في يوم المرأة العالمي: أمّونة ودَقلولة والرضية سعد، الكورس النسائي الأول في الإذاعة، ماذا عنهُنّ ؟

 


 

 

 

مثل كثيرين أجد في التسجيل الإذاعي المبكر لعيون الغناء والأصوات المبكرة لكبار مطربينا طرباً خاصاً. فلأصواتهم البكرة عذوبة، ولكل منها نكهة، قبل أن تغشاها عوامل السن، وتناوشها، إيجاباً مرة وسلباً مرات، مستجدات الحداثة الموسيقية. والحديث هنا عن كوكبة مطربينا العظام الذين تسلموا مقاليد الأغنية منذ الأربعينيات خلفاً لعباقرة الحقيبة، وأورثوا الأغنية السودانية ذخيرة من اللحن والأداء ستبقى حية لأمد بعيد. وهي ذخيرة قد إستوفت تماماً شروط المرحلة التاريخية التي عاشها أولئك المبدعون بإمكاناتها الفنية والتقنية والمعيشية وحاضنتها الإجتماعية. وهناك ركيزة أساسية في سجل ذلك الغناء المبكر، وهو عنصر التطريب الذي تعشقه الأذن السودانية، وتجلياته في صفاء الصوت وطابع فرادته عند كل مطرب. وفي الكثير من ذلك الغناء تكتمل دائرة التطريب ونشوته مع مشاركة ذلك الكورس النسائي الثلاثي البهيج الذي شكل أول كورس نسائي في الإذاعة، وقد ذكرهم الباحث الموسيقي د. أمير النور بالأسماء أمونة ودقلولة والرضية سعد في معرض حديثه في إحدى الحلقات التلفزيونية. ويبدو أن إلتئام شمل هذا الثلاثي كان حدثاً غير معتاد بالفعل في توقيته وفي كيفية حدوثه، مثله مثل كل الأحداث الفنية في تلك الحقبة من البدايات الأولى لحركة الحداثة الغنائية. فكل مبدعي تلك الحقبة كانوا رواداً مغامرون، وكل خطوة يخطوها أحدهم كانت مغامرة يختلط فيها فرح الطموح بعدم الأمان، خاصةً إن كانت إمرأة. ويبدو كذلك أن لكل واحدة من هذا الثلاثي قصتها التي ساقتها أحداثها إلى المنصة الإعلامية القومية الوحيدة، والتي كان من العسير في ذلك الزمن تخطي عتبتها والولوج إلى عالمها ضمن نخبة منتقاة أُختير الفرد منها بمعيار مهني دقيق إن كان موظفاً وبمعيار فني وجمالي صارم إن كان مغنياً.

يعجب المرء كيف وُفق من إختارهنّ إلى ملتقى جمع ثلاث أصوات عميقة، ناضجة ومنسجمة، رافقت مطربين إختلفت أصواتهم وتنوعت ألحانهم، وفي كل مرة كُنّ جزءًا أصيلاً مكملاً لأداء المطرب. تسمعهنّ مع الكاشف في "يا صغيّر"، مع عبيد الطيب في "يا ساير"، مع حسن عطية في "خداري"، مع الشفيع في "أيامنا"، مع سيد خليفة في "السامبا"، مع عثمان حسين في "أنا مالي والهوى"، مع إبراهيم عوض في "الدنيا منى وأحلام" وفي أغنية الربوع "البتولة حلاته يا زولة" مع عوض الله عبدالنبي...إلخ. وغالباً ما يعود السبب إلى أن كل واحدة منهنّ كان في مقدورها أن تغني منفردة إلا أنهنّ إخترن هذا الدور المرافق لكبار مطربينا كما يقول دكتورأمير النور. وهي رفقة كانت بحق رافداً هاماً في إرساء ذائقة سمعية جمالية أصبحت رصيداً تاريخياً إنبنى عليه كل ما تلى تلك الحقبة من غناء. وعلى الرغم من ظهور هذا الكورس البديع بثيابهن البيضاء الوقورة في أشرطة سينمائية نادرة لكن يظل حضورهن ناضراً بهيّاً في المخيلة كلما صدحن مرافقات لهذا المطرب أو ذاك. ومن منظور تاريخ تجربة وتطور الأغنية السودانية، ليس يكفي أن يكون صوتهنّ محفوظاً ومتداولاً، إذ لا بد من سردية تأريخية لتجربة كل واحدة، ورصد منعرجات مسيرتها في الوسط الفني وضمن السياق الإجتماعي الثقافي العام. وربما يتطلب الأمر، بعد مرور كل هذا الوقت، إستقصاءً يبدأ ربما من ملفات الإذاعة للإمساك ببداية الخيط، وليت صديقنا حسن الجزولي، كعادته، يتصدى للمهمة، فيضيف إنجازاً آخر إلى إنجازه المشهود في توثيق معالم هامة في إرثنا الغنائي.

abusabib51@gmail.com

 

آراء