1946م استقبل أتلي السيد عبدالرحمن في مقره الرسمي(10 داوننج استريت) حيث استهل السيد عبدالرحمن حديثه لأتلي قائلا (أن السودان يتطلع لوضعه كما كان حرا ذا سيادة مشيرا الى اشتراك السودانيين في الحرب لنصرة الحرية والديمقراطية وأنهم وثقوا في العهود التي أعطيت لهم بشأن الحكم الذاتي وأن التصريح الذي أدلى به صدقي تسبب في احداث اضطرابات في السودان وقد فهم منه ومن خطاب العرش أن مصر لا توافق على استقلال السودان الكامل بل الاكتفاء بالحكم الذاتي وهو ما يناقض حتى تصريحات بيفن وما أكده الحاكم العام في المجلس الاستشاري لشمال السودان .وذكر السيد عبدالرحمن أن السيادة المصرية على السودان تتعارض مع أماني السودانيين ولا يرى لها سندا قانونيا وبعد أن تحدث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها بما ورد في ميثاق الأطلنطي وميثاق سانفرانسسكو حذر من أي عمل يتم دون استشارة السودانيين بالطرق الدستورية بما سيؤثر مباشرة على الأمن الداخلي و يحول الصداقة القائمة مع بريطانيا الى عداء وأوضح أنهم ليست لهم عداوة مع مصر والشعب المصري وأكد أن الشعب السوداني الحر المستقل سيتعاون مع مصر المستقلة في تفاهم وحسن جوار وهو ما سبق أن أكده لمصر لكنها لم تسمعه وآثرت البقاء في السودان بمساعدة الحراب الانجليزية. ثم عاد وذكر محدثه بعدم تصديقه بأن بريطانيا وهي في طليعة الدول المكونة لهيئة الأمم المتحدة ستساعد مصر على سلب حرية شعب كالشعب السوداني.وفي نهاية المقابلة أكد أتلي حق السودانيين في تقرير مصيرهم ولكنه رهن ذلك بمقدار وسرعة التقدم .
تصريح صدقي وبيان أتلي كشف عن تناقض مصري بريطاني في وجهات النظر بشأن تفسير البروتكول.ولذلك رأى بيفن(وزير الخارجية) أن يتفق مع صدقي على تفسير يتفقان عليه قبل عرضه على مجلس العموم البريطاني مرفقا تفسيره لمشروع البروتكول والذي اعترض عليه صدقي بحجة مناقضته للاتفاق وللروح التي أملته وطلبت الحكومة المصرية من بيفن أن يقدم المشروع للوزرة دون اضافة أو تعديل .
طلب هدلستون من أتلي كتابا ليعرضه على السودانيين يقر صراحة بحق الشعب السوداني في الانفصال عن التاج المصري اذا رغب في ذلك.عند عودته أصدر الحاكم العام بيانا في 7ديسمبر فيه أن أتلي أذن له كتابة أن يؤكد للسودانيين أن الحكومة البريطانية مصممة على عدم السماح بأي شيء من شأنه أن يحرف حكومة السودان عن مهمة اعداد السودانيين للحكم الذاتي وحرية اختيارهم للوضع الذي يريدون.طالبا من الجميع التعاون معه ،على تحقيق الأهداف المرجوة ونبذ الخلافات.رأت مصر في بيان الحاكم العام تشجيعا مباشرا (للانفصال).واعترضت عليه واعتبرته على لسان النقراشي عملا عدائيا لمصر.حاول النقراشي بالتفاوض مع رولاند كامبل(السفير البريطاني) انقاذ البروتكول ولكنه أخفق فقرر مجلس الوزراء المصري في 25 يناير 1947م قطع المفاوضات وعرض القضية على مجلس الأمن.وأعلن هذا على مجلس النواب المصري .
أعلن (وفدالسودان) موافقته على قرار حكومة النقراشي بعرض قضية وادي النيل على العدالة الدولية.وأعلنت الجبهة الاستقلالية في الأسبوع الأول من فبراير 1947م أنها تعد قطع المفاوضات الخطوة الأولى في نجاح الدعوة الاستقلالية.ورحبت برفع القضية لهيئة الأمم المتحدة(لأننا واثقون من عدالة مطلبنا،فليس في الوجود الآن من يطلب لبلاده غير الاستقلال وليس في العالم من يعمل على فرض سيادة أجنبية على وطنه وأهله).كما أعلنت اعتزامها على المطالبة بانهاء الحكم الثنائي وعبرت عن رفضها لمنطق أن السودان لم ينضج بعد لممارسة حق تقرير المصير .
في الحلقة القادمة بإذن الله توصيات مؤتمر ادارة الحكم الذاتي وموقف الجبهة الاستقلالية واقتراح الحكم الذاتي
وسلمتم