1/3 يرفع شبابنا هذه الأيام شعارات تحتاج لتوضيحات مهمة جداً ليستنيروا بها في مشوار نضالهم السياسي. فالساحة السياسية كما هو واضح منقسمة بين ثلاثة شعارات؛ فهناك من يطالب بدولة مدنية، وأخر يطالب بدولة علمانية، وثالث بدولة إسلامية، فما هو الفرق إذن بين هذه المصطلحات السياسية الثلاثة وهل يمكن الجمع بينها في خلطة مبتدعة رابعة تناسب أهل السودان أم لا؟ ما يجب معرفته أولا هو أن كل الدول الحديثة في عالمنا المعاصر تقوم وتؤسس على دستور قد يُستفتى فيه الشعب فيصبح دستوراً بالتراضي الشعبي أو دستوراً يفرضه بقوة السلطان حزب أو جيش أو أسرة ملكية. ولكن في كل الأحوال يكون هناك دستور تُحكم به البلاد ويصير مرجعاً لها. وأول من أسس دولته على دستور مكتوب وموثق شارك فيه كل المواطنون بجميع مللهم عبر ممثليهم هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وكان يعرف دستوره حينئذ ب "الصحيفة" لأن كلمة دستور كلمة حديثة، وقد احتوت هذه الصحيفة على تسعة عشر 19 مبدأ دستورياَ صالحة لكل دستور ولأي دولة مهما يكن توجهها حتى تقوم الساعة. فالحكومة المدنية يا أحبتي هي ترجمة للكلمة الإنجليزية Civil Government ويقصد بها الحكومة التي تحكم البلاد نيابة عن مواطنيها وتتولى أمرهم بموافقتهم واختيارهم، وهي بالضرورة حكومة منتخبة وليست عسكرية تفرض نفسها وأفكارها بقوة السلاح وقهره، ولا كهنوتية يحكمها الكهان والرهبان والقساوسة والشيوخ بحكم مكانتهم الدينية وقداستهم الروحية فقط لاغير كأنهم ممثلو الله في الأرض والمتحدثون باسمه، ولا هي حكومة ثورية انتقالية فرضها الواقع الثوري من غير إجماع وطني تستغل الروح الثورية لتحقيق مآرب أخرى، هي حكومة منتخبة ويعرفها أهلها بالآتي: Civil authority or civil government is the practical implementation of a state on behalf of its citizens, other than through military units (martial law), that enforces law and order and is used to distinguish between religious authority (for example, canon law) and secular authority. وعليه نستنبط من التعريف أعلاه أن مبادئ الدولة المدنية هي الآتي: 1) مبدأ المواطنة: ومقصود به أن المواطنين أعضاء سواسية في عضوية المجتمع ولهم جميعاً نفس الحقوق وعليهم جميعاً نفس الواجبات ولا يتمايزون بشيء أمام القانون والدستور، ودول العالم الحديث كلها مدنية بهذا المفهوم. 2) مبدأ الثوابت الدستورية: يجب أن يكون هناك حد أدنى من الثوابت الدستورية التي تستقر بها الدولة وتعتبر خطوطاً حمراء للجميع لا ينبغي تجاوزها مهما كان السبب. 3) مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات: وهي قيمة من قيم الثقافة المدنية أو الحضارية فالكل يجب أن تراعى وتحفظ حقوقه. 4) مبدأ العدل في التشريع بمراعاة حق الأغلبية والأقليات معاً بصورة متوازنة. 5) مبدأ العدل في التوزيع والقضاء والفرص. فليس من العدل المساواة في الميزانية بين ولاية عدد سكانها أقل من ولاية أخرى. 6) مبدأ السلام أوالأمن: فالأمن مهم للتنمية بل شرطها الأول. 7) مبدأ الأخوة والتسامح: وهو قيمة من قيم الثقافة المدنية أو الحضارية وقد يعم السلام أرجاء الوطن بوقف الحروب فيه ولكن لا يكون هناك تسامح بين الناس وهذا شعور ينذر بالانفجار مرة أخرى. 8) مبدأ قبول الأخر: وهو مبدأ مهم جداً لنقل مفهوم المواطنة من مفهومها القانوني والدستوري البحت لمفهوم إنساني وروحي يشعر فيه الإنسان بدفء أخيه الإنسان. 9) مبدأ العقد الإجتماعي السياسي لمنظومة الدولة: ولأن المدنية تشترط التداول السلمي المدني للسلطة فهي تشترط كتابة دستور متفق عليه يصبح دستوراً دائما للبلاد. 10) مبدأ عدم معاداة الأديان والآيدلوجيات والوقوف منها من مسافة واحدة. 11) المدنية ترفض تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو آيديولجية أو عنصرية أو مناطقية. 12) المدنية تستوجب قيام الأحزاب عل أساس الدستور المتفق عليه وأن جميع الأحزاب يجب أن تعمل عملاً حثيثا لتنفيذ بنود الدستور وغاياته ولا تعمل أبداً على تغيير الثوابت فيه. 13) المدنية لا تسمح للعسكر أو الكهنوت الديني ككنائس أوروبا وقساوستها ورهبانها بحكم البلاد. 14) المدنية لا ترفض سن القوانين على أساس العرف والمعتقدات والدين طالما أن الحكومة منتخبة تمثل الشعب ومتجددة في شخوصها وتشريعاتها، وطالما أن مؤسسات الدولة لا تقوم عليها أو تسيطر عليها مؤسسة دينية أو كهنوتية محترفة. 15) المدنية لا ترفض سن القوانين على أساس العلم والتجربة والعرف 16) المدنية ترحب بالديمقراطية كوعاء للتغيير عبر أصوات الأغلبية بشرط مراعاة حقوق الأقليات والحفاظ على الشكل المدني للدولة وثوابتها، والديمقراطية في الدولة المدنية تضمن تداول السلطة سلمياً مما يساعد في تقدم واستقرار البلاد. 17) المدنية تُؤسس على فصل السلطات من أجل إقامة دولة العدل والحرية والسلام.
هذه أهم مباديء الدولة المدنية وأي تقصير في مبدأ من مبادئها يجعل بنيانها غير مكتمل ونتيجتها غير فعالة. فهي مسؤولية ثقيلة على الكواهل ولا يحملها الا الحكماء وليست شعارات للمزايدة ترفع بها الأصوات والحناجر وفقط. وفي المقال القادم سوف أتحدث عن العلمانية وكيف تختلف عن الدولة المدنية إن شاء الله تعالى