الاستقصاء – معركة الاعلام المقدسة

 


 

وجدي كامل
5 August, 2022

 

منذ ايام ووسائل الاتصال تشيع خبر اقدام الحكومة السودانية على خطوة تقديم شكوى قانونية ضد المنتجة التلفزيونية الاستقصائية بقناة ال CNN نعمة الباقر.
ما لا تفهمه العقلية الامنية في الانظمة السياسية الشمولية لحكوماتنا ودولنا ان المؤسسات التلفزيونية الدولية والاقليمية المهنية توفر الغطاء الامنى الممتاز لموظفيها او العاملين بها حال وقوعهم في اشتباك قانوني مع الحكومات بسبب نقد وجهوه او اظهار ممنوع ومسكوت عنه ترى فيه الحكومات خدشا لكرامتها. المنتج التلفزيوني في تلك المؤسسات وكمثال نعمة الباقر عبد الله لا تستلم معدات تصويرها وتغادر من تلقاء نفسها وقرارها الشخصي لاي مكان بالعالم الا بعد اتخاذ جملة من الخطوات والاجراءات المؤسسية التي تبدا بكتابة التصور او المقترح لادارة البرامج الوثائقية، ومن ثم اظهار المعالجة Treatment ، او فكرة البرنامج فتعلن ما تريد القيام به. ومن ثم تتم اجازة المقترح او التصور او رفضه. في حالة الموافقة على التصور والمعالجة يعطى المنتج الموافقة المالية للمهمة وحرية تكوين فريقه.
ادارة البرامج وخاصة البرامج الوثائقية لا تعطي موافقتها على الموضوع او المادة المقترحة وخاصة التحقيقية او الاستقصائية الا بعد ان يستوفي المنتج شروط اثبات صحة ما ينوي اثباته او عمله.
هنا يتطلب على المنتج ان يقدم الاسانيد المؤكدة من الدرجة الاولى والثانية والثالثة وتشمل موافقة الشخصيات المتحدثة او تاكيد علاقتها بمجرى الاحداث المزمع بحثها وكذلك المواد المصورة من افلام ارشيفية وصور فوتوغرافية ووثائق تبرهن على صحة التوقعات.
تتحقق ادارة البرامج كذلك وقبل اعطاء الموافقة من الاتصالات التي قام بها المنتج بواسطة الباحث الميداني او ما يعرف بال Fixer والمعاونين الاقل مسؤلية ممن سيعاونونه في اثبات ما يود اثباته والتاكد من مكاتبات المنتج معهم عبر الوسائط المختلفة.
وللمنتج بعد الحصول على الموافقة الادارية والمالية حرية اخذ مصور ومعدات معه من القناة او الفضائية وايضا عدم اخذ ذلك بالاستعانة بفرق تصوير محلية مدفوعة الاجر.
تلك هى خطوات ما قبل الانتاج او ما يسمى بال Pre-production . اما خطوات ما بعد الانتاج او ال Post-production فتتم بعد العودة من المهمة باكتمال التصوير وتعريضه للجودة الهندسية في الميديا الجديدة New-media والانتهاء من المونتاج وعرض البرنامج او الفيلم على قمة ادارة البرامج.
وبمجرد موافقة قمة الادارة فان البرنامج او الفيلم يصبح معبرا عن القناة او الفضائية في كامل سياساتها البرامجية المعلنة فتعلن عن عرضة بواسطة ال Promotions وتتولى بالتالي توول مهمة الدفاع عنه الى المؤسسةالدفاع وحماية منتجيها في حال تعرضوا لاي تحرش قانوني من الحكومات او الجهات المنتقدة.
وهنا يبدا عمل الادارة القانونية للمؤسسة واخذها للمبادرة في سبيل حماية المنتج.
بقى ان نقول ان هنالك ملاحظتان : الاولى هي ان ما قامت وتقوم به حاليا الحكومة السودانية من تقديم شكوى لمعاقبة منتجة البرامج الوثائقية التحقيقية او الاستقصائية نعمة الباقر عبد الله او مؤسسة ال CNN تعد ضربا من الجهالة بالأشياء ونوعا من الهذيان القانوني الذي لم يأت بسوى نتيجة خاسرة ومضادة للحكومة.
فالحكومة السودانية الشمولية التفكير وفي قرارة اعتقادها وبؤرة قناعتها انها تمضي في معاقبة مواطنة لها تحت حمايتها، ومظلة تأمينها، وحاملة لجنسيتها بحجة انها خرجت بالغسيل الوسخ الى العلن او الملا فلا تفكر في ان الادلة والاسانيد التي انت بها نعمة تحمل كامل الحقيقة والاثبات في الغالب الاعم.
والحكومات التي تشتكى او تتظلم قانونيا من الانتاج النقدي الاعلامي الدولي او الاقليمي بصفة عامة والتلفزيوني بصفة خاصة تثبت بنحو او اخر نواحي ضعفها وعدم سيطرتها على الحقيقة من خلال عدم سيطرتها على منافذ اخذها وتسجيلها وتوثيقها لاثبات الحقيقة فتساهم وبدون وعى في المزيد من الترويج لادانتها بما اتى به النقد عن طريق البرنامج او الفيلم الاستقصائي.
اما الملاحظة الثانية والمهمة فتتمثل في ان ما يقوم به تجمع محامو الطواري في هذه الأيام من انبراء للدفاع عن نعمة يعد حرثا في بحر ولا يحمل اية قيمة قانونية عملية من ورائه لصالح نعمة سوى استخدامه للواقعة للمزيد من ادانة الحكومة وتسجيل اصابات بمرماها وفضحها.
غير ان وفي حال توفر المحامون على غرض توسيع دائرة الاتهام والكشف عن الاذى اللاحق بالاقتصاد السوداني جراء نورط المسولين العسكريين في عمليات تهريب وبيع الذهب فان ذلك سيعد عملا سياسيا من الدرجة الاولى اكثر منه دفاع عن نعمة التى وبعد الرب، لها ادارة قانونية مهنية ومحترفة لن تالو جهدا في حماية موظفتها وان كانت حاملة لجواز سفر سوداني او بريطاني او امريكي.

wagdik@yahoo.com

 

آراء