المعيار الأول لاستحقاق السلطة
الريح عبد القادر محمد عثمان
18 August, 2022
18 August, 2022
دعوات لا تتوقف إلى تسليم السلطة للشباب.
لكن هذه الدعوات، على رواجها، تقوم على مقدمة خطأ.
كثيرون من أجيال "الشياب" يقدرون عاليا تضحيات شباب الثورة. ومعهم حق في هذا التقدير، لكن على هؤلاء وأولئك أن يعلموا أن السلطة ليست ثمنا ولا جائزة لندفعها للشباب "في مقابل" دمائهم وأرواح زملائهم! السلطة أمانة ثقيلة، ومسؤولية جسيمة، وليست تشريفا ولا تكريما.
هؤلاء "الشياب" يعانون من داء قديم، يعود تاريخه إلى أيام "الغردنة"، جعلهم يرون في السلطة مغنما شخصيا، ومرآة نرجسية، ولذلك يعتبرونها الآن "بوكيه ورد" يتوددون به إلى جيل الشباب.
هاهم الآن يريدون أن يجعلوا الداء دواء، على طريقة أبي نواس، وذلك بأن يحقنوا المرض نفسه، الذي أهلك الحرث والنسل، في شرايين جيل الشباب.
يفعلون ذلك وفي دواخلهم شعور كاذب بنكران الذات، وزهد أجوف في السلطة، معتقدين أنهم، لمجرد إطلاقهم دعوتهم تلك، يكونون قد كفّروا عن خطاياهم، ولا يدركون أنهم إنّما يعرضون الوطن للدغ، مرة أخرى، من نفس الجحر!
وآخرون يرون أن شباب اليوم يحملون عقليات جديدة، مفارِقة. قد يكون هذا صحيحا، لكن هذه العقليات الجديدة نحن أشد حاجة إليها في ميادين العلم والعمل وتنمية الشخصية وبناء الوطن، بدلا من إفسادها في بركة سياسية لا تزال آسنة. ويجب أن نكون واضحين في القول إننا نريد أن نلمس هذه العقلية الجديدة، إنْ صحّ أنّها مفارِقة، في ترك الكسل والجدل والانصراف للجد والعمل.
إن الجائزة الحقيقية التي يستحقها من قدموا دماءهم وأرواحهم فداء للوطن هي مشاركة الجميع، شيبا وشبابا، في العمل من أجل أن تعم الوطنَ التنميةُ والرخاء وحكم القانون.
ليست جائزة النضال من أجل الوطن هي نيل المناصب، التي إذا حظي بها البعض، قاتلهم الآخرون عليها، وبذلك يصبح شباب اليوم مثلهم مثل سابقيهم من الشياب وتستمر الدوامة المهلكة.
لكل ذلك ينبغي ألا تعطى السلطة للشباب تحديدا ولا للشيب تحديدا، ولا لأي أحد يريدها ويتكالب عليها.
أعطوا السلطة لمن هو أهل لها؛ وأهم وأكرم وأعظم ما يؤهل المرء للسلطة هو ألا يكون راغبا فيها. بعد هذا "المؤهل الفارِز"، الذي يفرز الخبيث من الطيب، تأتي المؤهلات التقنية الأخرى.
أعطوا السلطة لمن لا يريدها، ومن هو محصّنٌ، نفسيا وأخلاقيا، من حبها والحرص عليها، بغض النظر عن عمره.
من حرص على السلطة كذبَ، وسرقَ، وقتلَ، وكفر.
ومن ظل يمني نفسه بالسلطة، فإنما تلك هي نفسه الأمارة بالسوء تسوِّل له؛ ومن ظل يعمل من أجل الوصول إلى السلطة فقد انتوى شرا وعزم على باطل. قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم لأحد الصحابة:" لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكّلت إليها". يا إلهي! كم مرة رزئ بلدنا بحاكمٍ تخلى الله عنه، بسبب حرصه المرضي على الحكم، وتركه يسدر في الغيى مع شياطين من الإنس والجن!
وإني لأعجب أن أرى في بلدنا رجالا ونساء، يبدون فاضلين، بل وعائلات بأسرها، تبدو فاضلة، لا شغل لهم ولا شاغل إلا السعي للوصول إلى مناصب السلطة، تحت كل الظروف. يرون أنها لا تصلح إلا لهم وهم لا يصلحون إلا لها، حتى ولو زلزلت الأرض زلزالها. لا أشك مطلقا في أن هؤلاء، وأمثالهم في كل مكان وزمان، هم السادات والكبراء الذين يضلون الناس عن السبيل، وهم المترفون المأمورون بالفسق، دروا ذلك أو لم يدروا.
يجب ألا تُعطى السلطة لمن طلبها، أو رغب فيها، أو حرص عليها، وظل عمره كله لا شغل له ولا شاغل إلا كيف يصل إليها.
فليكن هذا هو المعيار الأول للفرز، ثم تأتي بعده أوجه الكفاءة، بمعناها التقني.
ولا شك أنّ السلطة مفسدة أشد من الخمر والمخدرات، إلا لمن كان مُحصّنا - وقليل ما هم- ويمكن أن تفسد الشباب كما أفسدت آباءهم وأجدادهم إن كانوا لها متشوّفين وعليها حريصين.
alrayyah@hotmail.com
/////////////////////////
لكن هذه الدعوات، على رواجها، تقوم على مقدمة خطأ.
كثيرون من أجيال "الشياب" يقدرون عاليا تضحيات شباب الثورة. ومعهم حق في هذا التقدير، لكن على هؤلاء وأولئك أن يعلموا أن السلطة ليست ثمنا ولا جائزة لندفعها للشباب "في مقابل" دمائهم وأرواح زملائهم! السلطة أمانة ثقيلة، ومسؤولية جسيمة، وليست تشريفا ولا تكريما.
هؤلاء "الشياب" يعانون من داء قديم، يعود تاريخه إلى أيام "الغردنة"، جعلهم يرون في السلطة مغنما شخصيا، ومرآة نرجسية، ولذلك يعتبرونها الآن "بوكيه ورد" يتوددون به إلى جيل الشباب.
هاهم الآن يريدون أن يجعلوا الداء دواء، على طريقة أبي نواس، وذلك بأن يحقنوا المرض نفسه، الذي أهلك الحرث والنسل، في شرايين جيل الشباب.
يفعلون ذلك وفي دواخلهم شعور كاذب بنكران الذات، وزهد أجوف في السلطة، معتقدين أنهم، لمجرد إطلاقهم دعوتهم تلك، يكونون قد كفّروا عن خطاياهم، ولا يدركون أنهم إنّما يعرضون الوطن للدغ، مرة أخرى، من نفس الجحر!
وآخرون يرون أن شباب اليوم يحملون عقليات جديدة، مفارِقة. قد يكون هذا صحيحا، لكن هذه العقليات الجديدة نحن أشد حاجة إليها في ميادين العلم والعمل وتنمية الشخصية وبناء الوطن، بدلا من إفسادها في بركة سياسية لا تزال آسنة. ويجب أن نكون واضحين في القول إننا نريد أن نلمس هذه العقلية الجديدة، إنْ صحّ أنّها مفارِقة، في ترك الكسل والجدل والانصراف للجد والعمل.
إن الجائزة الحقيقية التي يستحقها من قدموا دماءهم وأرواحهم فداء للوطن هي مشاركة الجميع، شيبا وشبابا، في العمل من أجل أن تعم الوطنَ التنميةُ والرخاء وحكم القانون.
ليست جائزة النضال من أجل الوطن هي نيل المناصب، التي إذا حظي بها البعض، قاتلهم الآخرون عليها، وبذلك يصبح شباب اليوم مثلهم مثل سابقيهم من الشياب وتستمر الدوامة المهلكة.
لكل ذلك ينبغي ألا تعطى السلطة للشباب تحديدا ولا للشيب تحديدا، ولا لأي أحد يريدها ويتكالب عليها.
أعطوا السلطة لمن هو أهل لها؛ وأهم وأكرم وأعظم ما يؤهل المرء للسلطة هو ألا يكون راغبا فيها. بعد هذا "المؤهل الفارِز"، الذي يفرز الخبيث من الطيب، تأتي المؤهلات التقنية الأخرى.
أعطوا السلطة لمن لا يريدها، ومن هو محصّنٌ، نفسيا وأخلاقيا، من حبها والحرص عليها، بغض النظر عن عمره.
من حرص على السلطة كذبَ، وسرقَ، وقتلَ، وكفر.
ومن ظل يمني نفسه بالسلطة، فإنما تلك هي نفسه الأمارة بالسوء تسوِّل له؛ ومن ظل يعمل من أجل الوصول إلى السلطة فقد انتوى شرا وعزم على باطل. قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم لأحد الصحابة:" لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكّلت إليها". يا إلهي! كم مرة رزئ بلدنا بحاكمٍ تخلى الله عنه، بسبب حرصه المرضي على الحكم، وتركه يسدر في الغيى مع شياطين من الإنس والجن!
وإني لأعجب أن أرى في بلدنا رجالا ونساء، يبدون فاضلين، بل وعائلات بأسرها، تبدو فاضلة، لا شغل لهم ولا شاغل إلا السعي للوصول إلى مناصب السلطة، تحت كل الظروف. يرون أنها لا تصلح إلا لهم وهم لا يصلحون إلا لها، حتى ولو زلزلت الأرض زلزالها. لا أشك مطلقا في أن هؤلاء، وأمثالهم في كل مكان وزمان، هم السادات والكبراء الذين يضلون الناس عن السبيل، وهم المترفون المأمورون بالفسق، دروا ذلك أو لم يدروا.
يجب ألا تُعطى السلطة لمن طلبها، أو رغب فيها، أو حرص عليها، وظل عمره كله لا شغل له ولا شاغل إلا كيف يصل إليها.
فليكن هذا هو المعيار الأول للفرز، ثم تأتي بعده أوجه الكفاءة، بمعناها التقني.
ولا شك أنّ السلطة مفسدة أشد من الخمر والمخدرات، إلا لمن كان مُحصّنا - وقليل ما هم- ويمكن أن تفسد الشباب كما أفسدت آباءهم وأجدادهم إن كانوا لها متشوّفين وعليها حريصين.
alrayyah@hotmail.com
/////////////////////////